الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **
ثم سار خالد إلى الحيرة وحمل الرجال والأنفال في السفن. وخرج مرزبان الحيرة وهو الأزادية فعسكر عند الغريين وأرسل ابنه ليقاطع الماء على السفن فوقفت على الأرض وسار إليه خالد فلقيه على فرات بازقلة فقتله وجميع من معه وسار نحو أبيه على الحيرة فهرب بغير قتال لما كان بلغة من موت أردشير كسرى وقتل ابنه. ونزل خالد منزله بالغريّين وحاصر قصور الحيرة وافتتح الديور وصاح القسيسون والرهبان بأهل القصور فرجعوا على الإباية وخرج إياس بن قبيصة من القصر الأبيض وعمرو بن عبد المسيح بن قيس بن حيان بن بقيلة وكان معمراً وسأله خالد عن عجيبة قد رآها فقال رأيت القرى ما بين دمشق والحيرة تسافر بينهما المرأة فلا تتزود إلا رغيفاً واحداً. ثم جاءه واستقرب منه ورأى مع خادمه كيسأ فيه سم فأخذه خالد ونثره في يده وقال ما هذا قال خشيت أن تكونوا على غير ما وجدت فيكون الموت أحب إلي من مكروه أدخله على قومي. فقال له خالد لن تموت نفس حتى تأتي على أجلها. ثم قال: باسم الله الذي لا نصير مع اسمه شيء وابتلع السم فوعك ساعة ثم قام كأنما نشط من عقال. فقال عبد المسيح لتبلغنّ ما فأردتم ما دام أحد منكم هكذا. ثم صالحهم على مئة أو مئتين وتسعين ألفاً وعلى كرامة بنت عبد المسيح لشريك كان النبي صلى الله عليه وسلم وعده بها إذا فتحت الحيرة فأخذها شريك وافتدت منه بألف درهم وكتب لهم بالصلح وذلك في أول سنة اثنتي عشرة. فتح ما وراء الحيرة. كان الدهاقين يتربصون بخالد ما يصنع بأهل الحيرة فلما صالحهم واستقاموا له جاءته الدهاقين من كل ناحية فصالحوه عما يلي الحيرة من الفلاليج وغيرها على ألف ألف وقيل على ألفي ألف سوى جباية كسرى. وبعث خالد ضرارَ بن الأزور وضرارَ ابن الخطاب والقعقاعَ بن عمرو والمثنّى بن حارثة وعيينةَ بن الشماس فكانوا في الثغور وأمرهم بالغَارة فمخروا السواد كله إلى شاطىء دجلة. وكتب إلى ملوك فارس: أما بعد فالحمد لله الذي حل نظامكم ووهن كيدكم وفرق كلمتكم ولو نفعل ذلك كان شرأ لكم. فادخلوا في أمرنا ندعكم وأرضكم ونجوزكم إلى غيركم وإلا كان ذلك وأنتم كارهون على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة. وكتب إلى المرازبة: أما بعد فالحمد لله الذيِ فضّ حذقكم وفرق كلمتكم وفل حدّكم وكسر شوكتكم تسلموا وإلا فاعتقدوا مني الذمة وأدوا الجزية وإلا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون شرب الخمر انتهى. وكان العجم مختلفين بموت أردشير وقد أزالوا بهمن حاذويه فيمن سيره في العساكر فجبى خالد خراج السواد في خمسين ليلة وغلب العجم عليه وأقام بالحيرة سنة يصعد ويصوّب والفرس يخلعون ويملكون ولم يجدوا من يجتمعون عليه لأن سيرين كان قتل جيع من تناسب إلى بهرام جور. فلما وصلهم كتاب خالد تكلم نساء آل كسرى وولِّوا الفرّخ زاد ابن البندوان إلى أن يجدوا من يجتمعون عليه ووصل جرير بن عبد الله البجلي إلى خالد بعد فتح الحيرة وكان مع خالد بن سعيد بن العاص بالشام. ثم قدم على أبي بكر فكلمه أن يجمع كما وعد النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا أوزاعاً متفرقين في العرب. فسخط ذلك منه أبو بكر تكلمني بما لا يعني وأنت ترى ما نحن فيه من فارس والروم وأمره بالسير إلى خالد فقدم عليه بعد فتح الحيرة. فتح الأنبار وعين التمر وتسمى هذه الغزوة ذات العيون ثم سار خالد على تَعْبِيَتهِ إلى الأنبار وعلى مقدَّمته الأقرَ بن حابس وكان بالأنبار شيرزاد صاحب ساباط فحاصرهم ورشقوهم