فصل: باب الوقف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شفاء الغليل في حل مقفل خليل



.باب إحياء الموات:

مَوَاتُ الأَرْضِ مَا سَلِمَ عَنْ الاخْتِصَاصِ بِعِمَارَةٍ ولَوِ انْدَرَسَتْ، إِلا بِإِحْيَاءٍ وبِحَرِيمِهَا كَمُحْتَطَبٍ، ومَرْعًى يُلْحَقُ غُدُوَّاً ورَوَاحاً لِبَلَدٍ، ومَا لا يُضَيِّقُ عَلَى وَارِدٍ ولا يَضُرُّ بِمَاءٍ لِبِئْرٍ، ومَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِنَخْلَةٍ.
قوله: (مَا لا يُضَيِّقُ عَلَى وَارِدٍ ولا يَضُرُّ بِمَاءٍ لِبِئْرٍ) كذا هو فِي النسخ بنفي الفعلين، وفِي "المدونة"روايتان مَا لا يضر ومَا يضر.
قال عياض: وكلاهما صواب، فما يضر هو حريمها ومَا لا يضر هو حد حريمها.

متن الخليل:
ومَطْرحِ تُرَابٍ، ومَصَبِّ مِيزَابٍ لِدَارٍ.
الشرح:
قوله: (وَمَطْرَحِ تُرَابٍ، ومَصَبِّ مِيزَابٍ لِدَارٍ) تبع فِي هذا قول ابن شاس وابن الحاجب التابعين للغزالي، وحريم الدار المحفوفة بالموات مَا يرتفق بِهِ من مطرح تراب أَو مصبّ ميزاب.
ابن عرفة: هذا الحكم فِي هذه الصورة لا أعرفه لأحدٍ من أهل المذهب بحال، لكن مسائل المذهب تدلّ عَلَى صحته.

متن الخليل:
ولا تَخْتَصُّ مَحْفُوفَةٌ بِأَمْلاكٍ، ولِكُلٍّ الانْتِفَاعُ مَا لَمْ يَضُرَّ، وبِإِقْطَاعِ الإِمَامِ، ولا يَقْطِعُ مَعْمُورَ الْعُنْوَةِ مِلْكاً، وبِحِمَى إِمَامٍ مُحْتَاجاً إِلَيْهِ قَلَّ مِنْ بَلَدٍ عَفَا لِكَغَزْوٍ.
قوله: (وَلا تَخْتَصُّ مَحْفُوفَةٌ بِأَمْلاكٍ، ولِكُلٍّ الانْتِفَاعُ مَا لَمْ يَضُرَّ) عبارة ابن الحاجب تابعاً لابن شاس: ولكلٍ الانتفاع بملكه وحريمه.
ابن عرفة: فِي تسوية الانتفاع بملكه وحريمه بمجرد عطفه عَلَيْهِ نظر؛ لأن مسمى حريمه المغاير لمسمى ملكه لعطفه عَلَيْهِ إنما يصدق عَلَى الفناء وليس انتفاعه بِهِ كانتفاعه بملكه، إذ يجوز كراؤه ملكه مُطْلَقاً، وأما فناؤه ففي سماع ابن القاسم من مالك لأرباب الأفنية التي انتفاعهم بها لا يضر بالمارة أَن يكروها.
ابن رشد: لأن كلّ مَا للرجل أَن ينتفع بِهِ فله أَن يكريه.
ابن عرفة: وهذه كلّية غير صادقة؛ لأن بعض مَا للرجل أَن ينتفع بِهِ لا يجوز لَهُ أَن يكريه كجلد الأضحية وبيت المدرسة للطالب ونحوه، وفناء الدار هو مَا بين يدي بنائها فاضلاً عن ممر الطريق المعدّ للمرور غالباً كَانَ بين يدي بابها أَو غيره، وكَانَ بعض شيوخنا يشير إِلَى أنّه الكائن بين يدي بابها وليس كَذَلِكَ؛ لقوله فِي كتاب القسم من "المدونة": وإِن قسما داراً عَلَى أَن يأخذ كلّ واحد طائفة، فمن صارت الأجنحة فِي حظه فهي لَهُ، ولا تعد من الفناء، وإِن كانت فِي هواء الأفنية وفناء الدار لهم أجمعين الانتفاع بِهِ. انتهى.
والمقصود منه مَا اشتمل عَلَيْهِ من الفوائد، وأما المناقشة فشأنها سهل.

متن الخليل:
وافْتَقَرَ لإِذْنٍ، وإِنْ مُسْلِماً، إِنْ قَرُبَ، وإِلا فَلِلإِمَامِ إِمْضَاؤُهُ أَوْ جَعْلُهُ مُتَعَدِّياً.بِخِلافِ الْبَعِيدِ، ولَوْ ذِمِّيَّاً بِغَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.وَالإِحْيَاءُ بِتَفْجِيرِ مَاءٍ وبِإِخْرَاجِهِ، وبِبِنَاءٍ، وبِغَرْسٍ، وبِحَرْثٍ، وتَحْرِيكِ أَرْضٍ.وَبِقَطْعِ شَجَرٍ، وبِكَسْرِ حَجَرِهَا وبِتَسْوِيَتِهَا.لا بِتَحْوِيطٍ ورَعْيِ كَلإٍ، وحَفْرِ بِئْرٍ لِمَاشِيَةٍ. وجَازَ بِمَسْجِدٍ سُكْنَى لِرَجُلٍ تَجَرَّدَ لِلْعِبَادَةِ، وعَقْدُ نِكَاحٍ، وقَضَاءُ دَيْنٍ، وقَتْلُ عَقْرَبٍ، ونَوْمٌ بِقَائِلَةٍ، وتَضْيِيفٌ بِمَسْجِدِ بَادِيَةٍ،وَإِنَاءٌ لِبَوْلٍ إِنْ خَافَ سَبُعاً كَمَنْزِلٍ تَحْتَهُ، ومُنِعَ عَكْسُهُ وكَإِخْرَاجِ رِيحٍ، ومُكْثٍ بِنَجَسٍ.
الشرح:
قوله: (وافْتَقَرَ لإِذْنٍ) فاعل افتقر يعود عَلَى الموات بحذف مضاف أي: وافتقر إحياء الموات.

متن الخليل:
وكُرِهَ أَنْ يَبْصُقَ بِأَرْضِهِ وحَكَّهُ، وتَعْلِيمُ صَبِيٍّ، وبَيْعٌ وشِرَاءٌ، وسَلُّ سَيْفٍ.
الشرح:
قوله: (وكُرِهَ أَنْ يَبْصُقَ بِأَرْضِهِ وحَكَّهُ) أي والحكم بعد الوقوع أَن يحكه، وهذا فِي غير المحصّب والمحصر لقوله فِي فصل صلاة الجماعة لما ذكر الجائزات: (وبصق بِهِ إِن حصب أَو تحت حصيره) وكذا قيّده ابن عبد السلام هنا.

