الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
ولى قضاء مصر نحوا من شهرين فى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ثم أصابه فالج فتحول إلى الرملة ومات بها سنة خمس وعشرين وثلاثمائة الزاهد العابد شيخ الصوفية قال فيه الحاكم الشيخ العابد الزاهد شيخ عصره فى التصوف والعبادة والمعاملة وأسند من بقى بخراسان فى الرواية ورث من آبائه أموالا جزيلة فأنفقها على العلماء ومشايخ الزهد وصحب من أئمة الحقائق الشيخ الجنيد وأبا عثمان الحيرى وغيرهما وسمع من إبراهيم بن أبى طالب ومحمد بن إبراهيم البوشنجى وأبى مسلم الكجي وعبد الله بن أحمد ابن حنبل ومحمد بن أيوب الرازى وعلى بن الحسين بن الجنيد وغيرهم روى عنه سبطة أبو عبد الرحمن السلمى وأبو عبد الله الحاكم وأبو نصر أحمد بن عبد الرحمن الصفار وعبد القاهر بن طاهر الفقيه وصاعد بن محمد القاضى وطائفة آخرهم أبو حفص عمر بن مسرور وعن أبى عثمان الحيرى أنه قال وخرج من عنده ابن نجيد يلومنى الناس فى هذا الفتى وأنا لا أعرف على طريقته سواه وعنه أنه قال أبو عمرو خلفى من بعدى وكان يقال أبو عمرو من أوتاد الأرض وذكر الحاكم أنه سمع أبا سعيد بن أبى بكر بن أبى عثمان يذكر أن جده أبا عثمان طلب شيئا لبعض الثغور فتأخر عنه فضاق صدره وبكى على رءوس الناس فأتاه أبو عمرو ابن نجيد بعد العتمة بكيس فيه ألفا درهم ففرح به أبو عثمان ودعا له ولما جلس فى مجلسه قال يا أيها الناس لقد رجوت لأبى عمرو فإنه ناب عن الجماعة فى ذلك الأمر وحمل كذا وكذا فجزاه الله عنى خيرا فقام أبو عمرو على رءوس الأشهاد وقال إنما حملت ذلك من مال أمى وهى غير راضية فينبغى أن ترده على لأرده عليها فأمر أبو عثمان بذلك الكيس فأخرج إليه وتفرق الناس فلما جن الليل جاء إلى أبى عثمان فى مثل ذلك الوقت وقال يمكن أن تجعل هذا فى مثل ذلك الوجه من حيث لا يعلم به غيرنا فبكى أبو عثمان وكان بعد ذلك يقول أنا أخشى من همة أبى عمرو توفى ابن نجيد فى شهر ربيع الأول سنة خمس وستين وثلاثمائة وهو ابن ثلاث وتسعين سنة بنيسابور
قال أبو عبد الرحمن السلمى لجدى طريقة ينفرد بها من صور الحال وتلبيسه قلت كأن طريقة كان ينحو نحو طريقة الملامتية الذين يكتمون الأعمال ويظهرون خلافها ويدل على ذلك ما قدمناه من حكايته فى الألفى درهم مع أبى عثمان ولكنه لا يوافقهم من كل وجه بل هو أعلا قدما منها فإن تلك الطريقة عند الأقوياء ضعيفة يعتمدها من يخشى على نفسه قال أبو عبد الرحمن سمعت جدى يقول لا يصفو لأحد قدم فى العبودية حتى تكون أفعاله عنده كلها رياء وأحواله كلها عنده دعاوى قلت وهذا من الطراز الأول قال وسمعته يقول من قدر على إسقاط جاهه عند الخلق سهل عليه الإعراض عن الدنيا وأهلها خادم الشيخ أبى الحسن الأشعرى سكن أرجان قال السلمى كان عالما بالأصول له اللسان المشهور فى علم الحقيقة كان الشبلى يكرمه ويقدمه وبينه وبين محمد بن خفيف مفاوضات فى مسائل رد على محمد بن خفيف فى مسألة الإغانة وغيرها حين رد ابن خفيف على أقاويل المشايخ فصوب بندار أقاويل المشايخ وقال الخطيب كان بندار من أهل الفضل المتميزين بالمعرفة والعلم ولم يكتب له مسندا غير حديث واحد مات سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة
من مشى فى الظلمة إلى ذى النعم أجلسه على بساط الكرم ومن قطع لسانه بشفرة السكوت بنى له بيت فى الملكوت ومن واصل أهل الجهالة ألبس ثوب البطالة ومن أكثر ذكر الله شغله عن ذكر الناس ومن هرب الذنوب هرب به من النار ومن رجا شيئا طلبه أخبرنا محمد بن إسماعيل إذنا خاصا أخبرنا المسلم بن محمد بن علان كتابة أخبرنا أبو اليمن أخبرنا أبو مسعود أخبرنا الخطيب أخبرنا أبو سعد المالينى أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن عمر البكرى حدثنا بندار بن الحسين حدثنا إبراهيم بن عبد الصمد حدثنا الحسين بن الحسن عن عبد الرحمن بن مهدى حدثنا زهير بن محمد موسى بن وردان عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخال ) الإمام الجليل أحد الرفعاء من أصحاب الوجوه ذكره العبادى فى طبقة أبى على الثقفى وأنا أحسبه تفقه على أبى إسحاق المروزى تفقه الكبير على الأكبر فمن تلامذة أبى إسحاق من كان يتلمذ بين يدى أبى بكر الا ترى قول الشيخ أبى زيد المروزى وقد قال فى مريض أعتق عبدا لا مال له سواه فمات قبل السيد إنه يموت رقيقا كله أجبت به فى مجلس الشيخ أبى بكر المحمودى فرضيه وحمدنى عليه ذكر الرافعى أن هذا يؤثر عن الشيخ أبى زيد المروزى تلميذ أبي العباس بن سريج ولد بعد السبعين ومائتين وسمع أحمد بن الحسن الصوفى وغيره ببغداد ومحمد بن إبراهيم البوشنجى ومحمد بن نعيم بنيسابور والحسن بن سفيان بنسا وغيرهم حدث عنه القاضى أبو بكر الحيرى والإمام أبو طاهر بن محمش الزيادى والحاكم أبو عبد الله وأبو الفضل أحمد بن محمد السلهى الصفار وغيرهم قال الحاكم كان إمام أهل الحديث بخراسان وأزهد من رأيت من العلماء وأعبدهم وأكثرهم تقشفا ولزوما لمدرسته وبيته وله كتاب المستخرج على صحيح مسلم قال الحاكم أرانا أبو الوليد نقش خاتمه الله ثقة حسان بن محمد وقال أرانا عبد الملك بن محمد بن عدى نقش خاتمه الله ثقة عبد الملك بن محمد وقال أرانا الربيع نقش خاتمه الله ثقة الربيع بن سليمان وقال كان نقش خاتم الشافعى رضى الله عنه الله ثقة محمد بن إدريس قال الحاكم وسمعته فى مرضه الذى مات فيه يقول قالت لى والدتى كنت حاملا بك وكان للعباس بن حمزة مجلس فاستأذنت أباك أن أحضر مجلسه فى أيام العشر فأذن لى فلما كان آخر المجلس قال العباس بن حمزة قوموا فقاموا وقمت معهم فأخذ العباس يدعو فقلت اللهم هب لى ابنا عالما فرجعت إلى المنزل فبت تلك الليلة فرأيت فيما يرى النائم كأن رجلا أتانى فقال أبشرى فإن الله قد استجاب دعوتك ووهب ولدا ذكرا وجعله عالما ويعيش كما عاش أبوك قلت وكان أبى عاش اثنتين وسبعين سنة قال الأستاذ وهذه قد تمت لى اثنتان وسبعون سنة قال الحاكم فعاش الأستاذ بعد الحكاية أربعة أيام قال الحاكم ودخلت عليه بعد صلاة العشاء من ليلة الجمعة وهو قاعد فأشار إلى بيده أن انصرف فقد أمسيت فلم أنصرف إلى أن صليت صلاة العتمة فى منزله فقال خرج على من يحمل جنازتى إلى الميقات فانصرفت فمات تلك الليلة وقت السحر قال وسمعت أحمد بن عمر الزاهد يقول رأيت الأستاذ أبا الوليد فى المنام فسألته عن حاله فقال قابلت أو عارضت جميع ما قلت فكنت أخطأت فى عشرين أو أحد وعشرين الشك من الرائى قال وسمعت أبا الحسن عبد الله بن محمد الفقيه يقول ما وقعت فى ورطة قط ولا وقع لى أمر مهم فقصدت قبر أبى الوليد وتوسلت به إلى الله تعالى إلا استجاب الله لى قال وسمعت أبا سعيد الأديب يقول سألت أبا على الثقفى فى مرضه الذى مات فيه من نسأل بعدك فى الحلال والحرام فقال أبو الوليد توفى الأستاذ أبو الوليد ليلة الجمعة خامس شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وثلاثمائة بنيسابور
قال الحاكم سمعت أبا الوليد يقول وسألته أيها الأستاذ قد صح عندنا حديث الثورى عن أبى إسحاق عن الأسود عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء وكذا صح حديث نافع وعبد الله 7. ابن عمر أن عمر رضى الله عنه قال يارسول الله أينام أحدنا وهو جنب قال نعم إذا توضأ فقال لى أبو الوليد سألت ابن سريج عن الحديثين فقال الحكم بهما جميعا أما حديث عائشة فإنما أرادت أن النبى كان لا يمس ماء للغسل وأما حديث عمر فمفسر فيه ذكر الوضوء وبه نأخذ قال الحاكم وسمعت أبا الوليد يحتج فى رفع اليدين فقال إن للصلاة أفعالا كل فعل منها أوله منوط بذكر فينبغى أن يكون آخره كذلك فإذا كان القيام الذى هو للصلاة وابتداؤه بذكر منوط بهيئة وهى رفع اليدين فكذلك آخر قيامه والخروج منه لابد أن يأتى بذكر والهيئة مقرونة به ولئن جاز أن يسقط عن آخره جاز أن يسقط عن أوله فرفع بلا ذكر كما ركع بلا هيئة رفع قال قم أحد الرفعاء من أصحاب الوجوه سمع سعدان بن نصر وأحمد بن منصور الرمادى وعباس بن محمد الدورى وحنبل ابن إسحاق وحفص بن عمرو الربالى ومحمد بن عبد الله بن نوفل وغيرهم روى عنه ابن المظفر وابن شاهين وأبو الحسن بن نوفل الجندي والدارقطنى وغيرهم مولده سنة أربع وأربعين ومائتين قال الخطيب كان أحد الأئمة المذكورين ومن شيوخ الفقهاء الشافعيين وكان ورعا زاهدا متقللا قال وحدثنى أبو الطيب قال حكى لى عن الداركى أنه قال سمعت أبا إسحاق المروزى يقول لما دخلت بغداد لم يكن بها من يستحق أن أدرس عليه إلا أبو سعيد الإصطخرى وأبو العباس ابن سريج قال القاضى أبو الطيب وهذا يدل على أن أبا على بن خيران لم يكن يقاس بهما قال أبو إسحاق المروزى سئل يوما أبو سعيد عن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا هل تجب لها النفقة فقال نعم فقيل له ليس هذا من مذهب الشافعى فلم يصدق فأروه كتابه فلم يرجع وقال إن لم يكن مذهبه فهو مذهب على وابن عباس قال أبو إسحاق فحضر يوما مجلس النظر مع أبى العباس بن سريج وتناظرا وجرى بينهما كلام فقال له أبو العباس أنت سئلت عن مسألة فأخطأت فيها وأنت رجل كثرة أكل الباقلا قد ذهب بدماغك فقال أبو سعيد فى الحال وأنت كثرة أكل الخل والمرى قد ذهب بدينك قال القاضى أبو الطيب وكان من الورع والدين بمكان ويقال كان قميصه وسراويله وطيلسانه من شقة واحدة وكانت فيه حدة وولى حسبة بغداد وكان القاهر الخليفة قد استفتاه فى الصابئين فأفتاه بقتلهم لأنه تبين له أنهم يخالفون اليهود والنصارى وأنهم يعبدون الكواكب فعزم الخليفة على ذلك حتى جمعوا من بينهم مالا كثيرا له قدر فكف عنهم قال الطبرى وحكى عن الداركى أنه قال ما كان أبو إسحاق المروزى يفتى بحضرة الإصطخرى إلا بإذنه وقال أبو حفص عمر بن على المطوعى من خبره يعنى الإصطخرى أن المقتدر استقضاه على سجستان فسار إليها ونظر فى مناكحاتهم فأصاب معظمها مبنيا على غير اعتبار الولى فأنكرها غاية الإنكار وأبطلها عن آخرها قلت ومن أخباره فى قضائه أيضا ما