بالنبال حتى فقأوا منهم ألف عين. ضعاف الإبل وألقاها في الخندق حتى ردمه بها وجاز هو وأصحابه فوقها. فاجتمع المسلمون والكفار في الخندق وصالح شيرزاد على أن يلحقوه بمأمنه ويخلي البلد وما فيها فلحق بهمن جادويه. ثم استخلف خالد على الأنبار الزَبْرَقان بن بدر وسار إِلى عين التمر وبها مهران بن بهرام جوبين في جمع عظيم من العجم وعقَّة بن أبي عقة في جمع عظيم من العرب وحولهم طوائف من النمر وتغلب وإِياد وغيرهم من العرب. وقال عقبة لبهرام دعنا وخالداً فالعرب أعرف لقتال العرب. فدفعه لذلك واتقى به وسار عقة إلى خالد وحمل خالد عليه وهو يقيم صفوفه فاحتضنه وأخذ أسيراً. وانهزم العسكر عن غير قتال وأسر أكثرهم وبلغ الخبر إلى مهران فهرب وترك الحصن وتحصن به المنهزمون واستأمنوا لخالد فأبى فنزلوا على حكمه أجمعين وعقة معهم. وغنم ما في الحصن وسبى أهليهم وأولادهم وأخذ من البيعة وهي الكنيسة غلماناً كانوا يتعلمون الإنجيل فقسمهم في الناس منهم سيرين أبو محمد ونصير أبو موسى وحمران مولى عثمان وبعث إلى أبي بكر بالفَتح والخمس وقتل من المسلمين عمير بن رباب السهمي من مهاجرة الحبشة وبشير بن سعد والد النعمان. مطلب وقعة دومة الجنادل ولما فرغ خالد من عين التمر وافق وصول كتاب عياض بن غنم وهو على من بازائه من نصارى العرب بناحية دومة الجندل وهم بَهْرَا وكَلْب وغسان وتنوخ والضَجَاعِم. وكانت رياسة دومة لأكَيْدرَ بن عبد الملك والجودي بن ربيعه يقتسمانِها وأشار أكيدر بصلح خالد فلم يقبلوا منه فخرج عنه وبلغ خالد مسيره فأرسل من اعترضه فقتله وأخذ ما معه. وسار خالد فنزل دومة وعياض عليها من الجهة الأخرى وخرج الجوديّ لقتال عياض فانهزموا من الجهتين إلى الحِصن فأغلق دونهم وقتل الجودي وافتتح الحصن عَنْوَةٍ فقتل المقاتلة وسبى الذرية. M0 وقائع بالعراق وأقام خالد بدومة الجندل وطمع الأعاجم في الحيرة وملأهم عرب الجزيرة غضباً لعقة فخرج اسواران إِلى الأنبار وانتهيا إلى حصيد والخنافس فبعث القَعْقَاع من الحيرة عسكرين حالاً بينهما وبين الريف. ثم جاء خالد إلى الحيرة فجعل القعقاع بن عمرو وأبو ليلى بن فدكى إلى لقائهما بالحصيد فقتل من العجم مقتلة عظيمة وقتل الاسواران وغنم المسلمون ما في الحصيد وانهزمت الأعاجم إلى الخنافس وبها البهبوذان من الأساورة. وسار أبو ليلى في اتباعهم فهزم البهبوذان إلى المصيخ وكان بهما الهذَيْلُ بن عِمَران وربيعة بن بُجَيْر من عرب الجزيرة غضباً لعقة وجاءا مدداً لأهل الحصيد فكتب خالد إلى القعقاع وأبي ليلى وأودعهما المصيخ. وسار إليهم فتوافوا هنالك وأغاروا على الهذيل ومن معه ثلاثة أوجه فأكثروا فيهم القتل ففر الهذيل في قليل وكان مع الهذيل عبد العزيز بن أبي رهم من أوس مناة ولبيد بن جرير وكانا أسلما وكتب لهما أبو بكر بإسلامهما فقتلا في المعركة فَوَداهما أبو بكر وأوصى بأولادهما. وكان عمر يعتمد بقتلهما وقتل مالك بن نويرة على خالد ولما فرغ خالد من الهذيل بالمصيخ واعد القعقاع وأبا ليلى إلى الثَنِي شرقي الرصافة ليغير على ربيعة بن بجيْرٍ التغْلبِيَ صاحب الهذيل الذي جاء معه لِمدَدِ الفُرس وتبييتهم فلم يفلت منهم أحداً. ثم اتبع الهذيل بعد مَفَرِّه من المصيخ إلى اليسير وقد لحق هنالك بعتاب بن أُسَيْد فبيتهم خالد قبل أن يصل إليهم خبر ربيعة فقتل منهم مقتلة عظيمة وسار إلى الرصافة وبها هلال بن عقة فتفرق عنه أصحابه وهرب فلم يلق بها خالد من الرضاب إلى الفِراض وهي تخوم الشام والعراق والجزيرة فحميت الروم واستعانوا بمن يليهم