متن الخليل:
وإِنْشَادُ ضَالَّةٍ، وهَتْفٌ بِمَيِّتٍ، ورَفْعُ صَوْتٍ كَرَفْعِهِ بِعِلْمٍ، ووَقِيدُ نَارٍ، ودُخُولُ كَخَيْلٍ لِنَقْلٍ، وفَرْشٌ ومُتَّكَأٌ.وَلِذِي مَأْجَلٍ، وبِئْرٍ، ومِرْسَالِ مَطَرٍ (كَمَاءٍ يَمْلِكُهُ) مَنْعُهُ وبَيْعُهُ.
الشرح:
قوله: (وإِنْشَادُ ضَالَّةٍ) يريد: ونشدها أَيْضاً ويتبين لك الفرق بينهما من قول الشاعر:

متن الخليل:
إِصَاخَةِ النَاشِدِ لِلْمُنْشِدِ إِلا مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ ولا ثَمَنَ مَعَهُ.
الشرح:
قوله: (إِلا مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ ولا ثَمَنَ مَعَهُ) هو كقوله فِي "المدونة": إِلا قوماً لا ثمن معهم، وإِن تركوا إِلَى أَن يردوا ماء غيره هلكوا فلا يمنعوا.
ابن يونس: إِن كَانَ المسافرون لا ثمن معهم وجبت مواساتهم للخوف عليهم ولا يتبعون بثمنه، وإِن كانت لهم أموال ببلدهم؛ لأنهم اليوم أبناء السبيل يجوز لهم أخذ الزكاة؛ لوجوب مواساتهم، وأما اللخمي فقال: إِن لَمْ يكن معهم ثمن كَانَ لهم أخذه الآن، ويختلف هل يتبعون بالثمن متى أيسروا قياساً عَلَى من وجبت مواساته لأجل فقره، فاختلف فيه هل يتبع بشيءٍ إِن أيسر، وإن كانوا مياسير فِي بلادهم اتبعوا.

متن الخليل:
والأَرْجَحُ بِالثَّمَنِ كَفَضْلِ بِئْرِ زَرْعٍ خِيفَ عَلَى زَرْعِ جَارِهِ بِهَدْمِ بِئْرِهِ، وأَخَذَ يُصْلِحُ. وأُجْبِرَ عَلَيْهِ كَفَضْلِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ بِصَحْرَاءَ هَدَراً إِنْ لَمْ يُبَيِّنِ الْمِلْكِيَّةِ.
الشرح:
قوله: (والأَرْجَحُ بِالثَّمَنِ) يريد إِن كَانَ معه ثمن كأنه رأى أَن ذكره الثمن يدل عَلَى أَن الفرض مَعَ وجوده ثم شبه فِي الأَرْجَحية وغيرها فقال: (كَفَضْلِ بِئْرِ زَرْعٍ خِيفَ عَلَى زَرْعِ جَارِهِ بِهَدْمِ بِئْرِهِ، وأَخَذَ يُصْلِحُ)، فاقتضى كلامه أَن ابن يونس رجّح أَن الواجد لا يأخذه إِلا بالثمن فيهما، وهو موافق للمدونة فِي الأول، ومخالف لَهَا فِي الثاني، وذلك أنّه قال فِي "المدونة": وكل من حفر فِي أرضه أَو داره بيراً فله منعها ومنع مائها، ومنع المارة من مائها إِلا بثمن.
فقال ابن يونس: لَمْ ير هاهنا أَن يأخذوه بغير ثمن إِن كَانَ معهم، وقال فِي الذي انهارت بيره، وخاف عَلَى زرعه أَن لَهُ أَن يسقي بماء جاره الذي يجوز لَهُ بيعه بغير ثمن،و إحياء نفسه أعظم من إحياء زرعه، والأولى فِي كلا الأمرين أَن يأخذ ذلك بالثمن كما لَو مات جمله فِي الصحراء لكان عَلَى بقية الرفقة أَن يكروا منه. زاد أبو إسحاق التونسي: إِلا أَن يكون أراد أَن فضل ماء جاره لا ثمن لَهُ فلا يقدر عَلَى بيعه فيصحّ حينئذٍ الجواب، ويكون هذا الماء الذي باعه من المسافرين لَهُ ثمن، فيكون اختلاف الجواب لاختلاف المعنى.
أبو الحسن الصغير: وفرق بعضهم بأن المسافرين مختارون لسبب السفر، والذي انهارت بيره ليس بمختار. انتهى.
وقد قال المصنف فِي باب الصيد: (ولَهُ الثمن إِن وجد).

متن الخليل:
وَبُدِئَ بِمُسَافِرٍ، ولَهُ عَارِيَةُ آلَةٍ ثُمَّ حَاضِرٍ، ثُمَّ دَابَّةِ رَبِّهَا.
الشرح:
قوله: (وَبُدِئَ بِمُسَافِرٍ، ولَهُ عَارِيَةُ آلَةٍ ثُمَّ حَاضِرٍ، ثُمَّ دَابَّةِ رَبِّهَا) الضمير فِي ربِّها يعود عَلَى البئر، يريد ثم دابّة المسافر ثم دابّة الحاضر، ولَمْ يصرّح بِهِ اكتفاءً بما ذكر فِي أربابها، والذي فِي "المقدمات" وجه التبدئة فِي الشرب فِي بئر الماشية: إِذَا اجتمع أهل البئر والمارة وسائر الناس والماء يقوم بهم أَن يبدأ أولاً أهل الماء فيأخذون لأنفسهم حتى يرووا، ثم المارة حتى يرووا، ثم دوابّ أهل الماء حتى يرووا، ثم دوابّ المارة حتى يرووا، ثم مواشي أهل الماء حتى يرووا، ثم الفضل لسائر مواشي الناس.

متن الخليل:
لِجَمِيعِ الرِّيِّ.
الشرح:
قوله: (لِجَمِيعِ الرِّيِّ) لامه لام الغاية. إشارة لقول ابن رشد فِي المراتب كلّها "حتى يرووا"، وفِي بعض النسخ بالباء كأنّه بدل اشتمال من قوله: (بمسافر).

متن الخليل:
وَإِلا فَبِنَفْسِ الْمَجْهُودِ، وإِنْ سَالَ مَطَرٌ بِمُبَاحٍ سُقِيَ الأَعْلَى إِنْ تَقَدَّمَ لِكَعْبٍ، وأُمِرَ بِالتَّسْوِيَةِ، وإِلا فَكَحَائِطَيْنِ. وَقُسِمَ لِلْمُتَقَابِلَيْنِ كَالنِّيلِ، وإِنْ مُلِكَ أَوَّلاً قُسِمَ بِقِلْدٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وأُقْرِعَ لِلتَّشَاحِّ فِي السَّبْقِ. ولا يَمْنَعُ صَيْدَ سَمَكٍ، وإِنْ مِنْ مِلْكِهِ وهَلْ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَقَطْ؟ أَوْ إِلا أَنْ يَصِيدَ الْمَالِكُ؟ تَأْوِيلانِ.
الشرح:
قوله: (وإِلا فَبِنَفْسِ الْمَجْهُودِ) راجع لـ: (فضل بئر ماشية) أي: إن لَمْ يكن فضل بديء بنفس المجهود، ويحتمل أَن يكون راجعاً لقوله: (بجميع الري) أي: وإن لَمْ يكن فِي الفضل ريّ الجميع.
قال ابن رشد فِي "المقدمات": فأما إِن لَمْ يكن فِي الماء فضل وتبدية أحدهم تجهد الآخرين فأنّه يبدأ بأنفسهم ودوابّهم من كَانَ الجهد عَلَيْهِ أكثر بتبدئة صاحبه، فإن استووا فِي الجهد تساووا. هذا مذهب أشهب، وعَلَى مَا ذهب إليه ابن لبابة أنهم إِذَا استووا فِي الجهد فأهل الماء أحقّ بالتبدئة لأنفسهم ودوابّهم، وأما إِن قلّ الماء وخيف عَلَى بعضهم بتبدئة بعض الهلاك، فأنّه يبدأ أهل الماء فيأخذون لأنفسهم بقدر مَا يذهب عنهم الخوف، فإن فضل فضل أخذ المسافرون لأنفسهم بقدر مَا يذهب عنهم الخوف، فإن فضل فضل أخذ أهل الماء لدوابّهم بقدر مَا يذهب عنهم الخوف، فإن فضل فضل أخذ المسافرون لدوابّهم بقدر مَا يذهب عنهم الخوف، ولا اختلاف عندي فِي هذا الوجه.