حكاه الرافعى فى العدد أنه أتى بسقط لم تظهر فيه الصورة والتخطيط لكل أحد ولكن قالت القوابل وأهل الخبرة من النساء إن فيه صورة خفية وهى بينة لنا وإن خفيت على غيرنا فلم يحكم بثبوت الاستيلاد وهذا خلاف مذهب الشافعى قال الرافعى فجاءت القوابل فصببن عليه ماء حارا وغسلنه فظهرت الصورة قال ابن الرفعة وحكى ابن داود فى شرحه أن أبا على بن خيران عرضت عليه مضغة ألقتها امرأة فدعا بماء حار وصبه عليها فتبينت منها الخطوط فحكم بأنه ولدها قلت قد كان ابن خيران معاصرا لأبى سعيد وبلديه فلعل أبا سعيد لما لم يصغ إلى كلام القوابل رفعت المسألة إلى ابن خيران فلما تبين الحال رجع أبو سعيد هذا محتمل وتكون الواقعة واحدة ومن أخباره فى حسبته أنه كان يأتى إلى باب القاضى فإذا لم يجده جالسا يفصل القضايا أمر من يستكشف عنه هل به عذر يمنعه من الجلوس من أكل أو شرب أو حاجة الإنسان ونحو ذلك فإن لم يجد به عذرا أمره بالجلوس للحكم ومنها أنه أحرق مكان الملاهى من أجل ما يعمل فيه من الملاهى وهذا منه دليل أنه كان يرى جواز إفساد مكان الفساد إذا تعين طريقا وقيل كانوا يعملون فيه من الملاهى اللعب وفى الأحكام السلطانية للماوردى قال وذكر الإمام فى النهاية عند الكلام فى الأجير المشترك الإصطخرى وقال إنه كثير الهفوات فى القواعد وذكر صاحب الكافى فى تاريخ خوارزم فى ترجمة محمد بن أبى سعيد الفراتى أنه قال لما انصرفت من بغداد لقيت أبا سعيد الإصطخرى بهمذان منصرفا من مدينة قم وكان قد ولى قضاءها فحكى لنا أنه مات بها رجل وترك بنتا وعما فتحاكموا إلى فى الميراث فقضيت فيه بحكم الله للبنت النصف والباقى للعم فقال أهل قم لا نرضى بهذا القضاء أعط البنت المال كله فقلت لا يحل هذا فى الشريعة فقالوا لا نتركك هنا قاضيا قال فكانوا يتسورون دارى بالليل ويحولون الأسرة عن أماكنها وأنا لا أشعر فإذا أصبحت عجبت من ذلك فقال أوليائى إنهم يرونك أنهم إذا قدروا على هذا قدروا على قتلك فخرجت منها هاربا قال وكان مذهبهم مذهب الغرابية المال كله للبنت وهم قوم من شرار الروافض يذهبون إلى هذه المقالة لأجل فاطمة رضى الله عنها مات ببغداد فى جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ودفن بباب حرب
أخبرنا أبو سعيد خليل بن كيكلدى الحافظ سماعا فيما أحسب فإن لم يكن فهو إجازة قال أخبرنا القاسم بن المظفر بقراءتى عليه عن عبد اللطيف بن محمد وغيره أخبرنا عبد الحق بن يوسف أخبرنا عمى عبد الرحمن بن أحمد أخبرنا محمد ابن عبد الملك أخبرنا على بن عمر الحافظ حدثنا أبو سعيد الإصطخرى الحسن بن أحمد الفقيه حدثنا محمد بن عبد الله بن نوفل حدثنا أبى حدثنا يونس بن بكير حدثنا ابن إسحاق عن المنهال بن الجراح عن حبيب بن نجيح عن عبادة بن نسى عن معاذ رضى الله عنه أن رسول الله أمره حين وجهه إلى اليمن ألا يأخذ من الكسر شيئا ( إذا كانت الورق مائتى درهم فخذ منها خمسة دراهم ولا تأخذ مما زاد شيئا حتى تبلغ أربعين درهما فإذا بلغت أربعين درهما فخذ منها درهما ) قال الدارقطنى هذا حديث +ضعيف+ والمنهال بن الجراح هو الجراح بن المنهال كان ابن إسحاق يقلب اسمه إذا روى عنه وهو متروك الحديث وعبادة بن نسى لم يسمع من معاذ رضى الله عنه شيئا
قال ينتقض الوضوء بمس الأمرد وقال إذا ولى القضاء غير مجتهد ووافق حكمه الحق نفذت تلك الحكومة نقله ابن عبدان فى كتاب شرائط الأحكام وقال إن للأم التصرف فى مال الصبى بعد الجد مقدمة على الوصى وقيل إنما الثابت عنه أنها تتصرف بعد الوصى حكاه ابن يونس عن بعض المتأخرين واشتهر قوله إن للحاضر الراكب ترك الاستقبال فى النافلة وأنه كان يفعله وهو على حسبة بغداد واحتج بأن المقيم يحتاج إلى التردد فى حال إقامته كالمسافر قال الرافعى وعلى هذا فالراكب والراجل سواء ولك الفرق بمشقة الاستقبال على الراكب ثم صورة الراجل منقولة حكى فيها القاضى الحسين وجهين تفريعا على الراكب ونقل النووى فى شرح المهذب عن الإصطخرى التجويز للراكب والماشى والمحفوظ عنه إنما هو فى الراكب فقط قال القاضى شريح فى أدب القضاء إذا شهدا عند القاضى بحق فكتب به القاضى إلى قاض آخر وأشهد الشاهدين اللذين شهدا على المحكوم عليه بالكتاب قال الإصطخرى لا يجوز وقال غيره يجوز وقطع به العبادى لأن القبول فعل القاضى فقبلت عليه شهادته كما تقبل شهادة المرضعة لأنها شهادة على وصول اللبن إلى جوف الصبى قال الزيادى وعلى هذا أدركت القضاة من غير نكير من العلماء وعليه تفقهت وفقهت الناس ولولاه ما جازت شهادة أب وابن لأجنبى قلت وعليه العمل إلى اليوم يشهد الشاهدان عند حاكم فيحكم بشهادتهما ويشهدهما على حكمه فيؤديان شهادتهما على حكمه عند آخر فينفذ حكمه بشهادتهما وقد اقتصر القاضى أبو سعد فى كتاب الإشراف على قول العبادى والشيخ أبى طاهر ومن كتابه أخذ شريح ما نقله عنهما وزاد شريح فقال ولأصحابنا وجه فى الحكم بشهادة أب وابن أنه لا يجوز قال شريح وإذا وصل كتاب الحكم وشهد الشاهدان على الكتاب فقد قيل يلزم الحاكم المكتوب إليه أن ينفذ حكمه ويقول قبلت حكمه وكتابته وأوجبت على المحكوم ما أوجبه الحاكم فى الكتاب وعلى هذا لو شهد شاهدان عدلان فهل يحتاج أولا أن يقول قبلت شهادة هؤلاء الشهود بما شهدوا به ثم يقول وحكمت بكذا على فلان بجميع ما أوجبته شهادة الشهود أم يكفيه إن ثبتت عنده عدالة الشهود ثم يقول حكمت بكذا ولا يذكر قبل الحكم أنه قبل شهادة الشهود وجهان وعلى هذا لو كتب الحاكم إلى حاكم بأنه شهد عندى عدلان لرجل سماه على فلان ولم يذكر فى الكتاب أنه ثبت عنده بشهادتهما ولم يقل قبلت شهادتهما وإنما نقل الشهادة فقط فهل يجوز للمكتوب إليه أن يحكم فيه وجهان هذا كله كلام شريح فى كتابه فى أدب القضاء ولم أجده بجملته فى غيره وفيه غرائب وفوائد وسيأتى إن شاء الله فى ترجمة شريح قول الإصطخرى فيمن استأجر رجلا أن يحمل له كتابا إلى آخر ويأتى بجوابه فأوصل الكتاب ولم يكتب المكتوب إليه الجواب أن للحامل الأجرة بكمالها لأنه لا يلزمه أكثر مما عمل والامتناع من غيره قال وكذا لو مات الرجل فأوصل الكتاب إلى نائبه من وارث أو وصى أجابوه أم لم يجيبوه إلى آخر كلامه قلت وهى مسألة مليحة غير أن عندنا وقفة فى كتاب مراسلة يحمله أمين متبرع مستأجر فلا يجد المكتوب إليه إما لموته أو لغير ذلك فهل له أن يوصله إلى وارثه أو وصيه أو الحاكم أو أهله ونحو ذلك لقيامهم مقامه أو ليس له ذلك لأن العادة قد تقضى بأن الكاتب لا يعجبه وقوف غير المكت وب عليه على ما كتب وكذلك المكتوب إليه والذى يقع لى فى هذا أنه إن غلب على ظنه أن فى الكتاب ما يكره الكاتب أو المكتوب إليه وقوف غيرهما عليه لم يجز له أن يدفعه إلى من ذكرناه ودفعه حينئذ خيانة تسقط أجرته بكمالها لو كان مستأجرا والبلوى تعم بمثل هذا الفرع فليتنبه له فلقد حضر شخص بكتاب إلى آخر وجده غائبا فأوصله إلى من ظنه يقوم مقامه لكونه صاحبا له فأورث ذلك الكتاب فتنة خربت بيت الكاتب والمكتوب إليه فلا ينبغى أن يوصل كتاب مراسلة إلى من يجوز العقل كراهية الكاتب أو المكتوب إليه وقوف غيرهما عليه بل ينبغى أن يكون تحريم ذلك مغلظا ولقد كتب عم والدى القاضى صدر الدين يحيى وهو على قضاء بلبيس كتابا إلى قاضى القضاة تقى الدين ابن بنت الأعز عندما عزل وولى قاضى القضاة بدر الدين ابن جماعة يسأل عن خاطره وفاء بحقه عليه فاشتبه الأمر على الرسول وأوصل الكتاب إلى ابن جماعة فكان ذلك سبب عزل عم الوالد فى فتنة طويلة لم يكن منشؤها غير اتصال الكتاب إلى من ظن أنه له وكتب آخر كتابا إلى قاضى القضاة جلال الدين فجاء الرسول فصادفه عزل من مصر وسافر إلى الشام فأوصل الكتاب إلى قاضى القضاة إذ ذاك عز الدين بن جماعة رحمه الله فأوجب عزل الكاتب وسقوطه من عين قاضى القضاة عز الدين ونقصان حظه منه إلى أن ماتا جميعا رحمهما الله فلا ينبغى أن يكون الرسول إلا حكيما ثم يوصى مع كونه حكيما والواو فى قولهم أرسل حكيما ولا توصه للحال فافهم ما نشير إليه
حمل أبو سعيد الإصطخرى على ظاهر نص الشافعى رضى الله عنه حيث قال فى توبة القاذف والتوبة إكذابه نفسه ففعل فيه نظير ما فعله الظاهرية فى قوله تعالى فى المظاهر نقله الأصحاب على طبقاتهم منهم صاحب الحاوى فى كتاب الشهادات وذكر أن أبا إسحاق المروزى وابن أبى هريرة خالفاه وقالا إكذاب نفسه أن يقول قذفى له بالزنا كان باطلا ولا يقول كنت كاذبا فى قذفى لجواز أن يكون صادقا فيصير عاصيا بكذبه كما كان عاصيا بقذفه وقد عبر الرافعى رحمه الله عن هذا فى كتاب الشهادات فى كلامه على التوبة بأن قال لابد من التوبة عن القذف بالقول قال الشافعى فى المختصر والتوبة إكذابه نفسه فأخذ الإصطخرى بظاهره وشرط أن يقول كذبت فيما قذفته ولا أعود إلى مثله وقال الجمهور لا يكلف أن يقول كذبت فربما كان صادقا فكيف نأمره بالكذب ولكن يقول القذف باطل وإنى نادم على ما فعلت ولا أعود إليه أو يقول ما كنت محقا فى قذفى وقد تبت منه وما أشبه ذلك هذا كلام الرافعى وفيه كلامان أحدهما أنه نقل عن الإصطخرى أن يشترط أن يقول ولا أعود إلى مثله وهذا لا يعرف عنه ولا هو بمتفق عليه إنما الذى قاله الإصطخرى اشتراط قوله كذبت وخالفه الجمهور ثم هل يحتاج أن يقول فى التوبة ولا أعود إلى مثله فيه وجهان أحدهما لا يحتاج لأن العزم على ترك مثله يغنى عنه والثانى لابد أن يقول لا أعود إلى مثله لأن القول فى هذه التوبة معتبر والعزم ليس بقول هكذا حكى أصحابنا منهم صاحب الحاوى وغيره ولعل الوجهين مفرعان على اشتراط ما يقوله الإصطخرى أو مطلقان فيشترط أن يقول ولا أعود إلى مثله وإن لم يشترط أن يقول كذبت كل هذا محتمل وبالجملة ليست مسألة الإصطخرى مسألة لا أعود إلى مثله بل تلك مسألة مستقلة إما من تفاريع قوله وإما مطلقة ولعله الأظهر والثانى لولا شيء واحد لكان ما ذكره الإصطخرى عندي راجحا أما وجه رجحانه فلأنه ظاهر النص ورده بأنه قد يكون صادقا فكيف يأمره بالكذب جوابه أنه ولو كان الأمر كما قال إلا أن الشرع كذبه فهو كاذب عند الله