الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
إمام أهل جرجان والمرجوع إليه فى الفقه والحديث وصاحب التصانيف ولد سنة سبع وسبعين ومائتين وسمع من الزاهد محمد بن عثمان المقابرى الجرجانى سنة تسع وثمانين ومائتين وسمع قبل ذلك وسمع إبراهيم بن زهير الحلوانى وحمزة بن محمد بن عيسى الكاتب وأحمد بن محمد ابن مسروق ومحمد بن يحيى بن سليمان المروزى ويحيى بن محمد الحنائى وعبد الله ابن ناجية والفريابى ويوسف بن يعقوب القاضى ومحمد بن عبد الله الحضرمى وإبراهيم بن عبد الله المخرمى ومحمد بن عثمان بن أبى شيبة ومحمد بن الحسن بن سماعة وأبا خليفة المجمحى وبهلول بن إسحاق التنوخى وعبدان وأبا يعلى وخلقا سواهم ببغداد والكوفة والبصرة والأنبار والأهواز والموصل روى عنه الحاكم وأبو بكر البرقانى وحمزة السهمى وأبو حازم العبدوى وأبو بكر محمد بن إدريس الجرجرائى الحافظ وخلق سواهم قال حمزة سمعته يقول لما ورد نعى محمد بن أيوب الرازى دخلت الدار وبكيت وصرخت ومزقت على نفسى القميص ووضعت التراب على رأسى فاجمتع على أهلى ومن فى منزلى وقالوا ما أصابك قلت نعى محمد بن أيوب الرازى منعتمونى الارتحال إليه فسلوا قلبى وأذنوا لى فى الخروج عند ذلك وأصحبونى خالى إلى نسا إلى الحسن بن سفيان فكان ذلك أول رحلتى فى الحديث ورجعت قال شيخنا الذهبى كان ذلك سنة أربع وتسعين فإن فيها توفى محمد بن أيوب قال ثم خرجت إلى بغداد سنة ست وتسعين وصحبنى بعض أقربائى قال الشيخ أبو إسحاق جمع يعنى الإسماعيلى بين الفقه والحديث ورياسة الدين والدنيا وقال الدارقطنى كنت عزمت غير مرة أن أرحل إلى أبى بكر الإسماعيلى فلم أرزق وقال الحسن بن على الحافظ كان الواجب للإسماعيلى أن يصنف لنفسه سننا ويختار على حسب اجتهاده فإنه كان يقدر عليه لكثرة ما كان كتب ولغزارة علمه وفهمه وجلالته وما كان ينبغى أن يتبع كتاب محمد بن إسماعيل فإنه كان أجل من أن يتبع غيره أو كما قال وقال أبو عبد الله الحاكم كان أبو بكر واحد عصره وشيخ المحدثين والفقهاء وأجلهم فى الرياسة والمروءة والسخاء ولا خلاف بين عقلاء الفريقين من أهل العلم فيه وقال غيره له التصانيف الكثيرة منها المستخرج على الصحيح والمعجم وله مسند كبير فى نحو مائة مجلد قال حمزة توفى فى غرة صفر سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة
ذكر النووى فى خطبة شرح المهذب أن الصحيح المشهور أن قول الصحابى من السنة كذا فى حكم المرفوع وأنه مذهب الجماهير وأن أبا بكر الإسماعيلى قال له حكم الموقوف على الصحابى قلت الأكثر كما قال النووى على أنه حجة وقد أغرب المازرى فى شرح . . . من أهل جرجان وكان أحد أصدقاء أبى بكر الإسماعيلى ذكره حمزة بن يوسف السهمى فى تاريخ جرجان وقال تفقه على ابن سريج قال وسمعت أبى يوسف بن إبراهيم يقول إنه مات فجأة سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وكان قد خرج من الحمام فوقع عليه حائط فمات أحد الأئمة الجامعين بين الفقه والحديث رأى يحيى الذهلى وأبا حاتم الرازى وسمع الفضل بن محمد الشعرانى وإسماعيل بن قتيبة ويعقوب بن يوسف القزوينى ومحمد بن أيوب وببغداد الحارث بن أبى أسامة وإسماعيل القاضى وبالبصرة هشام بن على وبمكة على بن عبد العزيز واختلف إلى محمد بن نصر ولم يسمع منه شيئا روى عنه أبو على الحافظ وأبو بكر الإسماعيلى وأبو أحمد الحاكم وأبو عبد الله الحاكم ومحمد بن إبراهيم الجرجانى وخلق ولد سنة ثمان وخمسين ومائتين وكان قد اشتغل فى صباه بعلم الفروسية فلم يسمع إلى سنة ثمانين قال الحاكم أقام يعنى بنيسابور سبعا وخمسين سنة لم يؤخذ عليه فى فتاويه مسألة وهم فيها قال وسمعت محمد بن حمدون يقول صحبت أبا بكر بن إسحاق سنين فما رأيته قط ترك قيام الليل فى سفر ولا حضر قال وسمعته يعنى الصبغى يقول وهو يخاطب فقيها فقال حدثونا عن سليمان بن حرب فقال دعنا من حدثنا إلى متى حدثنا وأخبرنا فقال ما هذا لست أشم من كلامك رائحة الإيمان ولا يحل لك أن تدخل دارى ثم هجره حتى مات قال وسمعته غير مرة إذا أنشد بيتا يفسده ويغيره يقصد ذلك وكان يضرب المثل بعقله ورأيه ورأيته غير مرة إذا أذن المؤذن يدعو بين الأذان والإقامة ثم يبكى وربما كان يضرب برأسه الحائط حتى خشيت يوما أن تدمى رأسه وما رأيت في مشايخنا أحسن صلاة منه وكان لا يدع أحدا يغتاب فى مجلسه قال وله الكتب المطولة قال وسمعته يقول رأيت فى منامى كأنى فى دار وأنا أظن أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه فيها فدخلت وفى الدار بستان أردت دخوله فاستقبلنى أبو بكر الصديق رضى الله عنه فعانقنى وقبل وجهي ودعا لى وهذا عند ابتدائى فى تصنيف كتاب الفضائل قال وسمعته يقول لما فرغت من تصنيف كتاب الفضائل رأيت فى المنام كأنى خارج من منزل شخص ذكره واستقبلنى النبى ومعه أبو بكر وعمر وعثمان أو على رضى الله عنهم أحدهما فإنى شككت ولم أشك فى أنهم كانوا أربعة فتقدمت فسلمت على رسول الله فرد على السلام ثم تقدم إلى أبو بكر رضى الله عنه فقبل بين عينى وقال جزاك الله عن نبيه خيرا وعنا خيرا قال أبو بكر فأخرجت خاتمى هذا من أصبعى وجعلته فى أصبع رسول الله ثم نزعته فجعلته فى أصبع أبى بكر ثم إلى آخر الأربعة ثم قلت يا رسول الله قد عظمت بركة هذا الخاتم إذ دخل أصابعكم ثم انتبهت قال الحاكم وقد كان الشيخ أوصى أن يدفن ذلك الخاتم معه قلت وهذا منه فيه استحسان لما يفعل من دفن المرء معه ما يتبرك به أو دفنه فيما يتبرك به وسيأتى إن شاء الله تعالى نظير هذه فى ترجمة عبد الرحمن بن أبى حاتم ضمن حكاية عنه ويشهد له قول . . . وذكر الحاكم أن أبا على بن أبى هريرة كتب إلى نيسابور ليكتب له فضائل الأربعة وكتاب الأحكام اللذان للصبغى قال فكتب وحمل إلى مدينة السلام فأكثر الثناء عليه قال الحاكم ومصنفاته يعنى الصبغى فى الفقه من أدل الدليل على علمه ومصنفاته فى الكلام لم يسبقه إلى مثلها أحد من مشايخ أهل الحديث توفى الصبغى فى شعبان سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة
كان يرى أن المأموم إذا لم يقرأ الفاتحة وأدرك الإمام وهو راكع لا يكون مدركا للركعة وهو اختيار ابن خزيمة وابن أبى هريرة وأبى رحمه الله ويذهب إلى أن تراب الولوغ يجوز أن يكون نجسا وهو وجه غريب حكاه الرافعى قال العبادى وذكر أنه ركب يوما فأصاب ذراعيه طين من وحل كلب فأمر جاريته بغسله وتعفيره فقالت الجارية أما فى الطين تراب فقال أحسنت أنت أفقه منى قال الحاكم سمعته وسئل عن حديث ابن عباس أن رجلين صليا مع النبى فقال لهما ( أعيدا وضوءكما ) قالا لم يا رسول الله قال ( اغتبتما فلانا ) قال يجوز أن يكون أمرهما بالوضوء ليكون كفارة لمعصيتهما وتطهيرا لذنوبهما لأن النبى أخبر أن الوضوء يحط الخطايا قال وسمعته وسئل عن قوله ( من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ قال إن صح هذا الخبر فمعناه أن يتوضأ قبل حمله شفقة أن تفوته الصلاة بعد الحمل كما قال ( من راح إلى الجمعة فليغتسل ) أى قبل الرواح وعكس الشيخ أبو إسحاق فقال بن عامر بن بشر هو القاضى أبو حامد المروروذى أحد رفعاء المذهب وعظمائه ذكره أبو حفص عمر بن على المطوعى فى كتابه المسمى بالمذهب فى ذكر شيوخ المذهب فقال صدر من صدور الفقه كبير وبحر من بحار العلم غزير وهو من أصحاب أبى إسحاق ومن أعيان تلامذته أبو إسحاق المهرانى وأبو الفياض البصرى وكتابه الموسوم بالجامع أمدح له من كل لسان ناطق لإحاطته بالأصول والفروع وإتيانه على النصوص والوجوه فهو لأصحابنا عمدة من العمد ومرجع فى المشكلات والعقد انتهى وعن القاضى أبى حامد أخذ فقهاء البصرة وشرح مختصر المزنى وصنف فى الأصول ومن أخصائه وتلامذته أبو حيان التوحيدى وفى كتابه البصائر أعنى أبا حيان يقول كان القاضى أبو حامد شديد الازورار عن الكلام والفقه فى أهله قال وإنما أولع بذكر ما يقوله هذا الرجل لأنه أنبل من رأيته فى عمرى وكان بحرا يتدفق حفظا للسير وقياما بالأخبار واستنباطا للمعانى وثباتا على الجدل وصبرا فى الخصام وقال فى مكان آخر كان أبو حامد كثير العلم غزير الحفظ قيما بالسير وكان يزعم أن السير بحر الفتيا وخزانة القضاء وعلى قدر اطلاع الفقيه عليها يكون استنباطه وقال فى مكان آخر كان أبو حامد إذا رأى تراجع المتكلمين فى مسائلهم وثباتهم على مذاهبهم بعد طول جدلهم ينشد ومهمه دليله مطوح ** يدأب فيه القوم حتى يطلحوا ثم يظلون كأن لم يبرحوا ** كأنما أمسوا بحيث أصبحوا ومات القاضى أبو حامد سنة اثنتين وستين وثلاثمائة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . مات ليلة الجمعة ثانى عشر جمادى الأولى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة ذكره ابن باطيش بفتح الألف وسكون النون وفتح الميم وفى آخرها الراء نسبة إلى بلدة يقال لها أنمار هو أبو الحسن إمام كبير من أهل نيسابور سمع أبا عبدالله البوشنجي وغيره روى عنه الأستاذ أبو الوليد وأبو على الحافظ وغيرهما توفى سنة أربع وأربعين وثلاثمائة أحد أئمة الدنيا في الحديث والمشهور اسمه وكتابه ولد سنة