متن الخليل:
وَ لا كَلأٍ بِفَحْصٍ وعَفَاءٍ لَمْ يَكْتَنِفْهُ زَرْعُهُ. بِخِلافِ مَرْجِهِ وحِمَاهُ.
الشرح:
قوله: (ولا كَلأٍ بِفَحْصٍ وعَفَاءٍ لَمْ يَكْتَنِفْهُ زَرْعُهُ، بِخِلافِ مَرْجِهِ وحِمَاهُ) هذا التقسيم فِي الأرض المتملكة وتعرف هذه الأقسام. بالوقوف عَلَى كلام ابن رشد فِي "المقدمات" وهو الذي اختصر هنا ونصّه: "وإِن كَانَ الكلأ فِي أرضٍ متملّكة فإنها تنقسم عَلَى أربعة أقسام:
أحدها: أَن تكون محظّرة قد حظر عَلَيْهَا بالحيطان كالجنات والحوائط.
والثاني: أَن تكون غير محظّرة إِلا أنها حماه ومروجه التي قد بوّرها للرعي، وترك زراعتها من أجل ذلك.
والثالث: فدادينه وفحوص أرضه التي لَمْ يبورها للرعي، وإنما ترك زراعتها لاستغنائه عن زراعتها أَو ليجمعها للحرث. والرابع العفاء والمسرح من أرض قريته.
فأما الأول: وهو إِذَا كانت محظرة فلا اختلاف فيما كَانَ فيها من الكلأ أَن صاحبها أحقّ بِهِ، لَهُ أَن يبيعه ويمنعه احتاج إليه أَو لَمْ يحتج إليه.
وأما الرابع: وهو العفاء والمسرح من أرض قريته، فلا اختلاف أنّه لا يبيعه ولا يمنع الناس عما فضل عن حاجته منه إِلا أَن يكون فِي تخلّف الناس بدوابهم ومواشيهم ضرر عَلَيْهِ من زرعٍ يكون حواليه فيفسد عَلَيْهِ بالإقبال والإدبار.
وأما الثاني والثالث فاختلف فيهما عَلَى ثلاثة أَقْوَال: فقال ابن الماجشون: لَهُ أَن يبيع مراعي أرضه كَانَ بوَّرها للكراء أَو لَمْ يبورها لذلك.
وقال أشهب: ليس لَهُ أَن يبيع، وإنما يكون أحقّ بمقدار حاجته ويترك الفضل للناس.
وقال ابن القاسم: لَهُ أَن يبيع إِن أوقفها للمرعى، وليس لَهُ أَن يبيع مَا فِي فدادينه وفحوصه". انتهى.
ولَمْ يصرّح المصنف بالتي حظر عَلَيْهَا إما لاندراجها فِي حماه أَو لأنها أحرى منه، والذي عند الجوهري: العفاء بالفتح والمدّ الدروس والهلاك، والعفو الأرض الغُفْل لَمْ توطأ. وبالله تعالى التوفيق.

.باب الوقف:

صَحَّ وَقْفُ مَمْلُوكٍ، وإِنْ بِأُجْرَةٍ.
الشرح:
قوله: (وإِنْ بِأُجْرَةٍ) قصد لمخالفة قول ابن الحاجب، ويصحّ فِي العقار المملوك لا المستأجر. عملاً عَلَى مَا حكى فِي " توضيحه" من اعتراض قول ابن الحاجب، بأن ظاهره أَن المنافع المملوكة دون الرقبة لا يصحّ وقفها. وفِي " الإجارة" من "المدونة": "لا بأس أَن يكري أرضه عَلَى أَن تتخذ مسجداً عشر سنين، فإذا انقضت كَانَ النقض للذي بناه". انتهى.
فليتأمل. وأما ابن عرفة فقال: وقول ابن الحاجب يصحّ فِي العقار المملوك لا المستأجر اختصاراً لقول ابن شاس: لا يجوز وقف الدار المستأجرة، وفِي كون مراد ابن شاس نفي وقف مالك منفعتها أَو بائعها نظر.
وفسّره ابن عبد السلام فِي لفظ ابن الحاجب بالأول، وهو بعيد؛ لخروجه بالمملوك، والأَظْهَر الثاني، وفِي نقله الحكم بإبطاله نظر؛ لأن الحبس إعطاء منفعة دائماً، وأمد الإجارة خاصّ فالزائد عَلَيْهِ يتعلّق بِهِ الحبس لسلامته من المعارض، ثم فِي لغو حوز المستأجر إياه للحبس، فيفتقر لحوزه بعد أمد الإجارة وصحته، فيتمّ من حين عقده قَوْلانِ مخرّجان عَلَى قول ابن القاسم وأشهب فِي مثلها من الهبة.

متن الخليل:
وَلَوْ حَيَوَاناً ورَقِيقاً كَعَبْدٍ عَلَى مَرْضَى لَمْ يَقْصِدْ ضَرَرَهُ.وَفِي وَقْفِ كَطَعَامٍ تَرَدُّدٌ.عَلَى أَهْلِ التَّمَلُّكِ كَمَنْ سَيُولَدُ، وذِمِّيٍّ وإِنْ لَمْ تَظْهَرْ قُرْبَةٌ.
الشرح:
قوله: (وَلَوْ حَيَوَاناً) استدلّ لهذا اللخمي وتبعه المتيطي بقوله صلى الله عَلَيْهِ وسلم «من حبس فرساً فِي سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده فإن شبعه وريّه فِي ميزانه يوم القيامة» أخرجه البخاري.
فقال ابن عرفة: هذا الاستدلال وهم شنيع فِي فهمه إِن ضبط باء " حبس " بالتخفيف، وفِي روايته أَن ضبطها بالتشديد.

متن الخليل:
أَوْ يَشْتَرِطْ تَسْلِيمَ غَلَّتِهِ مِنْ نَاظِرِهِ لِيَصْرِفَهَا، أَوْ كَكِتَابٍ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ صَرْفِهِ فِي مَصْرِفِهِ وبَطَلَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وحَرْبِيٍّ، وكَافِرٍ لِكَمَسْجِدٍ، أَوْ عَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ.
الشرح:
قوله: (أَوْ يَشْتَرِطْ تَسْلِيمَ غَلَّتِهِ مِنْ نَاظِرِهِ لِيَصْرِفَهَا) أَو يشترط مجزوم عطفاً عَلَى مَا بعد لَمْ، وفِي بعض النسخ تسليم بسكون السين وكسر اللام وياء بعدها، وفِي بعضها تَسَلُّم بفتح السين وضم اللام المشددة وهذا أنسب.