سواء طابق ما فى نفس الأمر أم لا سمعت الشيخ الإمام غير مرة يقول فى قوله تعالى لكن صدنى عن الأخذ بظاهر النص أن الشافعى رضى الله عنه ذكر فى أثنائه ما يعرف به أنه ليس مراده لفظ الكذب لأنه رضى الله عنه قال فى المختصر والتوبة إكذابه نفسه لأنه أذنب بأن نطق بالقذف والتوبة منه أن يقول القذف باطل انتهى قال الرويانى وفى نسخة أخرى والتوبة أكذابه نفسه بأنه بأن نطق بالقذف قال وهما متقاربان فى المعنى قلت المعنى على النسخة الأولى إكذابه نفسه فقط وعلى الثانية إكذابه نفسه بأن نطقت بالقذف ففيها تأييد لقول أبى إسحاق كما ستعرفه فإنه يقول الكذب فى أنه قذف لا فى أن المقذوف زنا وفى هذه النسخة دلالة على تأويل لإمام الحرمين سنحكيه عنه فلولا قوله التوبة منه أن يقول القذف باطل لرجحت رأى الإصطخرى لكن هذا اللفظ يقتضى الاكتفاء بهذه الصيغة ومن ثم أقول ما وقع فى الرافعى والمحرر والمنهاج من أنه يشترط أن يقول قذفى باطل وأنا نادم عليه ولا أعود إليه انتهى لست أقبل منه إلا قوله قذفى باطل أما ما زاد عليه فزيادات ليست فى النص ولا يدل لها دليل نعم لابد من الندم وعزم ألا يعود بكل توبة أما التلفظ بهما فمن أين لا دليل يدل عليه ولا نص يرشد إليه وقد يقع فى الذهن أنه لم يقصد بهما حقيقتهما بل المقصود لفظ يدل على إبطال القذف ويجبر ما كان من فحشه من غير اختصاص بهذه الصيغ ولذلك قال الرافعى وما أشبه ذلك فلا يكون ذكر هذه الألفاظ لتعينها فى نفسها ولا للتعبد بصيغها بل المقصود لفظ يقوم مقام لفظ حصل الأذى به فكما أذى وقذف بلسانه كذلك يجبر ما كان منه بلسانه لينوب قول عن قول ثم ضرب الشافعى لذلك مثلا قوله القذف باطل وهو صحيح أما إنى نادم فلفظ غير معين وقل من ذكره وأما لا أعود ففيه ما عرفت من الوجهين وهذا ما حضرنى الآن من كلام الأصحاب قال الشيخ أبو حامد شيخ العراقيين فى تعليقه ما نصه وإن كان قذفا فإما أن يكون قاذفا من طريق السب والشتم أو كان قاذفا من طريق الشهادة فإن كان قاذفا من طريق السب والشتم فإن الشافعى قال توبته إكذابه نفسه واختلف أصحابنا فيه فقال أبو سعيد الإصطخرى يقول كذبت فيما قلت أو أبطلت فيما أخبرت قال لأنه إذا أكذب نفسه فيما قذفها به فقد تاب وقال أبو إسحاق وعامة أصحابنا يقول فى توبته القذف باطل حرام ولا أعود إلى مثله أبدا لأنه قد استباح هذا القول لما قذفها وتوبته أن يأتى بضد الاستباحة وهو التحريم والإبطال بأن يقول كذبت فيما قلت لجواز أن يكون صادقا فى القذف باطنا فإذا قال كذبت وهو كان صادقا فيه فقد عصى فإن قيل ما الفرق بين القاذف والمرتد حتى قلتم القاذف يطالب بأن يقول القذف باطل حرام والمرتد لا يطالب بأن يقول الكفر باطل حرام فالجواب عنه أنه لا فرق بينهما فى المعنى وذلك أن القاذف مردود الشهادة لاستباحة القذف ولا يكون من أهل الشهادة إلا بإتيانه بضده وضده أن يحرم القذف والمرتد مردود الشهادة لكفره ولا يعود إلى حال الشهادة إلا أن يأتى بضد الكفر وضده أن يأتى بلفظة الإيمان انتهى وفيه فوائد منها أن أبا سعيد لا يعين لفظ الكذب بل يقول كذبت أو أبطلت فيما أخبرت وهى فائدة لم أجد التصريح بها فى كلام الشيخ أبى حامد ومنها أن الكلام مخصوص بقذف السب والإيذاء وهو الصواب وسنتكلم عليه وقال أبو الحسن الجورى فى كتاب المرشد واختلف أصحابنا فى توبة القاذف فقال بعضهم هى قوله القذف باطل ولا يقول إنى كاذب لأنه إذا قال هذا فهو فاسق به الساعة لكذبه وقال بعضهم لا فصل بين قوله القذف باطل وبين قوله كذبت وقد قال الشافعى التوبة إكذابه نفسه انتهى وفيه دلالة على أن أبا سعيد إن كان هو المشار إليه بقوله وقال بعضهم لا يعين لفظ الكذب بل يخير بينه وبين القذف باطل وغيره يعين لفظ القذف باطل ولا يخير لفظ الكذب ويخرج من هذا إن خرج على ظاهره ثلاثة أوجه تعيين لفظ الكذب وتعيين عدمه وتفريع كل منهما وقال القاضى أبو الطيب فى تعليقته فى كلامه على قول الشافعى والتوبة إكذابه نفسه ما نصه ثم ذكر بعد ذلك أن التوبة قوله القذف باطل واختلف أصحابنا فيها فقال أبو سعيد الإصطخرى توبته أن يكذب نفسه فيقول كذبت فى هذا القذف لأن الشافعى قال إكذابه نفسه وقال أبو إسحاق التوبة أن يقول القذف باطل في جميع الأحوال كان صادقا فيه أو كاذبا لأنه لا يجوز لأحد أن يقذف أحدا وإن كان صادقا فى قذفه إياه لأن الله عز وجل نهى عن ذلك على الإطلاق وهو الصحيح وأبى أصحابنا ما قاله أبو سعيد وقالوا هذا يؤدى إلى أن يكلفه الكذب لأنه ربما كان صادقا فى القذف فإذا كلفناه أن يقول كذبت فى القذف كان كاذبا لأنه ربما كان صادقا فى قذفه وإذا قال القذف باطل لم يكذب لأنه باطل سواء كان صادقا فيه أم كاذبا لأنه لا يجوز أن يقذف أحدا بحال انتهى وقال القاضى الحسين توبة القاذف أن يقول القذف باطل أو ما كان ينبغى لى أن أقذف أو لم أكن محقا فيما قلت ولا يكلف أن يقول كذبت فيما قلت لاحتمال أن المقذوف قد زنا وأنه صدق فيما نسبه إليه غير أن المسلم مأمور بحفظ الستر على أخيه المسلم فلهذا صار مؤاخذا بالقذف ومعنى قول الشافعى التوبة إكذابه نفسه أى يكذب نفسه فيما أخبر ويقول ما كنت محقا فى ذلك الخبر لأنه يتخيل للسامع من قوله أنه صادق فيقطع ذلك التوهم بالتوبة فلهذا سماه إكذابا وقال الإصطخرى توبته أن يقول كذبت فيما قلت لظاهر لفظ الشافعى إكذابه نفسه وقال أبو إسحاق يقول قذفى حرام باطل وقال القفال القذف باطل ما كان ينبغى لى أن أقذفه انتهى فانظر كيف ختم كلامه بقوله وقال أبو إسحاق وقال القفال وذكر صيغتين عنده أن فى كل منهما كفاية ولذلك خير فى أول كلامه بين كل منهما وزاد أو لم أكن محقا فدل أن المراد أحد هذه الألفاظ أو ما يشبهها وأنه ليس المقصود واحدا بعينه ولا أظن أصحابنا يختلفون فى ذلك ولا يعينون لفظ إنى نادم كما أوهته عبارة الرافعى ومن يتبعه وليس موضع اختلافهم إلا شيئان أحدهما لفظ الكذب قاله أبو سعيد ولا يصدنى عنه إلا قول الشافعى والتوبة قوله القذف باطل والثانى لفظ لا أعود لتصريح الماوردى فيه بحكاية الوجهين أما لفظ إنى نادم فلا أعرفه ولا وجه له وقال الماوردى رحمه الله أما القذف بالزنا فلا يكون بعد الندم والعزم إلا بالقول لأنه معصية بالقول كالردة فيعتبر فى صحة توبته ثلاثة شروط أحدها الندم على قذفه والثانى العزم على ترك مثله والثالث إكذاب نفسه على ما قاله الشافعى فاختلف أصحابنا فى تأويله على وجهين أحدهما وهو قول أبى سعيد الإصطخرى أنه محمول على ظاهره وهو أن يقول وإنى كاذب فى قذفى له بالزنا وقد روى عمر أن النبى قال ( توبة القاذف إكذابه نفسه ) والوجه الثانى هو قول أبى إسحاق المروزى وأبى على بن أبى هريرة أن إكذاب نفسه أن يقول قذفى له بالزنا كان باطلا ولا يقول كنت كاذبا فى قذفى لجواز أن يكون صادقا فيصير عاصيا بكذبه كما كان عاصيا بقذفه وهل يحتاج أن يقول فى التوبة ولا أعود إلى مثله أولا فيه وجهان أحدهما لا يحتاج إليه لأن العزم على ترك مثله يغنى عنه والوجه الثانى لابد أن يقول لا أعود إلى مثله لأن القول فى هذه التوبة معتبر والعزم ليس بقول انتهى وهو كالنص على أن لفظ الندم لا يشترط إنما المشترط معناه وقال الفورانى فى العمد اختلف أصحابنا فى التوبة منهم من قال هو أن يكذب نفسه فيقول كذبت فيما قلت ومنهم من قال وهو الأصح هذا لا يكون توبة لاحتما صدقه فى القذف لكن التوبة أن يقول القذف باطل أى قذف الناس باطل وما كان لى أن أقذف و وقد رجعت عما قلت وتبت عنه فلا أعود إليه وقال الشيخ أبو إسحاق فى المهذب قبل باب عدد الشهود فى التوبة من المعصية ما نصه وإن كان قذفا فقد قال الشافعى رضى الله عنه التوبة منه إكذابه نفسه واختلف أصحابنا فيه فقال أبو سعيد الإصطخرى هو أن يقول كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله ووجهه ما روى عن عمر رضى الله عنه أن النبى قال ( توبة القاذف إكذابه نفسه ) وقال أبو إسحاق أبو على ابن أبى هريرة هو أن يقول قذفى له كان باطلا ولا يقول إنى كنت كاذبا لجواز أن يكون صادقا فيصير بكذبه عاصيا كما كان بقذفه عاصيا انتهى وفيه موافقة الرافعى على نقله عن أبى سعيد أنه يقول ولا أعود إلى مثله لكنه قصر هذه اللفظة على مقالة أبى سعيد ولم يذكرها على مقالة أبى إسحاق وأبى على وقال ابن الصباغ المذهب ما ذهب إليه أبو إسحاق وهو أن يقول القذف باطل حرام ولا أعود إلى ما قلت وقال الإصطخرى يقول كذبت فيما قلت انتهى وهو فى لفظه ولا أعود إلى ما قلت عكس المهذب فإنه جعلها على قول أبى إسحاق فإذا أجمع المهذب والشامل كان فيهما تأييد لنقل الرافعى فكأنه أخذ من مجموعها أنه لابد أن يقول ولا أعود لأن الشيخ أبا إسحاق نقلها على قول أبى سعيد وابن الصباغ نقلها على قول أبى إسحاق فكانت على القولين جميعا وعلى ذلك جرى صاحب التهذيب كما ستراه فاتبعه الرافعى وقال الإمام رضى الله عنه فى النهاية قال الشافعى رضى الله عنه توبة القاذف بإكذابه نفسه وهذا لفظ فى ظاهره إشكال وفى بيان المذهب يحصل الغرض فالذى ذهب إليه جماهير الأصحاب أن القاذف لا يكلف أن يكذب نفسه إذ ربما يكون صادقا فى نسبته المقذوف إلى الزنا فلو كلفناه أن يكذب نفسه لكان ذلك تكليفا منا إياه أن يكذب وهذا محال فالوجه أن يقول أسأت فيما قلت وما كنت محقا وقد تبت عن الرجوع إلى مثله أبدا ولا يصرح بتكذيب نفسه إلا أن يعلم أنه كان كاذبا وهذا يبعد علمه وهؤلاء حملوا قول الشافعى على ما سنصفه فقالوا القاذف فى الغالب يصف ويرى من نفسه أنه قال حقا وأظهر ماله إظهاره فيرجع ما ذكره الشافعى من الإكذاب إلى هذا فيقول قد كنت قلت لى أن أقول ما قلته وقد كذبت وأبطلت فيما قدمت وقال الإصطخرى لابد أن يكذب نفسه وإن كان صادقا فإنه عز من قائل قال وهذا بعيد لا أصل له وهذه الآية مع آى أخر وردت فى قصة الإفك وتبرئة عائشة رضى الله عنها وكانت مبرأة عما قذفها به المنافقون انتهى ولا مزيد على حسنه فلله دره من خطيب مصقع مناضل عن الشريعة بقلبه ولسانه ومن هنا والله أعلم أخذ الشيخ الإمام