من مسالح فارس واجتمعت معهم تغلب وإِياد والنمر وصاروا إلى خالد وطلبوا منه العبور فقال اعبروا اسفل منا فعبروا وامتاز الروم من العرب. فانهزمت الروم ذلك اليوم وقتل منهم نحواً من مئة ألف. . وأقام خالد على الفراض إلى ذي القعدة. ثم أذن للناس بالرجوع إلى الحيرة وجعل شَجَرَة بن الأغرِّ على الساقة وخرج من الفراض حاجاً مكتتماً بحجه وذهب ليتعسف البلاد حتى أتى مكة فحجَّ ورجع فوافى الحيرة مع جنده وشجرة بن الأغر معهم ولم يعلم بحجِّه إلا من أعلمه به وعتب به أبو بكر في ذلك لما سمعه وكانت عقوبته إياه أن صرفه من غزو العراق إلى الشام. ثم شن خالد بن الوليد الغارات على نواحي السواد فأغار هو على شرق بغداد وعلى قَطَرْبِل وعَقَرْقُوف ومسكن وبادروبا. وحج أبو بكر في هذه السنة واستخلف على المدينة عثمان بن عفان. بعوث الشام وكان من أول عمل أبي بكر بعد عوده من الحج أن بعث خالد بن سعيد بن العاص في الجنود إلى الشام أول سنة ثلاث عشرة وقيل إنما بعثه إلى الشام لما بعث خالد بن الوليد إلى العراق أول السنة التي قبلها ثم عزله قبل أن يسير لأنه كان لما قدم من اليمن عند الوفاة تخلُّف عن بيعة أبي بكر أياماً وغدا على علي وعثمان على الإستكانة لِتَيْم وهما رؤوس بني عبد مناف فنهاه عليُّ وبلغت الشيخين. فلما ولاه أبو بكر عقد له عمر فعزله وأمره أن يقيم بتيماء ويدعو من حوله من العرب إلى الجهاد حتى يأتيه أمره. فاجتمعت إليه جموع كثيرة وبلغ الروم خبره فضربوا البعث على عرب الضاحية بالشام من بهرا وسليح وكلب وغسان ولخم وجذام وسار إليهم خالد فغلبهم على منازلهم وافترقوا. وكتب له أبو بكر بالإقدام فسار متقدماً ولقيه البطريك ماهان من بطاركة الروم فهزمه خالد واستلحم الكثير من جنوده. وكتب إلى أبي بكر يستمده ووافق كتابه المستنفرين وفيهم ذو الكلاع ومعه حميرْ وعِكرمَةُ بن أبي جهل ومن معه من تهَامَةَ والسُرو وعُمان والبحرين فبعثهم إليه. وحينئذ اهتم أبو بكر بالشام وكان عمرو بن العاص لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً إلى عمان وعده أن يعيده إلى عمله عند فراغه من أمر عمان فلما جاء بعد الوفاة أعاده إليها أبو بكر إنجازاً لوعده صلى الله عليه وسلم وهي صدقات سعد هذَيْم وبني عُمْرَةَ. فبعث إليه لأن يأمره باللحاق بخالد بن سعيد لجهاد الروم وأن يقصد فِلَسْطين وبعث أيضأ إلى الوليد بن عقبة وكان على صدقات قضاعَةَ وولاه الأردن وأمًر يزيد بن أبي سفيان على جمهور من انتدب إليه منهم: سهيل بن عمرو وأشباهه وأمّر أبا عبيدة بن الجراح على جميعهم وعين له حمص وأوصى كل واحد منهم. ولما وصل المدد إِلى خالد بن سعيد وبلغه توجُه الأمراء تعجل للقاء الروم قبلهم فاستطرد له ماهان ودخل دمشق. واقتحم خالد الشام ومعه ذي الكلاع وعِكْرِمَةُ والوليد حتى نزل مرج الصُفرِ عند دمشق فانطوت مسالح ماهان عليه وسدوا الطريق دونه وزحف إليه ماهان ولقي ابنه سعيداً في طريقه فقتلوه. وبلغ الخبر أباه خالداً فهرب فيمن معه وانتهى إلى ذي المروة قرب المدينة. وأقام عكرمة ردءاً من خلفهم فرد عنهم الروم فأقام قريبأ من الشام. وجاء شرحبيل بن حسنة إلى أبي بكر وافدأً من العراق من عند خالد فندب إليه الناس وبعثه مكان الوليد إلى أردن. ومرّ ثم بعث أبو بكر معاوية وأمره باللحاق بأخيه يزيد وأذن لخالد بن سعيد بدخول المدينة. وزحف الأمراء في العساكر نحو الشام فعبى هرقل عساكر الروم ونزل حمص بعد أن أشار على الروم بعدم قتال العرب ومصالحتهم على ما يريدون فأبوا ولجوا ثم فرقهم على