متن الخليل:
أَوْ عَادَ لِسُكْنَى مَسْكَنِهِ قَبْلَ عَامٍ.
الشرح:
قوله: (أَوْ عَادَ لِسُكْنَى مَسْكَنِهِ قَبْلَ عَامٍ) فِي رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات: سئل عمن تصدّق عَلَى ولده وهم صغار يليهم بدار، وأشهد لهم، وكَانَ يكريها لهم فلما بلغوا الحوز قبضوها، وأكروها منه، فمات فيها فقال: لا أراها إِلا جائزة إِذَا كانوا قد قبضوها وحازوها وانقطعوا بالحيازة وانتقل منها قيل لَهُ: وكم حد ذلك السنة والسنتان؟ قال: أرى ذلك وما أشبهه.
قال ابن رشد: هذا مثل مَا مضى فِي رسم استأذن من أَن رجوع المتصدق إِلَى سكنى الدار التي تصدّق بها بعد أَن حيزت عنه حيازة بينة حدها العام عَلَى مَا نصّ عَلَيْهِ فِي هذه الرواية لا يُبطل الصدقة، ومثله فِي رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ من كتاب الرهون بِخِلاف الرهن إذ لا اختلاف فِي أنّه يبطل برجوعه إِلَى الراهن وإِن طالت مدة حيازة المرتهن إياه لقوله عز وجلّ {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283]، وفِي هذه المٍسألة بيان واضح؛ أن الأب لَو رجع إِلَى سكنى الدار وبنوه صغار، لبطلت الهبة، وإِن كَانَ قد أخلاها وحازها لهم بالكراء المدة الطويلة، (فتفترق فِي هذا حيازة الكبار لأنفسهم من حيازة الأب للصغار)، وقد نصّ عَلَى ذلك محمد ابن المواز.

متن الخليل:
أَوْ جُهِلَ سَبْقُهُ لِدَيْنٍ إِنْ كَانَ عَلَى مَحْجُورِهِ.
الشرح:
قوله: (أَوْ جُهِلَ سَبْقُهُ لِدَيْنٍ إِنْ كَانَ عَلَى مَحْجُورِهِ) أي: إن كَانَ الحبس عَلَى محجوره، والشَرْط قاصر عَلَى هذه دون مَا قبلها.
قال فِي كتاب: الهبات من "المدونة": ومن وهب لرجلٍ هبة لغير ثواب، ثم ادعى رجلٌ أنّه ابتاعها من الواهب، وجاء ببينة، فقام الموهوب يريد قبضها فالمبتاع أحق بها، وذلك كقول مالك فِي الذي حبس عَلَى ولد لَهُ صغار حبساً، ومات وعَلَيْهِ دين لا يدرى قبل الحبس أَو بعده، فقال البنون: قد حزنا بحوز الأب علينا، فإن أقاموا بينة أَن الحبس كَانَ قبل الدين فالحبس لهم، وإِلا بيع للغرماء، وكَذَلِكَ الهبة لغير ثواب، وقد استوعبها المتيطي آخر كتاب: الحبس.

متن الخليل:
أَوْ عَلَى نَفْسِهِ ولَوْ بِشَرِيكٍ.
الشرح:
قوله: (أَوْ عَلَى نَفْسِهِ ولَوْ بِشَرِيكٍ) معطوف عَلَى قوله عَلَى معصية.

متن الخليل:
أَوْ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ لَهُ، أَوْ لَمْ يَحُزْهُ كَبِئْرٍ وُقِفَ عَلَيْهِ، ولَوْ سَفِيهاً أَوْ وَلِيُّ صَغِيرٍ، أَوْ لَمْ يُخَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وبَيْنَ كَمَسْجِدٍ قَبْلَ فَلَسِهِ، ومَوْتِهِ، ومَرَضِهِ.
الشرح:
قوله: (أَوْ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ لَهُ) قد تَرَدُّدٌ فِي فهم هذا فِي "توضيحه"، وذلك أنّه نقل فِي "الجواهر" عن كتاب محمد فيمن حبس غلة داره فِي صحته عَلَى المساكين، فكان يلي عَلَيْهَا حتى مات وهي بيده: أنها ميراث.
قال: وكَذَلِكَ لَو شرط فِي حبسه أنّه يلي ذلك لَمْ يجزه لَهُ ابن القاسم وأشهب فقال فِي " التوضيح": انظر قوله فِي "الموازية": وكَذَلِكَ لَو شرط: هل المراد أنّه يبطل حبسه، وهو ظاهر لفظه، ويؤيده اختلافهم فيما إِذَا جعله بيد غيره عَلَى أَن يتسلّم منه غلته ويصرفها، ولا شكّ أَن البطلان هنا أقوى، أَو معنى قوله: لَمْ يجزه لَهُ.
ابن القاسم وأشهب، لَمْ يجيزا لَهُ الشَرْط، بل يصحّ ويخرج إِلَى غير يده.
والأَظْهَر أَن معنى مَا فِي "الموازية" أَن المُحْبِّسَ مات ولَمْ يُحَزْ عنه، ولا إشكال فِي البطلان مَعَ ذلك، وأما إِن كَانَ حياً فأنّه يصحّ الوقف ويخرج إِلَى يد ثقة ليتمّ الحوز، وكذا فسّر ابن عبد السلام وقال: وإذا كان لا يوفي لَهُ بشرط الخِيَار فهذا الشَرْط أولى أَن لا يوفي بِهِ؛ لانبرام العقد معه. انتهى.
فإن قيّد كلامه هنا بأن يكون المحبس قد مات قبل الحوز، وإِلا كَانَ مخالفاً لفهم ابن عبد السلام، وفيه مَا فيه. وأما الفرع المختلف فيه الذي اعتضد بِهِ فقد قطع فيه قبل بالصحة إذ قال: (أَو يشترط تسلم غلته من ناظره ليصرفها).

