الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
قال ابن إسحاق : وحدثني هشام بن عروة ، وعمر بن عبدالله بن عروة ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، قدمها وهي أوبأ أرض الله من الحمى ، فأصاب أصحابه منها بلاء وسقم ، فصرف الله تعالى ذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم . قالت : فكان أبو بكر ، وعمر بن فهيرة ، وبلال ، مَوْليا أبي بكر ، مع أبي بكر في بيت واحد ، فأصابتهم الحمى ، فدخلت عليهم أعودهم ، وذلك قبل أن يُضرب علينا الحجاب ، وبهم ما لا يعلمه إلا االله من شدة الوعك ، فدنوت من أبي بكر ، فقلت له : كيف تجدك يا أبت ؟ فقال : كل امرىء مُصبَّح في أهله * والموت أدنى من شراك نعله قالت : فقلت : والله ما يدري أبي ما يقول . قالت : ثم دنوت إلى عامر ابن فهيرة ، فقلت له : كيف تجدك يا عامر ؟ فقال : لقد وجدتُ الموت قبل ذوقه * إن الجبان حتفه من فوقه كل امرىء مجاهد بطوقه * كالثور يحمي جلده برَوْقه بطوقه يريد : بطاقته ، فيما قال ابن هشام : قالت : فقلت : والله ما يدري عامر ما يقول ! قالت : وكان بلال إذا تركته الحمَّى اضطجع بفناء البيت ثم رفع عقيرته فقال : ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة * بفخّ وحَوْلي إذخر وجليل وهل أردنْ يوما مياه مَجِنَّة * وهل يبدون لي شامة وطفيل قال ابن هشام : شامة وطفيل : جبلان بمكة . قالت عائشة رضي الله عنها : فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعت منهم ، فقلت : إنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى . قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم حبِّب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة ، أو أشد ، وبارك لنا في مُدّها وصاعها وانقل وباءها إلى مهيعة ، ومهيعة : الجحفة . قال ابن إسحاق : وذكر ابن شهاب الزهري ، عن عبدالله بن عمرو ابن العاصي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة هو وأصحابه أصابتهم حمى المدينة ، حتى جهدوا مرضا ، وصرف الله تعالى ذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم ، حتى كانوا ما يصلُّون إلا وهُم قعود ، قال : فخرج عليهم رسول الله صلى الله عيه وسلم وهم يصلون كذلك ، فقال لهم : اعلموا أن صلاة القاعد على النِّصْف من صلاة القائم . قال : فتجشم المسلمون القيام على ما بهم من الضعف والسقم التماس الفضل . قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تهيأ لحربه ، قام فيما أمره الله به من جهاد عدوه ، وقتال من أمره الله به ممن يليه من المشركن ، مشركي العرب ، وذلك بعد أن بعثه الله تعلى بثلاث عشرة سنة . بالإسناد المتقدم عن عبدالملك بن هشام ، قال : حدثنا زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الإثنين ، حين اشتد الضحاء ، وكادت الشمس تعتدل ، لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول ، وهو التاريخ ، فيما قال ابن هشام . عمره صلى الله عليه وسلم حين الهجرة قال ابن إسحاق : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثلاث وخمسين سنة ، وذلك بعد أن بعثه الله عز وجل بثلاث عشرة سنة ، فأقام بها بقية شهر ربيع الأول ، وشهر ربيع الآخر ، وجماديين ، ورجبا ، وشعبان ، وشهر رمضان ، وشوالا ، وذا القعدة ، وذا الحجة - وولي تلك الحجة المشركون - والمحرم ، ثم خرج غازيا في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة . قال ابن هشام : واستعمل على المدينة سعد بن عبادة . غزوة ودان ، وهي أول غزواته عليه الصلاة والسلام موادعة بني ضمرة و الرجوع من غير حرب قال ابن إسحاق : حتى بلغ وَدّان ، وهي غزوة الأبواء ، يريد قريشا وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، فوادعته فيها بنو ضمرة ، وكان الذي وادعه منهم عليهم مخَشيّ بن عمرو الضمري ، وكان سيدهم في زمانه ذلك . ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ولم يلق كيدا ، فأقام بها بقية صفر ، وصدرا من شهر ربيع الأول . قال ابن هشام : وهي أول غزوة غزاها . سرية عبيدة بن الحارث ، وهي أول راية عقدها عليه الصلاة والسلام قال ابن إسحاق : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في مُقامه ذاك بالمدينة عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين ، ليس فيهم من الأنصار أحد ، فسار حتى بلغ ماء بالحجاز ، بأسفل ثنيِّة المرة ، فلقي بها جمعا عظيما من قريش ، فلم يكن بينهم قتال ، إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمي يومئذ بسهم ، فكان أول سهم رمي به في الإسلام . من فر من المشركين إلى المسلمين في هذه السرية ثم انصرف القوم عن القوم ، وللمسلمين حامية . وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو البهراني ، حليف بني زهرة ، وعتبة بن غزوان بن جابر المازني ، حليف بني نوفل بن عبد مناف ، وكانا مسلمين ، ولكنهما خرجا ليتوصَّلا بالكفار . وكان على القوم عكرمة ابن أبي جهل . قال ابن هشام : حدثني ابن أبي عمرو بن العلاء ، عن أبي عمرو المدني : أنه كان عليهم مِكْرز بن حفص بن الأخيف ، أحد بني معيص بن عامر ابن لؤي بن غالب بن فهر . قال ابن إسحاق : فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، في غزوة عبيدة بن الحارث - قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذه القصيدة لأبي بكر رضي الله عنه - : أمن طيف سلمى بالبطاح الدمائث * أرقت وأمر في العشيرة حادث ترى من لؤي فرقة لا يصدها * عن الكفر تذكير ولا بعث باعث رسول أتاهم صادق فتكذبوا * عليه وقالوا : لست فينا بماكث إذا ما دعوناهم إلى الحق أدبروا * وهروا هرير المجحرات اللواهث فكم قد متتنا فيهم بقرابة * وترك التُّقى شيء لهم غيرُ كارث فإن يرجعوا عن كفرهم وعقوقهم * فما طيبات الحل مثل الخبائث وإن يركبوا طغيانهم وضلالهم * فليس عذاب الله عنهم بلابث ونحن أناس من ذؤابة غالب * لنا العز منها في الفروع الأثائث فأولي برب الراقصات عشية * حراجيج تحدى في السريح الرثائث كأدم ظباء حول مكة عكف * يردن حياض البئر ذات النبائث لئن لم يفيقوا عاجلا من ضلالهم * ولست إذا آليت قولا بحانث لتبتدرنهَّم غارة ذات مصدق * تحرم أطهار النساء الطوامث تغادر قتلى تعصب الطير حولهم * ولا ترأف الكفار رأف ابن حارث فأبلغ بني سهم لديك رسالة * وكل كفور يبتغي الشر باحث فإن تشعثوا عرضي على سوء رأيكم * فإني من أعراضكم غير شاعث شعر ابن الزبعرى يرد على أبي بكر فأجابه عبدالله بن الزبعرى السهمي ، فقال : أمن رسم دار أقفرت بالعثاعث * بكيت بعين دمعها غير لابث ومن عجب الأيام والدهر كله * له عجب من سابقات وحادث لجيش أتانا ذي عرام يقوده * عبيدة يُدعى في الهياج ابن حارث لنترك أصناما بمكة عكفا * مواريث موروث كريم لوراث فلما لقيناهم بسمر ردينة * وجرد عتاق في العجاج لواهث وبيض كأن الملح فوق متونها * بأيدي كماة كالليوث العوائث نقيم بها إصعار من كان مائلا * ونشقي الذحول عاجلا غير لابث فكفوا على خوف شديد وهيبة * وأعجبهم أمر لهم أمر رائث ولو أنهم لم يفعلوا ناح نسوة * أيامى لهم ، من بين نسء وطامث وقد غودرت قتلى يخبر عنهمُ * حفي بهم أو غافل غير باحث فأبلغ أبا بكر لديك رسالة * فما أنت عن أعراض فهر بماكث ولما تجب مني يمين غليظة * تجدد حربا حلفة غير حانث قال ابن هشام : تركنا منها بيتا واحدا ، وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذه القصيدة لابن الزبعرى . شعر سعد بن أبي وقاص يذكر رميته في هذه السرية قال ابن إسحاق : وقال سعد بن أبي وقاص في رميته تلك فيما يذكرون : ألا هل أتى رسول الله أني * حميت صحابتي بصدور نبلي أذود بها أوائلهم ذيادا * بكل حُزُونة وبكل سَهْلِ فما يعتدُّ رام في عدو * بسهم يا رسول الله قبلي وذلك أن دينك دين صدق * وذو حق أتيت به وعدل ينجَّى المؤمنون به ، ويجُزى * به الكفار عند مقام مَهْل فمهلا قد غويت فلا تَعِبْني * غويَّ الحي ويحك يا ابن جهل