الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (27): {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)}{تُولِجُ اليل فِي النهار وَتُولِجُ النهار فِي اليل} الولوج في الأصل الدخول والإيلاج الإدخال واستعير لزيادة زمان النهار في الليل وعكسه بحسب المطالع والمغارب في أكثر البلدان وروي ذلك عن ابن عباس والحسن ومجاهد ولا يضر تساوي الليل والنهار دائمًا عند خط الاستواء لأنه يكفي الزيادة والنقصان فيهما في الأغلب، وقال الجبائي: المراد بإيلاج أحدهما في الآخر إيجاد كل واحد منهما عقيب الآخر والأول أقرب إلى اللفظ، وعلى التقديرين الظاهر من الليل والنهار ليل التكوير ونهاره وهما المشهوران أن عند العامة الذين يفهمون ظاهر القول، ووراء ذلك أيام السلخ التي يعرفها العارفون وأيام الإيلاج الشانية التي يعقلها العلماء الحكماء. وبيان ذلك على وجه الاختصار أن اليوم على ما ذكره القوم الإلهيون عبارة عن دورة واحدة من دورات فلك الكواكب وهو من النطح إلى النطح ومن الشرطين إلى الشرطين ومن البطين إلى البطين وهكذا إلى آخر المنازل، ومن درجة المنزلة ودقيقتها إلى درجة المنزلة ودقيقتها، وأخفى من ذلك إلى أقصى ما يمكن الوقوف عنده وما من يوم من الأيام المعروفة عند العامة وهي من طلوع الشمس إلى طلوع الشمس أو من غروبها إلى غروبها أو من استوائها إلى استوائها أو ما بين ذلك إلى ما بين ذلك إلا وفيه نهاية ثلثمائة وستين يومًا فاليوم طوله ثلاثمائة وستون درجة لأنه يظهر فيه الفلك كله وتعمه الحركة وهذا هو اليوم الجسماني، وفيه اليوم الروحاني فيه تأخذ العقول معارفها والبصائر مشاهدها والأرواح أسرارها كما تأخذ الأجسام في هذا اليوم الجسماني أغذيتها وزيادتها ونموها وصحتها وسقمها وحياتها وموتها فالأيام من جهة أحكامها الظاهرة في العالم المنبعثة من القوة الفعالة للنفس الكلية سبعة من يوم الأحد إلى آخره ولهذه الأيام أيام روحانية لها أحكام في الأرواح والعقول تنبعث من القوة العلامة للحق الذي قامت به السموات والأرض وهو الكلمة الإلهية، وعلى هذه السبعة الدوارة يدور فلك البحث فنقول: قال الله تعالى في المشهود من الأيام المحسوسة: {يُكَوّرُ اليل عَلَى النهار وَيَكُونَ *النهار وَيُكَوّرُ النهار} [الزمر: 5] وأبان عن حقيقتين من طريق الحكم بعد هذا فقال في آية: {وَءايَةٌ لَّهُمُ اليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار} [ياس: 37] فهذه أنبأت أن الليل أصل والنهار كان غيبًا فيه ثم سلخ، وليس معنى السلخ معنى التكوير فلابد أن يعرف ليل كل نهار من غيره حتى ينسب كل ثوب إلى لابسه ويرد كل فرع إلى أصله، ويلحق كل ابن بأبيه، وقال في الآية الكريمة كاشفًا عن حقيقة أخرى: {يُولِجُ اليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي اليل} فجعل بين الليل والنهار نكاحًا معنويًا لما كانت الأشياء تتولد منهما معًا وأكد هذا المعنى بقوله عز قائلًا: {يغشى وَهُوَ الذى} [الأعراف: 54] ولهذا كان كل منهما مولجًا ومولجًا فيه فكل واحد منهما لصاحبه أصل وبعل فكلما تولد في النهار فأمه النهار وأبوه الليل وكلما تولد في الليل فأمه الليل وأبوه النهار فليس إذًا حكم الايلاج حكم السلخ فإن السلخ إنما هو في وقت أن يرجع النهار من كونه مولجًا ومولجًا فيه والليل كذلك إلا أنه ذكر السلخ الواحد ولم