متن الخليل:
إِلا لِمَحْجُورِهِ إِذَا أَشْهَدَ، وصَرَفَ الْغَلَّةَ لَهُ، ولَمْ تَكُنْ دَارَ سُكْنَاهُ، أَوْ عَلَى وَارِثٍ بِمَرَضِ مَوْتِهِ إِلا مُعَقِّباً خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ فَكَمِيرَاثٍ لِلْوَارِثِ كَثَلاثَةِ أَوْلادٍ وأَرْبَعَةِ أَوْلادِ أَوْلادٍ وعَقَّبَهُ وتَرَكَ أُمَّاً وزَوْجَةً فَيَدْخُلانِ فِيمَا لِلأَوْلادِ، وأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهِ لِوَلَدِ الْوَلَدِ وَقْفٌ.
الشرح:
قوله: (إِلا لِمَحْجُورِهِ إِذَا أَشْهَدَ، وصَرَفَ الْغَلَّةَ لَهُ، ولَمْ تَكُنْ دَارَ سُكْنَاهُ). ظاهر هذا الاستثناء أَن تحبيس الرجل عَلَى محجورة لا يفتقر للحوز إِذَا توفرت هذه الشروط الثلاثة، يريد الحوز الحسي، وأما الحكمي فلابد منه، والذي فِي كتاب الهبة من "المدونة": ولا يكون واهب حائزاً للموهوب إلا والدٌ أَو وصي، أَو من يحوز أمره.
أبو الحسن الصغير: قالوا: هو مقدم القاضي. وفِي آخر كتاب الرهون منها: ومن حبَّس عَلَى صغار ولده داراً أَو وهبها لهم أَو تصدق بها عليهم جَازَ ذلك، وحوزه لهم حوز إِلا أَن يكون ساكناً فِي كلّها أَو جلها حتى مات فيبطل جميعها، وتورث عَلَى فرائض الله عز وجلّ.
وأما الدار الكبيرة ذات المساكين يسكن أقلها، وأكرى لهم باقيها فذلك نافذ لهم فيما سكن وفيما لَمْ يسكن، ولَو سكن الجلّ وأكرى الأقلّ بطل الجميع، وكَذَلِكَ دور يسكن واحدة منها وهي أقل حبسه أَو أكثره عَلَى مَا وصفنا.
قال ابن عرفة فِي باب " الهبة " الحوز حكمي معنوي وحسي، فالأول حوز الولي لمن فِي حجره، فيدخل الكبير السفيه فيها لا الوالد لولده العبد، ولا الأم لولدها إِلا أَن تكون عَلَيْهِ وصيةً ومضى عمل الموثقين عَلَى كتبهم، وتولى الأب قبض هذه الصدقة من نفسه لابنه، واحتازها لَهُ من نفسه.
وكتب المتيطي في الوثيقة صرفها لَهُ من ماله وأبانها عن ملكه وصيرها من أملاك ابنه ثم قال والإشهاد بصدقته يغني عن الحيازة وإحضار الشهود لَهَا فيما لا يسكنه الأب ولا يلبسه. وكره ابن القاسم أَن يذكر فِي كتاب الصدقة أَن الأبّ احتاز ذلك من نفسه بما يحوز بِهِ الآباء لمن يلون عليهم من الأبناء، ورأى أَن السكوت عنه أحسن؛ لأن السنة قد أحكمت أنّه القابض لهم، ونقله ابن عات. انتهى، وكلام المتيطي عَلَيْهَا فِي كتاب: الحبس أوعب من هذا فقف عَلَيْهِ.
ابن عبد السلام: وليس مرادهم أَن الحيازة تسقط هنا، وإنما مرادهم أَن الحيازة تكون فِي هذا عَلَى وجهٍ مخالف لغيره. انتهى، وإنما أخرج المصنف دار سكناه لأنها لا يصحّ تحبيسها إِلا بمعاينة البينة إياها فارغة من شواغل المحبس، وقد زدنا هذا بياناً عند قوله فِي باب: الهبة (وَحيز وإِن بلا إذن).

متن الخليل:
وَانْتَقَضَ الْقَسْمُ بِحُدُوثِ وَلَدٍ لَهُمَا كَمَوْتِهِ عَلَى الأَصَحِّ، لا الزَّوْجَةِ والأُمِّ، فَيَدْخُلانِ، ودَخَلَتَا فِيمَا زِيدَ لِلْوَلَدِ بِحَبَسْتُ ووَقَفْتُ وتَصَدَّقْتُ، إِنْ قَارَنَهُ قَيْدٌ، أَوْ جِهَةٌ لا تَنْقَطِعُ، أَوْ لِمَجْهُولٍ وإِنْ حُصِرَ ورَجَعَ، إِنِ انْقَطَعَ لأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ، وامْرَأَةٍ لَوْ رُجِّلَتْ عَصَّبَ. فَإِنْ ضَاقَ قُدِّمَ الْبَنَاتُ، وعَلَى اثْنَيْنِ وبَعْدَهُمَا عَلَى الْفُقَرَاءِ نَصِيبُ مَنْ مَاتَ لَهُمْ، إِلا كَعَلَى عَشَرَةٍ حَيَاتَهُمْ فَيُمْلَكُ بَعْدَهُمْ، وفِي كَقَنْطَرَةٍ ولَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا فِي مِثْلِهَا، وإِلا وُقِفَ لَهَا، وصَدَقَةٌ لِفُلانٍ فَلَهُ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ فُرِّقَ ثَمَنُهَا بِالاجْتِهَادِ، ولا يُشْتَرَطُ التَّنْجِيزُ، وحُمِلَ فِي الإِطْلاقِ عَلَيْهِ كَتَسْوِيَةِ أُنْثَى بِذَكَرٍ.
ولا التَّأْبِيدُ، ولا تَعْيِينُ مَصْرِفِهِ وصُرِفَ فِي غَالِبٍ وإِلا فَالْفُقَرَاءُ، ولا قَبُولُ مُسْتَحِقِّهِ، إِلا الْمُعَيَّنَ الأَهْلَ، فَإِنْ رَدَّ فَكَمُنْقَطِعٍ، واتُّبِعَ شَرْطُهُ إِنْ جَازَ كَتَخْصِيصِ مَذْهَبٍ أَوْ نَاظِرٍ.
الشرح:
قوله: (كَمَوْتِهِ عَلَى الأَصَحِّ) عَلَيْهِ اقتصر ابن الحاجب وهو خلاف ظاهر "المدونة".

متن الخليل:
أَوْ تَبْدِيَةِ فُلانٍ بِكَذَا، وإِنْ مِنْ غَلَّةِ ثَانِي عَامٍ، إِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ، أَوْ أَنَّ مَنِ احْتَاجَ مِنَ الْمُحَبِّسِ عَلَيْهِ بَاعَ.
الشرح:
قوله: (أَوْ تَبْدِيَةِ فُلانٍ بِكَذَا، وإِنْ مِنْ غَلَّةِ ثَانِي عَامٍ، إِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ) أشار بِهِ لقول المتيطي فِي كتاب " الحبس": وإِذَا قال يجري من غلته عَلَى فلان كل عام كذا وكذا فكانت لَهُ فِي سنة غلة كثيرة، ولَمْ تكن لَهُ فِي سنة أخرى غلة فأنّه يعطي ذلك فِي العام الثاني من غلة الأول، وإِن قال يجري عَلَيْهِ من غلة كل عام كذا وكذا، فأتى عام بلا غلة لَمْ يعط من غلة العام الأول شيء. انتهى.
إلا أَن المصنف فرض عكس فرض المتيطي؛ لكن قال فِي كتاب: الوصايا الثاني من "المدونة": فللموصى لَهُ أخذ وصيته كلّ عام مَا بقي من غلة العام الأول شيء، فإن لَمْ يبق منه شيء فإذا أغل ذلك أخذ منه لكلّ عام مضى لَمْ يأخذ لَهُ شيئاً. انتهى.
فأنت ترى نصّ "المدونة"مشتملاً عَلَى الفرضين.