قال ابن هشام : وأكثر أهل العم بالشعر ينكرها لسعد . أول راية في الإسلام كانت لعبيدة قال ابن إسحاق : فكانت راية عبيدة بن الحارث - فيما بلغني - أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام ، لأحد من المسلمين . وبعض العلماء يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه حين أقبل من غزوة الأبواء ، قبل أن يصل إلى المدينة . وبعث في مقامه ذلك ، حمزة بن عبدالمطلب بن هاشم ، إلى سيف البحر ، من ناحية العيص ، في ثلاثين راكبا من المهاجرين ، وليس فيهم من الأنصار أحد . فلقي أبا جهل بن هشام بذلك الساحل في ثلاث مئة راكب من أهل مكة . فحجز بينهم مجديُّ بن عمرو الجهني . وكان موادعا للفريقين جميعا ، فانصرف بعض القوم عن بعض ، ولم يكن بينهم قتال . من قال أن أول راية في الإسلام كانت لحمزة رضي الله عنه ، و شعر حمزة في ذلك وبعض الناس يقول : كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين . وذلك أن بعثه وبعث عبيدة كانا معا ، فشُبِّه ذلك على الناس . وقد زعموا أن حمزة قد قال في ذلك شعرا يذكر فيه أن رايته أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كان حمزة قد قال ذلك ، فقد صدق إن شاء الله ، لم يكن يقول إلا حقا ، فالله أعلم أي ذلك كان . فأما ما سمعنا من أهل العلم عندنا ، فعبيدة بن الحارث أول من عقد له . فقال حمزة في ذلك ، فيما يزعمون : قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذا الشعر لحمزة رضي الله عنه : ألا يا لقومي للتحلم والجهل * وللنقص من رأي الرجال وللعقل وللراكبينا بالمظالم لم نطأ * لهم حرمات من سوام ولا أهل كأنا تَبلْناهم ولا تبل عندنا * لهم غير أمر بالعفاف وبالعدل وأمر بإسلام فلا يقبلونه * وينزل منهم مثل منزلة الهزل فما برحوا حتى انتدبت لغارة * لهم حيث حلوا أبتغي راحة الفضل بأمر رسول الله ، أول خافق * عليه لواء لم يكن لاح من قبلي لواء لديه النصر من ذي كرامة * إله عزيز فعله أفضل الفعل عشية ساروا حاشدين وكلنا * مراجله من غيظ أصحابه تغلي فلما تراءينا أناخوا فعقَّلوا مطايا * وعقَّلنا مدى غرض النبل فقلنا لهم : حبل الإله نصيرنا * وما لكم إلا الضلالة من حبل فثار أبو جهل هنالك باغيا * فخاب وردَّ الله كيد أبي جهل وما نحن إلا في ثلاثين راكبا * وهم مئتان بعد واحدة فضل فيا للؤي لا تطيعوا غواتكم * وفيئوا إلى الإسلام والمنهج السهل فإني أخاف أن يُصبَّ عليكم * عذاب فتدعوا بالندامة والثكل فأجابه أبو جهل بن هشام ، فقال : عجبت لأسباب الحفيظة والجهل * وللشاغبين بالخلاف وبالبطل وللتاركين ما وجدنا جدودنا * عليه ذوي الأحساب والسؤدد الجزل أتونا بإفك كي يضلوا عقولنا * وليس مضلا إفكهم عقل ذي عقل فقلنا لهم : يا قومنا لا تخالفوا * على قومكم إن الخلاف مدى الجهل فإنكم إن تفعلوا تدع نسوة * لهن بواك بالرزية والثكل وإن ترجعوا عما فعلتم فإننا * بنو عمكم أهل الحفائظ والفضل فقالوا لنا : إنا وجدنا محمدا * رضا لذوي الأحلام منا وذي العقل فلما أبوا إلا الخلاف وزينوا * جماع الأمور بالقبيح من الفعل تيممتهم بالساحلين بغارة * لأتركهم كالعصف ليس بذي أصل فورَّعني مجديّ عنهم وصحبتي * وقد وازروني بالسيوف وبالنبل لإلٍّ علينا واجب لا نضيعه * أمين قواه غير منتكث الحبل فلولا ابن عمرو كنت غادرت منهم * ملاحم للطير العكوف بلا تبل ولكنه آلى بإلٍّ فقلَّصت * بأيماننا حد السيوف عن القتل فإن تُبقني الأيام أرجعْ عليهم * ببيض رقاق الحد محدثة الصقل بأيدي حماة من لؤي بن غالب * كرام المساعي في الجدوبة والمحل قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذا الشعر لأبي جهل . قال ابن إسحاق : ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول يريد قريشا . قال ابن هشام : واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون . قال ابن إسحاق : حتى بلغ بواط ، من ناحية رضوى ، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا ، فلبث بها بقية شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى . من استعمله صلى الله عليه وسلم على المدينة ثم غزا قريشا ، فاستعمل على المدينة أبا سلمة بن عبدالأسد ، فيما قال ابن هشام . الطريق الذي سلكه صلى الله عليه وسلم إلى هذه الغزوة قال ابن إسحاق : فسلك على نقب بني دينار ، ثم على فيفاء الخبار ، فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر ، يقال لها : ذات الساق ، فصلى عندها . فثمَّ مسجده صلى الاله عليه وسلم ، وصُنع له عندها طعام ، فأكل منه ، وأكل الناس معه ، فموضع أثافي البرمة معلوم هنالك ، واستُقي له من ماء به ، يقال له : المشترب ، ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك الخلائق بيسار ، وسلك شعبة يقال لها : شعبة عبدالله ، وذلك اسمها اليوم ، ثم صب لليسار حتى هبط يليل ، فنزل بمجتمعه ومجتمع الضبوعة ، واستقى من بئر بالضبوعة ، ثم سلك الفرش : فرش ملل ، حتى لقي الطريق بصحيرات اليمام ، ثم اعتدل به الطريق ، حتى نزل العشيرة من بطن ينبع . فأقام بها جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة ، وادع فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة ، ثم رجع إلى المدينة ، ولم يلق كيدا . تكنيته صلى الله عليه وسلم عليا أبا تراب وفي تلك الغزوة قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام ما قال . قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن محمد بن خيثم المحاربي ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن محمد بن خيثم أبي يزيد ، عن عمار بن ياسر ، قال : كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة ؛ فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام بها ؛ رأينا أناسا من بني مدلج يعملون في عين لهم وفي نخل ؛ فقال لي علي بن أبي طالب : يا أبا اليقظان ، هل لك في أن تأتي هؤلاء القوم ، فننظر كيف يعملون ؟ قال : قلت : إن شئت ؛ قال : فجئناهم ، فنظرنا إلى عملهم ساعة ، ثم غشينا النوم . فانطلقت أنا وعلي حتى اضطجعنا في صور من النخل ، وفي دقعاء من التراب فنمنا ، فوالله ما أهبَّنا إلا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم يحركنا برجله . وقد تترَّبْنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها ، فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب : ما لك يا أبا تراب ؟ لما يرى عليه من التراب . ثم قال : ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين ؟ قلنا : بلى ، يا رسول الله ؛ قال : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك يا علي على هذه - و وضع يده على قرنه - حتى يَبُلَّ منها هذه . وأخذ بلحيته . قال ابن إسحاق : وقد حدثني بعض أهل العلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما سمَّى عليا أبا تراب ، أنه كان إذا عتب على فاطمة في شيء لم يكلمها ، ولم يقل لها شيئا تكرهه ، إلا أنه يأخذ ترابا فيضعه على رأسه . قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى عليه التراب عرف أنه عاتب على فاطمة ، فيقول : ما لك يا أبا تراب ؟ فالله أعلم أي ذلك كان . ذهابه إلى الخرار و رجوعه من غير حرب قال ابن إسحاق : وقد كان بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين ذلك من غزوة سعد بن أبي وقاص ، في ثمانية رهط من المهاجرين ، فخرج حتى بلغ الخرَّار من أرض الحجاز ، ثم رجع ولم يلق كيدا . قال ابن هشام : ذكر بعض أهل العلم أن بعث سعد هذا كان بعد حمزة . غزوة سفوان ، وهي غزوة بدر الأولى قال ابن إسحاق : ولم يُقم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين قدم من غزوة العشيرة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشر ، حتى أغار كرز ابن جابر الفهري على سرح المدينة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه ، واستعمل على المدينة زيد بن حارثة ، فيما قال ابن هشام . قال ابن إسحاق : حتى بلغ واديا ، يقال له : سفوان ، من ناحية بدر ، و فاته كرز بن جابر ، فلم يدركه ، وهي غزوة بدر الأولى . ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فأقام بها بقية جمادى الآخرة ورجبا وشعبان . سرية عبدالله بن جحش ونزول : ( يسألونك عن الشهر الحرام ) . بعثه و الكتاب الذي حمله من الرسول صلى الله عليه و سلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن جحش بن رئاب الأسدي في رجب ، مقفله من بدر الأولى ، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ، ليس فيهم من الأنصار أحد ، وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه ، فيمضي لما أمره به ، ولا يستكره من أصحابه أحدا . وكان أصحاب عبدالله بن جحش من المهاجرين ، ثم من بني عبد شمس ابن عبد مناف : أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ؛ ومن حلفائهم : عبدالله بن جحش ، وهو أمير القوم ، وعكاشة بن محصن ابن حرثان ، أحد بني أسد بن خزيمة ، حليف لهم . ومن بني نوفل بن عبد مناف : عتبة بن غزوان بن جابر ، حليف لهم . ومن بني زهرة بن كلاب : سعد بن أبي وقاص . ومن بني عدي بن كعب عامر بن ربيعة ، حليف لهم من عنز ابن وائل ، وواقد بن عبدالله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة ابن يربوع ، أحد بني تميم ، حليف لهم ، وخالد بن البكير ، أحد بني سعد بن ليث ، حليف لهم . ومن بني الحارث بن فهر : سهيل بن بيضاء . فلما سار عبدالله بن جحش يومين فتح الكتاب ، فنظر فيه فإذا فيه : إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة ، بين مكة والطائف ، فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم . فلما نظر عبدالله بن جحش في الكتاب ، قال : سمعا وطاعة ؛ ثم قال لأصحابه : قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى نخلة ، أرصد بها قريشا ، حتى آتيه منهم بخبر ؛ وقد نهاني أن أستكره أحدا منكم . فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ، ومن كره ذلك فليرجع ؛ فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمضى ومضى معه أصحابه ، لم يتخلف عنه منهم أحد . و سلك على الحجاز ، حتى إذا كان بمعدن ، فوق الفرع ، يقال له : بحران ، أضل سعد بن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان بعيرا لهما ، كانا يعتقبانه . فتخلفا عليه في طلبه . ومضى عبدالله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة . فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما ، وتجارة من تجارة قريش ، فيهما عمرو بن الحضرمي . قال ابن هشام : واسم الحضرمي : عبدالله بن عباد ، ويقال : مالك بن عباد أحد الصدف ، واسم الصدف : عمرو بن مالك ، أحد السكون ابن أشرس بن كندة ، ويقال : كنديّ . قال ابن إسحاق : وعثمان بن عبدالله بن المغيرة ، وأخوه نوفل بن عبدالله ، المخزوميان ، والحكم بن كيسان ، مولى هشام بن المغيرة . ما جرى بين الفريقين و ما خلص به ابن جحش فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم ، فأشرف لهم عكاشة بن محصن ، وكان قد حلق رأسه ، فلما رأوه أمنوا ، وقالوا عُمَّار ، لا بأس عليكم منهم . وتشاور القوم فيهم وذلك في آخر يوم من رجب ، فقال القوم : والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم ، فليمتنعن منكم به ، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام ؛ فتردد القوم ، وهابوا الإقدام عليهم ، ثم شجعوا أنفسهم عليهم ، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم ، وأخذ ما معهم . فرمى واقد بن عبدالله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، واستأسر عثمان بن عبدالله ، والحكم بن كيسان ؛ وأفلت لقومَ نوفلُ بن عبدالله فأعجزهم . وأقبل عبدالله ابن جحش وأصحابه بالعير وبالأسيرين ، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة . وقد ذكر بعض آل عبدالله بن جحش : أن عبدالله قال لأصحابه : إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمنا الخمس - وذلك قبل أن يفرض الله تعالى الخمس من المغانم - فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس العير ، وقسم سائرها بين أصحابه . إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم قتالهم في الأشهر الحرم قال ابن إسحاق : فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ؛ قال : ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام . فوقَّف العير والأسيرين . وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا ؛ فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم سُقط في أيدي القوم ، وظنوا أنهم قد هلكوا ، وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا . وقالت قريش : قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام ، وسفكوا فيه الدم ، وأخذوا فيه الأموال ، وأسروا فيه الرجال ؛ فقال من يرد عليهم من المسلمين ، ممن كان بمكة : إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان . وقالت يهود - تفاءَلُ بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم - عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبدالله ، عمرو ، عمرت الحرب ؛ والحضرمي ، حضرت الحرب ؛ وواقد بن عبدالله ، وقدت الحرب . فجعل الله ذلك عليهم لا لهم . فلما أكثر الناس في ذلك ، أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلما نزل القرآن بهذا من الأمر ، وفرج الله تعالى عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق ، قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين ، وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبدالله والحكم بن كيسان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا نُفديكموهما حتى يقدم صاحبانا - يعني سعد بن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان - فإنا نخشاكم عليهما ، فإن تقتلوهما ، نقتل صاحبيكم . فقدم سعد وعتبة ، فأفداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم . إسلام ابن كيسان و موت عثمان كافرا فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه ، وأقام عند رسول الله صلى الله عله وسلم حتى قُتل يوم بئر معونة شهيدا . وأما عثمان بن عبدالله فلحق بمكة ، فمات بها كافرا . طمع ابن جحش أمير السرية في الأجر وما نزل في ذلك من القرآن فلما تجلى عن عبدالله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن ، طمعوا في الأجر ، فقالوا : يا رسول الله ، أنطمع أن تكون لنا غزوة نُعطى فيها أجر المجاهدين ؟ فأنزل الله عز وجل فيهم : والحديث في هذا عن الزهري ، ويزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير . قال ابن إسحاق : وقد ذكر بعض آل عبدالله بن جحش : أن الله عز وجل قسم الفيء حين أحله ، فجعل أربعة أخماس لمن أفاءه الله ، وخمسا إلى الله ورسوله ، فوقع على ما كان عبدالله بن جحش صنع في تلك العير . قال ابن هشام : وهي أول غنيمة غنمها المسلمون . وعمرو بن الحضرمي أول من قتله المسلمون ، وعثمان بن عبدالله ، والحكم بن كيسان أول من أسر المسلمون . شعر عبدالله بن جحش في هذه السرية قال ابن إسحاق : فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في غزوة عبدالله بن جحش ، ويقال : بل عبدالله بن جحش قالها ، حين قالت قريش : قد أحل محمد وأصحابه الشهر الحرام ، وسفكوا فيه الدم وأخذوا فيه المال ، وأسروا فيه الرجال - قال ابن هشام : هي لعبدالله ابن جحش - : تعدون قتلا في الحرام عظيمة * وأعظم منه لو يرى الرشدَ راشدُ صدودكم عما يقول محمد * وكفر به والله راء وشاهد وإخراجكم من مسجد الله أهله * لئلا يُرى لله في البيت ساجد فإنا وإن عيرتمونا بقتله * وأرجف بالإسلام باغ وحاسد سقينا من ابن الحضرمي رماحنا * بنخلة لما أوقد الحرب واقد دما وابنُ عبدالله عثمان بيننا * ينازعه غُلّ من القدّ عاند
|