فصل: كتاب الرجعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج



. فَصْلٌ:

عَلَّقَ الطَّلَاقَ (بِأَكْلِ رَغِيفٍ أَوْ رُمَّانَةٍ) كَأَنْ قَالَ إنْ أَكَلْت هَذَا الرَّغِيفَ أَوْ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ أَوْ رَغِيفًا أَوْ رُمَّانَةً، فَأَنْت طَالِقٌ (فَبَقِيَ) مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَكْلِهَا لَهُ، (لُبَابَةٌ أَوْ حَبَّةٌ لَمْ يَقَعْ) طَلَاقٌ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهَا لَمْ تَأْكُلْ الرَّغِيفَ أَوْ الرُّمَّانَةَ وَإِنْ تَسَامَحَ أَهْلُ الْعُرْفِ فِي إطْلَاقِ أَكْلِ الرَّغِيفِ أَوْ الرُّمَّانَةِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الْإِمَامُ فِي فُتَاتٍ يَدِقُّ مُدْرَكُهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي بِرٍّ وَلَا حِنْثٍ نَظَرًا لِلْعُرْفِ (وَلَوْ أَكَلَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (تَمْرًا وَخَلَطَا نَوَاهُمَا فَقَالَ) لَهَا (إنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَاك) عَنْ نَوَايَ (فَأَنْت طَالِقٌ فَجَعَلَتْ كُلَّ نَوَاةٍ وَحْدَهَا لَمْ يَقَعْ) طَلَاقٌ، (إلَّا أَنْ يَقْصِدَ تَعْيِينًا) لِنَوَاهَا عَنْ نَوَاهُ فَلَا يَخْلُصُ مِنْ الْيَمِينِ بِمَا فَعَلَتْ (وَلَوْ كَانَ بِفَمِهَا تَمْرَةٌ فَعَلَّقَ بِبَلْعِهَا ثُمَّ بِرَمْيِهَا ثُمَّ بِإِمْسَاكِهَا) كَأَنْ قَالَ إنْ بَلَعْتهَا فَأَنْت طَالِقٌ، وَإِنْ رَمَيْتهَا فَأَنْت طَالِقٌ وَإِنْ أَمْسَكْتهَا فَأَنْت طَالِقٌ، (فَبَادَرَتْ مَعَ فَرَاغِهِ) مِنْ التَّعْلِيقِ (بِأَكْلِ بَعْضٍ) مِنْهَا (وَرَمْيِ بَعْضٍ لَمْ يَقَعْ) طَلَاقٌ فَإِنْ لَمْ تُبَادِرْ بِأَكْلِ الْبَعْضِ وَقَعَ الطَّلَاقُ لِلْإِمْسَاكِ (وَلَوْ اتَّهَمَهَا بِسَرِقَةٍ فَقَالَ إنْ لَمْ تَصْدُقِينِي فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ)، كَلَامَيْنِ أَحَدُهُمَا (سَرَقْت) وَالْآخَرُ (مَا سَرَقْت لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّهَا صَادِقَةٌ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ (وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِعَدَدِ حَبِّ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ قَبْلَ كَسْرِهَا)، فَأَنْت طَالِقٌ (فَالْخَلَاصُ) مِنْ الْيَمِينِ (أَنْ تَذْكُرَ عَدَدًا يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَنْقُصُ عَنْهُ) كَمِائَةٍ (ثُمَّ تَزِيدُ وَاحِدًا وَاحِدًا) فَتَقُولُ مِائَةٌ وَوَاحِدٌ مِائَةٌ وَاثْنَانِ وَهَكَذَا (حَتَّى تَبْلُغَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ) فَتَكُونُ مُخْبِرَةً بِعَدَدِهَا (وَالصُّورَتَانِ) هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا (فِيمَنْ لَمْ يَقْصِدْ تَعْرِيفًا) فَإِنْ قَصَدَهُ فَلَا يَخْلُصُ مِنْ الْيَمِينِ بِمَا ذَكَرَتْهُ.
(وَلَوْ قَالَ لِثَلَاثٍ مَنْ لَمْ تُخْبِرنِي بِعَدَدِ رَكَعَاتِ فَرَائِضِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَهِيَ طَالِقٌ فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ سَبْعَ عَشْرَةَ)، أَيْ فِي الْغَالِبِ (وَأُخْرَى خَمْسَ عَشْرَةَ) أَيْ يَوْمَ جُمُعَةٍ (وَثَالِثَةٌ إحْدَى عَشْرَةَ) أَيْ لِمُسَافِرٍ (لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ) عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لِصِدْقِهِنَّ فِيمَا ذَكَرْنَهُ مِنْ الْعَدَدِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إلَى حِينٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ بَعْدَ حِينٍ) أَوْ زَمَانٍ (طَلُقَتْ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ) لِصِدْقِ الْحِينِ وَالزَّمَانِ بِهَا وَإِلَى بِمَعْنَى بَعْدَ (وَلَوْ عَلَّقَ) الطَّلَاقَ (بِرُؤْيَةِ زَيْدٍ أَوْ لَمْسِهِ وَقَذْفِهِ تَنَاوَلَهُ) التَّعَلُّقُ، (حَيًّا وَمَيِّتًا) أَمَّا فِي الرُّؤْيَةِ وَاللَّمْسِ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا فِي الْقَذْفِ فَلِأَنَّ قَذْفَ الْمَيِّتِ كَقَذْفِ الْحَيِّ فِي الْإِثْمِ وَالْحُكْمِ وَيَكْفِي رُؤْيَةُ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَنِ أَوْ لَمْسُهُ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، وَلَا يَكْفِي لَمْسُ الشَّعْرِ وَالظُّفُرِ (بِخِلَافِ ضَرْبِهِ) إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ التَّعْلِيقُ مَيِّتًا لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي التَّعْلِيقِ بِالضَّرْبِ التَّشْوِيشُ وَالْمَيِّتُ، لَا يُحِسُّ بِالضَّرْبِ حَتَّى يَتَشَوَّشَ بِهِ (وَلَوْ خَاطَبَتْهُ) زَوْجَتُهُ (بِمَكْرُوهٍ كَيَا سَفِيهُ يَا خَسِيسُ فَقَالَ إنْ كُنْت كَذَاك) أَيْ سَفِيهًا أَوْ خَسِيسًا (فَأَنْت طَالِقٌ إنْ أَرَادَ مُكَافَأَتَهَا بِإِسْمَاعِ مَا تَكْرَهُ طَلُقَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفَهٌ) أَوْ خِسَّةٌ (أَوْ التَّعْلِيقُ اُعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ) فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً لَمْ تَطْلُقْ (وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ) شَيْئًا تُعْتَبَرُ الصِّفَةُ (فِي الْأَصَحِّ) نَظَرًا لِوَضْعِ اللَّفْظِ فَلَا تَطْلُقُ عِنْدَ عَدَمِهَا، وَالثَّانِي لَا تُعْتَبَرُ الصِّفَةُ بَلْ يُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ نَظَرًا إلَى الْعُرْفِ فِي قَصْدِ الْمُكَافَأَةِ بِمَا ذَكَرَ (وَالسَّفَهُ مُنَافِي إطْلَاقَ التَّصَرُّفِ) أَيْ هُوَ صِفَةٌ لَا يَكُونُ لِلشَّخْصِ مَعَهَا مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ، كَأَنْ يَبْلُغَ مُبَذِّرًا يُضَيِّعُ الْمَالَ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ الْجَائِزِ، (وَالْخَسِيسُ قِيلَ مَنْ بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَاهُ) بِأَنْ تَرَكَ دِينَهُ لِاشْتِغَالِهِ بِدُنْيَاهُ (وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مَنْ يَتَعَاطَى غَيْرَ لَائِقٍ بِهِ بُخْلًا) بِمَا يَلِيقُ بِهِ.