رحمه الله ما كان يقوله لنا من أن القاذف كاذب عند الله لقد لقبه الشرع ووسمه بسيمة الكذب وإن كان الأمر على ما وصف من اقتراف المقذوف معصية الزنا وفى كلام الإمام ما يؤخذ منه تفصيل بين أن يعلم من نفسه الصدق أولا وسيكون لى عليه كلام يدل على ميل منى إليه وقال الغزالى رحمه الله فى الوسيط أما القاذف فتوبته فى إكذابه نفسه كذلك قال الشافعى وهو مشكل لأنه ربما كان صادقا والمعنى به تكذيبه نفسه فى قوله أنا محق فى الإظهار والمجاهرة دون الحجة فيكفى أن يقول تبت ولا أعود انتهى وقد لخصه من كلام الإمام ولقائل أن يقول إذا كان المعنى بإكذابه نفسه كذبه فى قوله أنا محق فى الإظهار والمجاهرة فلا مانع من أن يقول كذبت ولا عاب فيه أيضا ولم يكلفه يكذب فلم لا يقول ذلك ويجرى على ظاهر النص وقال صاحب التهذيب قال الشافعى رضى الله عنه التوبة إكذابه نفسه فاختلف أصحابنا فيه فقال الإصطخرى يقول كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله وقال أبو إسحاق لا يقول كذبت لأنه ربما يكون صادقا بل يقول القذف باطل ندمت على ما قلت رجعت عنه فلا أعود إليه انتهى ومنه أخذ الرافعى لفظ الندم وأن لا أعود مقولة على الوجهين وجه أبى سعيد ووجه أبى إسحاق وقال صاحب البحر قال أبو إسحاق ليس معنى قول الشافعى أن يقول كذبت فيما قلت بل معناه أن يكذب نفسه فى استباحة القذف فيقول القذف باطل وإنى لا أعود إليه وأنا نادم عليه أو يقول قذفى له بالزنا كان كاذبا ولا يقول كنت كاذبا لجواز أن يكون صادقا وبه قال ابن أبى هريرة فإن قيل فقد تقبل توبة المرتد وإن لم يقل الكفر باطل فلم شرطتم ها هنا أن يقول القذف باطل قلنا لا يقبل واحد منهما حتى يأتى بما يضاد الأول والتوحيد يضاد الكفر فاكتفى به وليس ما يضاد القذف إلا أن يقول القذف باطل فافترقا وقال الإصطخرى وبه قال أحمد رضى الله عنه توبة القاذف أن يقول كذبت فيما قلت وإننى كاذب فى قذفى له بالزنا وهذا ظاهر قول الشافعى رضى الله عنه والتوبة إكذابه نفسه وقد روى عن عمر رضى الله عنه أن النبي قال توبة القاذف إكذابه نفسه قال أصحابنا ما قاله أبو إسحاق أصح وهو المذهب انتهى وقال القاضى مجلى فى الذخائر وإن كانت المعصية قذفا فقد قال الشافعى التوبة منها إكذابه نفسه واختلف أصحابنا فى ذلك فقال أبو إسحاق وأبو على ابن أبى هريرة وهو ظاهر المذهب هو أن يقول القذف باطل حرام ولا أعود إلى ما قلت وقال أبو سعيد الإصطخرى هو أن يقول كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله وتعلق بظاهر كلام الشافعى رحمه الله وبه قال أحمد لما روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال توبة القاذف إكذابه نفسه قال الأولون وهذا لا يصح لأنه يجوز أن يكون صادقا فى القذف فيصير بكذبه عاصيا كما كان بقذفه عاصيا وقال بعضهم هو أن يقول ما كنت محقا فى القذف ولا أعود إليه وكلام الشافعى رحمه الله محمول على تكذيب نفسه فى قوله أنا محق فى إظهاره والمجاهرة بغير حجة انتهى وقوله القذف باطل حرام ذكره لفظ حرام مع باطل تبع فيه من قدمنا ذكره إياها وهى لفظة محمولة على التوسع فى العبارة وإلا فكل قذف خرج مخرج الشتم فهو حرام وإن خرج مخرج الشهادة ولم يتم العدد وقد كان يحسبه تم فليس بحرام فما للفظة موقع فإن قلت ما الذى استقر عليه رأيكم فى صيغة توبة القاذف أيترجح عندك قول أبى سعيد أم قول الجمهور قلت إن كان القاذف يعلم أنه كاذب فالأرجح عندى قول أبى سعيد لأن مدار التوبة على نحو ما مضى ما أمكن وتدارك ما يمكن تداركه ولا يتدارك ثلبه عرض أخيه ونيله منه إلا بذلك فهو نظير وفاء الدين ورد الظلامة ولا يغنى عن لفظ الكذب لفظ ممجمج ليس بصريح فى معناه بل من نال من أخيه قذفا وهو يعلم أنه برئ فتوبته بأن يبين للناس أنه برئ ولا يبين ذلك إلا بتسجيله على نفسه بصريح الكذب والبهت وإن علم أنه صادق أو شك فالمسألة محتملة يحتمل أن يكفيه قذفى باطل كما قاله الجمهور ويدل له نص الشافعى دلالة واضحة على رواية من روى فى لفظ النص بأنه أذنب بأن نطق بالقذف إلى آخره فكأن الشافعى رحمه الله فسر إكذابه نفسه بهذا ويحتمل أن يشترط لفظ الكذب ليجبر ما كان منه وما ذكروه من أنه قد يكون صادقا قد قدمنا جوابه وهو أن الصدق هنا ليس مطابقة ما فى نفس الأمر بل كل قاذف إذا لم يتم العدد فهو كاذب لقب لقبه الرب عز من قائل به ووسمه سمة لا تزايله إلا بما ذكرناه وهذا فيمن أخرج قذفه مخرج الشتم والسب أما من أخرجه مخرج الشهادة ولم يتم العدد وقلنا بوجوب الحد عليه فلا يظهر لى أن يقول ذلك ولا أن الإصطخرى يوجب عليه هذا القول وإنما يوجب أبو سعيد لفظ التكذيب على من أخرجه مخرج السب والإيذاء هذا ما يدل عليه نقل الماوردى فى الحاوى صريحا وغيره تلويحا وإن كان كلام الرافعى ومن تبعه مطلقا فصارت الصور عندى ثلاثا قاذف يعلم كذبه فالراجح قول أبى سعيد وقاذف لا يعلم كذبه ولكنه أخرج قذفه مخرج الشتم والإيذاء ففيه تردد نظر وقاذف يظن أو يعلم صدق نفسه وما أخرج قذفه إلا مخرج الشهادة غير أنه حد لنقصان العدد فالراجح فيه قول الجمهور بل لا أعتقد فيه خلافا ولا أحفظ عن الإصطخرى فيه مخالفة بل صريح كلام الماوردى يدل على أنه لا يخالف فيه بل لو قال هذا والحالة هذه كذبت لم تقبل شهادته فى الحال أما إذا قال القذف باطل فإن شهادته تقبل فى الحال إذا كان عدلا لقول عمر رضى الله عنه لأبى بكرة تب أقبل شهادتك فكيف نلجئه أن يقول كذبت وهى لفظة توجب الحكم برد شهادته فيما يستأنف فإن قلت من أين لك أنه إذا قال كذبت ترد شهادته فيما يستأنف وإن كان قذفه إنما كان على وجه الشهادة والذى قاله الرافعى ومن تبعه فى العدل يقذف على صورة الشهادة ثم يتوب أنه لا يشترط الاستبراء على المذهب وإن كان قذف سب إو إيذاء اشترط على المذهب ولم يفضلوا فى قذف الشهادة بين أن تكون التوبة منه بلفظ كذبت أو غيره قلت هو مطلق يقيد بما إذا لم يكن بلفظ كذبت إذ هو حين يقول كذبت معترف بفسقه وإقدامه على شهادة الزور فى هذا الأمر الخطير إلا أن يعنى ب كذبت أنى ملقب من الشارع بلقب الكذب كما قدمناه فإن هو عنى ذلك فلا كلام وإلا فقد اعترف بشهادة الزور فهذا هو الذى يظهر ثم هو المسطور بل لم يجعله الإمام محل خلاف إذ قال فى النهاية والوجه عندنا أن يقول إذا صرح بتكذيب نفسه فهذا يخرج عن التفاصيل وترديد الأقوال ويقطع فيه بالاستبراء وقال صاحب البحر فى القاذف إذا كان عدلا لكن لم يتم العدد إن أصحابنا قالوا إن هذا إذا قال القذف باطل وأنا لا أعود قبلت شهادته فى الحال إلى أن قال والذى قال لاستبراء حاله أراد إذا لم يطل الزمان أو أراد إن أكذب نفسه فى القذف إلى أن قال وإن لم يكذب نفسه وأظهر الندامة على قوله وكان عدلا من قبل لا يحتاج إلى زمن الاستبراء انتهى ملخصا وإذا تأملت ما سطرته لك فى هذه الجملة حصلت منه على فوائد إحداها أن لفظ كذبت لا يشترط عند أبى سعيد إلا فى قذف السب والإيذاء دون المخرج مخرج الشهادة على ما دل عليه كلام كثير من النقلة وكلام الماوردى كالصريح فيه فلينظر الحاوى وليس فى الرافعى شيء من ذلك بل قال بعد ما ذكر خلاف الإصطخرى والجمهور ولا فرق فى ذلك بين القذف على سبيل السب والإيذاء وبين القذف على صورة الشهادة إذا لم يتم عدد الشهود إن قلنا بوجوب الحد على من شهد فإن لم يوجب فلا حاجة بالشاهد إلى التوبة انتهى وهذا صريح فيما إذا لم يتم العدد بأنه على القول بوجوب الحد يطرقه خلاف أبى سعيد فيوجب عليه أن يقول كذبت وهذا بعيد بل لا أشك فى بطلانه فإن المصرح به عن أبى سعيد خلاف ذلك وقد قدمنا كلام صاحب البحر ثم صرح بعد ذلك فقال فيما إذا نقص العدد إن قلنا يحدون يحكم بفسقهم وتجب التوبة فيقول قذفى باطل ولا يحتاج إلى الندم وترك العزم في المستقبل لأنها شهادة فى حق الله ولا يعتبر أن يقول إنى كاذب ولا أن يقول ولا أعود إلى مثله لأنه لم تم عدد الشهود لزمه أن يشهد انتهى وهو صحيح لا شك فيه الثانى أن لفظ حرام فى قوله قذفى باطل لم يقع إلا فى عبارة الشيخ أبى حامد والقفال ومن تبعهما وما أظنها على سبيل التعيين فلا يغتر بها بل يكفى قذفى باطل الثالثة أن لفظ إنى نادم وقع فى كلام من رأيته وما أراه على سبيل التعيين وإن كانت عبارة المحرر والمنهاج تغر وتوهم أن ذلك يتعين والرابعة أن لفظ ولا أعود وقع مستطردا فى كلام الرافعى يكاد يكون غير مقصود وهى مسألة ذات وجهين صرح بحكايتهما الماوردى فى الحاوى والرويانى فى البحر قدم بغداد وكان يحضر مجلس الداركى ثم درس فى حياته وكانت له معرفة بالحديث حدث عن أبى على الحسن بن أحمد الفقيه وأبى الحسن بن أبى عمران الجرجانى قال ابن النجار وروى عنه عامر بن محمد البسطامى فى معجم شيوخه فى الكنى ولم يسمه قال ابن النجار وقد رأيت له كتابا سماه المدخل فى الجدل ورأيت عليه خطه وقد سمى نفسه الحسن بن أحمد بن محمد وذكره الشيخ أبو إسحاق فى الطبقات بكنيته ولم يزد على أن قال تفقه فى بلده وحضر مجلس الداركى ثم درس فى حياته ومات قبل الداركى بسبعة عشر يوما وكان فقيها فاضلا عارفا بالحديث وكانت وفاة الداركى فى الثالث عشر من شوال سنة خمس وسبعين وثلاثمائة فتكون وفاة الجلابى فى سادس عشرى رمضان وقال أبو عاصم أبو الحسين بن أحمد الجلابى كان فقيها جدلا ورعا
