الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)
.(التاسع) الْإِيجَازُ: وَهُوَ قِسْمٌ مِنَ الْحَذْفِ وَيُسَمَّى إِيجَازَ الْقَصْرِ فَإِنَّ الْإِيجَازَ عِنْدَهُمْ قِسْمَانِ وَجِيزٌ بِلَفْظٍ ووجيز بحذف.فَالْوَجِيزُ بِاللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى المعنى أقل من القدرالمعهود عَادَةً وَسَبَبُ حُسْنِهِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى التَّمَكُّنِ فِي الْفَصَاحَةِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أوتيت جوامع الكلم». واللفظ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِمَعْنَاهُ وَهُوَ الْمُقَدَّرُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ وَهُوَ الْمَقْصُورُ.أَمَّا الْمُقَدَّرُ فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بالعدل والإحسان} الآية.وقوله: {قتل الإنسان ما أكفره} وَهُوَ كَثِيرٌ.وَأَمَّا الْمَقْصُورُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نُقْصَانُ لَفْظِهِ عَنْ مَعْنَاهُ لِاحْتِمَالِ لَفْظِهِ لِمَعَانٍ كثيرة أولا.الْأَوَّلُ: كَاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي لَهُ مَجَازَانِ، أَوْ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ إِذَا أُرِيدَ مَعَانِيهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي} فَإِنَّ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّهِ مُغَايِرَةٌ لِلصَّلَاةِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ الِاعْتِنَاءُ وَالتَّعْظِيمُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} الْآيَةَ. فَإِنَّ السُّجُودَ فِي الْكُلِّ يَجْمَعُهُ مَعْنًى وَاحِدٌ وَهُوَ الِانْقِيَادُ.وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.وقوله: {أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}.وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} إِذْ مَعْنَاهُ كَبِيرٌ وَلَفْظُهُ يَسِيرٌ.وَقَدْ نُظِرَ لِقَوْلِ الْعَرَبِ: (الْقَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ) وَهُوَ بِنُونٍ ثُمَّ فَاءٍ وَيُرْوَى بِتَاءٍ ثُمَّ قَافٍ وَيُرْوَى (أَوْقَى) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا أُقِيمَ وَتَحَقَّقَ حُكْمُهُ خَافَ مَنْ يُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَقَدْ حَكَاهُ الْحَوْفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ علي بن أبي طالب وَقَالَ: قَوْلُ عَلِيٍّ فِي غَايَةِ الْبَلَاغَةِ وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى بَلَاغَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَأَبْلَغُ مِنْهُ قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة} وقد تكلموا في وجه الأبلغية. انتهى.وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ (الْمَثَلِ السَّائِرِ) إِلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ وَقَالَ: لَا نِسْبَةَ بَيْنَ كَلَامِ الْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَلَامِ الْمَخْلُوقِ وَإِنَّمَا الْعُلَمَاءُ يَقْدَحُونَ أَذْهَانَهُمْ فِيمَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ.وَهُوَ كَمَا قَالَ وَكَيْفَ يُقَابَلُ الْمُعْجِزُ بِغَيْرِهِ مُفَاضَلَةً وَهُوَ مِنْهُ فِي مَرْتَبَةِ الْعَجْزِ عَنْ إِدْرَاكِهِ:وَمَاذَا يَقُولُ الْقَائِلُونَ إِذَا بَدَا جَمَالُ خِطَابٍ فَاتَ فَهْمَ الْخَلَائِقِ.