. كتاب الرجعة:

هِيَ الرَّدُّ إلَى النِّكَاحِ مِنْ طَلَاقٍ غَيْرِ بَائِنٍ فِي الْعِدَّةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي: (شَرْطُ الْمُرْتَجِعِ أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ بِنَفْسِهِ) بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا، عَاقِلًا، فَلَا يَصِحُّ رَجْعَةُ مُرْتَدٍّ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ (وَلَوْ طَلَّقَ فَجُنَّ فَلِلْوَلِيِّ الرَّجْعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ حَيْثُ لَهُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ) بِأَنْ يَحْتَاجَ الْمَجْنُونُ إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي الرَّجْعَةِ فَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ كَالتَّوْكِيلِ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ يُسْتَبَاحُ بِهِ مُحَرَّمٌ (وَتَحْصُلُ) الرَّجْعَةُ (بِ رَاجَعْتُكِ وَرَجَّعْتُكِ وَارْتَجَعْتُكِ) وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ صَرِيحَةٌ وَيُسْتَحَبُّ الْإِضَافَةُ مَعَهَا كَأَنْ يَقُولَ: رَاجَعْتُكِ إلَيَّ، أَوْ إلَى نِكَاحِي (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرَّدَّ وَالْإِمْسَاكَ) كَقَوْلِهِ: رَدَدْتُكِ، أَوْ مَسَكْتُكِ (صَرِيحَانِ) أَيْضًا لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ، قَالَ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} أَيْ فِي الْعِدَّةِ {إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا} أَيْ رَجْعَةً كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}. وَالثَّانِي أَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ يُحْتَاجُ مَعَهُمَا إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَتَكَرَّرْ فِي الْقُرْآنِ، وَالثَّانِيَ يَحْتَمِلُ الْإِمْسَاكَ فِي الْبَيْتِ، أَوْ بِالْيَدِ (وَأَنَّ التَّزْوِيجَ وَالنِّكَاحَ) كَقَوْلِهِ: تَزَوَّجْتُكِ، أَوْ نَكَحْتُكِ (كِنَايَتَانِ) وَالثَّانِي: هُمَا صَرِيحَانِ، لِأَنَّهُمَا صَالِحَانِ لِابْتِدَاءِ الْحِلِّ، فَلَأَنْ يَصْلُحَا لِلتَّدَارُكِ أَوْلَى وَدُفِعَ هَذَا بِأَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ لَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي غَيْرِهِ كَالطَّلَاقِ (وَلْيَقُلْ: رَدَدْتُهَا إلَيَّ، أَوْ إلَى نِكَاحٍ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّدَّ صَرِيحٌ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِنِيَّةٍ. وَقِيلَ: لَا تُشْتَرَطُ الْإِضَافَةُ الْمَذْكُورَةُ كَمَا فِي لَفْظِ الرَّجْعَةِ. وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ لَفْظَ الرَّجْعَةِ مَشْهُورٌ فِي مَعْنَاهَا بِخِلَافِ لَفْظِ الرَّدِّ الْمُطْلَقِ لِإِيهَامِهِ الْمَعْنَى الْمُقَابِلَ لِلْقَبُولِ أَوْ الرَّدِّ إلَى الْأَبَوَيْنِ بِسَبَبِ الْفِرَاقِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ خِلَافُ اشْتِرَاطِ الْإِضَافَةِ فِي لَفْظِ الْإِمْسَاكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ صَرِيحٌ. وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: أَمْسَكْتُكِ عَلَى زَوْجِيَّتِي مَعَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الِاشْتِرَاطِ فِي لَفْظِ الرَّدِّ وَتَبِعَهُ فِي النِّيَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَأَفْهَمَ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي الِاشْتِرَاطُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ (وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الْإِشْهَادُ) فِي الرَّجْعَةِ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ السَّابِقِ، وَالْقَدِيمُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَيْضًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَيْضًا لَا لِكَوْنِهَا بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، بَلْ الظَّاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} أَيْ عَلَى الْإِمْسَاكِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الرَّجْعَةِ، وَعَلَى الْمُفَارَقَةِ. وَأُجِيبَ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} لِلْأَمْنِ مِنْ الْجُحُودِ (فَتَصِحُّ بِكِنَايَةٍ) بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، وَلَا تَصِحُّ بِهَا مَعَ النِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى الِاشْتِرَاطِ، لِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى النِّيَّةِ.
(فَرْعٌ): تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ: إنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ لَمْ تَصِحَّ بِغَيْرِهَا، وَإِلَّا صَحَّتْ بِهَا. (وَلَا تُقْبَلُ) الرَّجْعَةُ (تَعْلِيقًا) كَالنِّكَاحِ فَإِذَا قَالَ: رَاجَعْتُكِ إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ: شِئْت لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ (وَلَا تَحْصُلُ بِفِعْلٍ كَوَطْءٍ) وَمُقَدِّمَاتِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ حُرِّمَ بِالطَّلَاقِ كَمَا سَيَأْتِي. وَمَقْصُودُ الرَّجْعَةِ حِلُّهُ فَلَا تَحْصُلُ بِهِ (وَتَخْتَصُّ الرَّجْعَةُ بِمَوْطُوءَةٍ طَلُقَتْ بِلَا عِوَضٍ لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ طَلَاقِهَا بَاقِيَةً فِي الْعِدَّةِ) بِخِلَافِ مَنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ، أَوْ بَعْدَهُ بِعِوَضٍ، أَوْ بِدُونِهِ وَاسْتُوْفِيَ عَدَدُ طَلَاقِهَا، أَوْ لَمْ يُسْتَوْفَ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ فِيمَا ذُكِرَ، وَبِخِلَافِ مَنْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا لِاخْتِصَاصِ الرَّجْعَةِ بِالطَّلَاقِ (مَحَلٌّ لِحِلٍّ لَا مُرْتَدَّةٌ) فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَحَلِّهِ، فَلَوْ ارْتَدَّتْ الرَّجْعِيَّةُ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَصِحَّ رَجْعَتُهَا، لِأَنَّهَا آيِلَةٌ إلَى الْفِرَاقِ بِالرِّدَّةِ حَتَّى لَوْ رَاجَعَهَا، ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِ الرَّجْعَةِ.
(وَإِذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ عِدَّةِ أَشْهُرٍ) كَأَنْ تَكُونَ آيِسَةً (وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) لِرُجُوعِ ذَلِكَ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِ طَلَاقِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ (أَوْ وَضْعَ حَمْلٍ لِمُدَّةِ إمْكَانٍ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ لَا آيِسَةٌ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُهَا بِيَمِينٍ) لِأَنَّ النِّسَاءَ مُؤْتَمَنَاتٌ عَلَى أَرْحَامِهِنَّ، وَالثَّانِي لَا وَتُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ لِإِمْكَانِهَا، فَإِنَّ الْقَوَابِلَ تَشْهَدْنَ الْوِلَادَةَ غَالِبًا أَمَّا الْآيِسَةُ مِنْ الْحَيْضِ فَلَا تُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْوَضْعِ، لِأَنَّهَا لَا تَحْبَلُ. وَأَمَّا مُدَّةُ الْإِمْكَانِ فَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ (وَإِنْ ادَّعَتْ وِلَادَةَ) وَلَدٍ (تَامٍّ فَإِمْكَانُهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَانِ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ) لَحْظَةٌ لِلْوَطْءِ وَلَحْظَةٌ لِلْوِلَادَةِ (أَوْ) وِلَادَةَ (سَقْطٍ مُصَوَّرٍ ادَّعَتْ الْمُعْتَدَّةُ فَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ (أَوْ) وِلَادَةَ (مُضْغَةٍ بِلَا صُورَةٍ فَثَمَانُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَقْسَامُ الْحَمْلِ الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ عَلَى خِلَافٍ فِي الثَّالِثِ يَأْتِي فِي بَابِهَا فَإِنْ ادَّعَتْ الْوَضْعَ فِي أَيِّ قِسْمٍ لِأَقَلَّ مِمَّا ذُكِرَ فِيهِ لَمْ تُصَدَّقْ وَكَانَ لِلزَّوْجِ رَجْعَتُهَا وَقَوْلُهُ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ بِنَاءٌ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ إمْكَانِ اجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ وَقْتَ النِّكَاحِ، وَفِي غَيْرِ الْغَالِبِ كَالْمَشْرِقِيِّ مَعَ الْمَغْرِبِيَّةِ تَكُونُ الْمُدَدُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ حِينِ إمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ وَدَلِيلُ الْمُدَّةِ الْأُولَى - أَيْ اعْتِبَارِ مُدَّةِ الْحَمْلِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ - قَوْله تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} مَعَ قَوْلِهِ {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} وَدَلِيلُ الْمُدَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ» إلَى آخِرِهِ. (أَوْ) ادَّعَتْ (انْقِضَاءَ أَقْرَاءٍ فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً وَطَلُقَتْ فِي طُهْرٍ فَأَقَلُّ الْإِمْكَانِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) وَذَلِكَ بِأَنْ تَطْلُقَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الطُّهْرِ لَحْظَةٌ ثُمَّ تَحِيضَ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَطْهُرَ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَحِيضَ وَتَطْهُرَ كَذَلِكَ ثُمَّ تَطْعَنَ فِي الْحَيْضِ لَحْظَةً وَهَذِهِ اللَّحْظَةُ لِاسْتِبَانَةِ الْقَرْءِ الثَّالِثِ، وَلَيْسَتْ مِنْ نَفْسِ الْعِدَّةِ، وَقِيلَ: هِيَ مِنْهَا حَتَّى تَصِحَّ الرَّجْعَةُ فِيهَا وَاللَّحْظَةُ الْأُولَى قِيلَ: لَا تُعْتَبَرُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ إنَّ الْقَرْءَ الِانْتِقَالُ مِنْ طُهْرٍ إلَى دَمٍ وَيُصَوَّرُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا إذَا عَلَّقَ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ طُهْرِهَا (أَوْ فِي حَيْضٍ فَسَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ) وَذَلِكَ بِأَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيْضِ ثُمَّ تَطْهُرَ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَحِيضَ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمًا، وَلَيْلَةً، ثُمَّ تَطْهُرَ وَتَحِيضَ كَذَلِكَ، ثُمَّ تَطْهُرَ أَقَلَّ الطُّهْرِ ثُمَّ تَطْعَنَ فِي الْحَيْضِ لَحْظَةً وَهَذِهِ اللَّحْظَةُ لِلِاسْتِبَانَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا حَاجَةَ هُنَا إلَى لَحْظَةٍ فِي الْأَوَّلِ. (أَوْ أَمَةً وَطَلُقَتْ فِي طُهْرٍ فَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) وَذَلِكَ بِأَنْ يُطَلِّقَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الطُّهْرِ لَحْظَةٌ ثُمَّ تَحِيضَ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَتَطْهُرَ أَقَلَّ الطُّهْرِ ثُمَّ تَطْعَنَ فِي الْحَيْضِ لَحْظَةً لِاسْتِبَانَةِ الْقَرْءِ الثَّانِي وَهُوَ تَمَامُ عِدَّةِ الْأَمَةِ، وَقِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى اللَّحْظَةِ فِي الْأَوَّلِ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) فِي (حَيْضٍ فَأَحَدٌ وَثَلَاثُونَ) يَوْمًا (وَلَحْظَةٌ) وَذَلِكَ بِأَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيْضِ ثُمَّ تَطْهُرَ أَقَلَّ الطُّهْرِ وَتَحِيضَ أَقَلَّ الْحَيْضِ، ثُمَّ تَطْهُرَ أَقَلَّ الطُّهْرِ، ثُمَّ تَطْعَنَ فِي الْحَيْضِ لَحْظَةً.