أمراء المسلمين فبعث شقيقه تذارق في تسعين ألفً نحو عمرو بن العاص بفلسطين. وبعث جرجة بن توذر نحو يزيد بن أبي سفيان وبعث الدراقص نحو شرحبيل بن حسنة بالأردن وبعث القيقار بن نسطورس في ستين ألفاً نحو أبي عبيدة بالجابية. فهابهم المسلمون ثم رأوا أن الاجتماع أليق بهم وبلغهم كتاب أبي بكر بذلك فاجتمعوا باليرموك في بضعة وعشرين ألفاً. وأمر هرقل أيضا باجتماع جنوده ووعدهم بوصول ملحان إِليهم ردءاً فاجتمعوا بحيال المسلمين والوادي خندق بينهم. فأقاموا بإزائه ثلاثة أشهر واستمدوا أبا بكر فكتب إلى خالد بن الوليد أن يستخلف على العراق المثنى بن حارثة ويلحق بهم وأمره على جند الشام. ولما استمد المسلمون أبا بكرٍ بعث إليهم خالد بن الوليد من العراق واستحثه في السير إليهم فنفذ خالد لذلك ووافى المسلمين مكانهم عندما وافى ماهان الروم أيضأ. وولى خالد قباله وولى الأمراء قبل الاخرين إزاءهم فهزم ماهان وتتابع الروم على الهزيمة وكانوا مائتين وأربعين ألفاً وتقسموا بين القتل والطرق في الواقوصة والهَوي فيِ الخندق وقتل صناديد الروم وفرسانهم وقتل تدارق أخو هرقل وانتهتَ الهزيمة إلى هرقل وهو دون حمص فارتحل وأجاز إِلى ما وراءها لتكون بينه وبين المسلمين وأمر عليها وعلى دمشق. ويقال: إِن المسلمين كانوا يومئذ ستة وأربعين ألفأ سبعة وعشرين منها مع الأمراء وثلاثة آلاف من بلال مع خالد بن سعيد قد أمر عليهم أبو بكر معاوية بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعشرة آلاف. من أمداد أهل العراق مع خالد بن الوليد وستة آلاف ثبتوا معِ عكرمة ردءاً بعد خالد بن سعيد. وأن خالد بن سعيد عبأهم كراديس ستة وثلاثين كردوساَ لما رأى الروم تعبوا كراديس وكان كل كردوس ألفاً وكان ذلك فيِ شهر جمادى وأن أبا سفيان بن حرب أبلى يومئذ بلاءً حسناً بسعيه وتحريضه. قالوا: وبينما الناس في القتال قدم البريد من المدينة بموت أبي بكر وولاية عمر فأسره إلى خالد وكتمه عن الناس. ثم خرج جرجه من أمراء الروم فطلب خالدأ وسأله عن أمره وأمر الإسلام فوعظه خالد فاستبصر وأسلم وكانت وهناً على الروم. ثم زحف خالد بجماعة من المسلمين فيهم جرجه فقتل من يومه واستشهد عكرمة بن أبي جهل وابنه عمر وأصيبت عين أبي سفيان واستشهد سلمة بن هشام وعمرو وأبان إبنا سعيد وهشام بن العاص وسَيارُ بن سفيان والطفَيْلُ بن عمرو وأثبت خالد بن سعيد فلا يعلم أين مات بعد. ويقال استشهد في مرج الصُفّرِ في الوقعة الأولى ويقال إِن خالداً لما جاءه من العراق مدداً للمسلمين بالشام طلب من الأدلاء أن يغوروا به حتى يخرج من وراء الروم فسلك به رافع بن عمرو الطائي من فزارة في بلاد كلب حتى خرج إلى الشام ونحر فيها الإبل وأغار على مصيخ فوجد به رفقة فقتلهم وأسلبهم. وقعة مرج راهط وكان الحرث بن الأيهم وغَّسان قد اجتمعوا بمرج راهط فسلك إليهم واستباحهم هم نزل بصرى ففتحها ثم سار منها إلى المسلمين بالواقوصة فشهد اليرموك ويقال: إِن خالداً لما جاء من العراق إلى الشام لقي أمراء المسلمين ببصرى فحاصروها جميعاً حتى فتحوها على الجزية. ثم ساروا جميعاً إلى فلسطين مدداً لعمرو بن العاص وعمرو بالغور والروم بجلق مع تدارق أخي هرقل وانكشفوا عن جلق إلى أجنادين وراء الرملة شرقاً. ثم تزاحف الناس فاقتتلوا وانهزم الروم وذلك في منتصف جمادى الأولى من السنة وقتل فيها تدارق ثم رجع هرقل ولقي المسلمين بالفاقوصة عند اليرموك فكانت واقعة اليرموك كما قدمنا في رجب بعد أجنادين وبلغت المسلمين وفاة أبي بكر وإنها كانت لثمان بقين