يذكر السلخ الآخر من أجل الظاهر والباطن والغيب والشهادة. والروح والجسم والحرف والمعنى وشبه ذلك فالايلاج روح كله والتكوير جسم هذا الروح الإيلاجي ولهذا كرر الليل والنهار في الإيلاج كما كررهما في التكوير هذا في عالم الجسم وهذا في عالم الروح، فتكوير النهار لإيلاج الليل وتكوير الليل لإيلاج النهار، وجاء السلخ واحدًا للظاهر لأربابه، وقد اختلف العجم والعرب في أصالة أي المكورين على الآخر، فالعجم يقدمون النهار على الليل وزمانهم شمسي فليلة السبت عندهم مثلا الليلة التي تكون صبيحتها يوم الأحد وهكذا، والعرب يقدمون الليل على النهار وزمانهم قمري {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} [المجادلة: 22] فليلة الجمعة عندهم مثلا هي الليلة التي يكون صبيحتها يوم الجمعة وهم أقرب من العجم إلى العلم فإنه يعضدهم السلخ في هذا النظر غير أنهم لم يعرفوا الحكم فنسبوا الليلة إلى غير يومها كما فعل أصحاب الشمس وذلك لأن عوامهم لا يعرفون إلا أيام التكوير والعارفون من أهل هذه الدولة، وورثة الأنبياء يعلمون ما وراء ذلك من أيام السلخ وأيام الإيلاج الشاني، ولما كانت الأيام شيئًا وكل شيء عندهم ظاهر وباطن وغيب وشهادة وروح وجسم وملك. وملكوت ولطيف وكثيف قالوا: إن اليوم نهار وليل في مقابلة باطن وظاهر، والأيام سبعة ولكل يوم نهار وليل من جنسه، والنهار ظل ذلك الليل وعلى صورته لأنه أصله المدرج هو فيه المنسلخ هو منه بالنفخة الآلهية، وقد أطلق سبحانه في آية السلخ ولم يبين أي نهار سلخ من أية ليلة ولم يقل ليلة كذا سلخ منها نهار كذا ليعقلها من ألهمه الله تعالى رشده فينال فصل الخطاب، فعلى المفهوم من اللسان العربي بالحساب القمري أي ليلة الأحد سلخ الله تعالى منها نهار الأربعاء وسلخ من ليلة الاثنين نهار الخميس، ومن ليلة الثلاثاء نهار الجمعة، ومن ليلة الأربعاء نهار السبت، ومن ليلة الخميس نهار الأحد، ومن ليلة الجمعة نهار الاثنين ومن ليلة السبت نهار الثلاثاء فجعل سبحانه بين كل ليلة ونهارها المسلوخ منها ثلاث ليال وثلاثة نهارات فكانت ستة وهي نشأتك ذاك الجهات، فالليالي منها للتحت والشمال والخلف، والنهارات منها للفوق واليمين والامام فلا يكون الإنسان نهارًا ونورًا تشرق شمسه وتشرق به أرضه حتى ينسلخ من ليل شهوته ولا يقبل على من لا يقبل الجهات حتى يبعد عن جهات هيكله، وإنما نسبوا هذه النسبة من جهة الاشتراك في الشأن الظاهر لستر الحكمة الإلهية على يد الموكلين بالساعات، وفي اليوم الإيلاجي الشاني يعتبرون ليلًا ونهارًا أيضًا وهو عندهم أربع وعشرون ساعة قد اتحد فيها الشأن فلم ينبعث فيها إلا معنى واحد ويتنوع في الموجودات بحسب استعداداتها ولهذا قال سبحانه: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] ولم يقل في شؤون وتنوينه للتعظيم الظاهر باختلاف القوابل وتكثر الأشخاص فإذا ساعات ذلك اليوم تحت حكم واحد ونظر وال واحد قد ولاه من لا يكون في ملكه إلا ما يشاء وتولاه وخصه بتلك الحركة وجعله أميرًا في ذلك، والمتصرف الحقيقي هو الله تعالى لا هو من حيث هو، فاليوم الشاني ما كانت ساعاته كلها سواء ومتى اختلفت فليس بيوم واحد ولا يوجد هذا في أيام التكوير وكذا في أيام السلخ إلا قليلًا فطلبنا ذلك في الأيام الإيلاجية فوجدناه مستوفى فيه، وقد أرسل سبحانه آية الإيلاج ولم يقل: {يُولِجُ اليل} الذي صبيحته الأحد في الأحد ولا النهار الذي مساؤه ليلة الاثنين في الاثنين فإذا لا يلتزم أن ليلة الأحد هي ليلة الكور ولا ليلة السلخ وإنما يطلب وحدانية اليوم من أجل أحدية الشأن فلا ينظر إلا إلى اتحاد الساعات، والحكم المولى من قبل المولى فليلة الأحد الايلاجي مركبة من الساعة الأولى من ليلة الخميس، والثانية منها، والثالثة من يوم الخميس، والعاشرة منها، والخامسة من ليلة الجمعة، والثانية عشرة منها، والسابعة من يوم الجمعة، والثامنة من ليلة السبت، والتاسعة منها، والرابعة من يوم السبت، والحادية عشرة منه، والسادسة من ليلة الأحد فهذه ساعات ليله. وأما ساعات نهاره من أيام التكوير فالأولى من يوم الأحد، والثامنة والثالثة من يوم الاثنين والعاشرة منه، والخامسة من يوم الاثنين والثانية عشرة منه والسابعة من ليلة الثلاثة والثانية من يوم الثلاثاء والتاسعة منه، والرابعة من ليلة الأربعاء والحادية عشرة منها والسادسة من يوم الأربعاء فهذه أربعة وعشرون ساعة ظاهرة كالشمس ليوم الأحد الإيلاجي الشاني كلها كنفس واحدة لأنها من معدن واحد، وهكذا تقول في سائر الأيام حتى تكمل سبعة أيام متميزة بعضها من بعض مولجة بعضها في بعض نهارها في ليلها وليلها في نهارها لحكمة التوالد والتناسل وذلك كسريان الحكم الواحد في الأيام، ويظهر ذلك من أيام التكوير. وقد ذكر مولانا الشيخ الأكبر قدس سره الشأن في كل يوم في رسالته «المسماة بالشأن الإلهي»، ولعلِّي إن شاء الله تعالى أذكر ذلك عند قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] وهذه الأيام أيضًا غير يوم المثل وهو عمر الدنيا ويوم الرب ويوم المعارج ويوم القمر ويوم الشمس ويوم زحل ويوح الحمل ولكل كوكب من السيارات والبروج يوم وقد ذكر كل ذلك في الفتوحات وإنما تعرضنا لهذا المقدار وإن كان الاستقصاء في بيان مشرب القوم ليس بدعًا في هذا الكتاب تعليمًا لبعض طلبة العلم ما الليل والنهار إذ قد ظنوا لجهلهم بسبب بحث جرى بنا الظنون، وفي هذا كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد فحمدًا لك اللهم على ما علمت ولك الشكر على ما أنعمت.{وَتُخْرِجُ الحى مِنَ الميت} أي تكون الحيوانات من موادها أو من النطفة، وعليه ابن عباس وابن مسعود وقتادة ومجاهد والسدى وخلق كثير {وَتُخْرِجُ الميت مِنَ الحى} أي النطفة من الحيوانات كما قال عامة السلف. وأخرج ابن مردويه من طريق أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام أخرج ذريته فقبض قبضة بيمينه فقال: هؤلاء أهل الجنة ولا أبالي وقبض بالأخرى قبضة فجاء فيها كل رديء فقال هؤلاء أهل النار ولا أبالي فخلط بعضهم ببعض فيخرج الكافر من المؤمن والمؤمن من الكافر» فذلك قوله تعالى: {وَتُخْرِجُ الحى مِنَ الميت} الآية وإلى هذا ذهب الحسن وروي عن أئمة أهل البيت، فالحي والميت مجازيان، ولطف هذه الجملة بعد الأولى لا يخفى، والقائلون بعموم المجاز قالوا: المراد تخرج الحيوانات من النطف والنطف من الحيوانات، والنخلة من النواة والنواة من النخلة، والطيب من الخبيث والخبيث من الطيب، والعالم من الجاهل والجاهل من العالم، والذكي من البليد والبليد من الذكي إلى غير ذلك. ولا يلزم من الآية أن يكون إخراج كل حي من ميت وكل ميت من حي ليلزم التسلسل في جانب المبدئ إذ غاية ما تفهمه الآية أن لله تعالى هذه الصفة وأما أنه لا يخلق شيئًا إلا من شيء فلا كما لا يخفى، وقرئ {الميت} بالتخفيف في الموضعين.{وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} الظرف في محل الحال من المفعول أي ترزق من تشاء غير محاسب له، أو من الفاعل أي ترزقه غير محاسب له، أو غير مضيق عليه، وجوز أن يكون نعتًا لمصدر محذوف، أو مفعول محذوف أي رزقًا غير قليل، وفي ذكر هذه الأفعال العظيمة التي تحير العقول ونسبتها إليه تعالى دلالة على أن من يقدر على ذلك لا يعجزه أن ينزع الملك من العجم ويذلهم ويؤتيه العرب ويعزهم بل هو أهون عليه من كل هين. هذا وقد تقدم ما يشير إلى فضل هذه الآية، وقد أخرج ابن أبي الدنيا عن معاذ بن جبل قال: «شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم دينًا كان عليّ فقال: يا معاذ أتحب أن يقضى دينك؟ قلت: نعم قال: {قُلِ اللهم مالك الملك تُؤْتِى الملك مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الملك مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ} [آل عمران: 26] رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي منهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء اقضِ عني ديني فلو كان عليك ملء الأرض ذهبًا أدى عنك» وفي رواية للطبراني الآية بتمامها.ومن باب الإشارة في الآيات: {شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ} أي أبان بدلائل الآفاق والأنفس أنه لا إله في الوجود سواه، أو شهد بذاته في مقام الجمع على وحدانيته حيث لا شاهد ولا مشهود غيره، وشهد الملائكة وأولو العلم بذلك وهي شهادة مظاهره سبحانه في مقام التفصيل، ومن القوم من فرق بين الشهادتين بأن شهادة الملائكة من حيث اليقين وشهادة أولي العلم من حيث المشاهدة، وأيضًا قالوا: شهادة الملائكة من رؤية الأفعال وشهادة أولي العلم من رؤية الصفات، وقيل: شهادة الملائكة من رؤية العظمة ولذا يغلب عليهم الخوف، وشهادة العلماء من رؤية الجمال ولذا يغلب عليهم الرجاء. وشهادة العلماء متفاوتة فشهادتهم بعض من الحالات، وشهادة آخرين من المقامات، وشهادة طائفة من المكاشفات، وشهادة فرقة من المشاهدات؛ وخواص أهل العلم يشهدون به له بنعت إدراك القدم وبروز نور التوحيد من جمال الوحدانية، فشادتهم مستغرقة في شهادة الحق لأنهم في محل المحو {قَائِمًَا بالقسط} أي مقيمًا للعدل بإعطاء كل من الظهور ما هو له بحسب الاستعداد فيتجلى عليه على قدر دعائه {لا إله إِلاَّ هُوَ العزيز} فلا يصل أحد إلى معرفة كنهه وكنه معرفته {الحكيم} [آل عمران: 18] الذي يدبر كل شيء فيعطيه من مراتب التوحيد ما يطيق {إِنَّ الدّينَ} المرضي {عِندَ الله الإسلام} [آل عمران: 19] وهو المقام الإبراهيمي المشار إليه بقوله: {أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ} [آل عمران: 20] أي نفسي وجملتي وانخلعت عن آنيتي لله تعالى ففنيت فيه {إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بآيات الله} وهم المحجوبون عن الدين والساترون للحق بالميل مع الشهوات {وَيَقْتُلُونَ النبيين} الداعين إلى التوحيد وهم العباد والواصلون الكاملون {وَيَقْتُلُونَ الذين يَأْمُرُونَ بالقسط} وهو نفي الأغيار وقصر الوجود الحق على الله تعالى: {مِنَ الناس}، ويحتمل أن يشار بالذين كفروا إلى قوى النفس الأمارة وبالنبيين إلى أنبياء القلوب