حكى القاضى أبو الطيب فى التعليقة أن الشيخ أبا حامد كان يحكى أن الجلابى سئل عن البالغين من أهل الحرب إذا أسرهم الإمام فقال صاروا أرقاء بنفس الأسر كالنساء والصبيان قال وهذا غلط قال القاضى أبو الطيب وأنا رأيت الجلابى وكنت صبيا قال ابن الرفعة ولا شك أن هذا غلط إن لم يثبت للإمام تخيير فيهم نعم إن قال بثبوت الخيار فيهم بعد ذلك بين البقاء على الرق والمن والفداء والقتل فلا بعد فيه وهو المذكور فى كتاب الأقضية من شرح الرافعى قال فيه الشيخ أبو إسحاق أحد فقهاء أصحابنا لا أعلم على من درس ولا وقت وفاته قال ورأيت له كتابا فى أدب القضاء دل على فضل كبير قلت وقفت على الكتاب المذكور وقد حدث فيه عن من لحق أصحاب الإمام أحمد بن حنبل وعن من لحق ابن سريج ووقفت له أيضا على كتاب فى الشهادات وفيهما فوائد إمام مسجد باب الجابية بدمشق ولد سنة اثنتين وأربعين ومائتين وحدث بكتاب الإمام الشافعى عن أصحابه سمع الربيع بن سليمان وبكار بن قتيبة القاضى والعباس بن الوليد البيروتى وصالح بن أحمد بن حنبل ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وأبا أمية الطرسوسى وخلقا روى عنه عبد المنعم بن غلبون وابن جميع وابن المقرى وأبو حفص ابن شاهين وتمام الرازى وأبو بكر بن أبى الحديد وآخرون قال عبد العزيز الكتانى هو ثقة نبيل حافظ لمذهب الشافعى مات فى ذى القعدة سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة أحد عظماء الأصحاب ورفعائهم المشهور اسمه الطائر فى الآفاق ذكره قال فيه الخطيب وقد ذكره فى تاريخ بغداد الفقيه القاضى كان أحد شيوخ الشافعيين وله مسائل فى الفروع محفوظة وأقواله فيها مسطورة قلت شرح المختصر ووقفت على الشرح المذكور وتفقه على ابن سريج وأبى إسحاق المروزى قال أبو سعيد الكرابيسى الحافظ سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن أبى جعفر ناقله إلى القاضى الخوارزمى يقول تغيب أبو الحسن الأوزاعى عن القاضى أبى على ابن أبى هريرة فى بغداد أياما ثم حضره فقال يا أبا الحسن أين كنت عنا فقال كنت أيها القاضى شبه العليل فقال له أبو على وهبك الله شبة العافية قال الرافعى إن ابن أبى هريرة زعيم عظيم للفقهاء وسنذكر فى أين قال هذا ومات فى شهر رجب سنة خمس وأربعين وثلاثمائة
قال فيمن طلق واحدة من نسائه لا بعينها أو بعينها ثم نسيها طلاقا رجعيا إن له وطء الجميع واختلف النقل عنه فى أن الوطء تعيين أو ليس بتعيين فيخرج من كونه ليس تعيينا أنه يطأ كلا منهما ولا يكون وطء واحدة مانعا من وطء الأخرى ولا يمكنه أن يقول الطلاق واقع من حين اللفظ لأن من أوقعه من حين اللفظ جعل الوطء تعيينا كما أشار إليه الرافعى وحكى الخلاف فى ذلك بين أبى إسحاق وابن أبى هريرة فكأن هذا اللفظ عند ابن أبى هريرة لا يباشر به المحل وهذا قد يتجه فى الطلاق المبهم أما فيمن طلق معينة ثم نسيها فلا اتجاه له وهو آيل إلى وطء المحرمة قطعا ومنزلة هذا المذهب فى البعد منزلة مقابله الذى حكاه الحناطى فيمن علق الطلاق بالشهر وذلك أن الشاك فى الباقى من الشهر لا يقع عليه الطلاق لأنه لا يقع إلا باليقين وحكى الحناطى وجهين فى حل الوطء فى حال الشك وجه التحريم أنه شاك فى استباحتها فأشبه ما إذا اشتبهت زوجته بأجنبية قال ابن الرفعة وهذا التعليل يقتضى تحريمها عليه على هذا الوجه فيما إذا شك هل طلق أو لا ولم نر من قال به إذا كان رأس الشاج أصغر استوعبناه وضممنا إليه أرش ما بقى وقال ابن أبي هريرة تخريجا فيما حكاه عنه الماوردى بل نضم إليه أرش الموضحة كاملا قال فى الحاوى فى النهى عن تلقى الركبان وكذلك المدلس قال الشافعى قد عصى الله تعالى والبيع لازم والثمن حلال يريد أن التدليس حرام والثمن حلال وقد كان أبو على بن أبى هريرة يقول إن ثمن التدليس حرام لا ثمن المبيع ألا ترى أن المبيع إذا فات رجع على البائع بأرش عيب التدليس فدل على أنه أخذ منه بغير استحقاق انتهى وما حكاه عن ابن أبى هريرة غريب ومعناه أن الزيادة بسبب التدليس محرمة لا جملة الثمن واعلم أن صاحب البحر لم ينقل فيه هذا مع كثرة استقصائه لكلام الحاوى رأيت فى تعليق ابن أبى هريرة على المختصر فى الحدود بعد ذكر الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ما نصه ألا ترى أن ابن مسعود قد أنكر المعوذتين وإنما أنكر رسمهما لأنه محال أن يظن بابن مسعود أن ينكر أصلهما انتهى قلت وقد عقد القاضى أبو بكر فى كتابه الانتصار للقرآن وهو الكتاب العظيم الذى لا ينبغى لعالم أن يخلو عن تحصيله بابا كبيرا بين فيه خطأ الناقل لهذه المقالة عن عبد الله بن مسعود وأن الدليل القاطع قائم على كذبه على عبد الله وبراءة عبد الله منهما قال ابن أبى هريرة البحث مع الفاسق لا يجوز وفرق الماوردى فجوزه فى المعقول دون المنقول قلت وكلاهما مستدرك والصواب البحث معه وأما قبول نقله فأمر آخر لابن أبى هريرة وجه أن بيع عقار اليتيم للغبطة لا يجوز وإنما يجوز للضرورة فقط رأيته فى تعليقه وحكيته عنه فى التوشيح بلفظ فلينظر فصل ابن أبى هريرة فى تقديم العشاء وتأخيرها فقال كما نقله صاحب الحاوى إن علم من نفسه أنه إذا آخرها لا يغلبه نوم ولا كسل فالأفضل التأخير وإلا فالتقديم وقال الشاشى هذا التفصيل متجه للمنفرد دون الجماعة لاختلاف أحوالهم قال الوالد رحمه الله وما ذكره ابن أبى هريرة فى الحقيقة اختيار للتأخير لأن من خشى أن النوم يغلبه لا يمكن أن يقال التأخير له أفضل قال ابن أبى هريرة إذا أكره المصلى على الحدث بأن عصر بطنه حتى خرج بغير اختياره لم تبطل صلاته كذا نقله عنه الوالد رحمه الله فى شرح المنهاج وهو غريب قال الوالد كأنه تفريع على القول بأن سبق الحدث لا يبطل الصلاة قلت أو أنه على الجديد وهو وجه صعب شبه الوجه الذاهب إلى أن من مس ذكره ناسيا لا ينتقض وضوؤه وقد حكاه الرافعى عن حكاية الحناطى نقل الماوردى فى الحاوى أن ابن أبى هريرة قال إنه يباح ولا يكره عقد اليمين على مباح اعتبارا بالمحلوف عليه وهذا مخالف لنص الشافعى حيث قال وأكره الأيمان على كل حال إلا فيما كان طاعة ووجه ابن أبى هريرة غريب لم يحكه الرافعى إنما حكى الرافعى الأوجه فى الحالف على مباح هل يستحب له الحنث أو عدمه أو يتخير أما نفس عقد اليمين فظاهر كلامه الجزم بأنه مكروه كما هو ظاهر النص حكى الدبيلى فى كتاب أدب القضاء أن ابن أبى هريرة قال فيما إذا أسلم فى دراهم أو دنانير ولم يصفها إنه يجوز ويحمل على نقد البلد وأن أبا إسحاق قال لا يجوز لأن السلم يحتاط فيه وأن ابن سريج قال إن كان حالا جاز وإلا فلا لأنه قد يتغير النقد قلت أما ما حكاه عن ابن سريج فغريب حسن وأما الوجهان الأولان فقد أشار إليهما الإمام فى النهاية فى أوائل باب كتاب القاضى إلى القاضى
أنكر على الشيخ ابن أبى هريرة قوله فيما إذا قال الزوج إن كان الطائر غرابا فعبدى حر وإلا فزوجتى طالق ومات قبل البيان وقلنا لا يعين الوارث بل نقرع فإن خرجت على المرأة لم تطلق والأصح لا يرق العبد وعلى هذا ففى وجه أن القرعة تعاد إلى أن تخرج عليه قال الرافعى قال الإمام وعندى يجب أن يخرج القائل به عن أحزاب الفقهاء ومن قال به فليقطع بعتق العبد وليترك تضييع الزمان فى إخراج القرعة وهذا قوى قويم لكن الحناطى حكى الوجه عن ابن أبى هريرة وهو زعيم عظيم للفقهاء لا يتأتى إخراجه من أحزابهم انتهى قلت أما كونه زعيما عظيما فلا شك فيه ولعل من أجل ذلك لم يبح الإمام باسمه بل ذكر الوجه مجردا غير معزو إلى قائل وكأنه جعل الآفة فيه النقلة عن أبى على وعبارة الإمام فى النهاية وفى بعض التصانيف أن القرعة تعاد مرة أخرى عن بعض أصحابنا وعندى أن صاحب هذه المقالة يجب أن يخرج من أحزاب الفقهاء فإن القرعة إذا كانت تعاد ثانية فقد تعاد ثالثة ثم لا يزال الأمر كذلك حتى تقع على الأمة فإن القرعة ستخرج عليها وحق صاحب هذا المذهب أن يقطع بعتق الأمة وهذا لا سبيل إليه انتهى ولا شك أن الإمام لا يطلق هذه العبارة فى حق ابن أبى هريرة بل إما ألا يكون بلغه أن هذا القول قوله أو لا يكون صدق النقلة عنه ويؤيد هذا أنى رأيت أخى الشيخ أبا حامد أحمد أطال الله بقاءه ذكر فى تكملة شرح المنهاج لفظ ابن أبى هريرة فى المسألة من تعليقته التى علقها عنه الطبرى وليس فيه أنه قال إن القرعة تعاد بل عبارته فى القرعة وإن خرجت على امرأته لم تطلق ولم يعتق العبد والورع ألا يأخذ وارثه ويجوز له أن يتصرف فى العبد انتهى وفى قوله ويجوز له أن يتصرف فى العبد ما يؤذن بخلاف ما نقله الحناطى ثم أقول بتقدير ثبوت منقول الحناطى ليست هذه المقالة بالغة فى النكارة إلى هذا الحد ولا يلزمه أن يعين العبد للعتق ابتداء من غير قرعة لأنه قد يكون من مذهبه أن القرعة تحدث أن العتق فى الحال ولا يكون منكبة عنه فقد وجدته حكى فى تعليقته فى باب القرعة أواخر كتاب العتق هذا المذهب عن مالك رحمه الله لكنه رد على مالك فى ذلك وبتقدير ألا يكون مذهبه فلا يلزمه ذلك أيضا لأن له أن يقول لو أعتقته بلا قرعة لأعتقته بلا سبب بخلاف ما إذا أعتقته بقرعة وإن كنت متسببا فى خروجها عليه فإنا عهدنا القرعة منصوبة سببا فى مثل ذلك ولأجله قلنا بالقرعة هنا لأنها لو قرعت المرأة لم تطلق فما جعلت إلا رجاء الوقوع على العبد فيعتق فدل أن المقصود بها محاولة العتق وهو شيء يتشوف الشارع إليه فلا يبعد إعادتها حتى تخرج عليه ويعتق ويكون عتقه مسندا إلى القرعة على الجملة وإن كان المقصود بها التحيل عليه وقد يستأنس بهذا على الجملة بما اتفق فى أمر عبد الله والد سيدنا رسول الله وقد خرج القدح عليه فزادوا الإبل عشرا عشرا كلما وقعت عليه القرعة زادوا وعادوا القرعة حتى انتهوا إلى المائة ووقعت القرعة على الإبل فما كان ذلك إلا توصلا إلى نجاة عبد الله وكذلك ما رواه المفسرون فى قصة يونس عليه الصلاة والسلام عن ابن مسعود أنه قال لما توعده قومه العذاب انطلق مغاضبا حتى انتهى إلى قوم فى سفينة فعرفوه فحملوه فلما ركب السفينة وقفت فقال ما لسفينتكم فقالوا لا ندرى فقال لكنى أدرى فيها عبد آبق من ربه وإنها والله لا تسير حتى تلقوه قالوا أما أنت يا نبى الله لا نلقيك قال فاقترعوا فمن قرع فاقترعوا فقرع يونس فأبوا أن يمكنوه من الوقوع فعادوا إلى القرعة حتى قرع ثلاث مرات فهذا وما قبله وإن كانا قبل شرعنا إلا أنه مما يستأنس به على الجملة لمحاولة من تقرعه القرعة