(تَنْبِيهٌ): قَوْلُهُ فِي طُهْرِ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْ مَسْبُوقٌ بِحَيْضٍ، أَمَّا مَنْ ابْتَدَأَهَا الْحَيْضُ بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَأَقَلُّ الْإِمْكَانِ فِيهَا - حُرَّةً - ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ - وَأَمَةً - اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ بِنَاءً فِيهِمَا عَلَى الرَّاجِحِ أَنَّ الْقَرْءَ الطُّهْرُ الْمُحْتَوِشُ بِدَمَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَرْجُوحِ، فَالْحُكْمُ كَحُكْمِ مَنْ حَاضَتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(وَتُصَدَّقُ) الْمَرْأَةُ فِي ادِّعَاءِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِأَقَلِّ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ بِيَمِينِهَا (إنْ لَمْ تُخَالِفْ) فِيمَا ادَّعَتْهُ (عَادَةً) لَهَا (دَائِرَةً وَكَذَا إنْ خَالَفَتْ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَتَغَيَّرُ، وَالثَّانِي لَا تُصَدَّقُ لِلتُّهْمَةِ (وَلَوْ وَطِئَ) الزَّوْجُ (رَجْعِيَّةً وَاسْتَأْنَفَتْ الْأَقْرَاءَ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ رَاجَعَ فِيمَا كَانَ بَقِيَ) مِنْ أَقْرَاءِ الطَّلَاقِ دُونَ مَا يُزَادُ عَلَيْهَا لِلْوَطْءِ. (وَيُحَرَّمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا) أَيْ بِالرَّجْعِيَّةِ بِوَطْءٍ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهَا مُفَارَقَةٌ كَالْبَائِنِ (فَإِنْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ) وَإِنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي حِلِّهِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ بِحِلِّهِ لِحُصُولِ الرَّجْعَةِ بِهِ عِنْدَهُ (وَلَا يُعَزَّرُ إلَّا مُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ) بِخِلَافِ مُعْتَقِدِ حِلِّهِ وَالْجَاهِلِ بِتَحْرِيمِهِ (وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يُرَاجِعْ وَكَذَا إنْ رَاجَعَ عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ فِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ مِنْ نَصِّهِ، فِيمَا إذَا ارْتَدَّتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَهْرٌ، وَخُرِّجَ قَوْلٌ بِوُجُوبِهِ مِنْ النَّصِّ فِي وَطْءِ الرَّجْعِيَّةِ وَالرَّاجِحُ تَقْرِيرُ النَّصِّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَثَرَ الرِّدَّةِ يَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ، وَأَثَرَ الطَّلَاقِ لَا يَرْتَفِعُ بِالرَّجْعَةِ، وَالْحِلُّ بَعْدَهَا كَالْمُسْتَفَادِ بِعَقْدٍ آخَرَ.
(وَيَصِحُّ إيلَاءٌ وَظِهَارٌ وَطَلَاقٌ وَلِعَانٌ) مِنْ الرَّجْعِيَّةِ لِبَقَاءِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا بِمِلْكِ الرَّجْعَةِ (وَيَتَوَارَثَانِ) أَيْ الزَّوْجُ وَالرَّجْعِيَّةُ لِبَقَاءِ آثَارِ الزَّوْجِيَّةِ فِيهَا بِصِحَّةِ مَا ذُكِرَ، وَتَقَدَّمَ مَسْأَلَتَا التَّوَارُثِ وَالطَّلَاقِ فِي بَابِهِ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَى الْمَسَائِلِ الْبَاقِيَةِ فِي أَبْوَابِهَا وَالْغَرَضُ مِنْ جَمْعِهِمْ الْخَمْسَ هُنَا الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ فِي خَمْسِ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ آيَاتِ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ، وَسَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ وُجُوبُ نَفَقَتِهَا.
(وَإِذَا ادَّعَى وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ رَجْعَةً فِيهَا فَأَنْكَرَتْ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الِانْقِضَاءِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: رَاجَعْت يَوْمَ الْخَمِيسِ فَقَالَتْ: بَلْ السَّبْتِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا) أَنَّهَا لَا تَعْلَمُهُ رَاجَعَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّجْعَةِ إلَى يَوْمِ السَّبْتِ (أَوْ عَلَى وَقْتِ الرَّجْعَةِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَالَتْ: انْقَضَتْ الْخَمِيسَ، وَقَالَ: السَّبْتَ؛ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) أَنَّهَا مَا انْقَضَتْ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْقِضَائِهَا إلَى يَوْمِ السَّبْتِ (وَإِنْ تَنَازَعَا فِي السَّبْقِ بِلَا اتِّفَاقٍ) بِأَنْ اقْتَصَرَ الزَّوْجُ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ سَابِقَةٌ، وَالزَّوْجَةُ عَلَى أَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ سَابِقٌ (فَالْأَصْلُ تَرْجِيحُ سَبْقِ الدَّعْوَى فَإِنْ ادَّعَتْ الِانْقِضَاءَ، ثُمَّ ادَّعَى رَجْعَةً قَبْلَهُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا) أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ قَبْلَ الرَّجْعَةِ وَسَقَطَتْ دَعْوَى الزَّوْجِ. (أَوْ ادَّعَاهَا) أَيْ الرَّجْعَةَ (قَبْلَ انْقِضَاءِ) الْعِدَّةِ (فَقَالَتْ: بَعْدَهُ؛ صُدِّقَ) بِيَمِينِهِ أَنَّهُ رَاجَعَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا (قُلْت: فَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرِهِ وَأَسْقَطَ النَّوَوِيُّ الْعَزْوَ مِنْ الرَّوْضَةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَصْدِيقُهَا مُطْلَقًا وَالثَّالِثُ تَصْدِيقُهُ.