متن الخليل:
أَوْ إِنْ تَسَوَّرَ عَلَيْهِ قَاضٍ أَوْ غَيْرُهُ رَجَعَ لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ كَعَلَى وَلَدِي ولا وَلَدَ لَهُ، لا بِشَرْطِ إِصْلاحِهِ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ.
الشرح:
قوله: (أَوْ إِنْ تَسَوَّرَ عَلَيْهِ قَاضٍ أَوْ غَيْرُهُ رَجَعَ لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ) أشار بِهِ لقول المتيطي: وإِذَا شرط المحبس فِي حبسه أنّه إِن ذهب قاضٍ أَو غيره إِلَى التسور فِي حبسه هذا والنظر فيه، فجميع حبسه راجع إليه إِن كَانَ حياً، أَو إِلَى ورثته ميراثاً إِن كَانَ ميّتاً، أَو صدقة مبتولة عَلَى فلان كَانَ لَهُ شرطه.

متن الخليل:
كَأَرْضٍ مُوَظَّفَةٍ، إِلا مِنْ غَلَّتِهَا عَلَى الأَصَحِّ، أَوْ عَدَمِ بَدْءٍ بِإِصْلاحِهِ أَوْ نَفَقَتِهِ. وأُخْرِجَ السَّاكِنُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لِلسُّكْنَى، إِنْ لَمْ يُصْلِحْ، لِتُكْرَى لَهُ.وَأُنْفِقَ فِي فَرَسٍ لِكَغَزْوٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.فَإِنْ عُدِمَ بِيعَ، وعُوِّضَ بِهِ سِلاحٌ كَمَا كَلِبَ. وبَيْعَ مَا لا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ عَقَارٍ فِي مِثْلِهِ، أَوْ شِقْصِهِ كَأَنْ أَتْلَفَ، وفَضْلُ الذُّكُورِ، ومَا كَبِرَ مِنَ الإِنَاثِ فِي إِنَاثٍ.
الشرح:
قوله: (كَأَرْضٍ مُوَظَّفَةٍ) لما شرح أبو الحسن الصغير نصّ "المدونة"فِي التي قبلها قال: قالوا فيقوم منه أنّه لا يجوز تحبيس الأرض الموظفة، ثم ذكر مَا قال ابن الهندي وابن كوثر.

متن الخليل:
لا عَقَارٌ وإِنْ خَرِبَ، ونِقْضٌ ولَوْ بِغَيْرِ خَرَابٍ، إِلا لِتَوْسِيعِ كَمَسْجِدٍ ولَو جبراً، وأُمِرُوا بِجَعْلِ ثَمَنِهِ لِغَيْرِهِ.
الشرح:
قوله: (لا عَقَارٌ وإِنْ خَرِبَ، ونِقْضٌ ولَوْ بِغَيْرِ خَرَابٍ) ظاهره أَن الإغياء راجع للربع الخرب والنقض، ولم نره منصوصاً إِلا فِي الربع الخرب.

متن الخليل:
وَمَنْ هَدَمَ وَقْفاً فعَلَيْهِ إِعَادَتُهُ.
الشرح:
قوله: (وَمَنْ هَدَمَ وَقْفاً فعَلَيْهِ إِعَادَتُهُ) كذا لابن شاس وابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام وابن هارون.
فقال ابن عرفة: قبولهما إياه يوهم أنّه كل المذهب أَو مشهوره، ولا أعرفه؛ بل ظاهر "المدونة" أَن الواجب فِي الهدم القيمة مُطْلَقاً، وقد قال عياض فِي "حديث جريج " في أول كتاب: البر من هدم حائطاً فمشهور مذهب مالك وأصحابه أَن فيه وفِي سائر المتلفات القيمة، وقال الشافعي: عَلَيْهِ بناءُ مثله، وفِي: "العتبية " عن مالك مثله. انتهى.
وأما المصنف فأنّه لما شرح نصّ ابن الحاجب قال: وهكذا ذكر فِي "النوادر" إِلا أنّه عزاه لابن كنانة فقال عنه: لا ينقض بنيان الحبس، وتبنى فيه حوانيت للغلة، وهو ذريعة إِلَى تغيير الحبس، ومن كسر حبساً من أهل الحبس أَو غيرهم فعَلَيْهِ أَن يردّ البنيان كما كَانَ.

متن الخليل:
وَتَنَاوَلَ الذُّرِّيَّةُ ووَلَدُ فُلانٍ وفُلانَةَ أَوِ الذُّكُورُ والإِنَاثُ وأَوْلادُهُمْ الْحَافِدَ لا نَسْلِي وعَقِبِي، ووَلَدِي، ووَلَدِ وَلَدِي وأَوْلادِي، وأَوْلادِ أَوْلادِي وبَنِيَّ وبَنِي بَنِيَّ.
الشرح:
قوله: (وَتَنَاوَلَ الذُّرِّيَّةُ ووَلَدُ فُلانٍ وفُلانَةَ أَوِ الذُّكُورُ والإِنَاثُ وأَوْلادُهُمْ الْحَافِدَ) أولادهم مقدر فِي الثانية بدليل ذكره فِي الثالثة، وأطلق الحافد فِي هذا الفصل نفياً وإثباتاً عَلَى ولد البنت، وقد ردّ ابن عرفة الاستدلال للذرية بقوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ...} إِلَى {وَعِيسَى} [الأنعام:84-85] بأن مَا ثبت فيمن لا أب لَهُ لا يلزم ثبوته فيمن لَهُ أب، واستدل بجر الملاعنة المعتقة ولاء ولدها لمعتقها، ثم استطرد مسألة الشرف من قبل الأم. فقف عَلَيْهِ.

متن الخليل:
وَفِي وَلَدِي ووَلَدِهِمْ قَوْلانِ. والإِخْوَةُ الأُنْثَى. ورِجَالُ إِخْوَتِي ونِسَاؤُهُمُ الصَّغِيرُ. وبَنِي أَبِي وإِخْوَتَهُ الذُّكُورَ. وأَوْلادَهُمْ وآلِي وأَهْلِي الْعَصَبَةَ، ومَنْ لَوْ رُجِّلَتْ لَعَصَّبَ.
الشرح:
قوله: (وَفِي وَلَدِي ووَلَدِهِمْ قَوْلانِ) هذا تصريح بالخلاف الذي لوّح لَهُ ابن الحاجب بقوله: وولدي. وولدهم بين في المسألتين. وعَلَيْكَ بـ "المقدمات".

متن الخليل:
وَأَقَارِبِي أَقَارِبَ جِهَتَيْهِ مُطْلَقاً، وإِنْ قَصَوْا. ومَوَالِيهِ الْمُعْتَقَ، ووَلَدِهِ، ومُعْتَقَ أَبِيهِ وابْنِهِ.
الشرح:
قوله: (وأَقَارِبِي أَقَارِبَ جِهَتَيْهِ مُطْلَقاً، وإِنْ قَصَوْا) أي: بعدوا، وفِي بعض النسخ وإِن نصارى أي: ذميين، ولَمْ أر من ذكره هنا، وهو مفرّع عَلَى جواز الوقف عَلَى الذمي، وبِهِ قطع إذ قال: (كمن سيولد وذمي) تبعاً لابن شاس وابن الحاجب وابن عبد السلام.
قال ابن عرفة: ولا أعرف فيها نصاً للمتقدمين، والأَظْهَر جريها عَلَى حكم الوصية؛ ففي سماع ابن القاسم: "كراهة الوصية لليهودي والنصراني، وكَانَ قبل ذلك يجيزه". انتهى وكأنّه لَمْ يقف عَلَى مَا فِي " نوازل " ابن الحاجّ: من حبس عَلَى مساكين اليهود والنصارى جَازَ.