وَجُمْلَةُ مَا ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ وُجُوهٌ:أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: {الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} أَوْجَزُ فَإِنَّ حُرُوفَهُ عَشْرَةٌ وَحُرُوفُ (الْقَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ) أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا وَالتَّاءُ وَأَلِفُ الْوَصْلِ سَاقِطَانِ لَفْظًا وَكَذَا التَّنْوِينُ لِتَمَامِ الْكَلَامِ الْمُقْتَضِي لِلْوَقْفِ.الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُمْ فِيهِ كُلْفَةٌ بِتَكْرِيرِ الْقَتْلِ وَلَا تَكْرِيرَ فِي الْآيَةِ.الثَّالِثُ: أَنَّ لَفْظَ الْقِصَاصِ فِيهِ حُرُوفٌ مُتَلَائِمَةٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ الْقَافِ إِلَى الصَّادِ إِذِ الْقَافُ مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِعْلَاءِ وَالصَّادُ مِنْ حُرُوفِ الاستعلاء والإطباق، بِخِلَافِ الْخُرُوجِ مِنَ الْقَافِ إِلَى التَّاءِ الَّتِي هي حرف منخفض فهو غير ملائم وَكَذَا الْخُرُوجُ مِنَ الصَّادِ إِلَى الْحَاءِ أَحْسَنُ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ اللَّامِ إِلَى الْهَمْزَةِ لِبُعْدِ مادون طَرَفِ اللِّسَانِ وَأَقْصَى الْحَلْقِ.الرَّابِعُ: فِي النُّطْقِ بِالصَّادِ وَالْحَاءِ وَالتَّاءِ حُسْنُ الصَّوْتِ وَلَا كَذَلِكَ تَكْرِيرُ الْقَافِ وَالْفَاءِ.الْخَامِسُ: تَكْرِيرُ ذَلِكَ فِي كَلِمَتَيْنِ مُتَمَاثِلَتَيْنِ بَعْدَ فَصْلٍ طَوِيلٍ وَهُوَ ثِقَلٌ فِي الْحُرُوفِ أَوِ الْكَلِمَاتِ.السَّادِسُ: الْإِثْبَاتُ أَوَّلٌ وَالنَّفْيُ ثَانٍ عَنْهُ وَالْإِثْبَاتُ أَشْرَفُ.السَّابِعُ: أَنَّ الْقِصَاصَ الْمَبْنِيَّ عَلَى الْمُسَاوَاةِ أَوْزَنُ فِي الْمُعَادَلَةِ مِنْ مُطْلَقِ الْقَتْلِ وَلِذَلِكَ يَلْزَمُ التَّخْصِيصُ بِخِلَافِ الْآيَةِ.الثَّامِنُ: الطِّبَاعُ أَقْبَلُ لِلَفْظِ الْحَيَاةِ مِنْ كَلِمَةِ الْقَتْلِ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاخْتِصَارِ وَعَدَمِ تَكْرَارِ الْكَلِمَةِ وَعَدَمِ تَنَافُرِ الْحُرُوفِ وَعَدَمِ تَكْرَارِ الْحَرْفَيْنِ وَقَبُولِ الطَّبْعِ لِلَفْظِ (الْحَيَاةِ) وَصِحَّةِ الْإِطْلَاقِ.التَّاسِعُ: أَنَّ نَفْيَ الْقَتْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحَيَاةَ وَالْآيَةُ نَاصَّةٌ عَلَى ثُبُوتِهَا الَّتِي هِيَ الْغَرَضُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ.الْعَاشِرُ: أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَكَادُ يُفْهَمُ إِلَّا بَعْدَ فَهْمِ أَنَّ الْقِصَاصَ هُوَ الحياة وقوله في القصاص حياة مَفْهُومٌ لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ.الْحَادِي عَشَرَ: أَنَّ قَوْلَهُمْ خَطَأٌ فَإِنَّ الْقَتْلَ كُلَّهُ لَيْسَ نَافِيًا لِلْقَتْلِ فَإِنَّ الْقَتْلَ الْعُدْوَانِيَّ لَا يَنْفِي الْقَتْلَ وَكَذَا الْقَتْلُ فِي الرِّدَّةِ وَالزِّنَا لَا يَنْفِيهِ وَإِنَّمَا ينفيه قتل خاص.وهو قتل القصاص الذي فِي الْآيَةِ تَنْصِيصٌ عَلَى الْمَقْصُودِ وَالَّذِي فِي الْمَثَلِ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ.الثَّانِيَ عَشَرَ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى رَبْطِ الْمَقَادِيرِ بِالْأَسْبَابِ وَإِنْ كَانَتِ الْأَسْبَابُ أَيْضًا بِالْمَقَادِيرِ وَكَلَامُ الْعَرَبِ يَتَضَمَّنُهُ إِلَّا أَنَّ فِيهِ زِيَادَةً وَهِيَ الدَّلَالَةُ عَلَى رَبْطِ الْأَجَلِ فِي الْحَيَاةِ بِالسَّبَبِ لَا مِنْ مُجَرَّدِ نَفْيِ الْقَتْلِ.الثَّالِثَ عَشَرَ: فِي تَنْكِيرِ (حَيَاةٌ) نَوْعُ تَعْظِيمٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةً مُتَطَاوِلَةً كَقَوْلِهِ: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حياة} وَلَا كَذَلِكَ الْمَثَلُ فَإِنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْجِنْسِ وَلِهَذَا فَسَّرُوا الْحَيَاةَ فِيهَا بِالْبَقَاءِ.الرَّابِعَ عَشَرَ: فيه بناء أفعل التفضيل من مُتَعَدٍّ وَالْآيَةُ سَالِمَةٌ مِنْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّ أَفْعَلَ فِي الْغَالِبِ تَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فَيَكُونُ تَرْكُ الْقِصَاصِ نَافِيًا الْقَتْلَ وَلَكِنَّ الْقِصَاصَ أَكْثَرُ نَفْيًا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَالْآيَةُ سَالِمَةٌ مِنْ هَذَا.السَّادِسَ عَشَرَ: أَنَّ اللَّفْظَ الْمَنْطُوقَ بِهِ إِذَا تَوَالَتْ حَرَكَاتُهُ تَمَكَّنَ اللِّسَانُ مِنَ النُّطْقِ وَظَهَرَتْ فَصَاحَتُهُ بِخِلَافِهِ إِذَا تَعَقَّبَ كُلَّ حَرَكَةٍ سُكُونٌ وَالْحَرَكَاتُ تَنْقَطِعُ بِالسَّكَنَاتِ نَظِيرُهُ إِذَا تَحَرَّكَتِ الدَّابَّةُ أَدْنَى حَرَكَةٍ فَخَنِسَتْ ثُمَّ تَحَرَّكَتْ فَخَنِسَتْ لَا يُتَبَيَّنُ انْطِلَاقُهَا وَلَا تَتَمَكَّنُ مِنْ حَرَكَتِهَا عَلَى مَا تَخْتَارُهُ وَهِيَ كَالْمُقَيَّدَةِ وَقَوْلُهُمْ: (الْقَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ) حَرَكَاتُهُ مُتَعَاقِبَةٌ بِالسُّكُونِ بِخِلَافِ الْآيَةِ.السَّابِعَ عَشَرَ: الْآيَةُ اشْتَمَلَتْ عَلَى فَنٍّ بَدِيعٍ وَهُوَ جَعْلُ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ الَّذِي هُوَ الْفَنَاءُ وَالْمَوْتُ مَحَلًّا وَمَكَانًا لِضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الْحَيَاةُ وَاسْتِقْرَارُ الْحَيَاةِ فِي الْمَوْتِ مُبَالَغَةٌ عَظِيمَةٌ ذَكَرَهُ فِي الكشاف.الثَّامِنَ عَشَرَ: أَنْ فِي الْآيَةِ طِبَاقًا لِأَنَّ الْقِصَاصَ مُشْعِرٌ بِضِدِّ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ الْمَثَلِ.التَّاسِعَ عَشَرَ: الْقِصَاصُ فِي الْأَعْضَاءِ وَالنُّفُوسِ وَقَدْ جُعِلَ في الكل حياة فيكون جمعا بين حياةالنفس وَالْأَطْرَافِ وَإِنْ فُرِضَ قِصَاصٌ بِمَا لَا حَيَاةَ فِيهِ كَالسِّنِّ فَإِنَّ مَصْلَحَةَ الْحَيَاةِ تَنْقُصُ بِذَهَابِهِ وَيَصِيرُ كَنَوْعٍ آخَرَ وَهَذِهِ اللَّطِيفَةُ لَا يَتَضَمَّنُهَا المثل.العشرون: أنها أكثر فائدة لتضمنه الْقِصَاصَ فِي الْأَعْضَاءِ وَأَنَّهُ نَبَّهَ عَلَى حَيَاةِ النَّفْسِ مِنْ وَجْهَيْنِ مِنْ وَجْهٍ بِهِ الْقِصَاصُ صَرِيحًا وَمِنْ وَجْهِ الْقِصَاصِ فِي الطَّرْفِ لِأَنَّ أَحَدَ أَحْوَالِهَا أَنْ يَسْرِيَ إِلَى النَّفْسِ فَيُزِيلَهَا وَلَا كَذَلِكَ الْمَثَلُ.وَقَدْ قِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.وَأَمَّا زِيَادَةُ {لَكُمْ} فَفِيهَا لَطِيفَةٌ وَهِيَ بَيَانُ الْعِنَايَةِ بِالْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْخُصُوصِ وَأَنَّهُمُ الْمُرَادُ حَيَاتُهُمْ لَا غَيْرُهُمْ لِتَخْصِيصِهِمْ بِالْمَعْنَى مَعَ وُجُودِهِ فِيمَنْ سِوَاهُمْ.وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا مِنَ الْبَيَانِ الْمُوجَزِ الَّذِي لَا يَقْتَرِنُ بِهِ شَيْءٌ.وَمِنْ بَدِيعِ الْإِيجَازِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} الْآيَةَ، فَإِنَّهَا نِهَايَةُ التَّنْزِيهِ.وَقَوْلُهُ: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كريم}، وهذا بينا عَجِيبٌ يُوجِبُ التَّحْذِيرَ مِنَ الِاغْتِرَارِ بِالْإِمْهَالِ.وَقَوْلُهُ: {إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين} وقوله: {إن المتقين في مقام أمين}، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ.وقوله: {فاصدع بما تؤمر} فَهَذِهِ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ اشْتَمَلَتْ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي الرِّسَالَةِ.وَقَوْلُهُ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، فَهَذِهِ جَمَعَتْ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ كُلَّهَا لِأَنَّ فِي {خُذِ الْعَفْوَ} صِلَةَ الْقَاطِعِينَ وَالصَّفْحَ عَنِ الظَّالِمِينَ وَفِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ تَقْوَى اللَّهِ وَصِلَةَ الْأَرْحَامِ وَصَرْفَ اللِّسَانِ عَنِ الْكَذِبِ وَفِي الْإِعْرَاضِ عَنِ الْجَاهِلِينَ الصَّبْرَ وَالْحِلْمَ وَتَنْزِيهَ النَّفْسِ عَنْ مُمَارَاةِ السفيه.قوله: {مدهامتان} معناه مسودتاه مِنْ شِدَّةِ الْخُضْرَةِ.وَقَوْلُهُ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا ما اكتسبت}.وقوله: {أخرج منها ماءها ومرعاها} فدل بأمرين على ججميع مَا أَخْرَجَهُ مِنَ الْأَرْضِ قُوتًا وَمَتَاعًا لِلْأَنَامِ مِنَ الْعُشْبِ وَالشَّجَرِ وَالْحَبِّ وَالتَّمْرِ وَالْعَصْفِ وَالْحَطَبِ وَاللِّبَاسِ وَالنَّارِ وَالْمِلْحِ لِأَنَّ النَّارَ مِنَ الْعِيدَانِ وَالْمِلْحَ مِنَ الْمَاءِ.وَقَوْلُهُ: {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ ونفضل بعضها على بعض في الأكل}، فَدَلَّ عَلَى نَفْسِهِ وَلُطْفِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَهَدَى للحجة عل مَنْ ضَلَّ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ظُهُورُ الثَّمَرَةِ بِالْمَاءِ وَالتُّرْبَةِ لَوَجَبَ فِي الْقِيَاسِ أَلَّا تَخْتَلِفَ الطُّعُومُ وَالرَّوَائِحُ وَلَا يَقَعَ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إِذَا نَبَتَ فِي مَغْرِسٍ وَاحِدٍ وَلَكِنَّهُ صُنْعُ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ.وَقَوْلُهُ: {لَا يُصَدَّعُونَ عنها ولا ينزفون}، كيف نفى بهذين جميع عيوب الخمر وجمع بقوله: {ولا يُنْزِفُونَ} عَدَمَ الْعَقْلِ وَذَهَابَ الْمَالِ وَنَفَادَ الشَّرَابِ.وَقَوْلُهُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يبصرون} فدل على فضل السمع والبصر حيث جعل مع الصم فُقْدَانَ الْعَقْلِ وَلَمْ يَجْعَلْ مَعَ الْعَمَى إِلَّا فقدان البصر وحده.وقوله: {وقيل يا أرض ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا للقوم الظالمين} كَيْفَ أَمَرَ وَنَهَى وَأَخْبَرَ وَنَادَى وَنَعَتَ وَسَمَّى وَأَهْلَكَ وَأَبْقَى وَأَسْعَدَ وَأَشْقَى قَصَّ مِنَ الْأَنْبَاءِ مالو شُرِحَ مَا انْدَرَجَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ بَدِيعِ اللَّفْظِ وَالْبَلَاغَةِ وَالْإِيجَازِ وَالْبَيَانِ لَجَفَّتِ الْأَقْلَامُ وانحسرت الأيدي.