(وَمَتَى ادَّعَاهَا) أَيْ الرَّجْعَةَ (وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ) وَأَنْكَرَ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى إنْشَائِهَا وَقِيلَ: هِيَ الْمُصَدَّقَةُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّجْعَةِ، فَإِنْ أَرَادَهَا أَنْشَأَهَا (وَمَتَى أَنْكَرَتْهَا وَصُدِّقَتْ) كَمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ اعْتَرَفَتْ) بِهَا (قُبِلَ اعْتِرَافُهَا) كَمَنْ أَنْكَرَ حَقًّا وَحَلَفَ عَلَيْهِ، ثُمَّ اعْتَرَفَ بِهِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ حَقُّ الزَّوْجِ. (وَإِذَا طَلَّقَ دُونَ ثَلَاثٍ، وَقَالَ: وَطِئْت فَلِي رَجْعَةٌ، وَأَنْكَرَتْ) وَطْأَهُ (صُدِّقَتْ بِيَمِينٍ) أَنَّهُ مَا وَطِئَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ (وَهُوَ مُقِرٌّ لَهَا بِالْمَهْرِ فَإِنْ قَبَضَتْهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ) بِشَيْءٍ مِنْهُ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ (وَإِلَّا فَلَا تُطَالِبُهُ إلَّا بِنِصْفٍ) مِنْهُ عَمَلًا بِإِنْكَارِهَا، وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَهُ الْيَمِينَ فِي بَعْضِ صُوَرِ التَّصْدِيقِ لِلْعِلْمِ بِوُجُوبِهِ مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ.

. كتاب الإيلاء:

(هُوَ حَلِفُ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ) بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا (لَيَمْتَنِعَنَّ عَنْ وَطْئِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (مُطْلَقًا أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) كَأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ، أَوْ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ فَيُمْهَلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ يُطَالَبَ بِالْوَطْءِ، أَوْ الطَّلَاقِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} الْآيَةَ وَيَصِحُّ إيلَاءُ الْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ وَالْمَرِيضِ كَغَيْرِهِمْ، وَإِيلَاءُ السَّكْرَانِ كَطَلَاقِهِ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَتَقَدَّمَ صِحَّةُ الْإِيلَاءِ مِنْ الرَّجْعِيَّةِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ، وَسَيَأْتِي ضَرْبُ الْمُدَّةِ مِنْ الرَّجْعَةِ وَيَصِحُّ الْإِيلَاءُ مِنْ الْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ وَالْمَرِيضَةِ وَالصَّغِيرَةِ (وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ بَلْ لَوْ عَلَّقَ بِهِ) أَيْ بِالْوَطْءِ (طَلَاقًا، أَوْ عِتْقًا) كَقَوْلِهِ إنْ وَطِئْتُكِ فَضَرَّتُكِ طَالِقٌ، أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ (أَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ عِتْقٌ كَانَ مُولِيًا) لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ الْوَطْءِ لِمَا عَلَّقَهُ بِهِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ الْتِزَامِ الْقُرْبَةِ كَمَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الْحَاكِمِينَ بِأَنَّ الْإِيلَاءَ طَلَاقٌ وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ الْحُكْمَ دُونَ الصِّفَةِ بِقَوْلِهِ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} الْآيَةَ.
(وَلَوْ حَلَفَ أَجْنَبِيٌّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَطْءِ كَأَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ (فَيَمِينٌ مَحْضَةٌ) أَيْ خَالِيَةٌ عَنْ الْإِيلَاءِ (فَإِنْ نَكَحَهَا فَلَا إيلَاءَ) بِحَلِفِهِ الْمَذْكُورِ فَلَا تُضْرَبُ لَهُ مُدَّةٌ وَيَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ قَبْلَ النِّكَاحِ، أَوْ بَعْدَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى (وَلَوْ آلَى مِنْ رَتْقَاءَ، أَوْ قَرْنَاءَ، أَوْ آلَى مَجْبُوبٌ) أَيْ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ كُلِّهِ (لَمْ يَصِحَّ) هَذَا الْإِيلَاءُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْغَرَضُ فِي الْإِيلَاءِ مِنْ قَصْدِ إيذَاءِ الزَّوْجَةِ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهَا لِامْتِنَاعِهِ فِي نَفْسِهِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَصِحُّ لِعُمُومِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ، وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي وَعَلَى الصِّحَّةِ لَا تُضْرَبُ مُدَّةٌ لِلرَّتْقَاءِ. أَوْ الْقَرْنَاءِ، لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ جِهَتِهَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَفَائِدَةُ الصِّحَّةِ التَّأْثِيمُ فَقَطْ، وَمَنْ جُبَّ بَعْضُ ذَكَرِهِ وَبَقِيَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ يَصِحُّ إيلَاؤُهُ وَلَوْ بَقِيَ دُونَ قَدْرِهَا فَكَجَبِّ جَمِيعِهِ وَالْخَصِيُّ يَصِحُّ إيلَاؤُهُ، وَمَنْ جُبَّ ذَكَرُهُ بَعْدَ الْإِيلَاءِ لَا يَبْطُلُ إيلَاؤُهُ عَلَى الرَّاجِحِ.
(وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَهَكَذَا مِرَارًا فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ الْإِيلَاءِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِمُوجَبِهِ فِي ذَلِكَ؛ إذْ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يُمْكِنُ الْمُطَالَبَةُ بِمُوجَبِ الْيَمِينِ الْأُولَى لِانْحِلَالِهَا، وَلَا بِمُوجَبِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْضِ مُدَّةُ الْمُهْلَةِ مِنْ وَقْتِ انْعِقَادِهَا، وَبَعْدَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الثَّانِيَةِ يُقَالُ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ حَلِفِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ مُولٍ بِمَا قَالَهُ لِإِضْرَارِهَا بِهِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ بِهِ عَنْ وَطْئِهَا حَذَرًا مِنْ الْحِنْثِ، وَفَائِدَةُ الْإِيلَاءِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَأْثَمُ بِهِ إثْمَ الْمُولِي وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يَأْثَمُ إثْمَ الْإِيذَاءِ، أَوْ لَا يَأْثَمُ أَصْلًا لِعَدَمِ الْإِيلَاءِ ؟ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الرَّاجِحُ تَأْثِيمُهُ.
(وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ سَنَةً)، بِالنُّونِ (فَإِيلَاءَانِ لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (حُكْمُهُ) فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ بِمُوجَبِ الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَيْئَةِ، أَوْ الطَّلَاقِ فَإِنْ طَالَبَتْهُ فِيهِ وَفَاءً خَرَجَ عَنْ مُوجَبِهِ، وَبِانْقِضَاءِ الشَّهْرِ الْخَامِسِ تَدْخُلُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ الثَّانِي فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْهَا بِمُوجَبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ أَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةَ فِي الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ حَتَّى مَضَى الشَّهْرُ الْخَامِسُ مِنْهُ. فَلَا تُطَالِبُهُ بِهِ لِانْحِلَالِهِ وَكَذَا إذَا أَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةَ فِي الثَّانِي حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ (وَلَوْ قَيَّدَ) الِامْتِنَاعَ مِنْ الْوَطْءِ (بِمُسْتَبْعَدِ الْحُصُولِ فِي الْأَرْبَعَةِ) الْأَشْهُرِ (كَنُزُولِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَوْ خُرُوجِ الدَّجَّالِ كَأَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوْ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ (فَمُولٍ) لِظَنِّ تَأَخُّرِ حُصُولِ الْمُقَيَّدِ بِهِ عَنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ (وَإِنْ ظَنَّ حُصُولَهُ قَبْلَهَا) أَيْ حُصُولَ الْمُقَيَّدِ بِهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ كَأَنْ قَالَ فِي وَقْتِ غَلَبَةِ الْأَمْطَارِ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى تَجِيءَ الْأَمْطَارُ (فَلَا) أَيْ فَلَيْسَ بِمُولٍ لِلظَّنِّ الْمَذْكُورِ وَهُوَ عَاقِدٌ يَمِينًا (وَكَذَا لَوْ شَكَّ) فِي حُصُولِ الْمُقَيَّدِ بِهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّهَا لَا يَكُونُ مُولِيًا (فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ ظَنِّ التَّأَخُّرِ عَنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَتَّى لَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا لَا تُطَالِبُهُ لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ قَصْدِ الْإِضْرَارِ أَوَّلًا، وَالثَّانِي هُوَ مُولٍ حَيْثُ تَأَخَّرَ الْمُقَيَّدُ بِهِ عَنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَلَهَا مُطَالَبَتُهُ لِحُصُولِ الضَّرَرِ لِمَا فِي ذَلِكَ.
