فصل: الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يُحْدِثُ السَّارِقُ فِي السَّرِقَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ:

تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ، وَتُحْسَمُ، وَثَمَنُ الزَّيْتِ، وَكُلْفَةُ الْحَسْمِ عَلَى السَّارِقِ عِنْدَنَا، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا لَمْ يُقْطَعْ، وَخُلِّدَ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَيُعَزَّرُ أَيْضًا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ سِيَاسَةً لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ أَشَلَّ الْيَدِ الْيُسْرَى، أَوْ أَقْطَعَ، أَوْ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ إبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً، أَوْ شَلَّاءَ، أَوْ الْإِصْبَعَانِ مِنْهَا سِوَى الْإِبْهَامِ، وَإِنْ كَانَتْ أُصْبُعٌ وَاحِدٌ سِوَى الْإِبْهَامِ مَقْطُوعَةً، أَوْ شَلَّاءَ قُطِعَ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ يُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَإِذَا كَانَ لِلسَّارِقِ كَفَّانِ فِي مِعْصَمٍ، وَاحِدٍ قَالَ بَعْضُهُمْ تُقْطَعَانِ جَمِيعًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ تَمَيَّزَتْ الْأَصْلِيَّةُ، وَأَمْكَنَ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَطْعِهَا لَمْ تُقْطَعْ الزَّائِدَةُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ قُطِعَتَا جَمِيعًا، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فَإِنْ كَانَ يَبْطِشُ بِإِحْدَاهُمَا قُطِعَتْ الْبَاطِشَةُ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ وَإِنْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيَمِينُ مَقْطُوعَةَ الْأَصَابِعِ فَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ، وَالْمَشْيَ عَلَيْهَا قُطِعَتْ يَدُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَيْهَا لَمْ تُقْطَعْ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَمَنْ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ فَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى قُطِعَ قَاطِعُ يَمِينِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَعَلَى قَاطِعِهِ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ، وَالْأَرْشُ فِي الْخَطَأِ، وَتُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي السَّرِقَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْخُصُومَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَكَذَا الْجَوَابُ إلَّا أَنَّهُ لَا تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاطِعِ، وَنَابَ قَطْعُهُ عَنْ السَّرِقَةِ حَتَّى لَا يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى السَّارِقِ فِيمَا اسْتَهْلَكَ مِنْ مَالِ السَّرِقَةِ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
وَإِنْ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ الْيُمْنَى، وَلَكِنْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى بِسَبَبِ السَّرِقَةِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ، وَلَوْ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَلَكِنْ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ بِسَبَبِ السَّرِقَةِ فَإِنْ لَمْ تُقْطَعْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى، وَلَكِنْ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلْجَلَّادِ اقْطَعْ يَمِينَ هَذَا السَّارِقِ فِي سَرِقَةٍ سَرَقَهَا فَقَطَعَ يَسَارَهُ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَطَعَ يَسَارَهُ عَمْدًا، وَلَوْ قَطَعَهُ خَطَأً لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا سَوَاءٌ أَخْطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ بِأَنْ اجْتَهَدَ وَقَالَ: الْيَدُ مُطْلَقٌ فِي النَّصِّ فَقَطَعَ الْيُسْرَى، أَوْ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ، وَالْيَسَارِ هُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَلَوْ قَالَ لَهُ: اقْطَعْ يَدَ هَذَا فَقَطَعَ الْيَسَارَ لَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ أَنَّ السَّارِقَ أَخْرَجَ يَسَارَهُ، وَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي فَقَطَعَهَا لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهَا يَسَارُهُ بِالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَلَوْ قَطَعَ غَيْرُ الْجَلَّادِ يَسَارَهُ لَا يَضْمَنُ أَيْضًا وَهُوَ الصَّحِيحُ هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَإِنْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَكِنْ يُؤَدِّبُهُ عَلَى ذَلِكَ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِنْ قَطَعَ الْجَلَّادُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ضَمِنَ الْجَلَّادُ دِيَتَهَا، وَضَمِنَ السَّارِقُ السَّرِقَةَ، وَإِنْ قَطَعَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى ضَمِنَ الْجَلَّادُ دِيَتَهَا، وَقُطِعَتْ مِنْ السَّارِقِ يَدُهُ الْيُمْنَى، وَإِنْ قَطَعَ يَدَيْهِ جَمِيعًا صَارَتْ الْيُمْنَى بِالسَّرِقَةِ، وَضَمِنَ الْجَلَّادُ لِلسَّارِقِ يَدَهُ الْيُسْرَى، كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ، وَرِجْلَيْهِ ضَمِنَ الْيُسْرَى، وَالرِّجْلَيْنِ، وَلَوْ كَانَتْ يَمِينُ السَّارِقِ مَعْدُومَةً قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، كَذَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ.
وَإِذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ بِشُهُودٍ فِي السَّرِقَةِ ثُمَّ انْفَلَتَ، أَوْ لَمْ يَكُنْ حُكِمَ عَلَيْهِ حَتَّى انْفَلَتَ فَأُخِذَ بَعْدَ زَمَانٍ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ اتَّبَعَهُ الشُّرَطُ فَأَخَذُوهُ مِنْ سَاعَتِهِ قُطِعَتْ يَدُهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ سَرَقَ مِنْ رَجُلَيْنِ لَمْ يُقْطَعْ بِغَيْبَةِ أَحَدِهِمَا، كَذَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ.