خمس عشرة ومائتين وسمع قتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهويه وهشام بن عمار وعيسى بن حماد والحسين بن منصور السلمى النيسابورى وعمرو بن زرارة ومحمد بن النضر المروزى وسويد بن نصر وأبا كريب ومحمد بن رافع وعلى بن حجر وأبا بريد الجرمى ويونس بن عبد الأعلى وخلقا سواهم بخراسان والعراق والشام ومصر والحجاز والجزيرة روى عنه أبو بشر الدولابى وأبو على الحسين النيسابورى وحمزة بن محمد الكنانى وأبو بكر أحمد بن السني ومحمد بن عبد الله بن حيوية وأبو القاسم الطبرانى وخلق سواهم رحل إلى قتيبة وهو ابن خمس عشرة سنة وقال أقمت عنده سنة وشهرين وسكن مصر وكان يسكن بزقاق القناديل وكان يصوم يوما ويفطر يوما وكان كثير الجماع وله أربع زوجات يقسم لهن ولا يخلو مع ذلك عن السرارى ودخل دمشق فسئل عن معاوية رضى الله عنه ففضل عليه عليا كرم الله وجهه فأخرج من المسجد وحمل إلى الرملة وأنكر عليه بعضهم تصنيفه كتاب الخصائص لعلى رضى الله عنه وقيل له كيف تركت تصنيف فضائل الشيخين فقال دخلت إلى دمشق والمنحرف بها عن على كثير فصنفت كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله ثم صنف بعد ذلك فضائل الصحابة رضى الله عنهم قال أبو على النيسابورى حافظ خراسان فى زمانه حدثنا الإمام فى الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائى وقال منصور الفقيه وأبو جعفر الطحاوى رحمهما الله النسائى إمام من أئمة المسلمين وقال الدارقطنى أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره وقال ابن طاهر المقدسى سألت سعد بن على الزنجانى عن رجل فوثقه فقلت قد ضعفه النسائى فقال يا بنى إن لأبى عبد الرحمن شرطا فى الرجال أشد من شرط البخارى ومسلم وقال محمد بن المظفر الحافظ سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائى فى العبادة بالليل والنهار وأنه خرج إلى الفداء مع أمير مصر فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثورة فى فداء المسلمين واحترازه عن مجالس السلطان الذى خرج معه والانبساط فى المأكل وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد بدمشق من جهة الخوارج وقال الدارقطنى كان ابن الحداد أبو بكر كثير الحديث ولم يحدث عن غير النسائى وقال رضيت به حجة فيما بينى وبين الله قلت سمعت شيخنا أبا عبد الله الذهبى الحافظ وسألته أيهما أحفظ مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح أو النسائى فقال النسائى ثم ذكرت ذلك للشيخ الإمام الوالد تغمده الله برحمته فوافق عليه وقد اختلفوا فى مكان موت النسائى فالصحيح أنه أخرج من دمشق لما ذكر فضائل على قيل ما زالوا يدافعون فى خصيتية حتى أخرج من المسجد ثم حمل إلى الرملة فتوفى بها قال أبو سعيد بن يونس توفى بفلسطين يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر سنة ثلاث وثلاثمائة وقيل حمل إلى مكة فدفن بها بين الصفا والمروة مات ليلة الجمعة من شهر رمضان سنة خمس وستين وثلاثمائة وكان ابن ثمان وسبعين سنة كذا أورد هذه الترجمة ابن باطيش وقال الحافظ أبو سعد فى كتاب الأنساب أبو النصر أحمد بن محمد بن الحسن الطرائفى الفقيه من أهل نيسابور سمع الحديث ثم تفقه على كبر السن رأى أبا العباس محمد بن إسحاق الثقفى ثم سمع الحديث بعده من مثل أبى على محمد بن عبد الوهاب وطبقته وتوفى فى شهر رمضان سنة ثمان وستين وثلاثمائة انتهى كلام أبى سعد ولعلهما واحد والصواب مع أبى سعد
قال الحاكم كان إمام أهل العلم والوجوه وأولياء السلطان بخراسان فى عصره بلا مدافعة سمع بهراة ونيسابور ومروالروذ وجرجان ونسا وبغداد والبصرة ومكة ومصر والأهواز وحج بالناس وخطب بمكة وقال أبو النصر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامى في تاريخ هراة كان إمام عصره بلا مدافعة فى أنواع العلوم مع رتبة الوزارة وعلو القدر عند السلطان وقال أبو سعد بن السمعانى إنه الذى يقال له الشيخ الجليل ببخارى قلت سمع على بن محمد الجكانى وأحمد بن نجدة بن العريان وإبراهيم بن أبى طالب وعمران بن موسى بن مجاشع والحسن بن سفيان ويوسف القاضى وأبا خليفة ومطينا وعبدان وخلقا روى عنه أبو العباس بن عقدة وهو من شيوخه وأبو بكر الصبغى والقفال الشاشى ومشايخ عصره بخراسان ومن الرواة عنه الحاكم وأبو عبد الله الحازمى وذكر الحاكم من عظمة الشيخ الجليل أبى محمد المزنى أنه كان فوق الوزراء وأنهم كانوا يصدرون عن رأيه وقال أبو كامل البصرى سمعت عبد الصمد بن نصر العاصمى يقول سمعت أبا بكر الأودنى يقول احتاج أبو بكر محمد بن على القفال الشاشى إلى سماع حديث واحد من حديث المزنى فأراد أن يقرأ عليه فاستأذن عليه فقال له إلى يوم المجلس يا أبا بكر فقال القفال أيد الله الشيخ الجليل إنى مع القافلة وهى تخرج اليوم فإن أذن لى بالقراءة عليه قال قد قلت إلى يوم المجلس فلم يقدر له ولم يقرئه ولم يدعه يسمع منه ذلك الحديث الذى فيه حاجة القفال ومن شعر الشيخ الجليل نزلنا مكرهين بها فلما ** ألفناها خرجنا مكرهينا وما حب الديار بنا ولكن ** أمر العيش فرقة من هوينا قيل كان الشيخ الجليل قتيل حب الوطن أملى مجلسا فى هذا المعنى ومرض عقبه وتوفى بعد جمعة فى سابع عشر شهر رمضان سنة ست وخمسين وثلاثمائة قال الحاكم ورأيت الوزير أبا على البلعمى وقد حمل فى تابوته وأحضر إلى باب السلطان يعنى ببخارى للصلاة عليه ثم حمل تابوته إلى هراة فدفن بها فسمعت ابنه بشرا يقول آخر كلمة تكلم بها أن قبض على لحيته ورفع يده اليمنى إلى السماء وقال ارحم شيبة شيخ جاءك بتوفيقك على الفطرة قال الحاكم وسمعت أبا الفضل السليمانى وكان صالحا يقول رأيت أبا محمد المزنى فى المنام بعد وفاته بليلتين وهو يتبختر فى مشيته ويقول بصوت عال ولد سنة سبع أو ثمان وثلاثمائة روى عن أبيه والقاسم بن أبى صالح وإسماعيل الصفار وعبد الباقى بن قانع وأبى سعيد بن الأعرابى وخلق روى عنه جعفر بن محمد الأبهرى وحميد بن المأمون وأبو مسعود أحمد بن محمد البجلى وخلق كثير من أهل همذان ومن الواردين وكان إماما ثقة عالما قال شيرويه كان ثقة أوحد زمانه مفتى البلد يعنى همذان يحسن هذا الشأن يعنى الحديث وله مصنفات فى علوم الحديث غير أنه كان مشهورا بالفقه ورأيت له كتاب السنن ومعجم الصحابة ما رأيت شيئا أحسن منه وقال الشيخ أبو إسحاق حكى لى سبطه أبو سعد أنه أخذ الفقه عن أبى إسحاق وأبى على بن أبى هريرة وكان ورعا متعبدا أخذ عنه الفقه فقهاء همذان قلت اضطرب فى وفاته فقيل سنة اثنتين وتسعين وقيل سادس عشر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وقيل سنة تسع وتسعين وقيل وكان يقول اللهم لا تحينى إلى سنة أربعمائة فمات قبلها قيل والدعاء عند قبره مستجاب رحل إلى العراق بعد سنة عشرين وثلاثمائة واستكثر من شيوخ العراق وخراسان ودرس الفقه على أبى إسحاق المروزى وعلق عنه شرح مختصر المزنى ثم رجع إلى نسف وأقام بها سنتين ثم أعاد الرحلة ثم خرج حاجا فى سنة تسع وثلاثين وحج ومات بالبادية منصرفا من الحج سنة أربعين وثلاثمائة الباز الأشهب والأسد الضارى على خصوم المذهب شيخ المذهب وحامل لوائه والبدر المشرق فى سمائه والغيث المغدق بروائه ليس من الأصحاب إلا من هو حائم على معينه هائم من جوهر بحره بثمينه انتهت إليه الرحلة فضربت الإبل نحوه آباطها وعلقت به العزائم مناطها وأتته أفواج الطلبة لا تعرف إلا نمارق البيد بساطها تفقه على أبى القاسم الأنماطى وسمع الحسن بن محمد الزعفرانى وعباس بن محمد الدورى وأبا داود السجستانى وعلى بن إشكاب وغيرهم روى عنه أبو القاسم الطبرانى الحافظ وأبو الوليد حسان بن محمد الفقيه وأبو أحمد الغطريفى وغيرهم قال الشيخ أبو إسحاق كان يقال له الباز الأشهب وولى القضاء بشيراز قال وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعى رحمة الله تعالى عليهم حتى على المزنى قلت أحسب أن ولايته القضاء كانت فى مبادى شأنه وأما بالآخرة فقد سمر على بابه ليلى قضاء القضاة فامتنع كما سنحكى ذلك فى فصل الفوائد عنه ومن كلام الشيخ أبى حامد الإسفراينى نحن نجرى مع أبى العباس فى ظواهر الفقه دون دقائقه وقال أبو عاصم العبادى ابن سريج شيخ الأصحاب ومالك المعانى وصاحب الأصول والفروع والحساب وقال أبو حفص المطوعى ابن سريج سيد طبقته بإطباق الفقهاء وأجمعهم للمحاسن باجتماع العلماء ثم هو الصدر الكبير والشافعى الصغير والإمام المطلق والسباق الذى لا يلحق وأول من فتح باب النظر وعلم الناس طريق الجدل وقال الإمام الضياء الخطيب والد الإمام فخر الدين فى كتابه غاية المرام إن أبا العباس كان أبرع أصحاب الشافعى فى علم الكلام كما هو أبرعهم فى الفقه وقال أبو على بن خيران سمعت ابن سريج يقول رأيت كأنما مطرنا كبريتا أحمر فملأت أكمامى وحجرى فعبر لى أن أرزق علما عزيزا كعزة الكبريت الأحمر وعن ابن سريج يؤتى يوم القيامة بالشافعى وقد تعلق بالمزنى يقول رب هذا قد أفسد علومى فأقول أنا مهلا بأبى إبراهيم فإنى لم أزل فى إصلاح ما أفسده وروى الخطيب أن أبا العباس قال فى علته التى