(وَلَفْظُهُ) أَيْ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْإِيلَاءِ لِإِفَادَةِ مَعْنَى الْوَطْءِ (صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ فَمِنْ صَرِيحِهِ تَغْيِيبُ ذَكَرٍ بِفَرْجٍ، وَوَطْءٌ، وَجِمَاعٌ، وَافْتِضَاضُ بِكْرٍ) كَأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا أُغَيِّبُ ذَكَرِي بِفَرْجِكِ، أَوْ لَا أَطَؤُكِ، أَوْ لَا أُجَامِعُكِ، أَوْ لَا أَفْتَضُّكِ وَهِيَ بِكْرٌ لِاشْتِهَارِ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْوَطْءِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِالْوَطْءِ الْوَطْءَ بِالْقَدَمِ، وَبِالْجِمَاعِ الِاجْتِمَاعَ وَبِالِافْتِضَاضِ الِافْتِضَاضَ بِغَيْرِ الذَّكَرِ لَمْ يُقْبَلْ فِي الظَّاهِرِ وَيُدَيَّنُ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَكَذَا فِي الثَّالِثِ عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَفِي الْكِفَايَةِ فِي الثَّالِثِ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْأَصَحِّ وَتَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ كَتَغْيِيبِ الذَّكَرِ. (وَالْجَدِيدُ أَنَّ مُلَامَسَةً وَمُبَاضَعَةً وَمُبَاشَرَةً وَإِتْيَانًا وَغِشْيَانًا وَقُرْبَانًا وَنَحْوَهَا) كَالْمَسِّ وَالْإِفْضَاءِ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَمَسُّكِ، أَوْ لَا أُفْضِي إلَيْكِ (كِنَايَاتٌ) مُفْتَقِرَةٌ إلَى نِيَّةِ الْوَطْءِ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهَا فِيهِ وَالْقَدِيمُ أَنَّهَا صَرَائِحُ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِيهِ.
(وَلَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ) كَأَنْ مَاتَ أَوْ أَعْتَقَهُ، أَوْ بَاعَهُ، أَوْ وَهَبَهُ (زَالَ الْإِيلَاءُ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ فَلَوْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَمْ يَعُدْ الْإِيلَاءُ وَفِيهِ قَوْلُ عَوْدِ الْحِنْثِ (وَلَوْ قَالَ:) إنْ وَطِئْتُكِ (فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي وَكَانَ ظَاهَرَ فَمُولٍ) لِأَنَّهُ، وَإِنْ لَزِمَهُ عِتْقٌ عَنْ الظِّهَارِ فَعِتْقُ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَتَعْجِيلُ عِتْقِهِ زِيَادَةٌ عَلَى مُوجَبِ الظِّهَارِ الْتَزَمَهَا بِالْوَطْءِ، فَلِلْوَاطِئِ عَلَى مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، أَوْ بَعْدَهَا عِتْقُ الْعَبْدِ عَنْ ظِهَارِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ لَا يُعْتِقُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ يَتَأَذَّى بِهِ حَقُّ الْحِنْثِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهَرَ (فَلَا ظِهَارَ وَلَا إيلَاءَ بَاطِنًا وَيُحْكَمُ بِهِمَا ظَاهِرًا) لِإِقْرَارِهِ بِالظِّهَارِ، وَإِذَا وَطِئَ عَتَقَ الْعَبْدُ عَنْ الظِّهَارِ فِي الْأَصَحِّ.
(وَلَوْ قَالَ) إنْ وَطِئْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ (عَنْ ظِهَارِي إنْ ظَاهَرْتُ فَلَيْسَ بِمُولٍ حَتَّى يُظَاهِرَ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الظِّهَارِ لِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالظِّهَارِ مَعَ الْوَطْءِ فَإِذَا ظَاهَرَ صَارَ مُولِيًا، وَإِذَا وَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا عَتَقَ الْعَبْدُ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَلَا يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الظِّهَارِ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُفِيدَ لَهُ سَبَقَ الظِّهَارَ، وَالْعِتْقُ إنَّمَا يَقَعُ عَنْ الظِّهَارِ بِلَفْظٍ يُوجَدُ بَعْدَهُ (أَوْ) لَوْ قَالَ (إنْ وَطِئْتُكِ فَضَرَّتُكِ طَالِقٌ فَمُولٍ) مِنْ الْمُخَاطَبَةِ (فَإِنْ وَطِئَ) فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، أَوْ بَعْدَهَا (طَلُقَتْ الضَّرَّةُ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (وَزَالَ الْإِيلَاءُ) لِانْحِلَالِهِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْحَالِ) لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا أَطَأُ جَمِيعَكُنَّ فَلَا يَحْنَثُ بِوَطْءِ ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ (فَإِنْ جَامَعَ ثَلَاثًا) مِنْهُنَّ (فَمُولٍ مِنْ الرَّابِعَةِ) لِحُصُولِ الْحِنْثِ بِوَطْئِهَا (فَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُنَّ قَبْلَ وَطْءٍ زَالَ الْإِيلَاءُ) لِانْحِلَالِهِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ بِوَطْءِ مَنْ بَقِيَ وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ أَنَّهُ مُولٍ مِنْ الْأَرْبَعِ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ بِوَصْفِ وَاحِدَةٍ يَقْرُبُ مِنْ الْحِنْثِ الْمَحْذُورِ، وَالْقُرْبُ مِنْ الْمَحْذُورِ مَحْذُورٌ فَتُضْرَبُ لَهُنَّ الْمُدَّةُ وَلِكُلٍّ مِنْهُنَّ الْمُطَالَبَةُ بَعْدَهَا.
(وَلَوْ قَالَ) لِأَرْبَعٍ وَاَللَّهِ (لَا أُجَامِعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ فَمُولٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُنَّ فِي الْحَالِ لِحُصُولِ الْحِنْثِ بِوَطْءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ. (وَلَوْ قَالَ) وَاَللَّهِ (لَا أُجَامِعُكِ إلَى سَنَةٍ إلَّا مَرَّةً فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْحَالِ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ مَرَّةً شَيْءٌ لِاسْتِثْنَائِهَا (فَإِنْ وَطِئَ وَ) قَدْ (بَقِيَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ السَّنَةِ (أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَمُولٍ) مِنْ يَوْمِئِذٍ لِحُصُولِ الْحِنْثِ بِالْوَطْءِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ بَقِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، أَوْ أَقَلُّ فَهُوَ حَالِفٌ وَلَيْسَ بِمُولٍ، وَالثَّانِي هُوَ مُولٍ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ بِالْوَطْءِ مَرَّةً يَقْرُبُ مِنْ الْحِنْثِ فَتُضْرَبُ الْمُدَّةُ وَتُطَالِبُهُ بَعْدَهَا، فَإِنْ وَطِئَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، ثُمَّ تُضْرَبُ الْمُدَّةُ ثَانِيًا إنْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ.
(فَصْلٌ. يُمْهَلُ الْمُولِي (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) فِي زَوْجَةٍ (مِنْ الْإِيلَاءِ بِلَا قَاضٍ وَفِي رَجْعِيَّةٍ مِنْ الرَّجْعَةِ) لَا مِنْ الْإِيلَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَبِينَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحْتَجْ فِي الْإِمْهَالِ إلَى قَاضٍ لِثُبُوتِهِ بِالْآيَةِ السَّابِقَةِ، بِخِلَافِ الْعُنَّةِ، لِأَنَّهَا مُجْتَهَدٌ فِيهَا وَقَوْلُهُ مِنْ الْإِيلَاءِ أَيْ فِي الْمُطِيقَةِ لِلْوَطْءِ أَمَّا غَيْرُهَا كَصَغِيرَةٍ أَوْ مَرِيضَةٍ فَمِنْ حِينِ إطَاقَةِ الْوَطْءِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي (وَلَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا بَعْدَ دُخُولِ الْمُدَّةِ انْقَطَعَتْ) لِأَنَّ النِّكَاحَ يَخْتَلُّ بِالرِّدَّةِ فَلَا يُحْسَبُ زَمَنُهَا مِنْ الْمُدَّةِ إذَا أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ (فَإِذَا أَسْلَمَ اُسْتُؤْنِفَتْ) فَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا مَا مَضَى قَبْلَ الرِّدَّةِ، لِأَنَّ الْإِضْرَارَ إنَّمَا تَحَصَّلَ بِالِامْتِنَاعِ الْمُتَوَالِي فِي نِكَاحٍ سَلِيمٍ (وَمَا مَنَعَ الْوَفَاءَ وَلَمْ يُخِلَّ بِنِكَاحٍ إنْ وُجِدَ فِيهِ) أَيْ فِي الزَّوْجِ (لَمْ يَمْنَعْ الْمُدَّةَ كَصَوْمٍ، وَإِحْرَامٍ وَمَرَضٍ وَجُنُونٍ) أَيْ يُحْسَبُ زَمَنُهُ مِنْ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ قَارَنَهَا أَمْ حَدَثَ فِيهَا (أَوْ) وُجِدَ (فِيهَا) أَيْ فِي الزَّوْجَةِ (وَهُوَ حِسِّيٌّ كَصِغَرٍ وَمَرَضٍ مَنَعَ) الْمُدَّةَ فَلَا يُبْتَدَأُ بِهَا حَتَّى يَزُولَ (وَإِنْ حَدَثَ فِي الْمُدَّةِ) كَنُشُوزٍ (قَطَعَهَا) لِامْتِنَاعِ الْوَطْءِ مَعَهُ (فَإِذَا زَالَ) أَيْ الْحَادِثُ (اُسْتُؤْنِفَتْ)، وَلَا تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى لِانْتِفَاءِ التَّوَالِي الْمُعْتَبَرِ فِي حُصُولِ الْإِضْرَارِ (وَقِيلَ: تَبْنِي) عَلَيْهِ (أَوْ شَرْعِيٌّ كَحَيْضٍ وَصَوْمِ نَفْلٍ فَلَا) يَمْنَعُ الْمُدَّةَ أَيْ يُحْسَبُ زَمَنُهُ مِنْهَا، لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ حَيْضٍ غَالِبًا، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ فِي صَوْمِ النَّفْلِ مِنْ تَحْلِيلِهَا وَوَطْئِهَا (وَيَمْنَعُ فَرْضٌ فِي الْأَصَحِّ) لِامْتِنَاعِ الْوَطْءِ مَعَهُ، وَقِيلَ: لَا يَمْنَعُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ لَيْلًا، وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ وَقِيلَ لَا لِنُدْرَتِهِ.
