الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقالت فرقة هي جمع بائر وهو الذي قد فارقه الخير فحصل بذلك في حكم الهلاك باشره الهلاك بعد أو لم يباشر، قال الحسن البائر الذي لا خير فيه، وقوله تعالى: {فقد كذبوكم} الآية خطاب من الله تعالى بلا خلاف، فمن قال إن المجيب الأصنام كان معنى هذه إخبار الكفار أن أصنامهم قد كذبوهم، وفي هذه الأخبار خزي وتوبيخ، والفرقة التي قالت إن المجيب هو الملائكة وعزير وعيسى ونحوهم اختلفت في المخاطب بهذه الآية، فقالت فرقة المخاطب الكفار على جهة التقريع والتوبيخ وقالت فرقة المخاطب هؤلاء المعبودون أعلمهم الله تعالى أن الكفار بأفعالهم القبيحة قد كذبوا هذه المقالة وزعموا أن هؤلاء هم الأولياء من دون الله، وقالت فرقة خاطب الله تعالى المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أي كذبوكم أيها المؤمنون الكفار فيما تقولونه من التوحيد والشرع، وقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم {بما يقولون فما يستطيعون} بالياء فيهما، وقرأ حفص عن عاصم {بما تقولون فما تستطيعون} بالتاء فيهما، وقرأ الباقون وأبو بكر أيضًا عن عاصم والناس {تقولون} بالتاء من فوق {فما يستطيعون} بالياء من تحت، ورجحها أبو حاتم، وقرأ أبو حيوة {يقولون} بالياء، من تحت {فما تستطيعون} بالتاء من فوق، وقال مجاهد الضمير في {يستطيعون} هو للمشركين، قال الطبري وفي مصحف ابن مسعود: {فما يستطيعون لك صرفًا} وفي قراءة أبي بن كعب {لقد كذبوك فما يستطيعون لك} قال أبو حاتم في حرف عبد الله {لكم صرفًا} على جمع الضمير، و{صرفًا} معناه ردّ التكذيب أو العذاب أو ما اقتضاه المعنى بحسب الخلاف المتقدم، وقوله: {ومن يظلم منكم نذقه}، قيل هو خطاب للكفار، وقيل للمؤمنين، والظلم هنا الشرك قاله الحسن وابن جريج وقد يحتمل أن يعم غيره من المعاصي، وفي حرف أبي {ومن يكذب منكم نذقه عذابًا كبيرًا}.{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ}.هذه الآية رد على كفار قريش في استبعادهم أن يكون من البشر رسول وقولهم {مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} [الفرقان: 7] فأخبر الله تعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم وأمته أنه لم يرسل قبل في سائر الدهر نبيًا إلا بهذه الصفة، والمفعول ب {أرسلنا} محذوف يدل عليه الكلام تقديره رجلًا أو رسلًا، وعلى هذا المحذوف المقدر يعود الضمير في قوله: {إلا إنهم} وذهبت فرقة إلى أن قوله: {ليأكلون الطعام} كناية عن الحدث، وقرأ جمهور الناس {ويَمْشون} بفتح الياء وسكون الميم وتخفيف الشين، وقرأ علي وعبد الرحمن وابن مسعود {يُمَشَّون} بضم الياء وفتح الميم وشد الشين المفتوحة بمعنى يدعون إلى المشي ويحملون عليه، وقرأ أبو عبد الرحمن بضم الياء وفتح الميم وضم الشين المشددة وهي بمعنى يمشون ومنه قول الشاعر: الطويل: ثم أخبر عز وجل أن السبب في ذلك أن الله تعالى أراد أن يجعل بعض العبيد {فتنة} لبعض على العموم في جميع الناس مؤمن وكافر، فالصحيح فتنة للمريض، والغني فتنة للفقير، والفقير الشاكر فتنة للغني، والرسول المخصوص بكرامة النبوة فتنة لأشراف الناس الكفار في عصره، وكذلك العلماء وحكام العدل، وقد تلا ابن القاسم هذه الآية حين رأى أشهب، والتوقيف ب {أتصبرون} خاص للمؤمنين المحقين فهو لأمة محمد صلى الله عليه وسلم كأنه جعل إمهال الكفار فتنة للمؤمنين أي اختبارًا ثم وقفهم هل يصبرون أم لا، ثم أعرب قوله: {وكان ربك بصيرًا} عن الوعد للصابرين والوعيد للعاصين، ثم أخبر عن مقالة الكفار. اهـ.