مات فيها أريت البارحة فى المنام كأن قائلا يقول لى هذا ربك تعالى يخاطبك قال فسمعت الخطاب ب وفى رواية رواها التنوخى عن بعض أصحاب ابن سريج قال لنا ابن سريج يوما أحسب أن المنية قد قربت فقلنا وكيف قال رأيت البارحة كأن القيامة قامت والناس قد حشروا وكأن مناديا ينادى بم أجبتم المرسلين فقلت بالإيمان والتصديق فقال ما سئلتم عن الأقوال بل سئلتم عن الأعمال فقلت أما الكبائر فقد اجتنبناها وأما الصغائر فعولنا فيها على عفو الله ورحمته فقلنا له ما فى هذا ما يقتضى سرعة الموت فقال أما سمعتم قوله وممن سمع هذا المنام من ابن سريج أبو بكر الفارسى صاحب عيون المسائل ورواه عنه ولأبى العباس مصنفات كثيرة يقال إنها بلغت أربعمائة مصنف ولم نقف إلا على اليسير منها وقفت له على كتاب فى الرد على ابن داود فى القياس وآخر فى الرد عليه فى مسائل اعترض بها الشافعى وهو حافل نفيس وأما كتاب الخصال المنسوب إليه فقليل الجدوى وعندى أنه لابنه أبى حفص عمر بن أبى العباس وقد ناظر أبو العباس الإمام داود الظاهرى وأما ابنه محمد بن داود فلأبى العباس معه المناظرات المشهورة والمجالس المروية وكان أبو العباس يستظهر عليه وحكى أن ابن داود قال له يوما أبلعنى ريقى فقال أبلعتك دجلة وأنه قال له يوما أمهلنى ساعة فقال أمهلتك من الساعة إلى قيام الساعة ومات محمد بن داود قبله فيحكى أن أبا العباس نحى مخادة ومساوره وجلس للتعزية عند موته وقال ما آسى إلا على تراب أكل لسان محمد بن داود قلت كذا لفظ الحكاية ولعله من المقلوب والمعنى إلا على لسان محمد بن داود كيف أكله التراب وقد جوزت النحاة رفع المفعول به ونصب الفاعل عند أمن اللبس وأنشدوا عليه مثل القنافذ هداجون قد بلغت ** نجران أو بلغت سوآتهم هجر رفع المفعول وهو هجر لأنها المبلوغة ونصب الفاعل وهو السوآت لأنها البالغة لأمن اللبس ومن هذا قول الشاعر أيضا إن سراجا لكريم مفخره ** تحلى به العين إذا ما تجهره أى تحلى العين به قالوا وعليه قوله تعالى ويحتمل أن تكون على فى الحكاية حرف تعليل والمعنى بسبب تراب أكل لسان ابن داود على حد قول الشاعر علام تقول الرمح أثقل عاتقى ** إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت وعليه قوله تعالى قال بعضهم اجتمع ابن سريج ومحمد بن داود فاحتج ابن داود على أن أم الولد تباع قال أجمعنا أنها كانت أمة تباع فمن ادعى أن هذا الحكم يزول بولادتها فعليه الدليل فقال له ابن سريج وأجمعنا على أنها لما كانت حاملا لا تباع فمن ادعى أنها تباع إذا انفصل الحمل فعليه الدليل فبهت أبو بكر قال أبو الوليد النيسابورى الفقيه سمعت ابن سريج يقول قل ما رأيت من المتفقهة من اشتغل بالكلام فأفلح يفوته الفقه ولا يصل إلى معرفة الكلام وقدمنا فى خطبة هذا الكتاب الحكاية المشهورة عن ابن سريج وأن شيخنا قام فى مجلسه وقال أبشر أيها القاضى . . الحكاية وفيها أن ذلك كان سنة ثلاث وثلاثمائة واعلم أن وفاة ابن سريج كانت سنة ست وثلاثمائة بإجماع وهو عالم ذلك القرن فيما قاله جماعة وقد تقدم فى الخطبة استيعاب القول فى ذلك وكان شيخنا الذهبى يقول الذى أعتقده فى حديث يبعث الله من يجدد أن من للجمع لا للمفرد ويقول مثلا على رأس الثلاثمائة ابن سريج فى الفقه والأشعرى فى أصول الدين والنسائى فى الحديث وعلى الستمائة مثلا الحافظ عبد الغنى فى الحديث والإمام فخر الدين فى الكلام ونحو هذا قال الخطيب بلغ سن ابن سريج فيما بلغنى سبعا وخمسين سنة وستة أشهر أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا المسلم بن محمد ابن علان القيسى إجازة أخبرنا زيد بن الحسن أبو اليمن الكندى أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا الخطيب أبو بكر الحافظ أخبرنا على بن المحسن التنوخى أخبرنا أبى حدثني أبو العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن البخترى القاضى الداوودى حدثنى أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن محمد بن المغلس الداوودى قال كان أبو بكر محمد بن داود وأبو العباس بن سريج إذا حضرا مجلس القاضى أبى عمر يعنى محمد بن يوسف لم يجر بين اثنين فيما يتفاوضانه أحسن مما يجرى بينهما وكان ابن سريج كثيرا ما يتقدم أبا بكر فى الحضور فى المجلس فتقدمه أبو بكر يوما فسأله حدث من الشافعيين عن العود الموجب للكفارة فى الظهار ما هو فقال إنه إعادة القول ثانيا وهو مذهبه ومذهب داود فطالبه بالدليل فشرع فيه ودخل ابن سريج فاستشرحهم ما جرى فشرحوه فقال ابن سريج لابن داود أولا يا أبا بكر أعزك الله هذا قول من من المسلمين تقدمكم فيه فاستشاط أبو بكر من ذلك وقال أتقدر أن من اعتقدت أن قولهم إجماع فى هذه المسألة إجماع عندى أحسن أحوالهم أن أعدهم خلافا وهيهات أن يكونوا كذلك فغضب ابن سريج وقال أنت يا أبا بكر بكتاب الزهرة أمهر منك فى هذه الطريقة فقال أبو بكر وبكتاب الزهرة تعيرنى والله ما تحسن تستتم قراءته قراءة من يفهم وإنه لمن أحد المناقب إذ كنت أقول فيه أكرر فى روض المحاسن مقلتى ** وأمنع نفسى أن تنال محرما وينطق سرى عن مترجم خاطرى ** فلولا اختلاسى رده لتكلما رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم ** فما إن أرى حبا صحيحا مسلما فقال له ابن سريج أو على تفخر بهذا القول وأنا الذى أقول ومساهر بالغنج من لحظاته ** قد بت أمنعه لذيذ سناته ضنا بحسن حديثه وعتابه ** وأكرر اللحظات فى وجناته حتى إذا ما الصبح لاح عموده ** ولى بخاتم ربه وبراته فقال ابن داود لأبى عمر أيد الله القاضى قد أقر بالمبيت على الحال التى ذكرها وادعى البراءة مما يوجبه فعليه إقامة البينة فقال ابن سريج من مذهبى أن المقر إذا أقر إقرارا وناطه بصفة كان إقراره موكولا إلى صفته فقال ابن داود للشافعى فى هذه المسألة قولان فقال ابن سريج فهذا القول الذى قلته اختيارى الساعة أخبرنا جدى القاضى أبو محمد عبد الكافى بن على بن تمام السبكى تغمده الله برحمته بقراءة أبى رحمة الله عليه وأنا حاضر أسمع أخبرنا أبو محمد عبد الرحيم بن يوسف ابن خطيب المزة سماعا عليه أخبرنا عمر بن طبرزد حضورا فى الخامسة أخبرنا أبو المواهب أحمد بن محمد بن عبد الملك بن ملوك الوراق والقاضى أبو بكر محمد بن عبد الباقى بن محمد الأنصارى قالا أخبرنا القاضى الجليل أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبرى الشافعى حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن الغطريف الغطريفى بجرجان سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة حدثنا الإمام أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج حدثنا أبو يحيى الضرير محمد بن سعيد العطار حدثنا عبيدة بن حميد حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبى ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال كنت رجلا مذاء وكنت أكثر الاغتسال فسألت رسول الله فقال ( يكفيك منه الوضوء )
قال شيخنا أبو حيان رحمه الله فى الارتشاف ركب أبو العباس ابن سريج ما دخلت عليه لو تركيبا غير عربى فقال ولو كلما كلب عوى ملت نحوه ** أجاوبه إن الكلاب كثير ولكن مبالاتى بمن صاح أو عوى ** قليل فإنى بالكلاب بصير انتهى ولم يبين وجه خروج أبى العباس عن اللسان فى هذا فإن أراد تسليطه حرف لو على الجملة الإسمية فهو مذهب كثير من النحاة منهم الشيخ جمال الدين بن مالك جوزوا أن يليها اسم ويكون معمول فعل مضمر مفسر بظاهر بعد الاسم قال فى التسهيل وإن وليها اسم فهو معمول فعل مضمر مفسر بظاهر بعد الاسم وربما وليها اسمان مرفوعان انتهى ومثال ما إذا وليها اسم ما روى فى المثل مثل قولهم لو ذات سوار لطمتنى وقول عمر رضى الله عنه لو غيرك قالها يا أبا عبيدة وقال الشاعر أخلاى لو غير الحمام أصابكم ** عتبت ولكن ما على الدهر معتب وقال آخر لو غيركم علق الزبير بحبله ** أدنى الجوار إلى بنى العوام وقال آخر فلو غير أخوالى أرادوا نقيصتى ** جعلت لهم فوق العرانين ميسما فالأسماء التى وليت لو فى هذا كله معمولة لفعل مضمر يفسره ما بعده كأنه قال ولو لطمتنى ذات سوار لطمتنى وكذا نقول فى قول ابن سريج ولو كلما كلب المعنى ولو كان كلما كلب عوى ويدل على ذلك قوله تعالى ولا يلزم من رد أبى حيان لهذا المذهب ودعواه أنه غير مذهب البصريين أن يكون مردودا فى نفسه وإن أراد حذف الجواب إذ التقدير ولو كان كلما عوى كلب ملت نحوه كى أجاوبه لسئمت أو تعبت أو نحو ذلك لأن الكلاب كثير فقد نص هو وغيره على جواز حذف جواب لو لدلالة المعنى عليه وعليه قوله تعالى قال الحاكم أبو عبد الله سمعت الأستاذ أبا الوليد النيسابورى يقول سألت ابن سريج ما معنى قول رسول الله ( قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ) فقال إن القرآن أنزل ثلثا منه أحكام وثلثا منه وعد ووعيد وثلثا أسماء وصفات وقد جمع في قال القاضى أبو على البندنيجى فى الذخيرة حكى عن أبى العباس ابن سريج أنه كان يوصل الماء إلى أذنيه تسع مرات يغسلهما ثلاثا مع الوجه ويمسح عليهما ثلاثا مع الرأس ويفردهما بالمسح ثلاثا قلت وقد