(فَإِنْ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ) فَظَاهِرٌ أَنَّ الْإِيلَاءَ انْحَلَّ وَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْ فِيهَا، (فَلَهَا مُطَالَبَتُهُ) بَعْدَهَا (بِأَنْ يَفِيءَ) أَيْ يَرْجِعَ إلَى الْوَطْءِ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْهُ بِالْإِيلَاءِ (أَوْ يُطَلِّقَ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ وَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ مُطَالَبَتُهُ، لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ حَقُّهَا وَيُنْتَظَرُ بُلُوغُ الْمُرَاهِقَةِ وَلَا يُطَالِبُ لَهَا وَلِيُّهَا لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ تَرَكَتْ حَقَّهَا) بِأَنْ لَمْ تُطَالِبْهُ (فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ التَّرْكِ لِتَجَدُّدِ الضَّرَرِ. (وَتَحْصُلُ الْفَيْئَةُ بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ بِقُبُلٍ) وَلَا يَكْفِي فِي الدُّبُرِ لِأَنَّهُ مَعَ حُرْمَتِهِ لَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ (وَلَا مُطَالَبَةَ إنْ كَانَ بِهَا مَانِعُ وَطْءٍ كَحَيْضٍ وَمَرَضٍ) لِامْتِنَاعِ الْوَطْءِ الْمَطْلُوبِ حِينَئِذٍ، (وَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ فِي الزَّوْجِ (مَانِعٌ طَبِيعِيٌّ) مِنْ الْوَطْءِ (كَمَرَضٍ طُولِبَ بِأَنْ يَقُولَ: إذَا قَدَرَتْ فِئْتُ) لِأَنَّهُ يَخِفُّ بِهِ الْأَذَى (أَوْ شَرْعِيٌّ كَإِحْرَامٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُطَالَبُ بِطَلَاقٍ) لِأَنَّهُ الَّذِي يُمْكِنُهُ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ (فَإِنْ عَصَى بِوَطْءٍ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ) وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِالطَّلَاقِ بِخُصُوصِهِ، وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ: إنْ فِئْتَ عَصَيْتَ وَأَفْسَدْتَ عِبَادَتَك، وَإِنْ لَمْ تَفِئْ طَلُقَتَا عَلَيْك كَمَنْ غَصَبَ دَجَاجَةً وَلُؤْلُؤَةً فَابْتَلَعَتْهَا يُقَالُ لَهُ: إنْ ذَبَحْتَهَا غَرِمْتَهَا، وَإِلَّا غَرِمْتَ اللُّؤْلُؤَةَ. (وَإِنْ أَبَى الْفَيْئَةَ وَالطَّلَاقَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ طَلْقَةً) نِيَابَةً عَنْهُ وَالثَّانِي: لَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْآيَةِ مُضَافٌ إلَيْهِ بَلْ يَحْبِسُهُ، أَوْ يُعَزِّرُهُ لِيَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ (وَأَنَّهُ لَا يُمْهَلُ ثَلَاثَةً) لِيَفِيءَ، أَوْ يُطَلِّقَ فِيهَا لِزِيَادَةِ الضَّرَرِ بِهَا عَلَى الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَالثَّانِي يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِقُرْبِهَا وَقَدْ يَنْشَطُ فِيهَا لِلْوَطْءِ (وَأَنَّهُ إذَا وَطِئَ بَعْدَ مُطَالَبَةٍ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) لِحِنْثِهِ وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أَيْ يَغْفِرُ الْحِنْثَ بِأَنْ لَا يُؤَاخِذَ بِكَفَّارَتِهِ لِدَفْعِهِ ضَرَرَ الزَّوْجَةِ، وَلَوْ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ قِيلَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ قَطْعًا، لِأَنَّهُ حَنِثَ بِاخْتِيَارِهِ وَقِيلَ فِيهِ الْخِلَافُ بِأَنَّهُ بَادَرَ إلَى مَا يُطْلَبُ مِنْهُ.

. كتاب الظهار:

هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الظَّهْرِ وَصُورَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَلْزَمَهُ كَفَّارَةٌ بِالْعَوْدِ، وَيُحَرَّمُ الْوَطْءُ قَبْلَهَا كَمَا سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} الْآيَةَ وَهُوَ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا} (يَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْأَجْنَبِيِّ حَتَّى إذَا نَكَحَهَا لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا بِمَا قَالَهُ وَتَقَدَّمَ صِحَّتُهُ مِنْ الرَّجْعِيَّةِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الرَّجْعَةَ عَوْدٌ (وَلَوْ ذِمِّيًّا وَخَصِيًّا) فَإِنَّهُ يَصِحُّ الظِّهَارُ مِنْهُمَا وَيَصِحُّ أَيْضًا مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَجْبُوبِ (وَظِهَارُ سَكْرَانَ كَطَلَاقِهِ) فَيَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَيَصِحُّ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ وَالرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ وَالْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ.
(وَصَرِيحُهُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ، أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي، أَوْ عِنْدِي كَظَهْرِ أُمِّي) أَيْ فِي التَّحْرِيمِ (وَكَذَا أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي صَرِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ يُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ أَنَّ الْمَعْنَى (أَنْتِ عَلَيَّ)، وَالثَّانِي: إنَّهُ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنْتِ عَلَى غَيْرِي (وَقَوْلُهُ: جِسْمُكِ، أَوْ بَدَنُكِ أَوْ نَفْسُكِ كَبَدَنِ أُمِّي، أَوْ جِسْمِهَا أَوْ جُمْلَتِهَا صَرِيحٌ) لِتَضَمُّنِهِ لِلظَّهْرِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ) أَنْتِ عَلَيَّ (كَيَدِهَا أَوْ بَطْنِهَا، أَوْ صَدْرِهَا ظِهَارٌ) كَقَوْلِهِ كَظَهْرِهَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صُورَةِ الظِّهَارِ الْمَعْهُودَةِ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الْحَاكِمِينَ بِأَنَّهُ طَلَاقٌ، وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ الْحُكْمَ دُونَ الصُّورَةِ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ} الْآيَةَ. (وَكَذَا) قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ (كَعَيْنِهَا إنْ قَصَدَ ظِهَارًا وَإِنْ قَصَدَ كَرَامَةً فَلَا) يَكُونُ ظِهَارًا (وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ) حَمْلًا عَلَى الْكَرَامَةِ، وَالثَّانِي يُحْمَلُ عَلَى الظِّهَارِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: رَأْسُكِ، أَوْ ظَهْرُكِ أَوْ يَدُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارٌ فِي الْأَظْهَرِ) الْمَنْعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صُورَةِ الظِّهَارِ الْمَعْهُودَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (وَالتَّشْبِيهُ بِالْجَدَّةِ) كَقَوْلِهِ: أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ جَدَّتِي (ظِهَارٌ) سَوَاءٌ أَرَادَ الْجَدَّةَ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَمْ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ.