روى أن عمر رضى الله عنه قال فى قصة المغيرة لأبى بكره تب أقبل شهادتك فقال والله لا أتوب والله زنا فهم عمر بجلده ثانيا فقال له على أراك إن جلدته رجمت صاحبك فتركه ولم يخالفه فى هذه القصة أحد من الصحابة وقد اختلف أصحابنا فى معنى هذا الكلام بعد الاعتراف بإشكاله على وجهين رأيتهما فى تعليق ابن أبي هريرة احتمالين وهذا كلامه فى التعليقة وكان معنى قوله إن جلدته فارجم صاحبك أى أنك إن استحللت جلده من غير استحقاقه إياه فارجم صاحبك كما يقال من باع الخمر فليشقص الخنازير ويحتمل أن يكون معناه إن كنت أقمت هذا شاهدا آخر فارجم صاحبك لتمام الشهادة فإذا كنت لا تجعله شاهدا رابعا حتى ترجم به صاحبك فلا تجعله قاذفا رابعا حتى تحده لأنه قد حددتموه انتهى وصرح ابن الرفعة فى المطلب بنقلهما خلافا بين الأصحاب وذكر أن الأول قول الشيخ أبي حامد وأن الثاني أصح قال ابن الرفعة وقد قيل أن المغيرة كان تزوج بتلك المرأة فى السر وكان عمر لا يبيح نكاح السر ويوجب الحد على فاعله وكان يقول للمغيرة هذه امرأتك فينكر فظنه من شهد عليه زانيا لأنهم يعرفون منه أنه ينكرها قال وهذا طريق يحسن الظن بالصحابة قال وحينئذ لا يكون الشهود كذبوا ولا المغيرة زنا والحمد لله مصنف المسند تفقه على أبى ثور وحرملة وهو القائل سمعت حرملة يقول سمعت الشافعى يقول فى رجل فى فم امرأته تمرة فقال لها إن أكلت هذه التمرة فأنت طالق وإن طرحتها فأنت طالق فأكلت نصفها وطرحت نصفها لم تطلق سمع الحسن بن سفيان من أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وإسحاق بن إبراهيم الحنظلى وقتيبة وعبد الرحمن بن سلام الجمحى وشيبان بن فروخ وأبى بكر بن أبى شيبة وأبى ثور وسهل بن عثمان العسكرى ومحمد بن أبى بكر المقدمى وسعد بن يزيد الفراء ويزيد بن صالح وغيرهم روى عنه ابن خزيمة وأبو بكر الإسماعيلى وابن حبان وأبو على الحافظ ويحيى ابن منصور القاضى وأبو عمرو بن حمدان وحفيده إسحاق بن سعيد النسوى وخلق سواهم قال الحاكم كان محدث خراسان فى عصره مقدما فى الثبت والكثرة والفهم والفقه والأدب وقال ابن حبان كان ممن رحل وصنف وحدث على تيقظ مع صحة الديانة والصلابة فى السنة وقال أبو الوليد النيسابورى الفقيه كان الحسن أديبا فقيها أخذ الأدب عن أصحاب النضر بن شميل والفقه عن أبى ثور وقال الحاكم سمعت محمد بن داود بن سليمان يقول كنا عند الحسن بن سفيان فدخل ابن خزيمة وأبو عمرو الحيرى وأبو بكر بن على الرازى فى جماعة وهم متوجهون إلى فراوة فقال أبو بكر بن على قد كتبت هذا الطبق من حديثك قال هات فأخذ يقرأ فلما قرأ أحاديثه أدخل إسنادا فى إسناد فرده الحسن ثم بعد ساعة فعل ذلك فرده الحسن فلما كان فى الثالثة قال له الحسن ما هذا قد احتملتك مرتين وهذه الثالثة وأنا ابن تسعين سنة فاتق الله فى المشايخ فربما اتفق فيك دعوة فقال له ابن خزيمة مه لا تؤذ الشيخ قال إنما أردت أن تعلم أن أبا العباس يعرف حديثه توفى الحسن بن سفيان بقرية بالوز وكان مقيما بها وهى على ثلاثة فراسخ من نسا فى شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثمائة
الإمام الكبير أحد الأئمة تلميذ ابن القاص والراوى عنه جزء حديث أبى عمر وشيخ القاضى أبى الطيب أراه من أهل هذه الطبقة وسأذكره فى الرابعة قال فيه الحاكم الفقيه الأديب الزاهد من أجل مشايخنا وفقهائنا بخراسان قال وكان خليفة أبى على بن أبى هريرة فى حياته وبعد وفاته كتب بخراسان والعراقين وسمع سنن أبى داود من ابن داسة قال الحاكم وسمعته يقول لما مات ابن أبى هريرة وسئلت أن أخلفه بعد وفاته رأيت رسول الله فى النوم يقول يا أبا على بلغنى أنك خلفت أبا على ابن أبى هريرة فأحسنت خلافته فجزاك الله عنى خيرا وذكره العبادى فى الطبقات وحكى عن الأستاذ أبى طاهر أنه قال اجتمع رأيى ورأى أبى على على أن كل كلام لا يوجد نظمه فى غير كتاب الله فإن الجنب لا يقرأه وإن وجد فى غير كتاب الله فإن قصد كتاب الله لم يجز وإن قصد غيره جاز قلت والمتأخرون من الأصحاب لم يذكروا هذا التفصيل بل أطلقوا أنه إذا قرأ شيئا لا على قصد القرآن أنه يجوز ولا بأس بهذا التفصيل فإن ما لا يوجد نظمه إلا فى كتاب الله يبعد أن يقصد به قارئه غير كتاب الله قال العبادى نقلا عن أبى على والجنب لا يقول بسم الله الرحمن الرحيم بل يقول بسم الله العظيم وبحمده الحمد لله على الإسلام ونعمته قال كذا روى فى الخبر قلت وهذا من آثار ذلك التفصيل كأنه يقول بسم الله الرحمن الرحيم لا يوجد نظمها إلا فى كتاب الله وهذا بعيد أعنى تحريم قول بسم الله الرحمن الرحيم على الجنب إذا لم يقصد بها القرآن فإنها قد اشتهر كونها تذكر ولا يقصد بها القرآن غير أنها مما لا يوجد نظمه إلا فى كتاب الله قال الحاكم توفى الفقيه الأوحد فى عصره أبو على بطبسين وحضرت معزاه وتوفى فى شعبان سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة من أقران أبى سعيد الإصطخرى وأبى على بن أبى هريرة قال العبادى ليس هو جد المحاملى الأخير بل غيره قال وهو القائل بأن من وجد الزاد والراحلة بخراسان يوم عرفة ومات يقضى عنه الحج قلت وهذا غريب وقد أهمل الغزالى ذكر إمكان السير فى شرائط وجوب الحج فاعترضه الرافعى ونصره ابن الصلاح بأن إمكان السير ليس ركنا لوجوب الحج بل لاستقراره في الذمة وصوب النووى قول الرافعى مستدلا بقوله تعالى ووقفت فى بعض التصانيف القديمة لبعض من لم أتحقق اسمه على ما نصه سمعت ابن أبى هريرة يقول حضرت مجلس المحاملى وقد حضره شيخ من أهل أصبهان نبيل الهيئة قدم الموسم حاجا فأقبلت عليه وسألته عن مسألة فى الطهارة فضجر وقال مثلى يسأل عن مسائل الطهارة فقلت لا والله إن سألتك إلا عن الاستنجاء نفسه فألقيت عليه هذه المسألة فبقى متحيرا قلت وأشار إلى كيفية الاستنجاء إذا أمسك ذكره بيساره وذكر الأصحاب هذا المحاملى أيضا فى مسألة موت الأجير على الحج بعد الأخذ فى السير وقبل الإحرام فإن المذهب المنصوص أنه لا يستحق شيئا والمنقول فى الرافعى عن الصيرفى والإصطخرى أنه يستحق شيئا من الأجرة لأنهما أفتيا سنة حصر القرامطة الحجيج بالكوفة بأن الأجراء يستحقون بقدر ما عملوا ورأيت فى البحر للرويانى ما نصه حكى الماسرجسى عن ابن أبى هريرة أنه قال لما وقع من القرامطة ما وقع اجتمعت أنا والمحاملى والإصطخرى واتفقنا على أن نفتى بأن كل من كان حاجا عن الغير لا يستحق الأجرة إلا أنه يرضخ له بشىء هكذا حكاه القاضى الطبرى وذكر الشيخ أبو حاتم أنهم أفتوا بأن لهم الأجرة بقدر ما قطع من المسافة هذا كلام البحر وذكره أيضا فيما إذا اختلف القابض والدافع فى الألف المدفوعة هل كانت قرضا أو إبضاعا وأن المحاملى الكبير ذهب إلى أنهما يتحالفان نقله أبو سعد الهروى فى الإشراف وغيره إمام فى اللغة والعربية وغيرهما من العلوم الأدبية قدم بغداد فأخذ عن أبى بكر بن الأنبارى وأبى بكر بن مجاهد وقرأ عليه وأبى عمر غلام ثعلب ونفطويه وأبى سعيد السيرافى وقيل إنه أدرك ابن دريد وأخذ عنه ثم قدم الشام وصحب سيف الدولة ابن حمدان وأدب بعض أولاده ونفق سوقه بحلب واشتهر ذكره وقصده الطلاب أخذ عنه عبد المنعم بن غلبون والحسن بن سليمان وغيرهما وصنف فى اللغة كتاب ليس وكتاب شرح الممدود والمقصور وكتاب أسماء الأسد بلغ فيه إلى خمسمائة اسم وكتاب البديع فى القرآن وكتاب الجمل فى النحو وكتاب الاشتقاق وغير ذلك وكتاب غريب القرآن وله مع أبى الطيب المتنبى مناظرات عديدة وقد روى مختصر المزنى عن أبى بكر النيسابوري توفى سنة سبعين وثلاثمائة
قال ابن الصلاح حكى فى كتابه إعراب ثلاثين سورة مذهب الشافعى فى البسملة وكونها آية من أول كل سورة قال والذي صح عندى وإليه أذهب مذهب الشافعى قال وأتى بلطيفة غريبة فقال حدثنى أبو سعيد الحافظ ولعله ابن رميح النسوى أحمد بن محمد قال حدثنا أبو بكر النيسابورى قال سمعت الشافعى يقول أول الحمد وهذا الوجه حسن وهو أن البسملة لما ثبتت أولا فى سورة الفاتحة فهى من السور إعادة لها وتكرير فلا تكون من تلك السور ضرورة فلا يقال هى آية من أول كل سورة بل هى آية فى أول كل سورة أورده شيخنا الذهبى كأنه تبع للحاكم فيمن اسمه الحسن كان فقيها أديبا قاضيا بنسا سمع من ابن خزيمة وابن صاعد وطبقتهما روى عن الحاكم وغيره مات ببيهق سنة تسع وخمسين وثلاثمائة كان من كبار المحدثين وثقاتهم رحل إلى أبى حاتم فأقام عنده مدة وجاء بمكة فسمع مسند أبى يحيى بن أبى مسرة منه وكتب أبى عبيد من على بن عبد العزيز روى عنه أبو على الحافظ النيسابورى وأبو إسحاق المزكى وأبو الحسين الحجاجى وأبو عبدالله الحاكم وأبو على الروذباري وآخرون مات بنوقان يوم الأضحى سنة أربعين وثلاثمائة أحد أركان المذهب كان إماما زاهدا ورعا تقيا نقيا متقشفا من كبار الأئمة ببغداد قال الشيخ أبو إسحاق عرض عليه القضاء فلم يتقلده وكان بعض وزراء المقتدر وكل بداره وخوطب الوزير فى ذلك فقال إنما قصدنا ليقال فى زماننا من وكل بداره ليتقلد القضاء فلم يفعل وقال الحسين بن محمد بن عبيد العسكرى شاهدت الموكلين ببابه وختم الباب بضعة عشر يوما فقال لى أبى يابنى انظر حتى تحدث إن عشت أن إنسانا فعل به هذا ليلى فامتنع وقال الإمام أبو عبد الله الحسين بن محمد الكشفلى أمر على بن عيسى وزير المقتدر بالله صاحب البلد أن يطلب الشيخ أبا على بن خيران حتى يعرض عليه قضاء القضاة فاستتر فوكل بباب داره رجاله بضعة عشر يوما حتى احتاج إلى الماء فلم يقدر عليه إلا من عند الجيران فبلغ الوزير ذلك فأمر بإزالة التوكيل عنه وقال فى مجلسه والناس حضور ماأردنا بالشيخ أبى على إلا خيرا أردنا أن نعلم أن فى مملكتنا رجلا يعرض عليه قضاء القضاة شرقا وغربا وهو لا يقبل قال القاضى أبو الطيب ابن خيران كان يعيب على ابن سريج فى ولايته القضاء ويقول هذا الأمر لم يكن فى أصحابنا إنما كان فى أصحاب أبى حنيفة قلت يعنى بالعراق وإلا فلم يكن القضاء بمصر والشام فى أصحاب أبى حنيفة قط إلا أيام بكار فى مصر وإنما كان فى مصر المالكية وفى الشام الأوزاعية إلى أن ظهر مذهب الشافعى فى الإقليمين فصار فيه وصاحب البلد المعين به صاحب الشرطة وهو الذى يسمى اليوم فى بلادنا بالوالى وكان الوالى فى الزمان الماضى اسما لأمير المدينة وكان الأمير يسمى الوالى تارة والعامل أخرى وأما المسمى اليوم بالوالى فكان يسمى صاحب الشرطة أو صاحب البلد أو صاحب الخبر يعنى أنه يطالع الأمير بأخبار المدينة قال الرافعى فى باب الأطعمة عن ابن خيران أنه قال أصاب أكار لنا كلب الماء فى ضيعة لنا فأكلناه فإذا طعمه طعم السمك قال شيخنا الذهبى لم يبلغنا على من اشتغل ابن خيران ولا عن من أخذ العلم قال وأظنه مات كهلا قال ولم يسمع شيئا فيما أعلم قلت لعله جالس فى العلم ابن سريج وأدرك مشايخه قال أبو العلاء محمد بن على الواسطى نقلا عن الحسين ابن العسكرى توفى ابن خيران يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت من ذى الحجة سنة عشرين وثلاثمائة وقال الدارقطنى توفى فى حدود العشر والثلاثمائة قال الخطيب وأظن أبا العلاء وهم على ابن العسكرى وأراد أن يقول سنة عشر فقال سنة عشرين وقال ابن الصلاح ما ذكر من وفاته أقرب وإياه ذكر الشيخ أبو إسحاق قلت وأظن العشرين فى كتاب الدارقطنى إلا أن الناسخ أسقط الياء والنون غلطا ولا منافاة حينئذ بين التاريخين قال شيخنا الذهبى ويدل على مانقله أبو العلاء أن أبا بكر بن الحداد سافر من مصر إلى بغداد يسعى لأبى عبيد بن حربوية القاضى أن يعفى من قضاء مصر فقال ابن زولاق إنه دخلها سنة عشر فى شوال وشاهد باب أبى على بن خيران مسمورا لامتناعه من القضاء وقد اشتهر قال فكان الناس يأتون بأولادهم الصغار فيقولون لهم انظروا حتى تحدثوا بهذا قلت وليس فى الحكاية صراحة فى تأخر وفاته عن سنة عشر فلعله مات بعد التسمير على بابه بقليل ولكن الأثبت كما ذكرناه وفاته سنة عشرين