وقد سمعنا برجل بائر، ورأيناهم ربما جمعوا فاعلًا على فُعْل، نحو عائذٍ وعُوذٍ، وشارِفٍ وشُرْفٍ.قال المفسرون: فيقال للكفار حينئذ {فقد كذَّبوكم}، أي: فقد كذَّبكم المعبودون في قولكم: إِنهم آلهة.وقرأ سعيد ابن جبير، ومجاهد، ومعاذ القارىء، وابن شنبوذ عن قنبل: {بما يقولون} بالياء؛ والمعنى: كذَّبوكم بقولهم: {سبحانكَ ما كان ينبغي لنا} الآية؛ هذا قول الأكثرين.وقال ابن زيد: الخطاب للمؤمنين؛ فالمعنى: فقد كذَّبكم المشركون بما تقولون: إِن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم.قوله تعالى: {فما يَستطيعون صَرْفًا ولا نَصْرًا} قرأ الأكثرون بالياء.وفيه وجهان.أحدهما: فما يستطيع المعبودون صرفًا للعذاب عنكم ولا نصرًا لكم.والثاني: فما يستطيع الكفار صرفًا لعذاب الله عنهم ولا نصرًا لأنفسهم.وقرأ حفص عن عاصم: {تستطيعون} بالتاء؛ والخطاب للكفار.وحكى ابن قتيبة عن يونس البصري أنه قال: الصَّرْف: الحيلةُ من قولهم: إِنه ليتصرَّف.قوله تعالى: {ومن يَظْلِمْ منكم} أي: بالشِّرك {نُذِقْهُ} في الآخرة.وقرأ عاصم الجحدري، والضحاك، وأبو الجوزاء وقتادة: {يذقه} بالياء {عذابًا كبيرًا} أي: شديدًا.{وما أرسَلْنا قبلكَ من المرسلين} قال الزجاج: في الآية محذوف، تقديره: وما أرسلنا قبلك رُسلًا من المرسَلين، فحذفت {رسلًا} لأن قوله: {من المرسَلين} يدلّ عليها.قوله تعالى: {إِلا إِنَّهم لَيَأكُلون الطعام ويمشون في الأسواق} أي: إِنهم كانوا على مثل حالكَ، فكيف تكون بِدْعًا منهم؟!فإن قيل: لم كُسرت {إِنَّهم} هاهنا، وفتحت في [براءة: 54] في قوله: {أن تُقْبَلَ منهم نفقاتُهم إِلاّ أنَّهم} فقد بيَّنَّا هنالك عِلَّة فتح تلك؛ فأما كسر هذه، فذكر ابن الأنباري فيه وجهين.أحدهما: أن تكون فيها واو حال مضمرة، فكسرت بعدها إِنّ للاستئناف، فيكون التقدير: إِلا وإِنَّهم ليأكلون الطعام، فأُضمرت الواو هاهنا كما أُضمرت في قوله: {أو هم قائلون} [الأعراف: 4]، والتأويل: أو وهم قائلون.والثاني: أن تكون كُسرت لإِضمار مَنْ قبلها، فيكون التقدير: وما أرسلنا قبلكَ من المرسَلين إِلا مَنْ إِنهم ليأكلون، قال الشاعر: أراد: مَن دمعُه.قوله تعالى: {وجعلنا بعضَكم لبعض فِتنة} الفتنة: الابتلاء والاختبار.وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال.أحدها: أنه افتتان الفقير بالغنيّ، يقول: لو شاء لجعلني غنيًّا، والأعمى بالبصير، والسقيم بالصحيح، قاله الحسن.والثاني: ابتلاء الشريف بالوضيع، والعربي بالمولى، فإذا أراد الشريف أن يُسْلِم فرأى الوضيع قد سبقه بالإِسلام أنف فأقام على كفره، قاله ابن السائب.والثالث: أن المستهزئين من قريش كانوا إِذا رأوا فقراء المؤمنين، قالوا: انظروا إِلى أتباع محمد من موالينا ورُذالتنا، قاله مقاتل.فعلى الأول: يكون الخطاب بقوله: {أتَصْبِرون} لأهل البلاء.وعلى الثاني: للرؤساء، فيكون المعنى: أتصبرون على سبق الموالي والأتباع.وعلى الثالث: للفقراء؛ فالمعنى: أتصبرون على أذى الكفار واستهزائهم، والمعنى: قد علمتم ما وُعِد الصابرون، {وكان ربُّك بصيرًا} بمن يصبر وبمن يجزع. اهـ.
|