من جمادى الآخرة. ولما احتضر أبو بكر عهد إلى عمر رضي الله عنهما بالأمر من بعده بعد أن شاور علياً وطلحة وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم وأخبرهم بما يريد فيه فَأثنوا على رأيه فأشرف على الناس وقال: إني قد استخلفت عمر لم آل لكم نصحاً فاسمعوا له وأطيعوا ودعا عثمان فأمره فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد به أبو بكر خليفة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة في الحالة التي يؤمن فيها الكافر ويتقي فيها الفاجر إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب ولم آل لكم خيراً فإن صبر وعدل فذلك علمي به ورأي منه وإن جار وبدل فلا علم لي بالغيب والخير أردت ولكل امرىء ما اكتسب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. فكان أول ما أنفذه من الأمور عزل خالد عن إمارة الجيوش بالشام وتوليه أبي عبيدة وجاء الخبر بذلك والمسلمون مواقفون عدوهم في اليرموك فكتم أبو عبيدة الأمر كله فلما انقضى أمر اليرموك كما مرّ سار المسلمون إلى فِحْل من أرض الأردن وبها واقعة الروم وخالد على مقدمة الناس فقاتلوا الروم. واقتحموها عنوة وذلك في ذي القعدة ولحقت فواقعت الروم بدمشق وعليها ماهان من البطارقة فحاصرهم المسلمون حتى فتحوا دمشق وأظهر أبو عبيدة أمارته وعزل خالد. وقال سببه إن أبا بكر كان يُسْخِطُ خالد بن سعيد والوليد بن عُقْبَةَ من أجل فرارهما كلما مرّ فلما وَليَ عمر رضي الله عنه أباح لهما دخول المدينة ثم بعثهما مع الناس إلى الشام. ولما فرغ أمر اليرموك وساروا إلى فِحْل وبلغ عمر خبر اليرموك فكتب بعزل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص حتى يصير الحرب إلى فلسطين فتولاها عمر. وإن خالداً قدم على عمر بعد العزل وذلك بعد فتح دمشق وإنهم ساروا إلى فحل فاقتحموها ثم ساروا إلى دمشق وعليها نِسطاسُ بن نَسْطُورُسَ فحاصروها سبعين ليلة وقيل ستة أشهر من نواحيها الأربع ة خالد وأبو عبيدة ويزيد وعمرو كل واحد على ناحية وقد جعلوا بينهم وبين هرقل مدينة حمص ومن دونها ذو الكلاع في جيش من المسلمين. وبعث هرقل المدد إلى دمشق وكان فيهم ذو الكلاع فَسُقِطَ في أيديهم وقدموا على دخول دمشق وطمع المسلمون فيهم. واستغفلهم خالد في بعض الليالي فتسور سورهم من ناحيته وقتل الوليد وفتح الباب واقتحم البلد وكبر وكبّروا فقتلوا جميع من لقوه. وفزع أهل النواحي إلى الأمراء الذين يلونهم فنادوا لهم بالصلح والدخول فدخلوا من نواحيهم صلحاً فأجريت ناحية قال سيف: وبعثوا إلى عمر بالفتح فوصل كتابه بأن يصرف جند العراق إلى العراق فخرجوا وعليهم هاشم بن عُتْبَةَ وعلى مُقَدَّمَتِةِ القعقاع وخرج الأمراء إلى فِحل وأقام يزيد بن أبي سفيان بدمشق. وكان الفتح في رجب سنة أربع عشرة. وبعث يزيد دِحْيَةَ الكَلْبِي إلى تدمر وأبا الزهراء القشيري إلى حوران والبُثَيْنَةِ فصالحوهما وولي عليهما. ووصل الأمراء إلى فِحْل فبيتهم الروم فظفر المسلمون بهم وهزموهم فقتل منهم ثمانون ألفأ. وكان على الناس في وقعة فحل شرحبيل بن حسنة فسار بهم إلى بيسان وحاصرها فقتل مقاتلتها وصالحه الباقون فقبل منهم. وكان أبو الأعور السلمي على طَبَرِيّة محاصرأ لها فلما بلغهم شأن بيسان صالحوه فكمل فتح الأردن صلحاً. ونزلت القوّاد في مدائنها وقراها وكتبوا إلى عمر بالفتح. وزعم الواقدي: أن اليرموك كانت سنة خمسة عشرة وأن هرقل انتقل فيها من إنطاكية إلى قسطنطينية وأن اليرموك كانت آخر الوقائع. والذي تقدم لنا من