استحسن النووى فى الروضة صنع ابن سريج هذا وغلط من غلطه فيه ونظيره ما حكاه القاضى الحسين فى تعليقه فى باب صلاة المسافر عنه ضمن فرع حسن قال القاضى رحمه الله بعد تعديد مسائل يستحب فيها الخروج من الخلاف ما نصه فى الفصد والحجامة يستحب له أن يتوضأ إذا صار وضوءه خلقا بأن أدى به فرضا أو نافلة فأما إذا لم يؤد به شيئا فلا يستحب لأن تجديد الوضوء مكروه قبل أن يؤدى بالأول صلاة ما لأنه يؤدى إلى الزيادة على الأربع ويحكى عن ابن سريج أنه كان بعد ما افتصد مس ذكره ثم توضأ وهذا ليس بقوى لأنه لا فرق عندنا بين ما لو أحدث أو مس ذكره انتهى وما ذكره من عدم استحباب التجديد إذا لم يؤد به صلاة لأن الغسلة تصير رابعة حكم ظاهر وتعليل حسن ونظيره قول الشيخ أبى محمد فى الفروق ما نصه إذا توضأ فغسل وجهه مرة ويديه مرة ومسح رأسه مرة وغسل رجليه مرة ثم عاد فغسل وجهه ثانية ويديه ثانية إلى آخرها ثم فعل ذلك مرة ثالثة لم تجز انتهى وسنعيد للفرع ذكرا إن شاء الله تعالى فى ترجمة الشيخ أبى محمد قال أبو حفص المطوعى كان على بن عيسى الوزير منحرفا عن أبى العباس لفضل ترفعه وتقاعده عن زيارته منصبا بالميل إلى أبى عمر المالكى القاضى لمواظبته على خدمته ولذلك كان ما قلده من القضاء وكانت فى أبى عمر نخوة على أكفائه من فقهاء بغداد لعلو مرتبته فحمل ذلك جماعة من الفقهاء على تتبع فتاويه حتى ظفروا له بفتوى خالف فيها الجماعة وخرق الإجماع وانهى ذلك إلى الخليفة والوزير فعقدوا مجلسا لذلك وكان خذ أبى عمر فيه الأضرع وفيمن حضر أبو العباس ابن سريج فلم يزد على السكوت فقال له الوزير فى ذلك فقال ما أكاد أقول فيهم وقد ادعوا عليه خرق بالإجماع وأعياه الانفصال عما اعترضوا به عليه ثم إن ما أفتى به قول عدة من العلماء وأعجب ما فى الباب انه قول صاحبه مالك وهو مسطور فى كتابه الفلانى فأمر الوزير بإحضار ذلك الكتاب فكان الأمر على ما قاله فأعجب به غاية الإعجاب وتعجب من حفظه لخلاف مذهبه وغفلة أبى عمر عن مذهب صاحبه وصار هذا من أوكد أسباب الصداقة بينه وبين الوزير وما زالت عناية الوزير به حتى رشحه للقضاء فامتنع أشد الامتناع فقال إن امتثلت ما مثلته لك وإلا أجبرتك عليه قال افعل ما بدا لك فأمر الوزير حتى سمر عليه بابه وعاتبه الناس على ذلك فقال أردت أن يتسامع الناس أن رجلا من أصحاب الشافعى عومل على تقلد القضاء بهذه المعاملة وهو مصر على إبائه زهدا فى الدنيا قلت كان هذا فى آخر حال ابن سريج وكان المسؤول عليه قضاء بغداد وأما فى أول أمره فقد قدمنا عن الشيخ أبى إسحاق أنه ولى القضاء بمدينة شيراز ومن شعر أبى العباس ابن سريج فى مختصر المزنى لصيق فؤادى منذ عشرين حجة ** وصيقل ذهنى والمفرج عن همى عزيز على مثلى إعارة مثله ** لما فيه من علم لطيف ومن نظم جموع لأصناف العلوم بأسرها ** فأخلق به أن لا يفارقه كمى قال القاضى أبو عاصم استدرك أبو العباس على محمد بن الحسن مسألة فى الحساب وهي إذا خلف ابنين وأوصى لرجل بمثل نصيب أحد ابنيه إلا ثلث جميع المال فإن محمدا قال المسألة محال لأنه استثنى ثلث المال فسقط وقال أبو العباس المسألة من تسعة لأحد ابنيه أربعة والثانى مثله وواحد للموصى له وهو نصيب أحد ابنيه إلا ثلث جميع المال لأن ثلث جميع المال إذا ضم إلى نصيب الموصى له صار أربعة قلت وهذا حسن بالغ وسواه غلط وإنما استفاد أبو العباس ذلك فيما نحسب من كلام الشافعى رضى الله عنه فى مسألة إن كان فى كمى دراهم أكثر من ثلاثة وفى كمة أربعة وهى المسألة التى ذكرناها فى ترجمة البوشنجى أبى عبد الله فقد سلك أبو العباس فى هذه المسألة ما سلكه الشافعى فى تلك كما تقدم التنبيه عليه فى ترجمة البوشنجى ووجهه أن أبا العباس جعل إلا ثلث جميع المال قيدا فى مثل النصيب يعنى مثل النصيب خارجا منه ثلث الأصل كما جعل الشافعى دراهم قيدا فى الزائد على الثلاثة وأما قول أبى العباس إن المسألة تصح من تسعة فظاهر وقد يقال هو استثناء مستغرق وكأنه استثنى ثلثا من ثلث فتصح من ثلاثة لكل واحد سهم قال ابن القاص فى كتاب أدب القضاء سمعت أحمد بن عمر بن سريج ينزع الحكم بشاهد ويمين من كتاب الله عز وجل من قوله تعالى قال رحمه الله لما قال تعالى قال ابن سريج فالبيان الذى عثر على أنهما استحقا إثما به لا يخلو من أحد أربعة معان إما أن يكون إقرارا منهما بعد إنكارهما أو يكون شاهدى عدل أو شاهدا وامرأتين أو شاهدا واحدا وقد أجمعنا على أن الإقرار بعد الإنكار لا يوجب يمينا على الطالبين وكذلك لو قام شاهدان أو شاهد وامرأتان فلم يبق إلا شاهد واحد وكذلك استحلاف الطالبين قال ابن القاص وقد رويت القصة التى نزلت فيها هذه الآية بنحو ما فسرها ابن سريج ثم روى ابن القاص بإسناده حديث ابن عباس عن تميم الدارى فى هذه الآية قال تميم فلما مات أخذنا الجام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناها أنا وعدى بن بداء فما جئنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا وفقدوا الجام فسألوا عنه فقلنا ما ترك غير هذا قال تميم فلما أسلمت بعد قدوم النبى المدينة تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبى مثلها فوثبوا عليه فأتوا به النبى فسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم على أهل دينه فحلف فأنزل الله تعالى وهذا الحديث هكذا أخرجه الترمذى وقال غريب وقال ليس إسناده بصحيح وأخرج البخارى وأبو داود والترمذى أيضا أصل الحديث من غير ذكر القصة بتمامها وفيه إشكال لأن أهل الحرب إذا أتلف بعضهم على بعض مالا لم يلزمه ضمانه وإن أسلم وقضية هذا ألا يلزم تميما ولا عديا شىء وبتقدير اللزوم فاللازم قيمة الجام بالغة ما بلغت لا الثمن الذي بيع به وقد يجاب عن الأول بأنه إنما ضمن لأنه مقبوض بعقد لأنه كان فى يدهما إما بالوديعة أو بالوصية وكلاهما عقد وأهل الحرب لا يسقط عنهم بالإسلام قرض اقترضوه ولا معاملة تعاملوا بها بخلاف محض الإتلاف وعن الثانى بأن الجام لعل قيمته ألف كما بيع وقد يعترض على أصل استدلال ابن سريج بأن اليمين فى الآية ليست مع شاهد واحد كما هو محل النزاع بل مع شاهدين ويجاب بأن معنى {لَشَهَادَتُنَا} كشهادة شاهدنا وما هو إلا واحد نعم المدعى اثنان
كان ابن سريج يذهب كما حكاه الماوردى فى الحاوى فى باب ما على القاضى فى الخصوم والشهود إلى رأي أهل الكوفة أن الأولى للحاكم إذا ثبت الحق ألا يسمى فى سجله الشهود بل يقول ثبت عندى بشهادة من رأيت قبول قولهما احتياطا للمحكوم له فإنه متى سماهما فتح باب الطعن والقدح عليه والمعروف عن الشافعية قاطبة عكسه احتياطا للمحكوم عليه وأنه يقول ثبت عندى بشهادة فلان وفلان والمسألة على علو شأنها غير مصرح بها فى شرح الرافعى ولا كتب المتأخرين والخلاف فيها في الأولوية وأى الأمرين فعل كان سائغا كذا ذكر الماوردى فى باب ما على القاضى فى الخصوم والشهود ولكن رأيت الدبيلى صرح فى كتاب أدب القضاء بأن الخلاف فى الوجوب وهذه عبارته اختلف أصحابنا هل يجب ذكر أسامى الشهود أم لا على وجهين منهم من قال يجب أن يذكر وهو أولى لطلب المشهود عليه جرحهم وذكرهم خير له ومنهم من قال إذا قال الحاكم شهد عندى جماعة عدول أرضاهم وعرفتهم أو قال سألت عن عدالتهم فرجعت المسألة إلى تزكيتهم وعدالتهم فقبلت شهادتهم جاز وإن لم يذكر أسامى الشهود انتهى وصرح الرويانى فى البحر بالوجهين أيضا وأنه لا يجوز إبهام الحجة على أحدهما وإلى وجه المنع أشار إليه الرافعى بقوله وفى فحوى كلام الأصحاب إشارة إلى وجه مانع من إبهام الحجة ذكره عند الكلام فى القضاء بالعلم وقد تعانى الشروطيون المتأخرون أن يجمعوا بين الأمرين فيقولون بشهادة فلان وفلان وبما يثبت بمثله الحقوق الشرعية وبعد اعتبار ما يجب اعتباره شرعا وهو عندى غير حسن فإنه إن لم يكن للحاكم مستند إلا ما صرح به وهو الغالب فذكر هذه الزيادة يوهم أن هناك شيئا آخر ويسد الباب على من لعله محق فهو كذب وظلم وإن كان له مستند آخر طواه فلا هو الذى أبداه تتميما لرعاية المحكوم عليه ولا الذى طوى غيره معه تتميما لرعاية المحكوم له ففى هذا خروج عن سبيل الفريقين والأولى عندنا مخالفة ابن سريج والجريان على قول علمائنا فى التصريح بالمستند إلا إن كان يخاف مجادلة من يجادل بالباطل فإن استبان للقاضى وجه الصواب فى واقعة بطريق القطع أو الظن الغالب وخشى إن هو صرح بالمستند أن يجادل بالباطل ويبطل الحق فالأولى كتمان المستند وإلا فالصواب ذكره فإنه أدفع للتهمة وأنفى للريبة وأصون للدين والرافعى اقتصر على قوله ويجوز أن لا يتعرض لأصل الشهادة فيكتب حكمت بكذا لحجة أوجبت الحكم لأنه قد يحكم بشاهد ويمين وقد يحكم بعلمه إذا جوزنا القضاء بالعلم وهذه حيلة يدفع بها القاضى قدح أصحاب الرأى إذا حكم بشاهد ويمين وفى فحوى كلام الأصحاب وجه مانع من إبهام الحجة انتهى وهذا الوجه المانع قد يرجح ذكر الحجة لئلا ينقض عليه قضاه إذا لم يذكرها إن كان فى الناس من ينقض قضاه من يبهم الحجة فليحترز الحاكم فى ذلك والضابط أن إبداء الحجة أولى إلا أن يخاف فوات حق فليحتط الحاكم والله يعلم المفسد من المصلح وسنعيد في ترجمة الماوردى ذكر المسألة وطريق الشافعية وتقديمهم الداخل على الخارج وتبقيتهم الأمور على ما هى عليه حتى يتبين خلافه كل ذلك يقتضى توقفهم فى الأحكام ومراعاتهم جانب من يحكم عليه وطريق من يقدم بينه الخارج بالعكس