وقوله تعالى عن النملة: {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم} فَجَمَعَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ أَحَدَ عَشَرَ جِنْسًا مِنَ الْكَلَامِ نَادَتْ وَكَنَّتْ وَنَبَّهَتْ وَسَمَّعَتْ وَأَمَرَتْ وقضت وَحَذَّرَتْ وَخَصَّتْ وَعَمَّتْ وَأَشَارَتْ وَغَدَرَتْ فَالنِّدَاءُ (يَا) وَالْكِنَايَةُ (أَيُّ) وَالتَّنْبِيهُ (هَا) وَالتَّسْمِيَةُ النَّمْلُ وَالْأَمْرُ (ادْخُلُوا) وَالْقَصَصُ (مَسَاكِنَكُمْ) وَالتَّحْذِيرُ (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ) وَالتَّخْصِيصُ سليمان والتعميم جنوده والإشارة (وهم) والغدر لَا يَشْعُرُونَ. فَأَدَّتْ خَمْسَ حُقُوقٍ حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ رَسُولِهِ وَحَقَّهَا وَحَقَّ رَعِيَّتِهَا وَحَقَّ جُنُودِ سُلَيْمَانَ فَحَقُّ اللَّهِ أَنَّهَا اسْتُرْعِيَتْ عَلَى النَّمْلِ فَقَامَتْ بِحَقِّهِمْ وَحَقُّ سُلَيْمَانَ أَنَّهَا نَبَّهَتْهُ عَلَى النمل وحقها إسقاطها حق الله عن الجنود في نصحهم4 وحق الجنود بِنُصْحِهَا لَهُمْ لِيَدْخُلُوا مَسَاكِنَهُمْ وَحَقُّ الْجُنُودِ إِعْلَامُهَا إياهم وجميع الخلق أن من.استرعاه رَعِيَّةً فَوَجَبَ عَلَيْهِ حِفْظُهَا وَالذَّبُّ عَنْهَا وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».وَيُقَالُ إِنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَضْحَكْ فِي عُمْرِهِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَأُخْرَى حِينَ أَشْرَفَ عَلَى وَادِي النَّمْلِ فَرَآهَا عَلَى كِبَرِ الثَّعَالِبِ لَهَا خَرَاطِيمُ وَأَنْيَابٌ فَقَالَ رَئِيسُهُمُ: ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ فَخَرَجَ كَبِيرُ النَّمْلِ فِي عِظَمِ الْجَوَامِيسِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ هَالَهُ فَأَرَاهُ الْخَاتَمَ فَخَضَعَ لَهُ ثُمَّ قَالَ: أهذه كلها نمل؟ فقال: إن النمل لكبيرة إِنَّهَا ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ فِي الْجِبَالِ وَصِنْفٌ في القرى وصنف في المدن. فقال سلميان عَلَيْهِ السَّلَامُ: اعْرِضْهَا عَلَيَّ فَقَالَ لَهُ: قِفْ. فَبَقِيَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تِسْعِينَ يَوْمًا وَاقِفًا يَمُرُّ عَلَيْهِ النَّمْلُ، فَقَالَ: هَلِ انْقَطَعَتْ عَسَاكِرُكُمْ، فَقَالَ مَلِكُ النَّمْلِ: لَوْ وَقَفْتَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا انْقَطَعَتْ. فَذَكَرَ الْجُنَيْدُ أَنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِعَظِيمِ النَّمْلِ: لِمَ قُلْتَ لِلنَّمْلِ: ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ؟ أَخِفْتَ عَلَيْهِمْ مِنْ ظُلْمِنَا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ خِفْتُ أَنْ يُفْتَتَنُوا بِمَا رَأَوْا مِنْ مُلْكِكَ فَيَشْغَلَهُمْ ذَلِكَ عَنْ طَاعَةِ الله.وَقَوْلُهُ: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الذي أنشأها أول مرة}، وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ الْحِجَاجِ.وَقَوْلُهُ: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي العذاب مشتركون} وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنَ التَّحْسِيرِ.وَقَوْلُهُ: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ التَّنْفِيرِ عَنِ الْخَلَّةِ إِلَّا عَلَى التَّقْوَى.