رواية سيف أن اليرموك كانت سنة ثلاث عشرة وإن البريد بوفاة أبي بكر قدم يوم هربت الروم فيه. وأن الأمراء بعد اليرموك ساروا إلى دمشق ففتحوها ثم كانت بعدها وقعة فِحْل ثم وقائع أخرى قبل شخوص هرقل والله أعلم. لما وصل كتاب أبي بكر إلى خالد بعد رجوعه من حَجِّه بأن ينصرف إِلى الشام أميراً على المسلمين بها ويخرج في شطر الناس ويرجع بهم إذا فتح اللّه عليه إلى العراق ويترك الشطر الثاني بالعراق مع المثنى بن حارثة. وفعل ذلك خالد ومضى لوجهه وأقام المثنى بالحيرة ورتب المصالح واستقام أهل فارس بعد خروج خالد بقليل على شَهْرِيار بن شيرين بن شهريار ممن يناسبه إلى كِسْرى أبي سابور وذلك سنة ثلاث عشرة. فبعث إلى الحيرة هُرْمُزَ فاقتتلوا هنالك قتالاً شديداً بِعُدْوَةِ الضَرَّاءِ. وغار الفيل بين الصفوف فقتله المُثَنَّى وناس معه وانهزم أهل فارس واتبعهم المسلمون يقتلونهم حتى انتهوا إلى المدائن ومات شهريار إِثر ذلك وبقي ما دون دجلة من السواد في أيدي المسلمين. ثم اجتمع أهل فارس من بعد شهريار على آزَرْمِيدَخْتَ ولم ينفذ لها أمر فَخُلِعَتْ وملك سابور بن شهريار وقام بأمره الفَرُّخْزاذ بن البَنْدَوان وزوجة آزرميدخت فغضبت وبعثت إلى سِيَاوَخْش الوازن وكان من كبار الأساوِرَة وشكت إِليه فأشار عليها بالقبول. وجاء ليلة العرس فقتل الفرخزاذ ومن معه ونهض إلى سابور فحاصره ثم اقتحم عليه فقتله وملكت آزرميدخت وتشاغلوا بذلك عن ملكها. انتهى شأن أبي بكر وشق السواد في سلطانه وتشاغل أهل فارس عن دفاع المسلمين عنه. ولما أبطأ خبر أبي بكر على المثنى استخلف المثنى على الناس بِشْرَ بن الخصَاصِيَة وخرج نحو المدينة. يستعلم ويستأذن فقدم وأبو بكر يجود بنفسه. وقد عهد إلى عمر وأخبره الخبر فأحضر عمر وأوصاه أن يندب الناس مع المثنى وأن يصرف أصحاب خالد من الشام إلى العراق. فقال عمر: يرحم اللّه أبا بكر علم إِنّه تستر في إمارة خالد فأمرني بصرف أصحابه ولم يذكره. ولاية أي عبيد بن مسعود على العراق ومقلته ولما وَليَ عُمَرُ ندب الناس مع المثنى بن حارثة. أياماً وكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود. فقال عمر للناس: إِن الحجاز ليس لكم بدار إلا على النَجْعَةِ ولا يقوى عليه أهله إلا بذلك. أين المهاجرون عن موعد الله سيروا في الأرض التي وعدكم اللّه في الكتاب أن يُورِثَكُمُوهَا فقال: لِيُظْهِرَهُ على الدين كُلِّه فاللهّ مُظْهِر دينه ومُعِزٌ ناصره ومولي أهله مواريث الأمم. أين عباد الله الصالحون فانتدب أبو عُبَيْد الثَقَفِيّ ثم سعد بن عبيد الأنصاري ثم سَلِيط بن قيس فولى أبا عبيد على البعث لسبقه وقال: إسمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأشْرِكْهُمْ في الأمر ولا تجتهد مسرعاً بل اتئد فإنها الحرب والحرب لا يصْلِحُها إلا الرجل المكيث الذي يعرف الفرصة والكف. ولم يمنعني أن اؤمّر سليطاً إلا لسرعته إلى الحرب وفي السرعة إلى الحرب إلا عن بيان ضياع والله لولا سرعته لأمّرته. فكان بعث أبي عبيد هذا أول بعث بعثه عمر ثم بعث بعده بعليّ بن أمية إلى اليمن وأمره بإجلاء أهل نجران لوصيَّة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بذلك في مرضه. وقال: أخبرهم بأنا نجليهم بأمر الله ورسوله أن لا يترك دينان بأرض العرب ثم نعطيهم أرضاً كأرضهم وفاءً بذمتهم كما أمر الله. قالوا: فخرج أبو عبيد مع المُثَنَى بن حارثة وسعد وسليط إِلى العراق. وقد كانت بوران بنت كسرى كلما اختلفت الناس بالمدائن عدلت بينهم حتى يصطلحوا. فلما