نقل الرافعى فى الباب الثانى من كتاب اللقيط عن ابن سريج فيمن أقر بالرق لزيد فكذبه فأقر لعمرو تخريج القبول كما لو أقر بمال لزيد فكذبه فأقر به لعمرو والمقيس مشكل ومستدرك على أبى العباس فإن المنصوص خلافه وقد قال الرافعى قبل هذا بقليل ما نصه الحالة الرابعة أن يقر على نفسه بالرق وهو عاقل بالغ فينظر إن كذبه المقر له لم يثبت الرق ولو عاد بعد ذلك فصدقه لم يلتفت إليه لأنه لما كذبه ثبتت حريته بالأصل فلا يعود رقيقا ولم يحك فيه خلافا فإن كان ابن سريج يوافق عليه فهو منه تناقض لكن حكى الرافعى بعد ذلك قبل الفرع وجهين فقال ولو ادعى إنسان رقة فأنكره ثم أقر له ففي قبوله وجهان وأما المقيس عليه وهو غرضنا بالذكر فأغرب ولم يذكروه فى مظنته فى باب الإقرار فى مسألة ما إذا أقر لمنكر فربما وقع ذكره فى باب اللقيط استطرادا كما ترى
إذا بلغ الصبى فى أثناء الصلاة فالمحكى فى الرافعى وأكثر الكتب عن ابن سريج أنه يستحب الإتمام وتجب الإعادة عكس الصحيح من المذهب ولكن ذكر صاحب البيان أن الشيخ أبا حامد رحمه الله قال رأيت فى كتاب الانتصار لأبى العباس وجوب الإتمام واستحباب الإعادة وحكى عن أبى العباس عكسه المشهور عن مالك رحمه الله أن من علق الطلاق بما يتحقق وجوده وقع فى الحال احتجاجا بأنه إذا أجل صار ناكحا إلى مدة وهو باطل كالمتعة قال ابن الرفعة فى المطلب فى شرح المفتاح لابن القاص إن أبا العباس ابن سريج قال بمثل قوله فيما إذا قال إن طلعت الشمس فأنت طالق وليس المشهور عنه بل المشهور عنه فى قوله إن لم أطلقك اليوم فأنت طالق اليوم ينافى ذلك هو أبو بكر ابن السنى صاحب النسائى سمع منه ومن عمر بن أبى غيلان البغدادى وأبى خليفة وزكرياء الساجى وأبى عروبة وطبقتهم بمصر والعراق والشام والجزيرة روى عنه أبو على أحمد بن عبد الله الأصبهانى ومحمد بن على العلوى وعلى بن عمر الأسداباذى وأحمد بن الحسين الكسار وصنف فى القناعة وفى عمل يوم وليلة واختصر سنن النسائى وكان رجلا صالحا فقيها شافعيا عاش بضعا وثمانين سنة قال القاضى أبو زرعة روح بن محمد سبط ابن السنى سمعت عمى على بن أحمد بن محمد يقول كان أبى رحمه الله يكتب الحديث فوضع القلم فى أنبوبة المحبرة ورفع يديه يدعو الله تعالى فمات وذلك فى آخر سنة أربع وستين وثلاثمائة الفقيه المحدث الزاهد سمع بخراسان أبا عبد الله البوشنجى وطبقته وبالجبال محمد بن أيوب وطبقته وبالعراق أبا خليفة وطبقته وبالكوفة أبا جعفر الحضرمى وطبقته روى عنه الحاكم وغيره وكان من تلامذة ابن سريج قال فيه الحاكم إنه صاحب أبا العباس ابن سريج وإنه مفتى الناحية وزاهدها قال وكان يرد نيسابور قديما ويحدث بها قال وأما أنا فكتبت عنه بالطابران توفى سنة خمس وأربعين وثلاثمائة كان قريع زمانه وحافظ وقته وفيه يقول إمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة حياة أبى حامد تحجز بين الناس والكذب على رسول الله قلت ولا عبرة بكلام من تكلم فيه وكان سكوته أولى به قال السلمى سألت الدارقطنى عن أبى حامد فقال ثقة مأمون إمام قلت ممن تكلم فيه ابن عقدة قال سبحان الله ترى يؤثر فيه مثل كلامه ولو كان بدل ابن عقدة يحيى بن معين قلت وأبو على قال ومن أبو على حتى يسمع كلامه فيه وقال الخطيب أبو حامد ثبت حافظ متقن قلت ولد سنة أربعين ومائتين وسمع محمد بن يحيى وأحمد بن يوسف وأحمد بن الأزهر وأحمد بن حفص بن عبد الله وأبا حاتم ومحمد بن إسحاق الصاغانى وعبد الله بن أبى مسرة وخلقا روى عنه أبو بكر محمد بن محمد الباغندى وأبو العباس ابن عقدة وأبو أحمد العسال وأبو أحمد بن عدى وأبو على الحافظ وزاهر بن أحمد والحسن بن أحمد المخلدى وأبو بكر الجوزقى وغيرهم وصنف الصحيح وحج مرات توفى فى شهر رمضان سنة خمس وعشرين وثلاثمائة صحب الأستاذ أبا عبد الله بن خفيف وكان عارفا بمذهب الشافعى وسمع ابن عدى وأحمد بن عطاء الروذبارى وأبا بكر الربعى وطائفة بالشام والعراق والعجم روى عنه أبو نصر بن الخباز وأبو على الأهوازى وأبو يعلى إسحاق الصابونى وطائفة قال الخطيب كان ثقة مات بين مصر ومكة سنة ست وتسعين وثلاثمائة سمع أبا عمرو الخفاف وعبد الله بن شيرويه والحسن بن سفيان وخلقا روى عنه الحاكم أبو عبد الله وغيره وصنف التفسير الكبير والصحيح المخرج على صحيح مسلم والأبواب وغير ذلك ودخل بغداد فى خلق كثير وقال واجتمع عليه الناس بها وكان من محبته للحديث يكتب بخطه ويسمع إلى أن استشهد بطرسوس فى سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة وله خمس وستون سنة كان مقدما فى معرفة الفقه واللغة وكان محدثا أدرك الأسانيد العالية وصنف فى الحديث سمع يحيى بن الذهلى وعبد الله بن أحمد ومحمد بن عبد الوهاب العبدى وعلى بن الجنيد ومحمد بن أيوب وجماعة ببلاده وببغداد والرى روى عنه الأستاذ أبو سهل والحافظ أبو عبد الله بن الأخرم قال الحاكم وسمعت منه حديثا فى المذاكرة قال وقد كان أمسك عن الرواية بعد أن عمر فكنا نراه حسرة قلت عمر بضم العين وتشديد الميم ثم الراء طعن فى السن إنما ضبطته لوقوعه بخط الحفاظ مصحفا فإنه كتب عمى موضع عمر وأراه تصحيفا توفى أبو الطيب فى رجب سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة بنيسابور . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . سمع محمد بن عبد الرحمن السامى والحسن بن سفيان النسوى وأبا يعلى الموصلى وجماعة روى عنه أبو عبد الله الحاكم وأبو إبراهيم النصراباذى وغيرهما قال فيه الحاكم مفتى هراة فى عصره وكان من الأدباء المذكورين قال وكان حسن الحديث قال وورد نيسابور سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة على أن يخرج إلى الحج وكان أبو عبد الله بن أبى ذهل الرئيس بنيسابور فمنعه عن الخروج وقال للسلطان إن خرج هذا الشيخ من هراة ظهرت غيبته على السلطان والرعية فأقام بنيسابور مدة ثم انصرف إلى هراة فتوفى بها قلت وللحافظ أبى حامد الشاركى كتاب المخرج على صحيح مسلم لم أقف عليه قال الحاكم توفى سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وكذلك قال أبو النصر الفامى فى موضع وقال فى آخر توفى سنة ثمان وخمسين وهذا فيما أحسب وهم والصواب سنة خمس وخمسين . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفقه على أبى إسحاق المروزى ونشر الفقه ببلده قصر ابن هبيرة وتوفى فى رجب سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة وله ست وسبعون سنة أحد أئمة الصوفية واختلف فى اسمه والأصح ما ذكرناه وإياه أورد الشيخ أبو عبد الرحمن السلمى والأستاذ أبو القاسم القشيرى والشيخ أبو عمرو بن الصلاح وقيل الحسن بن همام وقال الخطيب وابن السمعانى محمد بن أحمد وروذبار بضم الراء وسكون الواو والذال المعجمة وفتح الباء الموحدة وفى آخرها الراء كان هذا الشيخ بغدادى الأصل من أبناء الوزراء والرؤساء والكتبة يتصل نسبه بكسرى أنوشروان صحب فى التصوف الشيخ الجنيد وفى الفقه ابن سريج وفى النحو ثعلبا وفى الحديث إبراهيم الحربى وكان يفتخر بمشايخه هؤلاء أقام بمصر وصار شيخها وكان فقيها محدثا روى عن مسعود الرملى وغيره روى عنه محمد بن عبد الله بن شاذان الرازى وغيره قال أبو على الكاتب ما رأيت أحدا أجمع لعلم الشريعة والحقيقة من الروذبارى وقال الأستاذ أبو القاسم القشيرى أظرف المشايخ وأعلمهم بالطريقة توفى سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين وثلاثمائة