متن الخليل:
وَقَوْمُهُ عَصَبَتَهُ فَقَطْ. وطِفْلٌ وصَبِيٌّ وصَغِيرٌ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ. وشَابٌّ وحَدَثٌ لأَرْبَعِينَ، وإِلا فَكَهْلٌ لِلسِّتِّينَ، وإِلا فَشَيْخٌ. وشَمِلَ الأُنْثَى.
الشرح:
قوله: (وقَوْمُهُ عَصَبَتَهُ فَقَطْ) أي: الرجال دون النساء، قاله الباجي عن ابن شعبان، ولَمْ يحك ابن عرفة غيره.

متن الخليل:
كَالأَرْمَلِ.
الشرح:
قوله: (كَالأَرْمَلِ) أي فِي شمول الذكر والأنثى، ولَمْ يحك ابن عرفة غيره وسلم الاستدلال عَلَيْهِ بقول جرير:
فَمَا لِحَاجَةِ هَذَا الأَرْمَل الذَّكْرَ

وقد يقال لَو كَانَ شاملاً للذكر لغةً ما وصفه بِهِ، ولكنه مجاز دعت إليه المقابلة كقول الآخر:
قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه ** فقلت اطبخوا ليّ جبّة وقميصا

ولكن قد علم أنّه لا يلزم من بطلان الدليل بطلان المدلول، وقد قال ابن السكيت: الأرامل المساكين من رجال أَو نساء قال: ويقال لهم وإِن لَمْ يكن فيهم نساء، إِلا أَن ابن عبد السلام لما تكلّم عَلَى لفظ القوم قال: الذي يجب أَن يعوّل عَلَيْهِ فِي هذا الباب إنما هو عرف الاستعمال.

متن الخليل:
وَالْمِلْكُ لِلْوَاقِفِ لا الْغَلَّةُ.
الشرح:
قوله: (وَالْمِلْكُ لِلْوَاقِفِ لا الْغَلَّةُ).
ابن عرفة: أول الباب صرّح الباجي ببقاء ملك المحبس عَلَى حبسه وهو لازم تزكية حوائط الأحباس عَلَى ملك محبسها، وقول اللخمي آخر الشفعة: الحبس يسقط ملك المحبس: غلط. انتهى.
وفِي رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الحبس: سئل عن الرجل يحبس عَلَى أولاد لَهُ صغار أَو كبار، ووكل عَلَيْهِ من يحوزه لهم ويكريه، وكيف إِن قال أولاده الكبار نحن نحوزه لأنفسنا.
قال: لا يكون ذلك لهم، وهو عَلَى مَا وضعه عَلَيْهِ، قال ابن رشد: هذا كما قال؛ لأن الحبس ليس بملك للمحبس عليه كالهبة التي هي ملك للموهوب لَهُ، فلا يصحّ للواهب أَن يجعلها لَهُ عَلَى يد غيره إِذَا كَانَ كبيراً وإنما يغتله المحبس عَلَيْهِ عَلَى ملك المحبس، فللمحبس أَن يوكل عَلَيْهِ من يحوزه للكبير ويجري عَلَيْهِ غلته، ويحوز لَهُ ذلك عَلَيْهِ فِي حياته وبعد مماته، ولا كلام لَهُ فيه. انتهى.
وهو مثل مَا صرّح بِهِ الباجي: وهذا فِي غير المساجد، وأما المساجد فلا خلاف أَن ملك المحبس قد ارتفع عنها، قاله القرافي فِي حبس " الذخيرة " ومثله فِي الفرق التاسع والسبعين من قواعده ونصّه: "الوقف هل يفتقر إِلَى القبول أم لا؟ فيه خلاف بين المذهب والعلماء، ومنشأ الخلاف: هل الواقف قد أسقط حقّه من المنافع فِي الموقوف فيكون ذلك كالعتق، أَو هو تمليك لمنافع العين الموقوفة للموقوف عَلَيْهِ، فيفتقر للقبول كالبيع والهبة، وهذا إِذَا كَانَ الموقوف عَلَيْهِ معيناً، أما غير المعين فلا يشترط قبوله لتعذره، هذا فِي منافع الموقوف، أما أصل ملكه فاختلف: هل يسقط أَو هو عَلَى ملك الواقف، وهذا ظاهر المذهب؛ لأن مالكاً أوجب الزكاة فِي الحائط الموقوف عَلَى غير المعين نحو الفقراء والمساكين إِذَا كَانَ خمسة أوسق بناءً عَلَى أنّه عَلَى ملك الواقف، فيزكّى عَلَى ملكه، وأما الحائط عَلَى المعينين فيشترط فِي حصة كلّ واحد منهم خمسة أوسق.
واتفق العلماء فِي المساجد أنها من باب الإسقاط كالعتق لا ملك لأحدٍ فيها لقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:18]، ولأنها تقام فيها الجُمعات، والجُمعَات لا تقام فِي المملوكات لا سيما عَلَى أصل مالك فِي أنها لا يصليها أرباب الحوانيت فِي حوانيتهم لأجل الملك والحجر، فلا تجري فِي المساجد القَوْلانِ. انتهى.
والمقصود منه آخره، وقد قبل أبو القاسم بن الشاط السبتي جميعه، ويشهد لَهُ مَا فِي سماع موسى بن معاوية الصمادحي من كتاب الصلاة: سئل ابن القاسم عن مسجد بين قومٍ، فتنازعوا فيه واقتسموه بينهم، وضربوا وسطه حائطاً، أيجوز أَن يكون مؤذنهم واحداً وإمامهم واحداً؟ قال ابن القاسم: ليس لهم أَن يقتسموه؛ لأنّه شيء سبّلوه لله، وإِن كانوا بنوه جميعاً، وقال أشهب مثله، ولا يجزيهم مؤذن واحد ولا إمام واحد.
قال ابن رشد: هذا كما قال، أنهم ليس لهم أَن يتقسموه؛ لأن ملكهم قد ارتفع عنه حين سبّلوه، فإن فعلوا فله حكم المسجدين فِي الأذان والإمام حين فصلوا بينهما بحاجز، يبين بِهِ كل واحد منهما عن صاحبه، وإن كَانَ ذلك لا يجوز لهم.
وفِي قواعد المقري: وقف المساجد إسقاط إجماعاً، وفِي غيرها قَوْلانِ: نقل، وإسقاط.