قتل الفرخزاذ بن البندوان وملكت آزرميدخت اختلف أهل فارس واشتغلوا عن المسلمين غيبة المثنى كلها فبعثت بوران إِلى رستم تستحثه للقدوم وكان على فرج خرسان. فأقبل في الناس إلى المدائن وعزل الفرخزاذ وفقأ عين آزرميدخت ونصَّب بوران فملكته وأحضرت مَرازِبَةَ فارس فأسلموا له ورضوا به وتوَّجَتْه وسبق المُثنَّى إِلى الحيرة ولحقه أبو عبيد ومن معه. وكتب رستم إِلى دهاقين السواد أن يثوروا بالمسلمين وبعث في كل رِسْتَاقٍ رجلاً لذلك. فكان في فرات باذقلا جابان وفي كسكر نرسي. وبعث جند المصادمة المثنى فساروا وتألفوا واجتمعوا أسفل الفرات. وخرج المثنى من الحيرة خوفاً أن يؤتى من خلفه فقدم عليه أبو عبيد ونزل جابان النمارق ومعه جمع عظيم فلقيه أبو عبيد هنالك وهزم الله أهل فارس. وأسر جابان ثم أطلق وساروا في المنهزمين حتى دخلوا كسكر وكان بها نرسي ابن خالة كسرى فجمع الفالة إِلى عسكره وسار إِليهم أبو عبيد من النمارق في تعبيتة وكان على مجنبتي نرسي نفدويه وشيرويه ابنا بسطام خال كسرى واتصلت هزيمة جابان ببوران ورستم فبعثوا الجالينوس مدداً لنرسي وعاجلهم أبو عبيد فالتقوا أسفل من كسكر فاشتد القتال وانهزمت الفرس وهرب نرسي وغنم المسلمون ما في عسكره. وبعث أبو عبيد المثنى وعاصِماً فهزموا من كان تجمَّعَ من أهل الرساتيق وخربوا وسبوا وأخذوا الجزية من أهل السواد وهم يتربصون قدوم الجالينوس. ولما سمع به أبو عبيد سار إِليه على تعبيته فانهزم الجالينوس وهرب ورجع أبو عبيد فنزل الحيرة. وقد كان عمر قال له: إِنك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة والخزي تقدم على قوم تجرأوا على الشر فعلموه وتناسوا الخير فجهلوه فانظر كيف تكون. واحرز لسانك ولا تفش سرك فإن صاحب السر ما ضبط متحصن لا يؤتى من وجه يكرهه وإذا ضيعه كان بمضيعة. ولما رجع الجالينوس إلى رستم بعث بهمن حادويه ذا الحاجب إلى الحيرة فأقبل ومعه درفش كابيان راية كسرى عرض ثمانية أذرع في طول اثني عشر من جلود النمر فنزل في قِسِيّ الناطف على الفرات. وأقبل أبو عبيد فنزل عدوته وقعد إلى أن نصبوا للفريقين جسراً على الفرات وخيرهم بهمن حادويه في عبوره أو عبورهم فاختار أبو عبيد العبور وأجاز إليهم وماجت الأرض بالمُقَاتِلَةِ ونفر جنود المسلمين وكراديسهم من الفِيَلَة. وأمر بالتخفيف عن الخيل فترجل أبو عبيد والناس وصافحوا العدو بالسيوف ودافعتهم الفيلة فقطعوا وُضُنَها فسقطت رحالها وقتل من كان عليهم. وقابل أبو عبيد فيلاً منهم فوطئه بيده وقام عليه فأهلكه. وقاتلهم الناس ثم انهزموا عن المثنى وسبقه بعض المسلمين إلى الجسر فقطعه وقال: موتوا أو تظفروا. وتواثب بعضهم الفرات فغرقوا وأقام المثنى وناس معه مثل عروة بن زيد الخيل وأبي مِحْجَن الثَّقَفِي وأنظارهم وقاتل أبو زيد الطائي كان نصرانياً وقدم الحيرة لبعض أمره فحضر مع المثنى وقاتل حينئذ حَمِيًةً ونادى المثنى الذين عبروا من المسلمين فعقدوا الجسر وأجاز بالناس وكان آخر من قتل عند الجسر سليط بن قيس فانفضّ أصحابه إلى المدينة وبقي المثنى في فِلّه جريحاً وبلغ الخبر إلى عمر فشق عليه وعذر المنهزمين. وهلك من المسلمين يومئذ أربعة آلاف قتلى وغرقى وهرب ألفان وبقي الثلاثة آلاف وقتل من الفرس ستة آلاف. وبينما بهمن حادويه يروم العبور خلف المسلمين أتاه الخبرَ بأن الفرس ثاروا برستم مع الفيرزان فرجع إلى المدائن وكانت الوقعه في مدائن سنة ثلاث عشرة. ولما رجع بهمن حادويه اتبعه جابان ومعه مردان شاه. وخرج المثنى في أثرهما فلما أشرف عليهما