قال فى حد الصوفى إنه من لبس الصوف على الصفا وسلك طريق المصطفى وأطعم الهوى ذوق الجفا وكانت الدنيا منه على القفا وقال أنفع اليقين ما عظم الحق فى عينك وصغر ما دونه عندك وأثبت الرجاء والخوف فى قلبك وسئل عمن يسمع الملاهى وزعمها حلالا له وقال لأنى وصلت إلى درجة لا يؤثر فى اختلاف الأحوال فقال نعم قد وصل لعمرى ولكن إلى سقر قلت وقد توصل من حكى هذه الحكاية إلى دعوى أنه كان لا يرى السماع والأظهر عندى فى معنى قوله أنه أنكر من هذا القائل إظهاره الوصول إلى هذه الدرجة فإن الواصل إلى هذه الدرجة لا يتظاهر بذلك إلا عن إذن وليس مراد الروذبارى تحريم السماع ولا إنكار أن بعض الناس لا يؤثر فيه اختلاف الأحوال وكيف يكون ذلك ومن كلام الروذبارى أيضا السماع مكاشفة الأسرار إلى مشاهدة المحبوب أسنده عنه الأستاذ أبو القاسم فى الرسالة وعن الروذبارى جزت بقصر فرأيت شابا حسن الوجه مطروحا وحوله ناس فسألت عنه فقالوا إنه جاز بهذا القصر وجارية تغنى كبرت همة عبد ** طمعت فى أن تراكا أو ما حسب لعينى ** أن ترى من قد رآكا أسنده القشيرى أيضا عنه وعن فاطمة أخت أبى على الروذباري قالت لما قرب أجل أخى أبى على وكان رأسه فى حجرى فتح عينيه وقال هذه أبواب السماء فتحت وهذه الجنان قد زينت وهذا قائل يقول لى يا أبا على قد بلغناك الرتبة القصوى وإن لم تردها ثم أنشد يقول وحقك لا نظرت إلى سواكا ** بعين مودة حتى أراكا أراك معذبى بفتور لحظ ** وبالخد المورد من جناكا ثم قال يا فاطمة الأول ظاهر والثانى فيه إشكال كذا أورد الحكاية القشيرى وغيره وما أحسن إشكاله الثانى وليس هو عند التحقيق بمشكل ولكنه والله أعلم استقصر عقول النساء عن دركه وخشى عليهن غائلة أن يفهمن أن الأمر على ظاهره وعن الروذبارى رأيت فى البادية حدثا فلما رآنى قال أما يكفيك أنه شغفنى بحبه حتى علنى ثم رأيته يجود بروحه فقلت له قل لا إله إلا الله فأنشأ يقول أيا من ليس لى عنة ** وإن عذبنى بد ويا من نال من قلبى ** منالا ما له حد وعنه قدم علينا فقير فمات فدفنته وكشفت عن وجهه لأضعه فى التراب ليرحم الله غربته ففتح عينيه وقال يا أبا على أتذللنى بين يدى من دللنى فقلت له يا سيدى أحياة بعد موت فقال بل أنا حى وكل محب لله حى لأنصرنك غدا بجاهى يا روذبارى وعنه من الاغترار أن تسئ فيحسن إليك فتترك الإنابة توهما أنك تسامح فى الهفوات وترى أن ذلك من بسط الحق لك وعنه المريد الذى لا يريد لنفسه إلا ما أراد الله له والمراد لا يريد من الكونين شيئا غيره وقال الصول على من دونك ضعف وعلى من فوقك قحة وقال التوبة الاعتراف والندم والإقلاع وأنشد لنفسه روحى إليك بكلها قد أجمعت ** لو أن فيك هلاكها ما أقلعت تبكى إليك بكلها عن كلها ** حتى يقال من البكاء تقطعت فانظر إليها نظرة فلطالما ** متعتها من نعمة فتمتعت وقال كيف تشهده الأشياء وبه فنيت ذواتها عن ذواتها أم كيف غابت الأشياء عنه وبه ظهرت بصفاته فسبحان من لا يشهده شيء ولا يغيب عنه شيء وقال أظهر الحق الأسامى وأبداها للخلق ليسكن بها شوق المحبين إليه وتأنس قلوب العارفين له وأنشد لنفسه إن الحقيقة غير ما تتوهم ** فانظر لنفسك أى حال تعزم أتكون فى القوم الذين تأخروا ** عن حقهم أو فى الذين تقدموا لا تخدعن فتلوم نفسك حين لا ** يجدى عليك تأسف وتلوم ومن شعر الروذبارى لو كل جارحة منى لها لغة ** تثنى عليك بما أوليت من حسن لكان مازان شكرى إذا أشرب به ** إليك أجمل فى الإحسان والمنن ومنه ولو مضى الكل منى لم يكن عجبا ** وإنما عجبى للبعض كيف بقى أدرك بقية فيك قد تلفت ** قبل الفراق فهذا آخر الرمق قال أبو على التفكر على أربعة أوجه فكرة فى آيات الله وعلامتها تولد المحبة وفكرة فى وعد الله بثوابه وعلامتها تولد الرغبة وفكرة فى وعيده تعالى بالعذاب وعلامتها تولد الرهبة وفكرة فى جفاء النفس مع إحسان الله وعلامتها تولد الحياء من الله وأنشد فإن شئتم وصلى فذاك أريده ** وإن شئتم هجرى فذلك أوثر ألست أرى أهلا بحال يسركم ** بذلك أزهو ما حييت وأفخر ومن شعره أيضا بك كتمان وجده بك عنه ** لك منه وعنك مالك منه من إذا لاح مشرقى ** هام وجدا عليك إن لم تكنه وإذا قال لا أقول ببين ** بان عنه فبان إن لم تبنه يا فتى الحب بل فتى الحق سرى ** عنك مستودع لديك فصنه وقال ما ادعى أحد قط إلا لخلوة عن الحقائق ولو تحقق فى شيء لنطقت عنه الحقيقة وأغنته عن الدعوى وقال كان عندنا ببغداد عشرة فتيان معهم عشرة أحداث مع كل واحد واحد وكانوا مجتمعين فى موضع فوجهوا واحدا من الأحداث ليأخذ لهم حاجة فأبطأ عليهم وغضبوا من تأخيره ثم أقبل وهو يضحك وبيده بطيخة يقلبها ويشمها فقالوا له احتبست عنا ثم جئتنا تضحك فقال جئتكم بفائدة رأيت بشر بن الحارث وضع يده على هذه البطيخة فلم أزل واقفا حتى اشتريتها بعشرين درهما أتبرك بموضع يده عليها فأخذ كل واحد منهم البطيخة وجعل يقبلها ويضعها على عينيه فقال واحد منهم بشر كان معنا صاحب عصبية أيش بلغ به هذا كله حتى تفعلوا به هذا قالوا تقوى الله والعمل الصالح فقال أنا أشهد الله وأشهدكم أنى تائب إلى الله من كل شيء لا يرضاه منى وأنا على حالة بشر وطريقته فقالوا كلهم مثل ذلك فتابوا بأجمعهم وخرجوا إلى طرسوس وغزوا واستشهدوا كلهم فى موضع واحد وأنشد أبو على لنفسه فلاذوا به من بعد كل نهاية ** لياذ مقر بالخضوع مع الحد بعجز وتقصير عن الواجب الذى ** به عرفوه للودود من الود وكان لهم بالعز فى غاية المنى ** شكورا لما أولاه من رتب الحمد ومن بأسرار الذخائر بينه ** وبينهم عن مضمر الكتم للجهد وروى أن أبا على اتخذ مرة أحمالا من السكر الأبيض ودعا بجماعة من الحلاوانيين حتى عملوا من السكر جدارا عليه شرافات ومحاريب على أعمدة ونقشوها كلها من سكر ثم دعا الصوفية حتى هدموها وكسروها وانتهبوها ومن كلامه المشاهدات للقلوب والمكاشفات للأسرار والمعاينات للبصائر والمرايات للأبصار . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . سكن مصر قال ابن الصلاح ذكره أبو العباس النسوى فى كتابه وذكر أنه كان فقيها جيد المعرفة بالفقه على مذهب الشافعى وكان قوته وكسبه من خياطته كان يخيط قميصا فى جمعة بدرهم ودانقين طعامه وكسوته من ذلك غلاء ورخصا ما ارتفق من أحد بمصر بشربة ماء وكان رجلا صالحا من أرباب الأحوال والمكاشفات له كرامات ظاهرة وأحوال سنية حضر أبو العباس النسوى وأبو سعد المالينى وفاته فذكرا العجب من حضوره وتلاوته إلى أن خرجت روحه مات فى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وقد ظن بعض الناس أنه الدبيلى صاحب أدب القضاء وليس كذلك ذاك على ابن أحمد وهذا أحمد بن محمد وليس فى كتاب الأنساب لابن السمعانى واحدة من هاتين النسبتين ذكره ابن ماكولا وابن السمعانى وقالا إنه سمع الربيع بن سليمان وبحر بن نصر ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم روى عنه أبو بكر بن المقرى وأبو حفص ابن شاهين وأبو سعيد ابن يونس وأبو القاسم الطبرانى وغيرهم مات فى شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وتقدم محمد بن بشر الزنبرى فى الطبقة الثانية وهذان وإن اختلفا من طبقة واحدة غير أن سنة وفاة ذاك لم تتحرر فأوردناه مع أصحاب الإمام الأعظم . . . . . . . . . . . . . . . . . . شيخ القراء فى وقته ومصنف السبعة ولد سنة خمس وأربعين ومائتين سمع الرمادى وسعدان بن نصر ومحمد بن عبد الله المخرمى وأبا بكر الصغانى وجماعة قرأ القرآن على قنبل وأبى الزعراء بن عبدوس وغيرهما روى عنه الحديث أبو حفص بن شاهين وأبو بكر بن شاذان والدارقطنى وخلق وكان ثقة مأمونا قرأ عليه القرآن خلائق قال عبد الواحد بن أبى هاشم سأل رجل ابن مجاهد لم لا تختار لنفسك حرفا يحمل عنك قال نحن إلى أن نعمل أنفسنا فى حفظ ما مضى عليه أئمتنا أحوج منا إلى اختيار حرف يقرأ به من بعدنا وقال ثعلب ما بقى فى عصرنا أعلم بكتاب الله من ابن مجاهد وعن عبيد الله الزهرى قال انتبه أبي فقال رأيت يا بنى كأن من يقول مات مقوم وحى الله فلما أصبحنا إذا بابن مجاهد قد مات وقال أبو عمرو الدانى فاق ابن مجاهد فى عصره سائر نظاره من أهل صناعته مع اتساع علمه وبراعة فهمه وصدق لهجته وظهور نسكه توفى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة
قال من قرأ لأبى عمرو وتمذهب للشافعى واتجر فى البز وروى شعر ابن المعتز فقد كمل ظرفه قيل إن ابن مجاهد قال للشيخ أبى بكر الشبلى رضى الله عنه أين في العلم إفساد ما ينتفع به قال له فأين قوله فسكت قال الشبلى قوله تعالى إمام عصره وصاحب التصانيف المشهورة التلخيص والمفتاح وأدب القاضى والمواقيت وغيرها فى الفقه وله مصنف فى أصول الفقه والكلام على حديث يا أبا عمير رواه عنه تلميذه القاضى أبو على الزجاجى كان إماما جليلا أخذ الفقه عن أبى العباس بن سريج وحدث عن أبى خليفة ومحمد بن عبد الله المطين الحضرمى ومحمد بن عثمان بن أبى شيبة ويوسف بن يعقوب القاضى وعبد الله بن ناجية وغيره وحديثه موجود فى أدب القضاء وغيره من تصانيفه أقام بطبرستان وأخذ عنه علماؤها وأظن أبا على الزجاجى أخذ عنه هناك ثم انتقل بالآخرة إلى طرسوس ليقيم على الرباط والمشهور أنه ابن القاص وجعله أبو سعد بن السمعانى نفسه القاص قال وإنما سمى بذلك لدخوله ديار الديلم ووعظه بها وتذكيره فسمى القاص لأنه كان يقص قال وكان من أخشع الناس قلبا إذا قص فمن ذلك ما يحكى أنه كان يقص على الناس بطرسوس فأدركته روعة مما كان يصف من جلال الله وعظمته وملكوته من خشية ما كان يذكر من بأسه وسطوته فخر مغشيا عليه ومات وحكى تلميذه القاضى أبو على الزجاجى أن رجلا حمل ثورا من طريق قرية إلى قرية أخرى لإنسان آخر فتعرض له بعض اللصوص وخوفه بالقتل إن لم يسلمه إليه فأعطاه الثور خوفا منه على روحه لبقاء مهجته فاختلف علماء الوقت فى تغريم قيمة الثور من حمله فأوجب أبو العباس بن القاص الغرامة على حامله لأنه افتدى نفسه بمال غيره وهذا ما صححوه فى الوديعة وقال أبو جعفر الحناطى لا غرامة عليه لأنه أكره على ذلك فاتفق أن أبا على الزجاجى الحاكى رأى رسول الله فى المنام وسأله عن هذه المسألة فقال الصواب ما قال أستاذك ابن أبى أحمد ففرح القاضى أبو على الزجاجى لموافقة أستاذه الصواب قلت أبو جعفر الحناطى هو والد أبى الحسين الحناطى المشهور ويقال إنه قرأ على ابن القاص وسنترجمه إن شاء الله تعالى آخر هذه الطبقة عند ذكر المعروفين بكناهم مات ابن القاص بطرسوس سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة
قال ابن القاص فى أدب القضاء فيما إذا رجع شاهدا الأصل المشهود على شهادتهما وقالا ما أشهدنا شهود الفرع أو سكتا ولم يقولا شيئا إنه لا ضمان عليهما ولا على شهود الفرع وقال قلته تخريجا وقال فيه أيضا فى باب ما لا يجب فيه اليمين إن الشافعى قال لو ادعى على رجل أنه ارتد وهو منكر لم أكشف عن الحال وقلت له اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنه برىء من كل دين خالف الإسلام انتهى وهو نص حسن يؤخذ منه ما تعم به البلوى فيمن يدعى عليه بالكفر وهو ينكر فلا يتوقف الحكم بإسلامه على تقريره به وبذلك أفتى الوالد رحمه الله وصنف فيه مصنفا رد به على الشيخ تقى الدين ابن دقيق العيد فى دعواه خلافه ولم يكن الوالد وقف على هذا النص فلما وقفت أنا عليه أريته له فأعجبه وقال ابن القاص في المفتاح فى زكاة التجارة إنها تجب فى الموروث والموهوب ولا يعرف من قال به فى الموروث مطلقا ولا فى الموهوب إلا إذا كان شرط الثواب أو كان مطلقا وقلنا المطلقة تقتضى الثواب وقد تكلمت على كلامه من أجوبة سؤالات وردت على من حلب أرسلها الشيخ شهاب الدين الأذرعى تتعلق بكتابى التوشيح وغيره وذكرت قول الأستاذ أبى منصور في خطبة شرح المفتاح إن هذا لا يوافق المذهب
فى الرافعى و الروضة حكاية قولين فى أنه هل للقاذف تحليف المقذوف أنه لم يزن وأن الموافق بجواب الأكثرين أن له ذلك ولم يفصحا بكيفية الحلف على القول به بل قولهما إنه لم يزن قد يشيرإلى الاكتفاء بهذه العبارة فى الحلف ولا يكتفى بذلك فى المسألة فإنه وقع استطرادا غير مقصود ولم يكن مقصودهما إلا أصل ثبوت الحلف لا تعريف صيغته والمسألة مسطورة قال ابن القاص يحلف بالله أنه عفيف وقال أبو زيد المروزى يحلف بالله أنه ليس بزان قلت ووجه قول أبي زيد ولعله المستقر فى نفس الرافعى ولذلك عبر باللفظ الذى حكيناه أنه صورة جوابه فإن المقذوف إنما يقول فى جواب أنت زان لست بزان أو نحوه وقد لا يكون زانيا ولا عفيفا ألا ترى أن من وطئ محرما مملوكة له ليس بعفيف على المذهب ومن ثم لا يحد قاذفه وما هو بزان للشبهة وبهذا يتوجه كلام ابن القاص فإنه يقول إنما يثبت الحد بوجود العفة لا بانتفاء الزنا فليحلف على العفة والخلاف بين ابن القاص وأبى زيد حكاه شريح فى أدب القضاء وغيره ومن العجب أن القفال ذكر فى أوائل أدب القضاء من شرح التلخيص كلام أبى زيد مقتصرا عليه ولم يذكر كلام ابن القاص
هذه المسألة من مخرجات أبى العباس بن القاص ذكر فى كتاب أدب القضاء فى باب ذكر الشهادة على الشهادة أن الشافعى وأبا حنيفة اختلفا فيها فقال الشافعى يجوز لهما أن يشهدا على شهادة من سمعاه يسترعى شاهدا وإن لم يسترعهما قال قلته تخريجا وبهذا جزم الرافعى فقال وإذا حصل الاسترعاء لم يختص التحمل بمن استرعاه بل لزيد التحمل والأداء باسترعاء عمرو خلافا لأبى حنيفة ولم يزد على هذا القدر مع أن المسألة كبيرة خلافية وقد بسطها الإمام فى النهاية فجزم بما جزم به الرافعى وبين وجهه فقال ثم أجمع أصحابنا على أن الاسترعاء فى عينه ليس شرطا بل إذا جرى لفظ الشهادة من شاهد الأصل على وجه لا يحتمل إلا الشهادة فيصير السامع فرعا له وإن لم يصدر من جهته أمرا وأذن فى تحمل الشهادة إلى أن قال ولو أشهد شاهد الأصل زيدا على شهادته وكان عمرو بالحضرة فلعمرو أن يتحمل الشهادة كما لزيد المسترعى فإنه لما استرعى زيدا فقد تبين تجريد القصد فى الشهادة وهو المطلوب فيتحملها عنه وإن لم يتعلق الاسترعاء به فإن الشهادة على الشهادة ليست استنابة من شاهد الأصل ولا توكيلا وإنما الغرض منه حصول الشهادة فى حقها مقصودة مجردة مرفاة عن احتمال الكلام الذى قد يجريه الإنسان من غير ثبت انتهى وأقول اقتصر صاحب البيان على عزو ذلك إلى ابن القاص والمسعودى ولكن جزم به أيضا القاضى أبو سعد فى الإشراف وكلام طوائف من أصحابنا العراقيين وغيرهم كالصريح فى اشتراط استرعاء الشاهد بخصوصه وعلى ذلك تدل عبارة صاحب التنبيه وصرح القاضى شريح فى أدب القضاء بالخلاف فيه من أجل فقهائنا قال ابن باطيش ولد سنة إحدى وثمانين ومائتين بالحسنية اللغوى صاحب تهذيب اللغة ولد سنة اثنتين وثمانين ومائتين وسمع بهراة من الحسين بن إدريس ومحمد بن عبد الرحمن السامى وطائفة ثم رحل إلى بغداد فسمع أبا القاسم البغوى وأبا بكر بن داود وإبراهيم بن عرفة نفطويه وابن السراج وأبا الفضل المنذرى وعبد الله بن عروة وغيرهم روى عنه أبو يعقوب القراب وأبو ذر عبد بن أحمد وأبو عثمان سعيد القرشى والحسين الباشانى وعلى بن أحمد بن خمرويه وغيرهم وكان إماما فى اللغة بصيرا بالفقه عارفا بالمذهب عالى الإسناد ثخين الورع كثير العبادة والمراقبة شديد الانتصار لألفاظ الشافعى متحريا فى دينه أدرك ابن دريد وامتنع أن يأخذ عنه اللغة وقد حمل اللغة عن الأزهرى جماعة منهم أبو عبيد الهروى صاحب الغريبين ومن مصنفات الأزهرى التهذيب عشرة مجلدات وكتاب التقريب فى التفسير وكتاب تفسير ألفاظ المزنى وكتاب علل القراءات وكتاب الروح وما ورد فيها من الكتاب والسنة وكتاب تفسير الأسماء الحسنى وتفسير إصلاح المنطق وتفسير السبع الطول وتفسير ديوان أبى تمام وأسر مرة أسرته القرامطة فحكى عن نفسه أنه وقع فى أسر عرب نشأوا فى البادية يتتبعون مساقط الغيث أيام النجع ويرجعون إلى أعداد المياه فى محاضرهم زمن القيظ ويتكلمون بطبائعهم البدوية ولا يكاد يوجد فى منطقهم لحن أو خطأ فاحش قال فبقيت فى أسرهم دهرا طويلا واستفدت منهم ألفاظا جمة ثم توفى فى شهر ربيع الآخر سنة سبعين وثلاثمائة
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا أخبرنا أبو على الخلال أخبرنا عبد الله بن عمر ح وكتب إلى أحمد بن أبى طالب عن ابن عمر أخبرنا عبد الأول بن عيسى أخبرنا أبو إسماعيل عبد الله بن محمد أخبرنا على بن أحمد بن خميرويه حدثنا محمد ابن أحمد بن الأزهر إملاء حدثنا عبيد الله بن عروة حدثنا محمد بن الوليد عن غندر عن شعبة عن الحكم عن على بن الحسين عن مروان بن الحكم قال شهدت عثمان وعليا فنهى عثمان عن المتعة وأن يجمع بينهما فلما رأى ذلك على أهل بهما فقال لبيك بحجة وعمرة فقال عثمان ترانى أنهى الناس وأنت تفعله فقال لم أكن لأدع سنة رسول الله لقول أحد من الناس قال شيخنا أبو عبد الله الحافظ +إسناده صحيح+ قال وهو شيء غريب إذ فيه رواية على بن الحسين عن مروان وفيه تصويب مروان اجتهاد على رضى الله عنه على اجتهاد عثمان رضى الله عنه مع كون مروان عثمانيا قيل وجد على أصل كتاب التهذيب بخط الأزهرى وإن عناء أن تعلم جاهلا ** ويحسب جهلا أنه منك أعلم متى يبلغ البنيان يوما تمامه ** إذا كنت تبنيه وآخر يهدم فكيف بناء خلفه ألف هادم ** وألف وألف ثم ألف وأعظم الزاهد المقرئ الفقيه المحدث النحوى أدرك أبا عثمان الحيرى وسمع منه سنة خمس وتسعين ومائتين سمع أبا بكر محمد بن زنجويه بن الهيثم وأبا عمرو أحمد بن نصر وجعفر بن أحمد الحافظ ورحل فسمع من الحسن بن سفيان سنة تسع وتسعين مسنده ومسند شيخه أبى بكر بن أبى شيبة وسمع من أبى يعلى الموصلى مسنده ومن عبدان الأهوازى وزكرياء الساجى ومحمد بن جرير الطبرى وأبى العباس بن السراج وابن خزيمة وخلق روى عنه الحاكم أبو عبد الله وأبو نعيم الحافظ وأبو سعيد محمد بن على النقاش وأبو العلاء صاعد بن محمد الهروى وأبو حفص بن مسرور وعبد الغافر بن محمد الفارسى وأبو سعد الكنجروذى وأبو عثمان سعيد بن محمد البحيرى وأبو سعد وآخرون وكان المسجد فراشه نيفا وثلاثين سنة ثم لما عمى وضعف نقل إلى بعض أقاربه بالحيرة من نيسابور وصحب الزهاد قال الحاكم ولد له بنت وهو ابن تسعين سنة وتوفى وزوجته حبلى فبلغنى أنها قالت له عند وفاته قد قربت ولادتى فقال سلميه إلى الله فقد جاءوا ببراءتى من السماء وتشهد ومات فى الوقت رحمه الله توفى فى الثامن والعشرين من ذى القعدة سنة ست وسبعين وثلاثمائة وصلى عليه أبو أحمد الحاكم الحافظ وقع لنا حديثه بعلو ذكره أبو سعيد بن يونس وقال كتب عن على بن عبد العزيز وكان فقيها على مذهب الشافعى أديبا فصيح اللسان وله نظم ومن نظمة قصيدة ذكر فيها أخبار العالم وقصص الأنبياء عليهم السلام وكتاب مختصر المزنى والطب والفلسفة وغير ذلك سئل قبل موته كم بلغت قصيدتك قال ثلاثين ألفا ومائة ألف بيت وبقى على أشياء تحتاج إلى زيادة توفى فى ذى الحجة سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة قلت وقفت له على كتاب جمل الأصول الدالة على الفروع فى الفقه فى مجلدين لطيفين وقف دار الحديث الأشرفية بدمشق ويعنى بالأصول نصوص الشافعى فيما أحسب ذكر أنه اختصره من كتب الشافعي وقد أجاد فيه تلخيص النصوص وربما اعترض أو نظر كقوله فى باب الوصية منه وإن أوصى له بجمل أو بعير لم يعط ناقة وفيه نظر انتهى فإن أراد التنظير بالنسبة إلى البعير فقد قاله الأصحاب واستشكلوا النص على أن البعير لا يتناول الناقة وصححوا أنه يتناوله وإن أراد بالنسبة إلى الجمل أيضا كما هو ظاهر إطلاقه فغريب