(وَالْمَذْهَبُ طَرْدُهُ) أَيْ الْحُكْمِ بِالظِّهَارِ (فِي كُلِّ مَحْرَمٍ) يُشَبَّهُ بِهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ مُصَاهَرَةٍ (لَمْ يَطْرَأْ تَحْرِيمُهَا) عَلَى الْمُشَبَّهِ كَأُخْتِهِ وَبِنْتِهِ مِنْ النَّسَبِ وَمُرْضِعَةِ أَبِيهِ، أَوْ أُمِّهِ وَزَوْجَةِ أَبِيهِ الَّتِي نَكَحَهَا قَبْلَ وِلَادَتِهِ (لَا مُرْضِعَةٍ وَزَوْجَةِ ابْنٍ) لَهُ لِطُرُوِّ تَحْرِيمِهِمَا عَلَيْهِ، وَكَذَا أُمُّ زَوْجَتِهِ وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ فِي مَحْرَمِ النَّسَبِ قَوْلٌ قَدِيمٌ إنَّ التَّشْبِيهَ بِهَا لَيْسَ بِظِهَارٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صُورَتِهِ الْمَعْهُودَةِ، وَفِي مَحْرَمِ الرَّضَاعِ قَوْلٌ وَقِيلَ وَجْهٌ مُفَرَّعٌ مَعَ مُقَابِلِهِ عَلَى الْجَدِيدِ فِي مَحْرَمِ النَّسَبِ أَنَّ التَّشْبِيهَ بِهَا لَيْسَ بِظِهَارٍ، لِأَنَّ الرَّضَاعَ لَا يَقْوَى قُوَّةَ النَّسَبِ لِانْتِفَاءِ بَعْضِ أَحْكَامِ النَّسَبِ عَنْهُ كَالْوِلَايَةِ وَالْإِرْثِ وَالنَّفَقَةِ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ، بِإِنَّهُ ظِهَارٌ، وَمَنْ طَرَأَ تَحْرِيمُهَا بِالرَّضَاعِ قَطَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِهَا لَيْسَ بِظِهَارٍ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ فِيهِ الْخِلَافَ وَمَحْرَمُ الْمُصَاهَرَةِ كَمَحْرَمِ الرَّضَاعِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِيهَا، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِهَا لَيْسَ بِظِهَارٍ أَصْلًا لِبُعْدِ الْمُصَاهَرَةِ عَنْ النَّسَبِ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ لِتَأْثِيرِهِ فِي إنْبَاتِ اللَّحْمِ، وَلِذَلِكَ يَتَعَدَّى التَّحْرِيمُ فِيهَا إلَى الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ وَلَا يَتَعَدَّى فِي الْمُصَاهَرَةِ مِنْ حَلِيلَةِ الْأَبِ وَالِابْنِ إلَى أُمَّهَاتِهِمَا وَأَوْلَادِهِمَا. (وَلَوْ شَبَّهَ) زَوْجَتَهُ (بِأَجْنَبِيَّةٍ وَمُطَلَّقَةٍ وَأُخْتِ زَوْجَةٍ وَبِأَبٍ وَمُلَاعِنَةٍ فَلَغْوٌ) لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ لَا يُشْبِهْنَ الْأُمَّ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ، وَالْأَبُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الرِّجَالِ كَالِابْنِ وَالْغُلَامِ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاسْتِمْتَاعِ، وَالْمُلَاعِنَةُ لَيْسَ تَحْرِيمُهَا الْمُؤَبَّدُ لِلْمَحْرَمِيَّةِ وَالْوَصْلَةِ.
(وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ إنْ ظَاهَرْتُ مِنْ زَوْجَتِي الْأُخْرَى فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَظَاهَرَ) مِنْ الْأُخْرَى (صَارَ مُظَاهِرًا مِنْهُمَا) وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَدَخَلَتْهَا صَارَ مُظَاهِرًا مِنْهَا عَمَلًا بِمُوجَبِ التَّعْلِيقِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الطَّلَاقَ لِتَعَلُّقِ الْحُرْمَةِ بِهِ وَالْيَمِينَ لِتَعَلُّقِ الْكَفَّارَةِ بِهِ وَكُلٌّ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ قَابِلٌ لِلتَّعْلِيقِ (وَلَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْتُ مِنْ فُلَانَةَ) فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (وَفُلَانَةُ أَجْنَبِيَّةٌ فَخَاطَبَهَا بِظِهَارٍ لَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ) لِانْتِفَاءِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ شَرْعًا (إلَّا أَنْ يُرِيدَ اللَّفْظَ) أَيْ إنْ تَلَفَّظَ بِالظِّهَارِ مِنْهَا فَيَصِيرُ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. (فَلَوْ نَكَحَهَا وَظَاهَرَ مِنْهَا صَارَ مُظَاهِرًا) مِنْ زَوْجَتِهِ تِلْكَ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (وَلَوْ قَالَ:) إنْ ظَاهَرْت (مِنْ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ) فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (فَكَذَلِكَ) أَيْ إنْ خَاطَبَهَا بِالظِّهَارِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا لَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ اللَّفْظَ، أَوْ بَعْدَ نِكَاحِهَا صَارَ مُظَاهِرًا (وَقِيلَ: لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا وَإِنْ نَكَحَهَا وَظَاهَرَ) مِنْهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَجْنَبِيَّةٍ حِينَ الظِّهَارِ فَلَمْ يُوجَدْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَدُفِعَ هَذَا بِأَنَّ ذِكْرَ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلِاشْتِرَاطِ (وَلَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْتُ مِنْهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ) فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَخَاطَبَهَا بِظِهَارٍ قَبْلَ النِّكَاحِ، أَوْ بَعْدَهُ (فَلَغْوٌ) أَيْ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ مَا عَلَّقَ بِهِ ظِهَارَهَا مِنْ ظِهَارِ فُلَانَةَ، حَالَ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً وَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِلَفْظِ الظِّهَارِ فَيُجَامِعُ الْأَجْنَبِيَّةَ.
(وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَلَمْ يَنْوِ) بِهِ شَيْئًا (أَوْ نَوَى) بِهِ (الطَّلَاقَ أَوْ الظِّهَارَ، أَوْ هُمَا، أَوْ الظِّهَارَ بِأَنْتِ طَالِقٌ وَالطَّلَاقَ بِكَظَهْرِ أُمِّي طَلُقَتْ وَلَا ظِهَارَ) أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلِإِتْيَانِهِ بِصَرِيحِ لَفْظِهِ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ الظِّهَارِ فِي الْأُولَيَيْنِ فَلِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ لَفْظِهِ مَعَ عَدَمِ نِيَّتِهِ، وَأَمَّا فِي الْبَاقِي فَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ بِلَفْظِهِ، وَلَفْظُ الطَّلَاقِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى الظِّهَارِ وَعَكْسُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ (أَوْ الطَّلَاقَ بِأَنْتِ طَالِقٌ وَالظِّهَارَ بِالْبَاقِي طَلُقَتْ وَحَصَلَ الظِّهَارُ إنْ كَانَ طَلَاقَ رَجْعَةٍ) وَقَامَتْ نِيَّتُهُ بِالْبَاقِي مَقَامَ أَنْ يَقُولَ فِيهِ: أَنْتِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فَلَا ظِهَارَ.
(فَصْلٌ): يَجِبُ (عَلَى الْمُظَاهِرِ كَفَّارَةٌ إذَا عَادَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} الْآيَةَ (وَهُوَ) أَيْ الْعَوْدُ (أَنْ يُمْسِكَهَا بَعْدَ ظِهَارِهِ زَمَنَ إمْكَانِ فُرْقَةٍ) لِأَنَّ الْعَوْدَ لِلْقَوْلِ مُخَالَفَتُهُ يُقَالُ: قَالَ فُلَانٌ قَوْلًا، ثُمَّ عَادَ لَهُ، وَعَادَ فِيهِ أَيْ خَالَفَهُ وَنَقَضَهُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَادَ فِي هِبَتِهِ وَمَقْصُودُ الظِّهَارِ وَصْفُ الْمَرْأَةِ بِالتَّحْرِيمِ، وَإِمْسَاكُهَا يُخَالِفُهُ وَهَلْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ أَوْ بِالظِّهَارِ، وَالْعَوْدُ شَرْطٌ فِيهِ ؟ وَجْهَانِ وَمَنْ قَالَ تَجِبُ بِالْعَوْدِ اقْتَصَرَ عَلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.