وقوله: {أن تقول نفس يا حسرتى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}، وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ التَّحْذِيرِ مِنَ التَّفْرِيطِ.وقوله: {أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة}، وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ التَّبْعِيدِ.وَقَوْلُهُ: {اعملوا ما شئتم}، فَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنَ التَّخْيِيرِ.وَقَوْلُهُ: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غطاءك فبصرك اليوم حديد}، وَهَذَا أَبْلَغُ مَا يَكُونُ مِنَ التَّذْكِيرِ.وَقَوْلُهُ: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا به بل هم قوم طاغون}، وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ فِي التَّقْرِيعِ عَلَى التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ.وَقَوْلُهُ: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آن}، وهذا أشد ما يكون من التقريع.{وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} وَهَذَا غَايَةُ التَّرْهِيبِ.وَقَوْلُهُ: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون}، وَهَذِهِ غَايَةُ التَّرْغِيبِ.وَقَوْلُهُ: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ}.وَقَوْلُهُ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} وَهَذَا أَبْلَغُ مَا يَكُونُ مِنَ الْحِجَاجِ وَهُوَ الْأَصْلُ الَّذِي عَلَيْهِ أُثْبِتَتْ دَلَالَةُ التَّمَانُعِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ.وَقَوْلُهُ: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون} وَهَذَا أَبْلَغُ مَا يَكُونُ مِنَ الْوَصْفِ بِكُلِّ مَا تَمِيلُ إِلَيْهِ النَّفْسُ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ مِنَ الْمَرْئِيَّاتِ لِيُعْلَمَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ الْقَلِيلَ جِدًّا حَوَى مَعَانِيَ كَثِيرَةً لَا تَنْحَصِرُ عَدَدًا.وَقَوْلُهُ: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العدو} وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ الْخَوْفِ.وَقَوْلُهُ: {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}.وقوله: {إنما بغيكم}.وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وأخذوا من مكان قريب}.وقوله: {هدى للمتقين}.وقوله: {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع}.وقوله: {فانبذ إليهم على سواء} مَعْنَاهُ قَابِلْهُمْ بِمَا يَفْعَلُونَهُ مَعَكَ وَعَامِلْهُمْ مِثْلَ مُعَامَلَتِهِمْ لَكَ سَوَاءً مَعَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سَوَاءٍ مِنَ الْأَمْرِ بِالْعَدْلِ.وَقَوْلُهُ: {وَغِيضَ الْمَاءُ وقضي الأمر} فَإِنَّهُ أَشَارَ بِهِ إِلَى انْقِطَاعِ مُدَّةِ الْمَاءِ النازل.مِنَ السَّمَاءِ وَالنَّابِعِ مِنَ الْأَرْضِ وَقَوْلُهُ: {وَقُضِيَ الأمر} أَيْ هَلَكَ مَنْ قُضِيَ هَلَاكُهُ وَنَجَا مَنْ قُدِّرَتْ نَجَاتُهُ وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ لَفْظِهِ إِلَى لَفْظِ التَّمْثِيلِ لِأَمْرَيْنِ اخْتِصَارِ اللَّفْظِ وَكَوْنِ الْهَلَاكِ وَالنَّجَاةِ كَانَا بِأَمْرٍ مُطَاعٍ إِذِ الْأَمْرُ يَسْتَدْعِي آمِرًا وَمُطَاعًا وَقَضَاؤُهُ يَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِهِ.وَمِنْ أَقْسَامِ الْإِيجَازِ الِاقْتِصَارُ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ لِلشَّيْءِ اكْتِفَاءً بِذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ الْأَسْبَابِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ لَا يَخَافُ الشُّجْعَانَ وَالْمُرَادُ لَا يَخَافُ أَحَدًا.وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ فَسَخَتِ النِّكَاحَ أَيْضًا تَتَرَبَّصُ لِأَنَّ السَّبَبَ الْغَالِبَ لِلْفِرَاقِ الطَّلَاقُ.وَقَوْلُهُ: {أو جاء أحد منكم من الغائط} وَلَمْ يَذْكُرِ النَّوْمَ وَغَيْرَهُ لِأَنَّ السَّبَبَ الضَّرُورِيَّ النقاض خُرُوجُ الْخَارِجِ فَإِنَّ النَّوْمَ النَّاقِضَ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ فَذَكَرَ السَّبَبَ الظَّاهِرَ وَعُلِمَ مِنْهُ الْحُكْمُ فِي الباقي.ومنه قوله: {يعلم السر وأخفى} أي وهو مالم يَقَعْ فِي وَهْمِ الضَّمِيرِ مِنَ الْهَوَاجِسِ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى الْقُلُوبِ مِنْ مُخَيِّلَاتِ الْوَسَاوِسِ.وَمِنْهُ: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} وَنَظَائِرُهُ.وَكَذَلِكَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو قَائِمٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ قَائِمٌ خَبَرٌ عَنْ أَحَدِهِمَا وَاسْتُغْنِيَ بِهِ عَنْ خَبَرِ الْآخَرِ.وَمِنْهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَإِقَامَةُ الشَّيْءِ مَقَامَ الْخَبَرِ نَحْوُ أَقَائِمٌ الزَّيْدَانِ فَإِنَّ قَائِمٌ مُبْتَدَأٌ لَا خَبَرَ لَهُ.وَمِنْهَا بَابُ (عَلِمْتُ أَنَّكَ قَائِمٌ) إِذَا جَعَلْنَا الْجُمْلَةَ سَادَّةً مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ فَإِنَّ الْجُمْلَةَ مَحِلَّةٌ لِاسْمٍ وَاحِدٍ سَدَّ مَسَدَّ اسْمَيْنِ مَفْعُولَيْنِ مِنْ غَيْرِ حَذْفٍ.وَمِنْهُ بَابُ النَّائِبِ عَنِ الْفَاعِلِ فِي ضُرِبَ زَيْدٌ فَـ: (زَيْدٌ) دَلَّ عَلَى الْفَاعِلِ بِإِعْطَائِهِ حُكْمَهُ وَعَلَى الْمَفْعُولِ بِوَضْعِهِ.وَمِنْهَا جَمِيعُ أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ وَالشَّرْطِ فَإِنَّ (كَمْ مَالَكَ)؟ يغني عن عشرين أو ثلاثين ومن يقم أكرمه يغني عن زيد وعمرو قال ابْنُ الْأَثِيرِ فِي (الْجَامِعِ).وَمِنْهُ الْأَلْفَاظُ اللَّازِمَةُ لِلْعُمُومِ مِثْلَ أَحَدٍ وَدَيَّارٍ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ أَيْضًا.وَمِنْهُ لَفْظُ الْجَمْعِ فَإِنَّ الزَّيْدِينَ يُغْنِي عَنْ زَيْدٍ وَزَيْدٍ وَزَيْدٍ وَكَذَا التَّثْنِيَةُ أَصْلُهَا رَجُلٌ وَرَجُلٌ فَحَذَفُوا الْعَطْفَ وَالْمَعْطُوفَ وَأَقَامُوا حَرْفَ الْجَمْعِ وَالتَّثْنِيَةِ مَقَامَهُمَا اخْتِصَارًا وَصَحَّ ذَلِكَ لِاتِّفَاقِ الذَّاتَيْنِ فِي التَّسْمِيَةِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَإِنِ اخْتَلَفَ لَفْظُ الِاسْمَيْنِ رَجَعُوا إِلَى التَّكْرَارِ بِالْعَطْفِ نَحْوِ مررت بزيد وبكر.منه بَابُ الضَّمَائِرِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي قَاعِدَةِ الضَّمِيرِ.وَمِنْهُ لَفْظُ (فَعَلَ) فَإِنَّهُ يَجِيءُ كَثِيرًا كِنَايَةً عَنْ أَفْعَالٍ مُتَعَدِّدَةٍ قَالَ تَعَالَى: {لبئس ما كانوا يفعلون} {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به}.{فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} أَيْ فَإِنْ لَمْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَلَنْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ.
|