فالمعروف عند الأصحاب ما هو المنصوص من أن الجمل لا يتناول الناقة وبالعكس وقال فى هذا الباب أيضا وإن أوصى بثلثه للغازى فى سبيل الله أو للمساكين فهم الذين من البلد الذي فيه ماله انتهى وهذا وجه والصحيح جواز النقل والصرف إلى من فى بلد أخرى وقد نبهنا قوله البلد الذى فيه ماله على أنه لو كان فى بلد وماله فى آخر كانت العبرة عند من لا يرى النقل ببلد ماله لا بلده وهى مسألة من قرية فاشان إحدى قرى مرو بفاء مفتوحة ثم ألف ثم شين معجمة ثم ألف ثم نون هو الشيخ الإمام الجليل شيخ الإسلام أبو زيد المروزى المنقطع القرين فليس من يساجله والمنقطع القرين يتركه مصفرا أنامله والمنقطع إلى رب العالمين فلا يعامر سواه ولا يعامله فرد الأمة فى عصره وواحد الزمان باتفاق أهل مصره وغير مصره أبو زيد فى العلم وعمرو وبكر وخالد وشيخ كل صادر من المريدين ووارد أحد الأفراد علما وورعا وواحد الآحاد إفرادا وجمعا مولده سنة إحدى وثلاثمائة حدث عن محمد بن يوسف الفربرى وعمر بن علك المروزى ومحمد بن عبد الله السعدى وأبى العباس الدغولى وأحمد بن محمد المنكدرى وغيرهم روى عنه الهيثم بن أحمد الصباغ وعبد الواحد بن مشماس وعبد الوهاب الميدانى وأبو عبد الله الحاكم وأبو عبد الرحمن السلمى وغيرهم من النيسابوريين وأبو الحسن الدارقطنى كذا قال الذهبى مع تقدمه ولم يتقدم لا مولدا ولا وفاة نعم هو أكثر الرواة عنه وأبو بكر البرقانى ومحمد بن أحمد المحاملى وغيرهم من البغداديين والفقيه أبو محمد عبدالله بن إبراهيم الأصيلي وآخرون وكان ممن أجمع الناس على زهده وورعه وكثرة علمه وجلالته فى العلم والدين قال الحاكم كان أحد أئمة المسلمين ومن أحفظ الناس لمذهب الشافعى وأحسنهم نظرا وأزهدهم فى الدنيا سمعت أبا بكر البزار يقول عادلت الفقيه أبا زيد من نيسابور إلى مكة فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة وقال الخطيب كان أحد أئمة المسلمين حافظا لمذهب الشافعى حسن النظر مشهورا بالزهد والورع وقال الشيخ أبو إسحاق كان حافظا للمذهب حسن النظر مشهورا بالزهد وحدث بالجامع الصحيح للبخارى قال الحاكم وهى من أجل الروايات لجلالة أبى زيد وقال الخطيب أبو زيد أجل من روى ذلك الكتاب قلت وعجبت من إغفال الحاكم سماع صحيح البخارى منه إن كان أغفله ثم عجبت من إغفال الناس أخذه عن الحاكم إن كان لم يغفله وقد جاور أبو زيد بمكة على علو السن مدة حتى كاد يعرفه ركن الحطيم ويألفه مقام إبراهيم ويشكر سعيه الصفا ويذكر محامده إخوان الصفا ينشر العلم ويشيعه ويطوى الليل ولا يضيعه حتى تضوع منه مسكا بطن نعمان وترفع بحلوله قدرا ما هنالك من الأركان قال الحاكم سمعت أبا الحسن محمد بن أحمد الفقيه يقول سمعت أبا زيد المروزى يقول لما عزمت على الرجوع إلى خراسان من مكة تقسم قلبى بذلك وكنت أقول متى يمكننى هذا والمسافة بعيدة والمشقة لا أحتملها وقد طعنت فى السن فرأيت فى المنام كأن رسول الله قاعد فى صحن المسجد الحرام وعن يمينه شاب فقلت يا رسول الله قد عزمت على الرجوع إلى خراسان والمسافة بعيدة فالتفت رسول الله إلى الشاب وقال ( يا روح الله آصحبه إلى وطنه ) وقال أبو زيد فأريت أنه جبريل عليه السلام فانصرفت إلى مرو ولم أحس بشيء من مشقة السفر هذا أو نحوه فإنى لم أراجع المكتوب عندى من لفظ أبى الحسن انتهى كلام الحاكم وفيه كما أرى أبو الحسن محمد بن أحمد وحكاه كذلك عن الحاكم الحافظ ابن عساكر فى كتاب تبيين كذب المفترى وابن الصلاح فى الطبقات وأبو الحسن تقدم فى الأحمدين وتقدمت عنه هذه الحكاية وتقدم قول الحاكم أخبرنى الثقة أنه أحمد بن محمد فلا تتوهمن أنه اثنان وإنما هو واحد فى اسمه اختلاف وذكر الحاكم ترجمته فى موضعين فليضبط ذلك ومما يذكر من ورع الشيخ أبى زيد قال القاضى الحسين فى التعليقة قال الشيخ القفال سألت الشيخ أبا زيد لم جوز الشافعى صلاة النفل فى السفر راكبا وماشيا غير مستقبل فقال إن للناس أورادا كثيرة وربما يحتاج المرء إلى الخروج إلى السفر فى معاشه ومكاسبه فلو قلنا إنه لا تجوز له النافلة فى السفر لأدى ذلك إلى أن يشتغل بالأوراد وينقطع عن معايشه وقال أيضا سألت أبا عبد الله الخضرى عن هذا فقال ربما كان للإنسان أوراد كثيرة وخرج إلى السفر فى بعض حوائجه لأمر معاشه فلو قلنا لا تجوز له النافلة فى السفر لأدى ذلك إلى تركه الأوراد واشتغاله بمعاشه قال القفال انظروا إلى فضل ما بينهما فإن أبا زيد كان رجلا زاهدا فقدم أمر الدين على الدنيا فى الجواب وكان الخضرى مشغولا بالدنيا وصلاته كصلاة الفقهاء فقدم أمر الدنيا قلت ثم ما كان ورع الشيخ أبى زيد بحيث يخرجه إلى الحد الذى ينتهى إليه أهل الوسوسة من عوام المتورعين الذين إذا أعطوا يسيرا من الديانة مع الجهل تنطعوا فى الجزئيات يدل على ذلك أن أصحابنا يقولون فيما إذا تنجس الخف بخرزه بشعر الخنزير ثم غسل سبعا إحداهن بالتراب أنه يطهر ظاهره دون باطنه وهو موضع الدروز وقال الرافعى فى أواخر باب الأطعمة ويقال إن الشيخ أبا زيد كان يصلى مع الخف النوافل دون الفرائض فراجعه القفال فيه فقال إن الأمر إذا ضاق اتسع قال الرافعى أشار به إلى كثرة النوافل قال النووى بل الظاهر أنه أشار إلى أن هذا القدر مما تعم به البلوى ويتعذر أو يشق الاحتراز منه فعفى عنه مطلقا وإنما كان لا يصلى فيه الفريضة احتياطا لها وإلا فمقتضى قوله العفو فيهما ولا فرق بين الفرض والنفل فى اجتناب النجاسة ويدل على صحة ما تأولته أن القفال قال سألت أبا زيد عن جواز الصلاة فى الخف يخرز بشعر الخنزير فقال الأمر إذا ضاق اتسع قال القفال مراده أن بالناس حاجة إلى الخرز به فللضرورة جوزنا ذلك قلت لم يتضح لى مخالفة كلام النووى للرافعى بل قول الرافعى إن أبا زيد أشار به إلى كثرة النوافل معناه ما ذكره النووى من أن كثرتها اقتضت ألا يحتاط لها كما يحتاط للفريضة من أجل المشقة وذكر ابن الرفعة فى باب مسح الخف أن أبا زيد فى كلامه هذا متبع للشافعى قال فإن الخطابى حكاه عنه عند الكلام فى الذباب يقع فى الماء القليل أن مبنى الشريعة على أن الأمر إذا ضاق اتسع قال ابن الرفعة على أنه يمكن أن يعلل ذلك بأن الداخل من مواضع الخرز قد انسد بالخيط فصار فى حكم البطون والنجاسة فى الباطن لا تمنع الصحة بدليل أن ظاهر نص الشافعى صحة الصلاة فى جلد الميتة المدبوغ وإن قلنا الدباغ لا يطهر باطنه ونصه على أنه لو سقى سيفه شيئا نجسا طهر بإفاضة الماء على ظاهره ولأجله والله أعلم قال بعض أصحابنا إذا حمل قارورة فيها نجاسة بعد تصميم رأسها فى صلاته تصح انتهى قلت وحاصله محاولة أنه معفو عنه وأنه صار باطنا لا يعطى حكم النجاسة وقد يقال لو كان كذلك لصلى فيه الفرض والنفل جميعا ويجاب بأن القول بأنه لا تمتنع الصحة ليس قطعيا بل هو مظنون فاحتيط فيه للفرض ما لم يحتط للنفل توفى الشيخ أبو زيد بمرو فى يوم الخميس ثالث عشر رجب سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة
نقل الشيخ أبو على قبيل كتاب الصلاة من شرح الفروع أن بعض أصحابنا قال إن الطواف وإن كان نفلا يلزم بالشروع فيه ثم ذكر ما حاصله أن الشيخ أبا زيد موافق على ذلك وهذا غريب ذكر إمام الحرمين فى آخر النهاية فى الفروع المنثورة أن الحليمى كتب إلى الشيخ أبى زيد يستفتيه فيمن اشترى جارية فأتت بولد فادعى أنها ولدته بعد الشراء وقال البائع بل قبله فأجابه أبو زيد بأن القول قول البائع لأن الأصل ثبوت ملكه فى الحمل والأصل عدم البيع فى وقت الولادة قال الإمام هكذا حكاه الشيخ أبو على ولم يزد عليه قال وكذا حكاه الإمام ولم يزد عليه ولم أر من تكلم عليه وفيه نظر وصورة المسألة أن يكون الحمل موجودا عند البائع ثم يوجد الولد عند المشترى ويشك أكانت ولادته قبل البيع أو بعده والذى ينبغى أن يقال إنه إن كان فى يد المشترى فهو له ولا يرفع يده بمجرد وجود الحمل فى يد البائع ويشهد لهذا قول الأصحاب فى باب الكتابة فيمن زوج أمته من عبده ثم كاتب العبد ثم باع منه زوجته وأتت بولد فقال السيد ولدت قبل الكتابة فهو لى وقال المكاتب بل بعد الكتابة والشراء وقد يكاتب على أن المكاتب يصدق بيمينه لأنه يدعى ملك الولد ويده مقرة عليه واليد تدل على الملك
نقل صاحب البيان فى باب سترالعورة فى فاقد السترة إذا صلى عريانا أن الشيخ أبا زيد قال إن كان فى الحضر ففى الإعادة قولان وإن كان فى السفر لم تلزمه الإعادة قولا واحدا وقال سائر أصحابنا لا تلزمه الإعادة قولا واحدا فى سفر ولا فى حضر لأن العرى عذر عام وربما اتصل ودام وقد يعدم ذلك فى الحضر كما يعدمه فى السفر فلو ألزمناه الإعادة لشق ذلك هذا كلام البيان والقول بالتفرقة فى لزوم الإعادة بين الحضر والسفر شهير حكاه أيضا ابن يونس فى شرح التنبيه ولم يذكره الرافعى وإنما أطلق فى آخر باب التيمم حكاية وجهين أظهرهما عدم لزوم الإعادة والمسألة عنده تبعا للإمام والغزالى فى باب التيمم فى فصل القضاء وعند صاحب المهذب وأتباعه فى ستر العورة ولعله أنسب ثم اختلاف الاصطلاح فى وضعها ربما طرق بعض التقصير فى شرحها لمن يقتصر نظره على أحد المكانين
|