نقل الدارمى فى باب صفة الصلاة من الاستذكار أن ابن خيران قال فى عراة ليس لهم إلا ثوب واحد وإن صلوا فيه واحدا بعد واحد خرج الوقت إنهم يتركون جميعا ويصلون عراة قال أبو عاصم العبادى حكى السريحي أن ابن خيران جوز للسيد أن يشهد لمكاتبه ويدفع إليه زكاته قلت وهو حسين مفتوح النون بعدها كاف ساكنة ويعرف أيضا بابن منينة بضم الميم بعدها نون ثم آخر الحروف ثم نون ثانية من بيت حشمة ورياسة تربى فى حجر الإمام أبى بكر بن خزيمة وكان ابن خزيمة فى آخر عمره إذا تخلف عن مجلس السلطان بعث بأبى أحمد نائبا عنه وكان يقدمه على أولاده سمع أبو أحمد من ابن خزيمة وأبى العباس السراج بنيسابور ورحل فسمع أيضا عمر بن إسماعيل بن أبى غيلان وعبد الله بن محمد البغوى وأبا عوانة الإسفراينى وغيرهم روى عنه أبو بكر البرقانى وأبو عبد الله الحاكم وعمر بن أحمد بن مسرور وأبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذى وجماعة قال الخطيب كان ثقة حجة وقال الحاكم صحبته سفرا وحضرا نحوا من ثلاثين سنة فما رأيته يترك قيام الليل يقرأ فى كل ركعة سبعا وكانت صدقاته دارة سرا وعلانية أخرج مرة عشرة أنفس من الغزاة بآلتهم بدلا عن نفسه ورابط غير مرة توفى فى ربيع الآخر سنة خمس وسبعين وثلاثمائة أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أحمد بن هبة الله بقراءتى أخبرنا أبو روح إجازة أخبرنا زاهر أخبرنا محمد بن عبد الرحمن أخبرنا أبو أحمد الحسين بن على أخبرنا أبو القاسم البغوى حدثنا هدبه حدثنا حماد عن ثابت عن أبى رافع عن أبى هريرة أن رسول الله قال ( كانت شجرة تضر بالطريق فقطعها رجل فنحاها عن الطريق فغفر له ) رواه مسلم عن محمد بن حاتم عن بهز بن أسد عن حماد به شيخ الحاكم ولد سنة سبع وسبعين ومائتين وأول سماعه سنة أربع وتسعين فسمع من إبراهيم بن أبى طالب وعلي بن الحسين وعبد الله بن شيرويه وجعفر ابن أحمد الحافظ وبهراة الحسين بن إدريس ومحمد بن عبد الرحمن وأقرانهما قال الحاكم وهراة أول رحلته وبنسا الحسن بن سفيان وبجرجان عمران بن موسى وببغداد عبد الله بن ناجية والقاسم المطرز وبالكوفة محمد بن جعفر القتات وبالبصرة أبا خليفة وزكريا الساجى وبواسط جعفر بن أحمد بن سنان وبالأهواز عبدان وبأصبهان محمد بن نصير وبالموصل أبا يعلى وبمصر أبا عبد الرحمن النسائى وبغزة الحسن بن الفرج راوى الموطا وبمكة المفضل الجندى وبالشام أصحاب إبراهيم بن العلاء والمعافى بن سليمان روى عنه أبو بكر أحمد بن إسحاق الصبغى وأبو الوليد الفقيه وهما أكبر منه وابن مندة والحاكم وأبو طاهر بن محمش وأبو عبد الرحمن السلمى وغيرهم قال الحاكم هو واحد عصره فى الحفظ والإتقان والورع والرحلة ذكره بالشرق كذكره فى الغرب مقدم فى مذاكرة الأئمة وكثرة التصنيف انتهى وكذلك قال الخطيب قال وذكره الدارقطنى فقال إمام مهذب قال الحاكم وعقد له مجلس الإملاء سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وهو ابن ستين سنة ثم لم يزل يحدث بالمصنفات والشيوخ بقية عمره وأطال الحاكم ترجمة شيخه هذا وأطنب على عادته إذا ترجم كبيرا استوفى وحشد الفوائد والغرائب قال كان أبو على يشتغل بالصاغة فنصحه بعض العلماء وأشار عليه بالعلم قال وكنت أرى أبا على معجبا بأبي يعلى الموصلى وإتقانه قال كان لا يخفى عليه من حديثه إلا اليسر قال الحاكم كان أبو على باقعة فى الحفظ لا تطاق مذاكرته ولا يفى بمذاكرته أحد من حفاظنا خرج إلى بغداد سنة عشر نائبا وقد صنف وجمع فأقام ببغداد وما بها أحد أحفظ منه إلا أن يكون أبو بكر الجعابى فإنى سمعت أبا على يقول مارأيت ببغداد أحفظ منه قال وسمعت أبا على يقول اجتمعت ببغداد مع أبى أحمد العسال وإبراهيم بن حمزة وأبى طالب بن نصر وأبي بكر الجعابى فقالوا أمل علينا من حديث نيسابور مجلسا فامتنعت فمازالوا بى حتى أمليت عليهم ثلاثين حديثا ما أجاب واحد منهم فى حديث منها إلا ابن حمزة فى حديث واحد قال الحاكم كان أبو على يقول ما رأيت فى أصحابنا مثل الجعابى حيرنى حفظه فحكيت ذلك لأبى بكر الجعابى فقال يقول أبو على هذا وهو أستاذى على الحقيقة وقال عبد الرحمن بن مندة سمعت أبى أبا عبد الله يقول ما رأيت فى اختلاف الحديث والإتقان أحفظ من أبى على النيسابورى توفى أبو على عشية الخميس الخامس عشر من جمادى الأولى سنة تسع وأربعين وثلاثمائة
كان أبو على يرى أن كتاب مسلم أصح من كتاب البخارى قال ابن مندة سمعت أبا على النيسابورى وما رأيت أحفظ منه يقول ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم قلت قد شذ أبو على بهذه المقالة وإن وافقه عليها بعض المغاربة وما بعد كتاب الله أصح من صحيح البخارى قال أبو على النيسابورى خرجت إلى هراة سنة خمس وتسعين وحضرت أبا خليفة وهو يهدد وكيلا له يقول تعود يالكع فقال لا أصلحك الله فقال بل أنت لا أصلحك الله قم عنى قلت من فصاحة العرب أن يأتوا بالواو هنا فكان الأدب أن يقول لا وأصلحك الله لئلا يتوهم انصباب النفى على أصلحك الله فيكون قد دعا عليه بعدم الصلاح فإذا أتى بالواو سلم من ذلك قال القاضى أبو بكر الأبهرى سمعت أبا بكر بن داود يقول لأبى على النيسابورى إبراهيم عن إبراهيم عن إبراهيم من هم فقال إبراهيم بن طهمان عن إبراهيم بن عامر البجلى عن إبراهيم النخعى فقال أحسنت ياأبا على قلت ولهم خلف عن خلف ستة فيما أخبرنا به أبو العباس بن المظفر الحافظ قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر عن أبى روح عبد المعز بن محمد الهروى قال أخبرنا زاهر ابن طاهر أخبرنا الشيخ أبو الفضل محمد بن أحمد التميمى المروزى أخبرنا أبو نصر الحسين ابن على بن محمد الحفصوى بمرو أخبرنا الحاكم أبو أحمد محمد بن الحسن البخارى حدثنى أبو أحمد خلف بن أحمد بن محمد بن خلف أمير سجستان حدثنا خلف بن إسماعيل الخيام حدثنا خلف بن سليمان النسفى حدثنا خلف ابن محمد كردوس الواسطى حدثنا خلف بن موسى بن خلف عن أبيه عن جده عن قتادة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ( إن فى الجنة لغرفا ليس لها معاليق من فوقها ولا عماد من تحتها ) قيل يا رسول الله وكيف يدخلها أهلها قال يدخلونها أشباه الطير قيل يا رسول الله لمن هى قال لأهل الأسقام والأوجاع والبلوى صاحب الإفصاح له الوجوه المشهورة فى المذهب وصنف فى أصول الفقه وفى الجدل وصنف المحرر وهو أول كتاب صنف فى الخلاف المجرد تفقه على أبى على بن أبى هريرة وسكن بغداد وتوفى بها سنة خمسين وثلاثمائة إذا أذن المرتهن للراهن فى البيع أو العتق ثم رجع قبل أن يبيع أو يعتق ولم يعلم الراهن بالرجوع فباع أو أعتق ففى صحته وجهان مخرجان من تصرف الوكيل قبل العلم بعزله كذا حكاه الجماهير منهم الرافعى والنووى وفصل فى الإفصاح فقال إن رجع الآذن قبل وقوع البيع فإن كان يمكن الوقوف فى مثله على رجوعه فعلى وجهين وإن كان لا يمكن فى مثله فعلى قول واحد أن بيعه صحيح ولا معنى لرجوعه قياسا على ما قال الشافعى فى الولى إذا دفع من وجب له حق القصاص إلى سياف فرجع فى الإذن قبل القتل قال الرويانى وهذا التفصيل لم يقله غيره قاضى الديار المصرية والشامية وسليل قاضيها وهو الذى كان ابن الحداد ينوب عنه وكان الحسين شابا وقد ولآه الخليفة فولى محمد بن طغج الإخشيد ابن الحداد خلافته فكان ابن الحداد هو الذى يحكم والاسم لابن أبى زرعة ثم ورد العهد بعد ستة أشهر من خلافة ابن الحداد لابن أبى زرعة بالقضاء من ابن أبى الشوارب قاضى بغداد فركب ابن أبى زرعة بالسواد إلى الجامع وقرىء عهده على المنبر وله يومئذ أربعون سنة وكان عارفا بالأحكام منفذا ثم أضيف إليه قضاء دمشق وحمص والرملة وغير ذلك وكان حاجبه بسيف ومنطقة ولم يزل ابن الحداد يخلفه إلى آخر أيامه وكان ابن أبى زرعة يتأدب معه ثم لما عزل ابن أبى الشوارب من قضاء بغداد وولى أبو نصر يوسف بن عمر القاضى بعث العهد إلى ابن أبى زرعة باستمراره ويقال إنه من سلالة زيد بن الخطاب بن نفيل العدوى ولم يثبت ذلك كان إماما فى الفقه والحديث واللغة أخذ الفقه عن أبى بكر القفال الشاشى وأبى على بن أبى هريرة وسمع الحديث من أبى سعيد بن الأعرابى بمكة وأبى بكر بن داسة بالبصرة وإسماعيل الصفار ببغداد وأبى العباس الأصم بنيسابور وطبقتهم روى عنه الشيخ أبو حامد الإسفراينى وأبو عبد الله الحاكم الحافظ وأبو نصر محمد بن أحمد بن سليمان البلخى الغزنوى وأبو مسعود الحسين بن محمد الكرابيسى وأبو عمرو محمد بن عبد الله الرزجاهى البسطامى وأبو ذر عبد ابن أحمد الهروى وأبو عبيد