أتياه يظنان أنه هارب فأخذهما أسيرين وخرج أهل الليس على أصحابهما فأتوه بهم أسرى وعقدوا معه مهادنة وقتل جميعَ ولما بلغ عمر رضي الله عنه عن وقعة ابن عبيد بالجسر ندب الناس إِلى المثنى وكان فيمن ندب بَجِيلَةَ وأمرهم إلى جرير بن عبد الله الذي جمعهم من القبائل بعد أن كانوا مفترقين ووعده النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وشغل عن ذلك أبو بكر بأمر الردَة ووفى له عمر به وسيره مدداً للمثنى بالعراق. وبعث عصمة بن عبد لله الضبيّ وكتب إلى أهل الردة بأن يوافوا المثنى. وبعث المثنى الرسل فيمن يليه من العرب فوافوا في جموع عظيمة حتى نصارى النمر جاءوه وعليهم أنَسُ بن هلال وقالوا نقاتل مع قومنا. وبلغ الخبر إلى رستم والفيرزان فبعثا مهران الهمداني إلى الحيرة والمثنى بين القادسية وخفان. فلما بلغه الخبر استبقى فرات باذقلا وكتب بالخبر إلى جرير وعصمة أن يقصدوا العُذَيْبَ مما يلي الكوفة فاجتمعوا هنالك ومهران قبالتهم عدوة الفرات وتركوا له العبور فأجاز إليهم. وسار إليه المثنى في التبعية وعلى مجنبتيه مهران مرزبان الحيرة ابن الأزاذبة ومردارشاه ووقف المثنى على الرايات يحرض الناس فأعجلتهم فارس وخالطوهم وركدت حربهم واشتدت. ثم حمل المثنى على مهران فأزاله عن مركزه وأصيب مسعود أخو المثنى وخالط المثنى القلب ووثب المجنبات على المجنبات قبالتهم فانهزمت الفرس وسبقهم المثنى إلى الجسر فهربوا مصعدين ومنحدرين واستلحمهم خيول المسلمين وقتل فيها مئة ألف أو يزيدون. وأُحْصِيَ مئة رجل من المسلمين قتل كل واحد منهم عشرة وتبعهم المسلمون إلى الليل. وأرسل المثنى في آثار الفرس فبلغوا ساباط فغنموا وسبوا ساباط واستباحوا القرى وسخروا السواد بينهم وبين دجلة لا يلقون مانعاً. ورجع المنهزمون إِلى رستم فاستهانوا ورضوا أن يتركوا ما وراء دجلة. ثم خرج المثنى من الحيرة واستخرج بشير بن الخَصاصِيَة وسار نحو السواد ونزل الليث من قرى الأنبار فسميت الغزاة غزاة الأنبار الآخرة وغزاة الليس الآخرة. وجاءت إلى المُثَنى عيون فدلّوه على سوق الخنافس وسوق بغداد وإن سوق الخنافس أقرب ويجتمع بها تجار المدائن والسواد وخفراؤهم من ربيعة وقضاعة فركب إليها وأغار عليها يوم سوق فاشتف السوق وما فيها وسلب الخفراء ورجع إلى الأنبار فأتوه بالعلوفة والزاد وأخذ منهم أدلاء تظهر له المدائن وسار بهم إِلى بغداد ليلاً وصبح السوق فوضع فيهم السيف وأخذ ما شاء من الذهب والفضة والجيِّد من كل شيء. ثم رجع إلى الأنبار وبعث المُضارِبَ العِجْلِيَّ إِلى الكِبَاثِ وبه جماعة من تغلب فهربوا عنه ولحقهم المضارب فقتل في أخرياتهم وأكثر. ثم سَرَّحَ فراتَ بن حَيَّان التغْلَبِي وعُتَيْبَةَ بن النَهَّاس للإغارة على أحياء من تغلب بصفين. ثم اتبعهم المثنى بنفسه فوجدوا أحياء صفين قد هربوا عنها فعبر المثنى إلى الجزيرة. وفني زادهم وأكلوا رواحلهم وأدركوا عيراً من أهل خفان فحضر نفر من تغلب فأخذوا العير ودلهم أحد الخفراء على حيّ من تغلب ساروا إِليه يومهم وهجموا عليهم فقتلوا المقاتلة وسبوا الذرية واستاقوا الأموال وكان هذا الحيّ بوادي الرويحلة. فاشترى أسراهم من كان هنالك من ربيعة بنصيبهم من الفيء وأعتقوهم وكانت ربيعة لا تسبي في الجاهلية. ولما سمع المثنى أن جميع من يملك البلاد قد انتجع شاطىء دجلة خرج في اتباعهم فأدركهم بتكريت فغنم ما شاء وعاد إِلى الأنبار ومضى عتيبة وفرات حتى أغارا على النمر وتغلب بصفين وتمكن رعب المسلمين من قلوب أهل فارس وملكوا ما بين الفرات ودجلة.
|