المشرفة بوحي إلهام الغيوب، وبالآمرين بالقسط القوى الروحانية التي هي من جنود أولئك الأنبياء وأتباعهم، فبشر أولئك الكافرين {بعذاب أليم} [آل عمران: 21] وهو عذاب الحجاب والبعد عن حضرة رب الأرباب {أُولَئِكَ الذين حَبِطَتْ} أي بطلت وانحطت عن حيز الاعتبار {أعمالهم} لعدم شرطها وهو التوحيد {فِى الدنيا} وهي عالم الشهادة {والاخرة} وهي عالم الغيب {وَمَا لَهُم مّن ناصرين} [آل عمران: 22] لسوء حظهم وقلة استعدادهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيبًا مّنَ الكتاب} كعلماء السوء وأحبار الضلال {يُدْعَوْنَ إلى كتاب الله} الناطق قام الجمع والفرق {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} وبين الموحدين {ثُمَّ يتولى فَرِيقٌ مّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ} [آل عمران: 23] عن قبول الحق لفرط حجابهم واغترارهم بما أوتوا {ذلك بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النار} نار البعد {إِلا أَيَّامًا معدودات} أي قليلة يسيرة {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم} الذي هم عليه {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [آل عمران: 24] من القضايا والأقيسة التي جاءت بها عقولهم المشوبة بظلمات الوهم والخيال {فَكَيْفَ} يكون حالهم {إِذَا جمعناهم} بعد تفرقهم في صحراء الشكوك وتمزيق سباع الأوهام لهم {لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ} وهو يوم القيامة الكبرى الذي يظهر فيه الحق لمنكره، {وَوُفّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ} صالحة وطالحة {مَّا كَسَبَتْ} بواسطة استعدادها {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 25] جزاء ذلك {قُلِ اللهم مالك الملك} أي الملك المتصرف في مظاهرك من غير معارض ولا مدافع حسا تقتضيه الحكمة {تُؤْتِى الملك مَن تَشَاء} وهو من اخترته للرياسة الباطنة وجعلته متصرفًا بإرادتك وقدرتك {وَتَنزِعُ الملك مِمَّن تَشَاء} بأن تنقله إلى غيره باستيفاء مدة إقامته في عالم الأجسام وتكميل النشأة، أو تحرم من تشاء عن إيتاء ذلك الملك لظلمه المانع له من أن ينال عهدك أو يمنح رفدك {مَن تَشَاء} بإلقاء نور من أنوار عزتك عليه فإن العزة لله جميعًا {وَتُذِلُّ مَن تَشَاء} بسلب لباس عزتك عنه فيبقى ذليلًا {بِيَدِكَ الخير} [آل عمران: 26] كله وأنت القادر مطلقًا تعطي على حسب مشيئتك وتتجلى طبق إرادتك وتمنح بقدر قابلية مظاهرك {تُولِجُ اليل فِي النهار} تدخل ظلمة النفس في نور القلب فيظلم {وَتُولِجُ النهار فِي اليل} وتدخل نور القلب في ظلمة النفس فتستنير وتخلطهما معًا مع بعد المناسبة بينهما {وَتُخْرِجُ} حي القلب من ميت النفس وميت النفس من حي القلب، أو تخرج حي العلم من ميت الجهل وميت الجهل من حي العلم {وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء} من النعم الظاهرة والباطنة، أو من إحداهما فقط {بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 27] إذ لا حجر عليك.هذا ولما بين سبحانه أن إعطاء الملك والإعزاز من الله تعالى وأنه على كل شيء قدير نبه المؤمنين على أنه لا ينبغى أن يوالوا أعداء الله تعالى لقرابة أو صداقة جاهلية أو نحوهما أو أن لا يستظهروا بهم لأنه تعالى هو المعز والقادر المطلق بقوله عز قائلًا:
|