متن الخليل:
فَلَهُ ولِوَارِثِهِ مَنْعُ مَنْ يُرِيدُ إِصْلاحَهُ.
الشرح:
قوله: (فَلَهُ ولِوَارِثِهِ مَنْعُ مَنْ يُرِيدُ إِصْلاحَهُ) بهذا قطع ابن الحاجب كابن شاس تبعاً لابن شعبان، ووجهه ابن عبد السلام بما حاصله أَن الحبس مملوك لمحبسه، وكل مملوك لشخصٍ لا يجوز تصرف غيره فيه بغير إذنه بوجه.
قال ابن عرفة: والجاري عندي فِي ذلك على أصل المذهب التفصيل: فإن كَانَ خراب الحبس لحادثٍ نزل بِهِ دفعة كوابل مطر أَو شدة ريح أَو صاعقة فالأمر كما قالوه، وإِن كَانَ يتوالى عدم إصلاحه مَا ينزل بِهِ من هدم، شيءٍ بعد شيء، ومن هو عَلَيْهِ يستغل مَا بقي منه فِي أثناء توالي الهدم عَلَيْهِ، كحال بعض أهل العلم وقتنا من أئمة المساجد، يأخذون غلته ويدعون بناءه حتى يتوالى عَلَيْهِ الخراب الذي يذهب كل منفعته أَو جلها، فهذا الواجب قبول من تطوع بإصلاحه، ولا مقال بمنعه لمحبسه ولا لوارثه لأن مصلحه قام بأداء حقٍ عنه لعجزه عن أدائه أَو لدده.
وأما المصنف فقال فِي " توضيحه" تبعاً لابن عبد السلام: يستحسن للواقف أَو ورثته تمكين غير الواقف من البناء إِذَا كَانَ وقفاً عَلَى وجه من وجوه الخير، وأراد الباني إلحاق مَا يبنيه بالوقف؛ لأن ذلك من باب التعاون عَلَى الخير.

متن الخليل:
وَلا يُفْسَخُ كِرَاؤُهُ لِزِيَادَةِ، ولا يُقْسَمُ إِلا مَاضٍ زَمَانه، وأَكْرَى نَاظِرُهُ إِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ كَالسَّنَتَيْنِ.
الشرح:
قوله: (وَلا يُفْسَخُ كِرَاؤُهُ لِزِيَادَةِ) يريد إِلا أَن يثبت الغبن قال ابن عات عن المشاوَر: إِن أكرى ناظر الحبس عَلَى يدي القاضي ربع الحبس بعد النداء عَلَيْهِ والاستقصاء، ثم جاءت زيادة لَمْ يكن لَهُ نقض الكراء ولا قبول الزيادة، إِلا أَن يثبت بالبينة أَن فِي الكراء غبناً عَلَى الحبس فتقبل الزيادة، ولَو ممن كَانَ حاضراً، وكذا الوصي فِي مؤاجرة يتيمه وكرائه ربعه، ثم يجد زيادة لَمْ تنقض الإجارة إِلا بثبوت غبن إِن فات وقت كرائها، فإن كَانَ قبل ذلك نقض الكراء، وأخذت الزيادة.
ابن عرفة: ظاهر أول كلامه إِن لَمْ يكن غبن لَمْ تقبل الزيادة، ولَو لَمْ يفت الإبان، والأول أقيس، والثاني أحوط، وقد يؤخذ من قوله فِي كتاب: العتق الأول من "المدونة": بيع السلطان عَلَى خيار ثلاثة أيام، فإن وجد زيادة وإِلا نفذ البيع. واستمر العمل فِي كراء الناظر فِي حبس تونس عَلَى أنّه قبول الزيادة فيكون عقده لازماً للمكتري غير لازمٍ للمكري، فإذا زاده أحد فِي الربع شيئاً أخرج مكتريه منه إِن لَمْ يزد عَلَى من زاد عَلَيْهِ، ومضى عَلَيْهِ عمل القضاة، كذا فسّر ابن عرفة هذا العمل فِي الأكرية وزاد أنّه يتخرّج عَلَى قوله فِي "المدونة" فيمن استأجر رجلاً شهراً عَلَى بيع ثوب عَلَى أَن الأجير متى شاء ترك: أنّه جائز إِن لَمْ ينقده لأنها إجارة بخيار. وعَلَى قوله فِي سماع ابن القاسم:
من اكترى دابّة لطلب حاجة بموضع سماه عَلَى أنّه إِن وجد حاجته دونه رجع وغرم بحسب مَا بلغ من الكراء: فلا بأس بِهِ مَا لَمْ يتعد.
قال ابن رشد: وسحنون لا يُجيز المسألتين، بِخِلاف مكتري الدار سنة عَلَى أنّه متى شاء خرج، هذا جائز عنده وعند الجميع إِن لَمْ ينقد، وإنما لَمْ يجزهما سحنون؛ لأنّه رأى ذلك مجهلة فِي الكراء والإجارة، وقال: فضل فِي مسألة "المدونة": إنما منعها سحنون؛ لأنّه خيار إِلَى أمد بعيد وليس كما قال؛ لأنّه بالخِيَار فِي الجميع الآن، وكلما مضى من الشهر شيء كَانَ بالخِيَار فيما بقى، فليس كالسلعة التي يشتريها عَلَى أنّه بالخِيَار فيها إِلَى الأمد الطويل؛ لأنّه يحتاج إِلَى توقيفها لانقضاء أمد الخِيَار؛ فلذلك لا يجوز وليس ذلك فِي الإجارة والكراء، إِلا أَن يكتري الدابّة عَلَى أَن يركبها بعد شهر أَو يستأجر الأجير عَلَى أَن يخدمه بعد شهر عَلَى أنّه بالخِيَار فِي الإجارة والكراء إِلَى انقضاء الشهر". انتهى ملخصاً. وبِهِ يتبين مَا أجمله ابن عبد السلام إذ قال فِي عمل أهل تونس:
هو قول منصوص عَلَيْهِ فِي المذهب ووقع فِي "المدونة"مَا يقتضيه، وإن كَانَ بعضهم رأى مَا فِي "المدونة"خارجاً عن أصول المذهب، واعتقد بعض من لقيناه أَن ذلك مخالف للإجماع؛ لأنّه راجع إِلَى بيع الخِيَار، ولَمْ يجزه أحد إِلَى سنة، وأشار ابن رشد إِلَى أَن هذه المسألة ليست كبيع الخِيَار الذي جعل أمد الخِيَار فيه سنة، فإن ذلك ينتقض فيه البيع من أصله إِذَا أراد حلّه من جعل لَهُ الخِيَار، وهنا لا ينتقض إِلا فيما بقي من المدة فقط" انتهى.
وقد نقله فِي "التوضيح" عَلَى إجماله ولَمْ يزد.

متن الخليل:
وَلِمَنْ مَرْجِعُهَا لَهُ كَالْعَشْرِ. وإِنْ بَنَى مُحَبَّسٌ عَلَيْهِ فَمَاتَ ولَمْ يُبَيِّنْ فَهُوَوَقْفٌ. وعَلَى مَنْ لا يُحَاطُ بِهِمْ، أَوْ عَلَى قَوْمٍ وأَعْقَابِهِمْ، أَوْ عَلَى كَوَلَدِهِ ولَمْ يُعَيِّنْهُمْ فَضَّلَ الْمُوَلَِّى أَهْلَ الْحَاجَةِ والْعِيَالِ فِي غَلَّةٍ وسُكْنَى. ولَمْ يَخْرُجْ سَاكِنٌ لِغَيْرِهِ، إِلا بِشَرْطٍ أَوْ سَفَرِ انْقِطَاعٍ، أَوْ بَعِيدٍ.
الشرح:
قوله: (وَلِمَنْ مَرْجِعُهَا لَهُ كَالْعَشْرِ) زاد ابن الحاجب: وقد اكترى مالك منزله وهو كَذَلِكَ عشر سنين، واستكثرت. وأصل هذا الكلام لعبد الملك فِي "المبسوط " كما نقل المتيطي. وبالله تعالى التوفيق.