الهروى صاحب الغريبين وعبد الغافر بن محمد الفارسى وغيرهم وذكره أبو منصور الثعالبى فى كتاب اليتيمة وسماه أحمد وهو غلط والصواب حمد وذكره الإمام أبو المظفر بن السمعانى فى كتاب القواطع فى أصول الفقه عند الكلام على العلة والسبب والشرط وقال قد كان من العلم بمكان عظيم وهو إمام من أئمة السنة صالح للاقتداء به والإصدار عنه انتهى ومن تصانيفه معالم السنن وهو شرح سنن أبى داود وله غريب الحديث و شرح الأسماء الحسنى وكتاب العزلة وكتاب الغنية عن الكلام وأهله وغير ذلك توفى ببست فى ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا أخبرنا أبو الحسين اليونينى وشهدة العامرية أخبرنا جعفر الهمدانى ح وكتب إلى أحمد بن أبى طالب عن جعفر وغيره عن محمد بن عبد الهادى عن أبى طاهر السلفى قال جعفر سماعا قال سمعت أبا المحاسن الرويانى بالرى يقول سمعت أبا نصر البلخى بغزنة يقول سمعت أبا سليمان الخطابى يقول سمعت أبا سعيد ابن الأعرابى ونحن نسمع عليه هذا الكتاب يعنى كتاب السنن لأبى داود وأشار إلى النسخة التى بين يديه يقول لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذى فيه كتاب الله ثم هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شىء من العلم بتة أخبرنا الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتى عليه أخبرنا عبد الواسع بن عبد الكافى الأبهرى إجازة أخبرنا أبو الحسن محمد بن أبى جعفر بن على القرطبى سماعا أخبرنا القاسم بن الحافظ ابن عساكر حدثنا عبد الجبار بن محمد بن أحمد الخوارى إجازة وحدثنا عنه أبى سماعا ح قال ابن المظفر وأخبرنا يوسف بن محمد المصرى إجازة أخبرنا إبراهيم ابن بركات الخشوعى سماعا أخبرنا الحافظ أبو القاسم بن عساكر إجازة أخبرنا عبد الجبار الخوارى أنشدنا الشيخ الإمام أبو سعيد القشيرى أخبرنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبدان الكرمانى أنشدنا أبو الحسن بن أبى عمر أنشدنى أبو سليمان الخطابى لنفسه ارض للناس جميعا ** مثل ما ترضى لنفسك إنما الناس جميعا ** كلهم أبناء جنسك غير عدل أن توخى ** وحشة الناس بأنسك فلهم نفس كنفسك ** ولهم حس كحسك وبه إلى أبى الحسن بن أبى عمر وهو النوقانى قال سمعت أبا سليمان الخطابى يقول الغنى ما أغناك لا ما عناك قال وسمعته يقول عش وحدك حتى تزور لحدك احفظ أسرارك وشد عليك أزرارك ومن شعر الخطابى غير ما تقدم وما غربة الإنسان فى شقة النوى ** ولكنها والله فى عدم الشكل وإنى غريب بين بست وأهلها ** وإن كان فيها أسرتى وبها أهلى ومنه فسامح ولا تستوف حقك كله ** وأبق فلم يستوف قط كريم ولا تغل فى شيء من الأمر واقتصد ** كلا طرفى قصد الأمور ذميم ذكر الخطابى فى معالم السنن الحديث الذى رواه أبو داود وفيه أن رسول الله رد شهادة القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم واقتصر فيه على قوله ( القانع السائل والمستطعم وأصل القنوع السؤال ويقال فى القانع إنه المنقطع إلى القوم يخدمهم ويكون فى حوائجهم وذلك مثل الأجير والوكيل ونحوه ) ومعنى رد هذه الشهادة التهمة فى جر النفع إلى نفسه لأن القانع لأهل البيت ينتفع بما يصير إليهم من نفع إلى أن قال ومن رد شهادة القانع لأهل البيت بسبب جر المنفعة فقياس قوله أن يرد شهادة الزوج لزوجته لأن ما بينهما من التهمة فى جر النفع أكثر وإلى هذا ذهب أبو حنيفة انتهى وقد تبعه جماعة من الأصحاب منهم القاضى الحسين فقال فى تعليقته ما نصه فرع شهادة القانع لأهل البيت لا تقبل وهو الذى انقطع فى مكاسبه والتجأ إلى أهل بيت يؤاكلهم ويرمى عن قوسهم فلا تقبل شهادته لهم لما فيه ولما هو عليه من سقوط المروءة قال القاضى رحمه الله ولو كانت الزوجة بهذه الصفة أقول لا تقبل شهادتها انتهى وصاحب البحر الرويانى اتبع الخطابى فى كلامه هذا والحديث ذكره من أصحابنا زكريا الساجى والماوردى ولم يشبعوا عليه كلاما والرويانى اقتصر فيه على كلام الخطابى وقال فى شهادة أحد الزوجين للآخر الصحيح عندى أنها لا تقبل ففيها تهمة قوية خاصة فى زماننا قال وقال أبو سليمان الخطابى إنه القياس على القانع الذى ورد به النص قلت ومسألة القانع مع ورود حديث فيها لم أجد من أشبعها قولا وقليل من خصها بالذكر ولم أرها فى شيء من كتب الرافعى والنووى وابن الرفعة من خصها بالذكر ولم أرها فى شيء من كتب الرافعى والنووى وابن الرفعة بل لا أحفظها مقصودة بالذكر فى غير تعليقة القاضى ومن بعده ممن سأذكره والذى أقوله فيها إن الحديث إن صح وكان معناه ما ذكر فلا مدفع له وواجب الرجوع إليه غير أنه لا يكاد يثبت ولفظه مضطرب ومعناه مختلف فيه أما توقفنا فى ثبوته فمن قبل أنه من حديث محمد بن راشد وفيه كلام عن سليمان بن موسى الدمشقى وفيه أيضا كلام قال البخارى عنده مناكير عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأما اضطراب لفظه فلفظ أحمد لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذى غمر على أخيه ولا شهادة القانع لأهل البيت والقانع الذى ينفق عليه أهل البيت ولفظ أبى داود رد شهادة الخائن والخائنة وذى الغمر على أخيه ورد شهادة القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم وفى لفظ آخر عنده لم يذكر القانع بالكلية ورواه الدارقطنى من حديث عائشة ولفظه ولا القانع من أهل البيت لهم رواه من حديث يزيد بن أبى زياد وقال يزيد بن أبى زياد هذا لا يحتج به قلت وذكر ابن أبى حاتم فى العلل أن أبا زرعة الرازى قال إنه حديث منكر وأما الاختلاف فى معناه فما ذكره الخطابى اعتمد فيه على قول أبى عبيد القانع السائل والمستطعم وقال أيضا قد يقال إنه المنقطع إلى القوم يخدمهم ويكون فى حوائجهم قلت ولعل هذا أشبه بمعنى الحديث وقد تقدم فى بعض ألفاظه ما يؤيده ومع هذا الاضطراب يقف الاحتجاج به وأما شهادة أحد الزوجين للآخر وقياس أبى سليمان لها على القانع فموضع نظر وأوضح منه ما ذكره القاضى من قياس الزوجة على القانع لا القانع فإن الزوجة هى التى تستجر النفع بمال زوجها ومن أجل ذلك حكى بعض الأصحاب قولا إن شهادتها له ترد بخلاف شهادته لها غير أنه ضعيف وبعيد الشبه من القانع فإنها إنما تأخذ النفقة عوضا فلا يقع بها من التهمة ما يقع للقانع ولا يحملها على ما يحمله والرافعى لم يذكر القانع لا مقصودا ولا مستطردا وحكى فى شهادة أحد الزوجين للآخر ثلاثة أقوال أصحها عنده وعند النووى القبول قال وفى التهذيب طريقة قاطعة به وثالثها قبول الزوج دون الزوجة ولم يزد الرافعى على ذلك وفى المسألة وجه رابع أن شهادتها تقبل له إن كان موسرا وإن كان معسرا فوجهان وخامس أنها ترد فيما إذا شهدت بمال هو قدر قوتها ذلك اليوم ولا مال للزوج غيره لعود النفع إليها يقينا وتقبل فى غير هذه الحالة لأنه لا يتحقق عود النفع إليها حكاهما القاضى شريح فى كتاب أدب القضاء وجزم فيمن انقطع إلى كنف رجل يراعيه وينفق عليه أنه لا يمتنع بذلك قبول شهادته قلت وهذا هو القانع بعينه وإن لم يصرح بلفظه ففيه مخالفة لما جزم به القاضى من الرد وما ذكره من القبول هو الذى لا تكاد تجد سواه فى أذهان الناس وهو الفقه الظاهر إن لم يثبت الحديث حكى الخطابى فى معالم السنن عن أبى ثور أنه قال الجماعة فى الجمعة كسائر الصلوات وهذا رد على دعوى ابن الرفعة أنه لا خلاف فى اشتراط الجماعة الجمعة بشرط أن يكون أبو ثور لا يرى وجوب الجماعة فى سائر الصلوات وإلا فمتى رأى ذلك لم يكن فيه دليل إلا على أنه يكفى فيها إمام ومأموم فلم ينف عنها أصل الجماعة ذهب الخطابى إلى أن أكل الثوم والبصل ليس عذرا فى ترك الجمعة قال النووى فى كلام الخطابى إشارة إلى تحريم البول فى الطريق وهو الذى ينبغى لحديث اتقوا اللعانين ولما فيه من إيذاء المسلمين ولكن الأصحاب متفقون على أن كراهيته كراهية تنزيه كره الخطابى للمرأة لبس خاتم الفضة لأنه من شعار الرجال قال بخلاف خاتم الذهب ومن كلام الخطابى فى حديث ابن عباس الذى أخرجه أبو داود قضى رسول الله فى دية المكاتب يقتل فيودى ما أدى من كتابته دية الحر وما بقى دية المملوك كذا أخرجه أبو داود ورواه النسائى مرسلا قال الخطابى أجمع عامة الفقهاء أن المكاتب عبد ما بقى عليه درهم فى جنايته والجناية عليه ولم يذهب إلى العمل بهذا الحديث أحد فيما بلغنا إلا إبراهيم النخعى وروى فى ذلك شيء عن على كرم الله وجهه وإذا صح الحديث وجب العمل به إذا لم يكن منسوخا ولا معارضا بما هو أولى منه انتهى قلت وقد حكى هذا القول عن الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه استحسن ابن السمعانى أبو المظفر فى كتاب القواطع قول الخطابى ليس كل سبب علة ولكن كل علة سبب كما أنه ليس كل دليل علة ولكن كل علة دليل ووصفه بما ذكرناه عنه آنفا من المدح وهذا الكلام حسن فى بادئ الرأى للتفرقة بين العلة والسبب إلا أن فيه تسمحا فإن العلة ما به الشيء والسبب ما عنده الشيء لا به فهما قسمان ليس أحدهما أعم من الآخر فلا يصح هذا الكلام وهذا لا يقبل من الخطابى وإن علا شأنه فى العلوم التى يدريها غير الكلام فليس هو من صناعته وقد تكلمنا عن السبب والعلة كلاما مبسوطا فى كتاب الأشباه والنظائر وفى كتاب منع الموانع على لسان أصحاب هذه العلوم قال الخطابى فى كتابه تفسير اللغة التى فى مختصر المزنى فى باب الشفعة بلغنى عن إبراهيم بن السرى الزجاج النحوى إنه كان يذهب إلى أن الصاد تبدل سينا مع الحروف كلها لقرب مخرجهما فحضر يوما عند على ابن عيسى فتذاكرا هذه المسألة واختلفا فيها وثبت الزجاج على مقالته فلم يأت على ذلك إلا قليل من المدة فاحتاج الزجاج إلى كتاب إلى بعض العمال فى العناية فجاء إلى على بن عيسى الوزير ينتجز الكتاب فلما كتب على بن عيسى صدر الكتاب وانتهى إلى ذكره كتب وإبراهيم بن السرى من أخس إخوانى فقال الرجل أيها الوزير الله الله فى أمرى فقال له على بن عيسى إنما أردت أخص وهذه لغتك فأنت أبصر فإن رجعت وإلا أنفذت الكتاب بما فيه فقال قد رجعت أيها الوزير فأصلح الحرف وطوى الكتاب
|