(فَلَوْ اتَّصَلَتْ بِهِ) أَيْ بِالظِّهَارِ (فُرْقَةٌ بِمَوْتٍ، أَوْ فَسْخٍ) مِنْ أَحَدِهِمَا بِمُقْتَضِيهِ (أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ، أَوْ رَجْعِيٍّ لَمْ يُرَاجِعْ أَوْ جُنَّ) الزَّوْجُ عَقِبَهُ (فَلَا عَوْدَ) لِتَعَذُّرِ الْفِرَاقِ فِي الْأَخِيرِ وَفَوَاتِ الْإِمْسَاكِ فِي الْأَوَّلِ وَانْتِفَائِهِ فِي غَيْرِهِمَا (وَكَذَا لَوْ مَلَكَهَا) بِأَنْ كَانَتْ رَقِيقَةً (أَوْ لَاعَنَهَا) عَقِبَ الظِّهَارِ فَلَا عَوْدَ (فِي الْأَصَحِّ) لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالْمِلْكِ وَاللِّعَانِ وَقِيلَ هُوَ عَائِدٌ فِي الْأُولَى لِأَنَّهُ نَقَلَهَا مِنْ حِلٍّ إلَى حِلٍّ وَذَلِكَ إمْسَاكٌ لَهَا وَقِيلَ هُوَ عَائِدٌ فِي الثَّانِيَةِ لِتَطْوِيلِهِ بِكَلِمَاتِ اللِّعَانِ مَعَ إمْكَانِ الْفُرْقَةِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ: (بِشَرْطِ سَبْقِ الْقَذْفِ ظِهَارَهُ فِي الْأَصَحِّ) وَكَذَا سَبْقُ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي، قَالَهُ الْبَغَوِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَأَصْلِ الرَّوْضَةِ لِمَا فِي تَأْخِيرِهِ ذَلِكَ عَنْ الظِّهَارِ مِنْ زِيَادَةِ التَّطْوِيلِ، وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ مَا ذُكِرَ حَتَّى لَوْ اتَّصَلَ مَعَ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ بِالظِّهَارِ لَمْ يَكُنْ عَائِدًا لِاشْتِغَالِهِ بِأَسْبَابِ الْفِرَاقِ. (وَلَوْ رَاجَعَ) مَنْ طَلَّقَهَا عَقِبَ الظِّهَارِ (أَوْ ارْتَدَّ مُتَّصِلًا) بِالظِّهَارِ بَعْدَ الدُّخُولِ (ثُمَّ أَسْلَمَ) فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ (فَالْمَذْهَبُ) بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَوْدِ الظِّهَارِ، وَأَحْكَامُهُ (أَنَّهُ عَائِدٌ بِالرَّجْعَةِ لَا بِالْإِسْلَامِ بَلْ بَعْدَهُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّجْعَةَ إمْسَاكٌ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ، وَالْإِسْلَامُ بَعْدَ الرِّدَّةِ تَبْدِيلٌ لِلدِّينِ الْبَاطِلِ بِالْحَقِّ، فَلَا يَحْصُلُ بِهِ إمْسَاكٌ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بَعْدَهُ وَقِيلَ هُوَ عَائِدٌ بِهِمَا، وَقِيلَ لَيْسَ بِعَائِدٍ بِهِمَا بَلْ بَعْدَهُمَا، وَأَصْلُ الْخِلَافِ قَوْلَانِ فِي الرَّجْعَةِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهَا عَوْدٌ وَوَجْهَانِ عَلَى هَذَا فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الرِّدَّةِ، أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْدٍ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْ الرَّجْعِيَّةِ، ثُمَّ رَاجَعَهَا فَهُوَ عَائِدٌ بِالرَّجْعَةِ أَيْضًا فِي الْأَظْهَرِ.
(وَلَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْعَوْدِ بِفُرْقَةٍ) سَوَاءٌ فُرْقَةُ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ وَالْفَسْخِ (وَيُحَرَّمُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَطْءٌ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ التَّكْفِيرَ قَبْلَ الْوَطْءِ حَيْثُ قَالَ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}، وَقَالَ {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}، وَيُقَدَّرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فِي الْإِطْعَامِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْوَاقِعَةِ (وَكَذَا الْمَسُّ وَنَحْوُهُ) كَالْقُبْلَةِ (بِشَهْوَةٍ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْعُو إلَى الْوَطْءِ وَيُفْضِي إلَيْهِ وَالتَّمَاسُّ فِي الْآيَةِ يَشْمَلُهُ. (قُلْت: الْأَظْهَرُ الْجَوَازُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَنَقَلَ فِي الشَّرْحَيْنِ تَرْجِيحَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَالتَّمَاسُّ فِي الْآيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَطْءِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} وَفِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ خِلَافُ الْحَائِضِ وَالْأَصَحُّ فِيهِ التَّحْرِيمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ.
(وَيَصِحُّ الظِّهَارُ الْمُؤَقَّتُ) كَقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً (مُؤَقَّتًا) أَيْ يَصِحُّ ظِهَارًا مُؤَقَّتًا عَمَلًا بِالتَّأْقِيتِ (وَفِي قَوْلٍ) يَصِحُّ ظِهَارًا (مُؤَبَّدًا) وَيَلْغُو التَّأْقِيتُ (وَفِي قَوْلٍ) هُوَ (لَغْوٌ) لِأَنَّهُ بِانْتِفَاءِ التَّأْبِيدِ فِيهِ كَالتَّشْبِيهِ بِمَنْ لَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ مُؤَبَّدًا (فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ أَنَّ عَوْدَهُ) أَيْ الْعَوْدَ فِيهِ (لَا يَحْصُلُ بِإِمْسَاكٍ بَلْ بِوَطْءٍ فِي الْمُدَّةِ) لِحُصُولِ الْمُخَالَفَةِ لِمَا قَالَهُ بِهِ دُونَ الْإِمْسَاكِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَنْتَظِرَ بِهِ الْحِلَّ بَعْدَ الْمُدَّةِ. (وَيَجِبُ النَّزْعُ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ) لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ، أَوْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَاسْتِمْرَارُ الْوَطْءِ وَطْءٌ، وَالْوَطْءُ الْأَوَّلُ جَائِزٌ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يُكَفِّرْ جَازَ الْوَطْءُ وَبَقِيَتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَطَأْ أَصْلًا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّ الْعَوْدَ فِي الْمُؤَقَّتِ يَحْصُلُ بِالْإِمْسَاكِ كَالْمُطْلَقِ، وَكَذَا إنْ قُلْنَا: الْمُؤَقَّتُ يَتَأَبَّدُ (وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَمُظَاهِرٌ مِنْهُنَّ فَإِنْ أَمْسَكَهُنَّ فَأَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ)، كَمَا لَوْ ظَاهَرَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ (وَفِي الْقَدِيمِ كَفَّارَةٌ) وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهُ ظِهَارٌ وَاحِدٌ (وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ فَعَائِدٌ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ)، لِإِمْسَاكِ كُلٍّ مِنْهُنَّ زَمَنَ ظِهَارِ مَنْ وَلِيَتْهَا فِيهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ الرَّابِعَةَ فَأَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ، وَإِلَّا فَثَلَاثٌ.
(وَلَوْ كَرَّرَ) لَفْظَ الظِّهَارِ (فِي امْرَأَةٍ مُتَّصِلًا وَقَصَدَ تَأْكِيدًا فَظِهَارٌ وَاحِدٌ) فَإِنْ أَمْسَكَهَا فَكَفَّارَةٌ وَإِنْ فَارَقَهَا عَقِبَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ لِأَنَّهُ بِالِاشْتِغَالِ بِالتَّأْكِيدِ عَائِدٌ وَدُفِعَ بِأَنَّ الْكَلِمَاتِ الْمُكَرَّرَةَ لِلتَّأْكِيدِ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْحُكْمِ (أَوْ اسْتِئْنَافًا فَالْأَظْهَرُ) التَّعَدُّدُ (لِلظِّهَارِ بَعْدَ) الْمُسْتَأْنَفِ، وَالثَّانِي لَا يَتَعَدَّدُ (وَ) الْأَظْهَرُ عَلَى التَّعَدُّدِ (أَنَّهُ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَائِدٌ فِي) الظِّهَارِ (الْأَوَّلِ) لِلْإِمْسَاكِ زَمَنَهَا وَالثَّانِي لَا يَكُونُ عَائِدًا بِهَا لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ فَمَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْجِنْسِ لَا يُجْعَلُ عَائِدًا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالتَّكْرَارِ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا فَالْأَظْهَرُ اتِّحَادُ الظِّهَارِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِقُوَّتِهِ بِإِزَالَتِهِ الْمِلْكَ وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ مُتَّصِلًا عَنْ الْمُنْفَصِلِ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّدُ الظِّهَارُ فِيهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ يَتَعَدَّدُ فِي قَصْدِ التَّأْكِيدِ أَيْ إعَادَةِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ.