الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (66): {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66)}{ثُمَّ أَنتُمْ هؤلاء} أي: أنتم هؤلاء الحمقى {حاججتم فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ} كأمر موسى، وعيسى عليهما السلام {فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} وهو أمر إبراهيم عليه السلام حيث لا ذكر لدينه في كتابكم، أو لا تعرض لكونه آمن وسى وعيسى قبل بعثتيهما أصلًا، وليس المراد وصفهم بالعلم حقيقة وإنما المراد هب أنكم تحاجون فيما تدعون علمه على ما يلوح لكم من خلال عبارات كتابكم وإشارته في زعمكم فكيف تحاجون فيما لا علم لكم به ولا ذكر، ولا رمز له في كتابكم ألبتة؟ا وها حرف تنبيه، واطرد دخولها على المبتدأ إذا كان خبره اسم إشارة نحو ها أناذا وكررت هنا للتأكيد، وذهب الأخفش أن الأصل أأنتم على الاستفهام فقلبت الهمزة هاءًا، ومعنى الاستفهام عنده التعجب من جهالتهم، وتعقبه أبو حيان بأنه لا يحسن ذلك لأنه لم يسمع إبدال همزة الاستفهام هاءًا في كلامهم إلا في بيت نادر، ثم الفصل بين الهاء المبدلة وهمزة {أنتم} لا يناسب لأنه إنما يفصل لاستثقال اجتماع الهمزتين، وهنا قد زال الاستثقال بإبدال الأولى هاءًا، والإشارة للتحقير والتنقيص، ومنها فهم الوصف الذي يظهر به فائدة الحمل، وجملة {حاججتم} مستأنفة مبينة للأولى، وقيل: إنها حالية بدليل أنه يقع الحال موقعها كثيرًا نحو ها أناذا قائمًا وهذه الحال لازمة؛ وقيل: إن الجملة خبر عن {أنتم} و{هَؤُلاء} منادى حذف منه حرف النداء، وقيل: {هَؤُلاء} عنى الذي خبر المتبدأ، وجملة {حاججتم} صلة؛ وإليه ذهب الكوفيون، وقراؤهم يقرءون {وَإِذْ أَنتُمْ} بالمد والهمز، وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو بغير همز ولا مد إلا بقدر خروج الألف الساكن، وقرأ ابن كثير ويعقوب بالهمز والقصر بغير مد، وقرأ ابن عامر بالمد دون الهمز {والله يَعْلَمُ} حال إبراهيم وما كان عليه {وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ذلك، ولك أن تعتبر المفعول عامًا ويدخل المذكور فيه دخولًا أوليًا، والجملة تأكيد لنفي العلم عنهم في شأن إبراهيم عليه السلام ثم صرح بما نطق به البرهان المقرر فقال سبحانه:.تفسير الآية رقم (67): {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)}{مَا كَانَ إبراهيم يَهُودِيّا} كما قالت اليهود {وَلاَ نَصْرَانِيّا} كما قالت النصارى {وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا} أي مائلًا عن العقائد الزائغة {مُسْلِمًا} أي منقادًا لطاعة الحق، أو موحدًا لأن الإسلام يرد عنى التوحيد أيضًا؛ قيل: وينصره قوله تعالى: {وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} أي عبدة الأصنام كالعرب الذي كانوا يدعون أنهم على دينه، أو سائر المشركين ليعم أيضًا عبدة النار كالمجوس، وعبدة الكواكب كالصابئة، وقيل: أراد بهم اليهود والنصارى لقول اليهود عزير ابن الله وقول النصارى المسيح ابن الله تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. وأصل الكلام وما كان منكم إلا أنه وضع المظهر موضع المضمر للتعريض بأنهم مشركون، والجملة حينئذ تأكيد لما قبلها، وتفسير الإسلام بما ذكر هو ما اختاره جمع من المحققين وادعوا أنه لا يصح تفسيره هنا بالدين المحمدي لأنه يرد عليه أنه كان بعده بكثير فكيف يكون مسلمًا؟ فيكون كادعائهم تهوده وتنصره المردود بقوله سبحانه: {وَمَا أُنزِلَتِ التوراة والإنجيل إِلاَّ مِن بَعْدِهِ} [آل عمران: 65] فيرد عليه ما ورد عليهم، ويشترك الإلزام بينهما، وفسره بعضهم بذلك، وأجاب عن اشتراك الإلزام بأن القرآن أخبر بأن إبراهيم كان مسلمًا وليس في التوراة والإنجيل أنه عليه الصلاة والسلام كان يهوديًا أو نصرانيًا فظهر الفرق، قال العلامة النيسابوري: فإن قيل: قولكم: إن إبراهيم عليه السلام على دين الإسلام إن أردتم به الموافقة في الأصول فليس هذا مختصًا بدين الإسلام، وإن أردتم في الفروع لزم أن لا يكون نبينا صلى الله عليه وسلم صاحب شريعة بل مقرر لشرع من قبله. قيل: يختار الأول، والاختصاص ثابت لأن اليهود والنصارى مخالفون للأصول في زماننا لقولهم بالتثليث وإشراك عزير عليه السلام إلى غير ذلك، أو الثاني ولا يلزم ما ذكر لجواز أنه تعالى نسخ تلك الفروع بشرع موسى عليه السلام ثم نسخ نبينا صلى الله عليه وسلم شرع موسى بشريعته التي هي موافقة لشريعة إبراهيم صلوات الله تعالى وسلامه عليه فيكون عليه الصلاة والسلام صاحب شريعة مع موافقة شرعه شرع إبراهيم في معظم الفروع انتهى، ولا يخفى ما في الجواب على الاختيار الثاني من مزيد البعد، بل عدم الصحة لأن نسخ شريعة إبراهيم بشريعة موسى، ثم نسخ شريعة موسى بشريعة نبينا عليهم الصلاة والسلام الموافقة لشريعة إبراهيم لا يجعل نبينا صاحب شريعة جديدة بل يقال له أيضًا: إنه مقرر لشرع من قبله وهو إبراهيم عليه السلام، وأيضًا موافقة جميع فروع شريعتنا لجميع فروع شريعة إبراهيم مما لا يمكن بوجه أصلًا إذ من جملة فروع شريعتنا فرضية قراءة القرآن في الصلاة ولم ينزل على غير نبينا صلى الله عليه وسلم بالبديهة، ونحو ذلك كثير.وموافقة المعظم في حيز المنع ودون إثباتها الشم الراسيات، وقوله تعالى: {أَنِ اتبع مِلَّةَ إبراهيم} [النحل: 123] ليس بالدليل على الموافقة في الفروع إذ الملة فيه عبارة عن التوحيد أو عنه وعن الأخلاق كالهدى في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الانعام: 90] واعترض الشهاب على الجواب على الاختيار الأول بالبعد كاعتراضه على الجواب على الاختيار الثاني جرده أيضًا، وذكر أن ذلك سبب عدول بعض المحققين عما يقتضيه كلام هذا العلامة من أن المراد بكون إبراهيم مسلمًا أنه على ملة الإسلام إلى أن المراد بذلك أنه منقاد بحمل الإسلام على المعنى اللغوي، وادعى أنه سالم من القدح، ونظر فيه بأن أخذ الإسلام لغويًا لا يناسب بحث الأديان والكلام فيه فلا يخلو هذا الوجه عن بعد، ولعله لا يقصر عما ادعاه من بعد الجواب الأول كما لا يخفى على صاحب الذوق السليم.هذا وفي الآية وجه آخر ولعله يخرج من بين فرث ودم وهو أن أهل الكتاب لما تنازعوا فقالت اليهود إبراهيم منا، وقالت النصارى إنه منا أرادت كل طائفة أنه عليه السلام كان إذ ذاك على ما هو عليه الآن من الحال وهو حال مخالف لما عليه نبيهم في نفس الأمر موافق له زعمًا على معنى موافقة الأصول للأصول، أو الموافقة فيما يعد في العرف موافقة ولو لم تكن في المعظم وليست هذه الدعوى من البطلان بحيث لا تخفى على أحد فرد الله تعالى عليهم بقوله سبحانه: {وَمَا أُنزِلَتِ التوراة والإنجيل إِلاَّ مِن بَعْدِهِ} [آل عمران: 65] أي وليسا مشتملين على ذلك وهو من الحري بالذكر لو كان، ثم أشار سبحانه إلى ما هم عليه من الحماقة على وجه أتم، ثم صرح سبحانه بما أشار أولًا فقال: {مَا كَانَ إبراهيم يَهُودِيّا} أي من الطائفة اليهودية المخالفة لما جاء به موسى عليه السلام في نفس الأمر {وَلاَ نَصْرَانِيّا} أي من الطائفة النصرانية المخالفة لما جاء به عيسى عليه السلام كذلك {وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا} أي على دين الإسلام الذي ليس عند الله دين مرضي سواه وهو دين جميع الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم، وفي ذلك إشارة إلى أن أولئك اليهود والنصارى ليسوا من الدين في شيء لمخالفتهم في نفس الأمر لما عليه النبيان بل الأنبياء، ثم أشار إلى سبب ذلك بما عرّض به من قوله سبحانه: {وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} فعلى هذا يكون المسلم كما قال الجصاص، وأشرنا إليه فيما مرّ مرارًا المؤمن ولو من غير هذه الأمة خلافًا للسيوطي في زعمه أن الإسلام مخصوص بهذه الأمة هذا ما عندي في هذا المقام فتدبر فلمسلك الذهن اتساع..تفسير الآية رقم (68): {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}{إِنَّ أَوْلَى الناس بإبراهيم} {أُوْلِى} أفعل تفضيل من وليه يليه وليًا وألفه منقلبة عن ياء لأن فاءه واو فلا تكون لامه واوًا إذ ليس في الكلام ما فاؤه ولامه واوان إلا واو، وأصل معناه أقرب، ومنه ما في الحديث: «لأولى رجل ذكر» ويكون عنى أحق كما تقول: العالم أولى بالتقديم، وهو المراد هنا أي أقرب الناس وأخصهم بإبراهيم {لَلَّذِينَ اتبعوه} أي كانوا على شريعته في زمانه، أو اتبعوه مطلقًا فالعطف في قوله سبحانه: {وهذا النبى} من عطف الخاص على العام وهو معطوف على الموصول قبله الذي هو خبر {ءانٍ} وقرئ بالنصب عطفًا على الضمير المفعول، والتقدير للذين اتبعوا إبراهيم واتبعوا هذا النبي وقرئ بالجر عطفًا على إبراهيم أي إن أولى الناس بإبراهيم، وهذا النبي للذين اتبعوه واعترض بأنه كان ينبغي أن يثني ضمير {اتبعوه} ويقال اتبعوهما، وأجيب بأنه من باب {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] إلا أن فيه على ما قيل الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي، وقوله تعالى: {والذين ءامَنُواْ} إن كان عطفًا على الذين اتبعوه يكون فيه ذلك أيضًا، وإن كان عطفًا على هذا النبي فلا فائدة فيه إلا أن يدعى أنها للتنويه بذكرهم، وأما التزام أنه من عطف الصفات بعضها على بعض حينئذ فهو كما ترى، ثم إن كون المتبعين لإبراهيم عليه السلام في زمانه أولى الناس به ظاهر، وكون نبينا صلى الله عليه وسلم أولاهم به لموافقة شريعته للشريعة الإبراهيمية أكثر من موافقة شرائع سائر المرسلين لها، وكون المؤمنين من هذه الأمة كذلك لتبعيتهم نبيهم فيماجاء به ومنه الموافق.{والله وَلِىُّ المؤمنين} ينصرهم ويجازيهم بالحسنى كما هو شأن الولي، ولم يقل وليهم تنبيهًا على الوصف الذي يكون الله تعالى به وليًا لعباده وهو الإيمان بناءًا على أن التعليق بالمشتق يقتضي عليه مبدأ الاشتقاق. ومن ذلك يعلم ثبوت الحكم للنبي بدلالة النص، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رؤساء اليهود: والله يا محمد لقد علمت أنا أولى بدين إبراهيم منك ومن غيرك وأنه كان يهوديًا وما بك إلا الحسد فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأخرج عبد بن حميد من طريق شهر بن حوشب قال: حدثني ابن غنم أنه لما خرج أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي أدركهم عمرو بن العاص وعمارة بن أبي معيط فأرادوا عنتهم والبغي عليهم فقدموا على النجاشي وأخبروه أن هؤلا الرهط الذين قدموا عليك من أهل مكة يريدون أن يحيلوا عليك ملكك ويفسدوا عليك أرضك ويشتموا ربك فأرسل إليهم النجاشي فلما أن أتوه قال: ألا تسمعون ما يقول صاحباكم هذان لعمرو بن العاص وعمارة بن أبي معيط يزعمان أنما جتئم لتحيلوا عليّ ملكي وتفسدوا عليّ أرضي فقال عثمان بن مظعون، وحمزة: إن شئتم خلوا بين أحدنا وبين النجاشي فليكلمه أينا أحدثكم سنًا فإن كان صوابًا فالله يأتي به، وإن كان أمرًا غير ذلك قلتم رجل شاب لكم في ذلك عذر، فجمع النجاشي قسيسيه ورهبانيته وتراجمته ثم سألهم أرأيتكم صاحبكم هذا الذي من عنده جئتم ما يقول لكم وما يأمركم به وما ينهاكم عنه هل له كتاب يقرؤه؟ قالوا: نعم هذا الرجل يقر أما أنزل الله تعالى عليه وما قد سمع منه ويأمر بالمعروف ويأمر بحسن المجاورة، ويأمر باليتيم، ويأمر بأن يعبد الله تعالى وحده ولا يعبد معه إله آخر فقرأ عليه سورة الروم والعنكبوت وأصحاب الكهف ومريم فلما أن ذكر عيسى في القرآن أراد عمرو أن يغضبه عليهم قال: والله إنهم يشتمون عيسى ويسبونه قال النجاشي: ما يقول صاحبكم في عيسى: قال يقول: إن عيسى عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم، فأخذ النجاشي نفثة من سواكه قدر ما يقذى العين فحلف ما زاد المسيح على ما يقول صاحبكم بما يزن ذلك القذى في يده من نفثة سواكه فأبشروا ولا تخافوا فلا دهونة يعني بلسان الحبشة اللوم على حزب إبراهيم قال عمرو بن العاص: ما حزب إبراهيم؟ قال: هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاءوا من عنده ومن اتبعهم فأنزلت ذلك اليوم في خصومتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة {إِنَّ أَوْلَى الناس بإبراهيم} الآية..تفسير الآية رقم (69): {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69)}{وَدَّت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الكتاب لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} المشهور أنها نزلت حين دعا اليهود حذيفة وعمارًا ومعاذًا إلى اليهودية، فالمراد بأهل الكتاب اليهود، وقيل: المراد بهم ما يشمل الفريقين، والآية بيان لكونهم دعاة إلى الضلالة إثر بيان أنهم ضالون، وأخرج ابن المنذر عن سفيان أنه قال: كل شيء في آل عمران من ذكر أهل الكتاب فهو في النصارى، ولعله جحار مجرى الغالب، و{مِنْ} للتبعيض، والطائفة رؤساؤهم وأحبارهم، وقيل: لبيان الجنس والطائفة جميع أهل الكتاب وفيه بعد، و{لَوْ} عنى أن المصدرية، والمنسبك مفعول ودّ وجوز إقرارها على وضعها، ومفعول ودّ محذوف، وكذا جواب {لَوْ} والتقدير: ودّت إضلالكم لو يضلونكم لسروا بذلك، ومعنى {يُضِلُّونَكُمْ} يردونكم إلى كفركم قاله ابن عباس أو يهلكونكم قاله ابن جرير الطبري أو يوقعونكم في الضلال ويلقون إليكم ما يشككونكم به في دينكم قاله أبو علي وهو قريب من الأول.{وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنفُسَهُمْ} الواو للحال، والمعنى على تقدير إرادة الإهلاك من الإضلال أنهم ما يهلكون إلا أنفسهم لاستحقاقهم بإيثارهم إهلاك المؤمنين سخط الله تعالى وغضبه، وإن كان المراد من الإهلاك الإيقاع في الضلال فيحتاج إلى تأويل لأن القوم ضالون فيؤدي إلى جعل الضال ضالًا فيقال: إن المراد من الإضلال ما يعود من وباله إما على سبيل المجاز المرسل، أو الاستعارة أي ما يتخطاهم الإضلال ولا يعود وباله إلا إليهم لما أنهم يضاعف به عذابهم، أو المراد بأنفسهم أمثالهم المجانسون لهم، وفيه على ما قيل: الإخبار بالغيب فهو استعارة أو تشبيه بتقدير أمثال أنفسهم إذ لم يتهود مسلم ولله تعالى الحمد وقيل: إن معنى إضلالهم أنفسهم إصرارهم على الضلال بما سولت لهم أنفسهم مع تمكنهم من اتباع الهدى بإيضاح الحجج، ولا يخلو عن شيء {وَمَا يَشْعُرُونَ} أي وما يفطنون بكون الإضلال مختصًا بهم لما اعترى قلوبهم من الغشاوة قاله أبو علي وقيل: {وَمَا يَشْعُرُونَ} بأن الله تعالى يعلم المؤمنين بضلالهم وإضلالهم، وفي نفي الشعور عنهم مبالغة في ذمهم.
|