رَجُلٌ سَرَقَ مِنْ جُوزَجَانِيَّاتٍ فَرُفِعَ إلَى قَاضِي بَلْخٍ فَلَهُ أَنْ يَقْطَعَهُ فَإِنْ غَلَبَ رَجُلٌ عَلَى جُوزَجَانِيَّاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ مِنْ جِهَةِ وَالِي خُرَاسَانَ لَمْ يَكُنْ لِقَاضِي بَلْخٍ أَنْ يُقِيمَ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ سَرَقَ فِي خُوَارِزْمَ فَرُفِعَ إلَى قَاضِي بُخَارَى، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ، وَالْحَرِّ الشَّدِيدِ الَّذِي يُتَخَوَّفُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ إنْ قُطِعَ حُبِسَ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْحَرُّ، وَالْبَرْدُ، وَإِذَا كَانَ لَا يُتَخَوَّفُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ إنْ قُطِعَ لَمْ يُؤَخَّرْ، وَإِنْ حُبِسَ إلَى فُتُورِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فَمَاتَ فِي السِّجْنِ فَضَمَانُ الْمَسْرُوقِ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَيُطَالِبَ بِالسَّرِقَةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَقْطَعُهُ، وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي زَادِ الْفُقَهَاءِ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ، وَالْإِقْرَارِ عِنْدَنَا، وَكَذَا إنْ غَابَ عِنْدَ الْقَطْعِ عِنْدَنَا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَلِلْمُسْتَوْدِعِ، وَالْغَاصِبِ، وَصَاحِبِ الرِّبَا، وَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمُضَارِبِ، وَالْمُسْتَبْضِعِ، وَالْقَابِضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَالْمُرْتَهِنِ، وَكُلِّ مَنْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ سِوَى الْمَالِكِ كَالْأَبِ، وَالْوَصِيِّ أَنْ يَقْطَعُوا السُّرَّاقَ مِنْهُمْ، وَيُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ فِي السَّرِقَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، كَذَا فِي الْكَافِي.
إنْ قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ فَسُرِقَتْ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَلَا لِرَبِّ السَّرِقَةِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ الثَّانِيَ، وَلِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ فِي رِوَايَةٍ، وَلَوْ سَرَقَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ الْأَوَّلُ، أَوْ بَعْدَ مَا دُرِئَ الْحَدُّ بِشُبْهَةٍ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْأَوَّلِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ قَالَ سَأَلْت مُحَمَّدًا- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- عَنْ رَجُلٍ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ إنَّ رَجُلًا آخَرَ لَهُ عَلَى هَذَا الْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ غَصَبَ الْأَلْفَ الْمَسْرُوقَ مِنْ السَّارِقِ قَالَ أَدْرَأُ الْقَطْعَ عَنْ السَّارِقِ الْأَوَّلِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
مَنْ سَرَقَ سَرِقَةً، وَرَدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ قَبْلَ الِارْتِقَاءِ إلَى الْحَاكِمِ لَمْ يُقْطَعْ فَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْقَضَاءِ يُقْطَعُ، وَقَبْلَ الْقَضَاءِ يُقْطَعُ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ رَدَّهُ عَلَى وَلَدِهِ، أَوْ ذِي رَحِمِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ يُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ لَا يُقْطَعُ، وَكَذَا لَوْ رَدَّ عَلَى امْرَأَتِهِ، أَوْ عَبْدِهِ، أَوْ أَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً، أَوْ مُسَانَهَةً، وَلَوْ دَفَعَ إلَى، وَالِدِهِ، أَوْ جَدِّهِ، أَوْ، وَالِدَتِهِ، أَوْ جَدَّتِهِ وَلَيْسُوا فِي عِيَالِهِ لَا يُقْطَعُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى عِيَالِ هَؤُلَاءِ يُقْطَعُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى مُكَاتَبِهِ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ مُكَاتَبٍ، وَرَدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ لَا يُقْطَعُ، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْعِيَالِ، وَرَدَّ إلَى مَنْ يَعُولُهُمْ لَا يُقْطَعُ، كَذَا فِي الْكَافِي.
إذَا قُضِيَ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ فَوَهَبَهَا لَهُ الْمَالِكُ، وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ لَا يُقْطَعُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ رَجُلٌ، وَضَمِنَ الْغَاصِبُ سَقَطَ الْقَطْعُ، كَذَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ.
وَيُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ يَوْمَ السَّرِقَةِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَكَذَلِكَ يَوْمُ الْقَطْعِ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ السَّرِقَةِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَانْتَقَصَ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ لِنُقْصَانِ الْعَيْنِ يُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ لِنُقْصَانِ السِّعْرِ لَا يُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إنْ كَانَ مَأْذُونًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَالْمَالُ يُرَدُّ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ مَوْلَاهُ، أَوْ كَذَّبَهُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا وَالْمَالُ قَائِمٌ إنْ صَدَّقَهُ مَوْلَاهُ يُقْطَعُ وَيُرَدُّ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ مَوْلَاهُ فَقَالَ الدَّرَاهِمُ مَالِي فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- الْقَطْعُ وَالرَّدُّ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ هَالِكًا صَحَّ إقْرَارُهُ بِالْحَدِّ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ مَوْلَاهُ، أَوْ كَذَّبَهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرًا، وَقْتَ الْإِقْرَارِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ أَصْلًا لَكِنَّهُ إذَا كَانَ مَأْذُونًا يَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى يَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا أَمَّا إذَا كَانَ هَالِكًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَا فِي الْحَالِ، وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَا دُونَ عَشَرَةٍ لَمْ يُقْطَعْ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا صَحَّ إقْرَارُهُ، وَيَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا يَضْمَنُ صَغِيرًا كَانَ، أَوْ كَبِيرًا، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا إنْ صَدَّقَهُ مَوْلَاهُ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَالْمَالُ لِلْمَوْلَى، وَيَضْمَنُ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَ كَبِيرًا، وَقْتَ الْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
إذَا قُطِعَ السَّارِقُ، وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ رُدَّتْ عَلَى صَاحِبِهَا لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَمْ يَضْمَنْهَا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً فِي الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الضَّمَانِ، وَالْقَطْعِ عِنْدَنَا، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَطْعِ، وَإِنْ كَانَ الْهَلَاكُ، وَالِاسْتِهْلَاكُ قَبْلَ قَطْعِ يَدِهِ إنْ قَالَ الْمَالِكُ أَنَا أَضْمَنُهُ لَا يُقْطَعُ عِنْدَنَا، وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَخْتَارُ الْقَطْعَ يُقْطَعُ، وَلَا ضَمَانَ عِنْدَنَا هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ قُطِعَتْ يَمِينُ السَّارِقِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ غَيْرُهُ كَانَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَهْلِكَ قِيمَتَهُ، وَلَوْ، أَوْدَعَهُ السَّارِقُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
وَإِذَا مَلَكَ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ مِنْ رَجُلٍ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَبْل الْقَطْعِ، أَوْ بَعْدَهُ فَتَمْلِيكُهُ بَاطِلٌ، وَيَرُدُّ الْمَسْرُوقَ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى السَّارِقِ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، أَوْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَا عَلَى السَّارِقِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي، أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ اسْتَهْلَكَهُ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى السَّارِقِ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ غَصَبَ إنْسَانٌ مِنْ السَّارِقِ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَا ضَمَانَ لِلسَّارِقِ وَلَا ضَمَانَ لِلْمَالِكِ أَيْضًا، كَذَا فِي الْإِيضَاحِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي رَجُلٍ سَرَقَ غَيْرَ مَرَّةٍ فَحُدَّ حَدًّا وَاحِدًا فَهُوَ لِذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ الْخَالِصَةَ لِلَّهِ تَعَالَى مَتَى اجْتَمَعَتْ تَدَاخَلَتْ إذَا كَانَ الْجِنْسُ، وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ الزَّجْرُ عَنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُقِيمَ الْحَدُّ مَرَّةً ثُمَّ سَرَقَ ثَانِيًا لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الزَّجْرَ لَمْ يَحْصُلْ بِالْأَوَّلِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ أَرْبَابُ السَّرِقَاتِ، وَخَاصَمُوا، وَأَثْبَتُوا عَلَيْهِ السَّرِقَاتِ لَا يَضْمَنُ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ السَّرِقَاتِ إذَا هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ فِي يَدِهِ، أَوْ اسْتَهْلَكَهَا، وَأَمَّا إذَا حَضَرَ، وَاحِدٌ مِنْهُمْ، أَوْ اثْنَانِ، وَخَاصَمَ، وَالْبَاقُونَ غُيَّبٌ فَقَطَعَ الْقَاضِي السَّارِقَ بِخُصُومَةِ الَّذِي حَضَرَ، ثُمَّ حَضَرَ الْبَاقُونَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَا يَضْمَنُ لَهُمْ شَيْئًا إذَا هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ عِنْدَهُ، أَوْ اسْتَهْلَكَهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- يَضْمَنُ قِيمَةَ سَرِقَاتِ الْغَائِبِينَ، وَلَا يَضْمَنُ لِمَنْ كَانَ حَاضِرًا، وَقْتَ الْخُصُومَةِ قِيمَةَ سَرِقَتِهِ إجْمَاعًا فَإِنْ كَانَتْ السَّرِقَاتُ قَائِمَةً رَدَّهَا الْإِمَامُ عَلَى أَرْبَابِهَا، وَالْقَطْعُ لَا يَمْنَعُ رَدَّ السَّرِقَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا سَرَقَ النَّصْبَ مِنْ وَاحِدٍ مِرَارًا فَخُوصِمَ فِي بَعْضِ النَّصْبِ لَا يَضْمَنُ بَاقِيَ النَّصْبَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- خِلَافًا لَهُمَا، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
وَلَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ، وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبٌ فَاجْتَهَدَ الْحَاكِمُ، وَقَطَعَ يَدَهُ فِيهَا لَا يَضْمَنُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ حَضَرَ فَصَدَّقَهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

.الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يُحْدِثُ السَّارِقُ فِي السَّرِقَةِ:

إذَا سَرَقَ ثَوْبًا فَشَقَّهُ فِي الدَّارِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ فَإِنْ كَانَ لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بَعْدَمَا شَقَّهُ لَمْ يُقْطَعْ بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَقَّهُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ فَانْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ مِنْ النِّصَابِ بِذَلِكَ، وَإِذَا شَقَّ فِي الْحِرْزِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ، وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةً فَإِنْ كَانَ هَذَا التَّعْيِيبُ يُمْكِنُ نُقْصَانًا يَسِيرًا فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا فَإِنْ اخْتَارَ رَبُّ الثَّوْبِ أَخْذَ الثَّوْبِ، وَتَضْمِينَ النُّقْصَانِ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ، وَسَلَّمَ لَهُ الثَّوْبَ فَلَا قَطْعَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَا يُقْطَعُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ، وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْيَسِيرَ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بَلْ تَعَيَّبَ بِهِ فَقَطْ، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَإِذَا كَانَ الشَّقُّ إتْلَافًا فَلَهُ تَضْمِينُ جَمِيعِ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ، وَيَمْلِكُ السَّارِقُ الثَّوْبَ، وَلَا يُقْطَعُ، وَحَدُّ الْإِتْلَافِ أَنْ يَنْقُصَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
إنْ سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ سَاوَتْ نِصَابًا بَعْدَ الذَّبْحِ لَكِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَإِنْ سَرَقَ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَصَنَعَهُ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ فِيهِ، وَيَرُدُّ الدَّرَاهِمَ، وَالدَّنَانِيرَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَقَالَ: لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهَا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اتَّخَذَهُ حُلِيًّا، أَوْ آنِيَةً، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَلَوْ سَرَقَ حَدِيدًا، أَوْ نُحَاسًا، أَوْ صُفْرًا، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَجَعَلَهُ أَوَانِي إنْ كَانَ بَعْدَ الصِّنَاعَةِ يُبَاعُ، وَزْنًا فَعَلَى الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ عَدَدًا يَكُونُ لِلسَّارِقِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا، وَخَاطَهُ يَكُونُ لَهُ بَعْدَ الْقَطْعِ، وَلَا ضَمَانَ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِوَجْهٍ مَا، وَيَضْمَنَ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، كَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ.
إذَا قُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ، وَقَدْ قَطَّعَ الثَّوْبَ قَمِيصًا، وَلَمْ يَخِطْهُ يُرَدُّ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
مَنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الثَّوْبُ، وَلَمْ يَضْمَنْ قِيمَةَ الثَّوْبِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- كَذَا فِي الْكَافِي، وَلَوْ صَبَغَهُ بَعْدَ الْقَطْعِ يَرُدَّهُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ، وَهَكَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ.
وَإِنْ صَبَغَهُ السَّارِقُ أَسْوَدَ ثُمَّ قُطِعَ، أَوْ قُطِعَ ثُمَّ صَبَغَهُ أَسْوَدَ يُؤْخَذُ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إذَا قُطِعَ السَّارِقُ وَقَدْ صَبَغَ الثَّوْبَ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ، أَوْ خَاطَهُ قَمِيصًا أَفْتَى: لِلسَّارِقِ أَنْ يَبِيعَ الثَّوْبَ، وَيَأْخُذَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، وَيَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ، وَكَذَلِكَ يَبِيعُ الْقَمِيصَ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ قِيمَةَ خُيُوطِهِ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ، وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ يَأْخُذُ مِنْهَا مِقْدَارَ نَفَقَتِهِ عَلَيْهَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ دَرَاهِمَ فَسَبَكَهَا، أَوْ صَاغَهَا قَلْبًا كَانَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَهَا فَإِنْ كَانَتْ السَّرِقَةُ صُفْرًا فَجَعَلَهُ قُمْقُمَةً، أَوْ حَدِيدًا فَجَعَلَهُ دِرْعًا يَأْخُذُهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْعُرُوضِ، وَغَيْرِهَا إذَا كَانَ قَدْ غُيِّرَ عَنْ حَالِهِ فَإِنْ كَانَ التَّغْيِيرُ بِالنُّقْصَانِ فَلِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَإِنْ كَانَتْ السَّرِقَةُ شَاةً فَوَلَدَتْ أَخَذَهُمَا جَمِيعًا الْمَسْرُوقُ مِنْهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ سَرَقَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا تَكُونُ لِلسَّارِقِ بَعْدَ الْقَطْعِ، وَلَوْ سَرَقَ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ، أَوْ بِعَسَلٍ فَهُوَ مِثْلُ الِاخْتِلَافِ فِي الصَّبْغِ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
إذَا اجْتَمَعَ فِي يَدِهِ قَطْعٌ فِي السَّرِقَةِ، وَالْقِصَاصُ بُدِئَ بِالْقِصَاصِ، وَضَمِنَ السَّرِقَةَ فَإِنْ قَضَى بِالْقِصَاصِ فَعَفَا عَنْهُ صَاحِبُهُ، أَوْ صَالَحَهُ قُطِعَتْ يَدُهُ فِي السَّرِقَةِ، وَإِنْ لَمْ يُصَالِحْهُ حَتَّى مَضَى زَمَانٌ، وَهُمَا يَتَرَاضَيَانِ فِيهِ عَلَى الصُّلْحِ ثُمَّ صَالَحَهُ دَرَأْت الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ، وَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي الرِّجْلِ الْيُسْرَى بُدِئَ بِالْقِصَاصِ ثُمَّ حُبِسَ حَتَّى يَبْرَأَ ثُمَّ تُقْطَعَ يَدُهُ فِي السَّرِقَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي شَجَّةٍ فِي رَأْسِهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

.الْبَابُ الرَّابِعُ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ:

اعْلَمْ أَنَّ لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ الَّذِينَ لَهُمْ أَحْكَامٌ مَخْصُوصَةٌ شَرَائِطَ:
(إحْدَاهَا) أَنْ يَكُونَ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَمَنْعَةٌ بِحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ لِلْمَارَّةِ الْمُقَاوَمَةُ مَعَهُمْ، وَقَطَعُوا عَلَيْهِمْ الطَّرِيقَ سَوَاءٌ كَانَ بِالسِّلَاحِ، أَوْ بِالْعَصَا الْكَبِيرِ، أَوْ الْحَجَرِ، أَوْ غَيْرِهَا.
(وَالثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ خَارِجَ الْأَمْصَارِ بَعِيدًا عَنْهَا، وَفِي الْيَنَابِيعِ لَا يَكُونُ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ، وَلَا بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ، وَلَا بَيْنَ الْمَدِينَتَيْنِ، وَيَكُونُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَيَالِيهَا هَكَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَقَلُّ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ، أَوْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا أُجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
(وَالثَّالِثَةُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
(وَالرَّابِعَةُ) أَنْ يُوجَدَ جَمِيعُ مَا شُرِطَ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْقُطَّاعُ كُلُّهُمْ أَجَانِبَ فِي حَقِّ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْقَطْعِ.
(وَالْخَامِسَةُ) أَنْ يَظْفَرَ بِهِمْ الْإِمَامُ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَرَدِّ الْأَمْوَالِ إلَى أَرْبَابِهَا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
إذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعِينَ، أَوْ وَاحِدٌ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَقَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ فَأُخِذُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا مَالًا، وَيَقْتُلُوا نَفْسًا حَبَسَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يَتُوبُوا بَعْدَمَا يُعَزَّرُونَ، وَإِنْ أَخَذُوا مَعْصُومًا بِأَنْ يَكُونَ مَالَ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ وَالْمَأْخُوذُ إذَا قُسِمَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ أَصَابَ كُلُّ، وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا، أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ ذَلِكَ قَطَعَ الْإِمَامُ أَيْدِيَهُمْ، وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَلَوْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِينَ لَمْ يُحَدُّوا فَإِنْ قَتَلُوا، وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا قَتَلَهُمْ حَدًّا حَتَّى لَوْ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ عَنْهُمْ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى عَفْوِهِمْ، وَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ إنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ، وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ قَتَلَهُمْ، وَصَلَبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ، وَإِذَا أَرَادَ الصَّلْبَ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُصْلَبُ حَيًّا، وَيُبْعَجُ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ لِيَمُوتَ، وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَا يُصْلَبُ حَيًّا بَلْ يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَبِهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتْرَكُ مَصْلُوبًا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ، وَبَيْنَ أَهْلِهِ لِيُنْزِلُوهُ وَيَدْفِنُوهُ، كَذَا فِي الْكَافِي.
وَإِذَا قَتَلَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ، أَوْ قَطَعَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْمَالِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَكَذَا لَا يَضْمَنُ مَا قَتَلَ، وَمَا جَرَحَ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
إنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ، وَاحِدٌ مِنْهُمْ أُجْرِيَ الْحَدُّ عَلَى الْكُلِّ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ.
إنْ لَمْ يَقْتُلْ الْقَاطِعُ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا، وَقَدْ جَرَحَ اُقْتُصَّ مِنْهُ مِمَّا فِيهِ الْقِصَاصُ، وَأُخِذَ الْأَرْشُ مِمَّا فِيهِ الْأَرْشُ، وَذَلِكَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَإِنْ أَخَذُوا الْمَالَ، وَجَرَحُوا قُطِعُوا مِنْ خِلَافٍ، وَيَبْطُلُ حُكْمُ الْجِرَاحَاتِ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
وَإِنْ أَخَذَ بَعْدَ مَا تَابَ، وَقَدْ قَتَلَ عَمْدًا فَإِنْ شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ قَتَلُوهُ، وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ، وَيَجِبُ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ، أَوْ اسْتَهْلَكَهُ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
إنْ أَخَذُوا قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَقَدْ قَتَلُوا، أَوْ جَرَحُوا عَمْدًا، وَلَكِنَّ مَا أَخَذُوهُ مِنْ الْأَمْوَالِ شَيْءٌ تَافِهٌ، وَلَا يُصِيبُ كُلَّ، وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ فَالْأَمْرُ فِي الْقِصَاصِ بَيْنَ النَّفْسِ، وَغَيْرِهَا إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا اسْتَوْفَوْا، وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا غَيْرَهُ فَإِنْ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذُوا، وَضَمَانُهُ إنْ هَلَكَ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
وَإِذَا قَطَعَ الطَّرِيقَ، وَأَخَذَ الْمَالَ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ، وَأَقَامَ فِي أَهْلِهِ زَمَانًا لَمْ يُقِمْ الْإِمَامُ عَلَيْهِ الْحَدَّ اسْتِحْسَانًا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِنْ كَانَ مِنْ الْقُطَّاعِ صَبِيٌّ، أَوْ مَجْنُونٌ، أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ، كَذَا فِي الْكَافِي.
وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهِمْ أَخْرَسُ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى قَافِلَةٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا مُسْلِمُونَ، وَمُسْتَأْمَنُونَ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ وَأَخْذُ الْمَالِ، وَقَعَ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ خَاصَّةً فَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ الْحَدُّ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَإِذَا قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ الطَّرِيقَ عَلَى الْبَعْضِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
رَوَى إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي قَوْمٍ قَطَعُوا الطَّرِيقَ، وَقَتَلُوا ثُمَّ وَلَّوْا وَذَهَبُوا هَلْ يَتْبَعُونَهُمْ قَالَ إنْ كَانَ فِيهِمْ، وَلِيُّ الْقَتِيلِ فَلَهُمْ أَنْ يَتْبَعُوهُمْ، وَمَا لَا فَلَا، وَإِنْ أَخَذُوا مَتَاعًا لِرَجُلٍ فَلَهُمْ أَنْ يَتْبَعُوهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَتْبَعْهُمْ صَاحِبُ الْمَتَاعِ، وَإِنْ كَانَ الْمَتَاعُ مُسْتَهْلَكًا لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتْبَعُوهُمْ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِمْ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ عَبْدٌ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ، وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ اشْتَرَكَ النِّسَاءُ، وَالرِّجَالُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَلَوْ كَانَ مِنْهُمْ امْرَأَةٌ فَقَتَلَتْ، وَأَخَذَتْ الْمَالَ دُونَ الرِّجَالِ لَمْ تُقْتَلْ الْمَرْأَةُ وَقُتِلَ الرِّجَالُ هُوَ الْمُخْتَارُ.
عَشْرُ نِسْوَةٍ قَطَعْنَ الطَّرِيقَ، وَقَتَلْنَ، وَأَخَذْنَ الْمَالَ قُتِلْنَ، وَضَمِنَّ الْمَالَ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
يَثْبُتُ قَطْعُ الطَّرِيقِ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَيُقْبَلُ رُجُوعُ الْقَاطِعِ كَمَا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَيَسْقُطُ الْحَدُّ، وَيُؤْخَذُ بِالْمَالِ إنْ كَانَ أَقَرَّ بِهِ مَعَهُ، وَبِالْبَيِّنَةِ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَطْعِ، وَالْإِقْرَارِ فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْمُعَايَنَةِ، وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِمْ بِهِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالْقَطْعِ عَلَى أَبِي الشَّاهِدِ وَإِنْ عَلَا، وَابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَوْ قَالَا قَطَعُوا عَلَيْنَا، وَعَلَى أَصْحَابِنَا، وَأَخَذُوا مَالَنَا لَا يُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ قَطَعُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ، وَلَهُ وَلِيٌّ يَعْرِفُ أَوْ لَا يَعْرِفُ لَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِمْ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ، وَلَوْ قَطَعُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى تُجَّارٍ مُسْتَأْمَنِينَ، أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي مَوْضِعٍ غَلَبَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْبَغْيِ ثُمَّ أَتَى بِهِمْ إلَى الْإِمَامِ لَا يُمْضَى عَلَيْهِمْ الْحَدُّ، وَلَوْ رُفِعُوا إلَى قَاضٍ يَرَى تَضْمِينَهُمْ الْمَالَ فَضَمَّنَهُمْ، وَسَلَّمَهُمْ إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَوَدِ فَصَالَحُوهُمْ عَلَى الدِّيَاتِ ثُمَّ رُفِعُوا بَعْدَ زَمَانٍ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِمْ الْحَدَّ، وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ، وَحَبَسَهُمْ لِذَلِكَ فَذَهَبَ أَجْنَبِيٌّ فَقَتَلَهُمْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَإِذَا قَتَلَهُ رَجُلٌ فِي حَبْسِ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِمَا صَنَعَ فَعَلَى قَاتِلِهِ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ هُوَ، وَلِيُّ الْمَقْتُولِ الَّذِي قَتَلَهُ هَذَا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
لَوْ أَنَّ لُصُوصًا أَخَذُوا مَتَاعَ قَوْمٍ فَاسْتَغَاثُوا بِقَوْمٍ، وَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِمْ إنْ كَانَ أَرْبَابُ الْمَتَاعِ مَعَهُمْ حَلَّ قَتْلُهُمْ، وَكَذَا إذَا غَابُوا وَالْخَارِجُونَ يَعْرِفُونَ مَكَانَهُمْ وَيَقْدِرُونَ عَلَى رَدِّ الْمَتَاعِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ مَكَانَهُمْ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الرَّدِّ عَلَيْهِمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ، وَلَوْ اقْتَتَلُوا مَعَ قَاطِعٍ فَقَتَلُوهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَتَلُوهُ لِأَجْلِ مَالِهِمْ فَإِنْ فَرَّ مِنْهُمْ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ تَرَكُوهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُ كَانَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُمْ قَتَلُوهُ لَا لِأَجْلِ مَالِهِمْ، وَلَوْ فَرَّ رَجُلٌ مِنْ الْقُطَّاعِ فَلَحِقُوهُ، وَقَدْ أَلْقَى نَفْسَهُ إلَى مَكَانٍ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ فَقَتَلُوهُ كَانَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ إيَّاهُ لَا لِأَجْلِ الْخَوْفِ عَلَى الْأَمْوَالِ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، وَيَقْتُلَ مَنْ يُقَاتِلُهُ عَلَيْهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
مَنْ خَنَقَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَإِنْ خَنَقَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مَرَّةٍ قُتِلَ سِيَاسَةً، كَذَا فِي الْكَافِي.

.كِتَابُ السِّيَرِ:

وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى عَشَرَةِ أَبْوَابٍ:

.الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِهِ شَرْعًا وَشَرْطِهِ وَحُكْمِهِ:

(أَمَّا تَفْسِيرُهُ) فَالْجِهَادُ هُوَ الدُّعَاءُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَالْقِتَالُ مَعَ مَنْ امْتَنَعَ وَتَمَرَّدَ عَنْ الْقَبُولِ إمَّا بِالنَّفْسِ أَوْ بِالْمَالِ.
(وَأَمَّا شَرْطُ إبَاحَتِهِ) فَشَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: امْتِنَاعُ الْعَدُوِّ عَنْ قَبُولِ مَا دُعِيَ إلَيْهِ مِنْ الدِّينِ الْحَقِّ، وَعَدَمُ الْأَمَانِ وَالْعَهْدِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَالثَّانِي أَنْ يَرْجُوَ الشَّوْكَةَ وَالْقُوَّةَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ بِاجْتِهَادِ مَنْ يُعْتَقَدُ فِي اجْتِهَادِهِ وَرَأْيِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَرْجُو الْقُوَّةَ وَالشَّوْكَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْقِتَالِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْقِتَالُ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْقَاءِ نَفْسِهِ فِي التَّهْلُكَةِ.
(وَأَمَّا حُكْمُهُ) فَسُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ فِي الدُّنْيَا وَنَيْلُ الْمَثُوبَةِ وَالسَّعَادَةِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا فِي الْعِبَادَاتِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْجِهَادُ قَبْلَ النَّفِيرِ تَطَوُّعٌ، وَبَعْدَ النَّفِيرِ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَبْلَ النَّفِيرِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَبَعْدَ النَّفِيرِ فَرْضُ عَيْنٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَمَعْنَى النَّفِيرِ أَنْ يُخْبَرَ أَهْلُ مَدِينَةٍ أَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ جَاءَ يُرِيدُ أَنْفُسَكُمْ وَذَرَارِيَّكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ فَإِذَا أَخْبَرُوا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اُفْتُرِضَ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْجِهَادِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَنْ يَخْرُجَ لِلْجِهَادِ وَقَبْلَ هَذَا الْخَبَرِ كَانُوا فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ يَخْرُجُوا، ثُمَّ بَعْدَ مَجِيءِ النَّفِيرِ الْعَامِّ لَا يُفْتَرَضُ الْجِهَادُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ شَرْقًا وَغَرْبًا فَرْضَ عَيْنٍ وَإِنْ بَلَغَهُمْ النَّفِيرُ، وَإِنَّمَا يُفْرَضُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ كَانَ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ، وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْجِهَادِ.
أَمَّا عَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ مِمَّنْ يَبْعُدُ مِنْ الْعَدُوِّ، فَإِنَّهُ يُفْتَرَضُ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَا فَرْضَ عَيْنٍ حَتَّى يَسَعَهُمْ تَرْكُهُ، فَإِذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ بِأَنْ عَجَزَ مَنْ كَانَ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ عَنْ الْمُقَاوَمَةِ مَعَ الْعَدُوِّ أَوْ تَكَاسَلُوا، وَلَمْ يُجَاهِدُوا، فَإِنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ فَرْضَ عَيْنٍ ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ يُفْرَضَ عَلَى جَمِيع أَهْلِ الْأَرْضِ شَرْقًا وَغَرْبًا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، ثُمَّ يَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنْفِرُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا مُنَادِي السُّلْطَانِ يُقْبَلُ خَبَرُهُ عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْلَى ثَغْرٌ مِنْ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يُقَاوِمُ الْعَدُوَّ فِي قِتَالِهِمْ، وَإِنْ ضَعُفَ أَهْلُ ثَغْرٍ مِنْ الثُّغُورِ عَنْ الْمُقَاوَمَةِ مَعَ الْعَدُوِّ وَخِيفَ عَلَيْهِمْ، فَعَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْفِرُوا إلَيْهِمْ الْأَقْرَبُ، فَالْأَقْرَبُ، وَأَنْ يَمُدُّوهُمْ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ لِيَكُونَ الْجِهَادُ أَبَدًا قَائِمًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قِتَالُ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا، وَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ أَوْ لَمْ يُسْلِمُوا، وَلَمْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَاجِبٌ، وَإِنْ لَمْ يَبْدَؤُنَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ رَاجِلٍ عَاقِلٍ صَحِيحٍ حُرٍّ قَادِرٍ وَهَكَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ، وَلَا عَبْدٍ، وَلَا امْرَأَةٍ، وَلَا أَعْمَى، وَلَا مُقْعَدٍ، وَلَا أَقْطَعَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ لِلْجِهَادِ، وَلَهُ أَبٌ أَوْ أُمٌّ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِ إلَّا مِنْ النَّفِيرِ الْعَامِّ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ، وَأَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي الْخُرُوجِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ لِحَقِّ الْآخَرِ، فَإِذَا كَرِهَ الْوَالِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا: الْخُرُوجَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ سَوَاءٌ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِمَا الضَّيْعَةَ بِأَنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ، وَكَانَتْ نَفَقَتُهُمَا عَلَيْهِ، أَوْ لَا يَخَافُ عَلَيْهِمَا الضَّيْعَةَ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَ أَبَوَاهُ مُسْلِمَيْنِ، فَإِذَا كَانَ أَبَوَاهُ كَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَكَرِهَا خُرُوجَهُ إلَى الْجِهَادِ أَوْ كَرِهَ الْكَافِرُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّى فِي ذَلِكَ، فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى أَنَّهُمَا إنَّمَا كَرِهَا خُرُوجَهُ مِمَّا يَلْحَقُهُمَا مِنْ التَّفْجِيعِ وَالْمَشَقَّةِ لِأَجْلِ مَا يَخَافَانِ عَلَيْهِ مِنْ الْقَتْلِ لَا يَخْرُجُ وَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى أَنَّهُمَا كَرِهَا خُرُوجَهُ كَرَاهَةَ أَنْ يُقَاتِلَ مَعَ أَهْلِ مِلَّتِهِ وَأَهْلِ دِينِهِ، فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُمَا إلَّا أَنْ يَخَافَ الضَّيْعَةَ عَلَيْهِمَا، فَحِينَئِذٍ لَا يَخْرُجُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا تَحَرَّى، وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ بَلْ شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُ الظَّنَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْرُجَ، وَإِنْ كَرِهَا خُرُوجَهُ لِكَرَاهَةِ قِتَالِهِ مَعَ أَهْلِ دِينِهِ، وَلِأَجْلِ الْخَوْفِ وَالْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ أَيْضًا لَا يَخْرُجُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ، فَأَذِنَا لَهُ فِي الْخُرُوجِ وَلَهُ جَدَّانِ أَوْ جَدَّتَانِ، فَكَرِهَا خُرُوجَهُ فَلْيَخْرُجْ، وَلَا يَلْتَفِتْ إلَى كَرَاهَةِ الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ مَيِّتَيْنِ وَلَهُ أَبُو الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبُو الْأَبِ وَأَبُو الْأُمِّ وَأُمُّ الْأُمِّ، فَالْإِذْنُ إلَى أَبِي الْأَبِ وَأُمِّ الْأُمِّ هَذَا إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلْجِهَادِ.
وَإِنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلتِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ بِأَمَانٍ، فَكَرِهَا خُرُوجَهُ، فَإِنْ كَانَ أَمِيرًا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَكَانُوا قَوْمًا يُوفُونَ بِالْعَهْدِ يُعْرَفُونَ بِذَلِكَ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْصِيَهُمَا وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ فِي تُجَّارِ أَرْضِ الْعَدُوِّ مَعَ عَسْكَرٍ مِنْ عَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ فَكَرِهَ ذَلِكَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَسْكَرُ عَظِيمًا لَا يُخَافُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَدُوِّ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ وَإِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَى أَهْلِ الْعَسْكَرِ مِنْ الْعَدُوِّ بِغَالِبِ الرَّأْيِ لَا يَخْرُجُ، كَذَلِكَ إنْ كَانَتْ سَرِيَّةً أَوْ جَرِيدَةَ خَيْلٍ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ الْهَلَاكُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْوَالِدَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ، أَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ كَبَنَاتِهِ وَبَنِيهِ وَإِخْوَتِهِ وَعَمَّاتِهِ وَأَخْوَالِهِ وَخَالَاتِهِ، وَكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُمْ إذَا كَرِهُوا خُرُوجَهُ لِلْجِهَادِ، وَكَانَ يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِمْ الضَّيْعَةَ بِأَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ، وَكَانُوا صِغَارًا أَوْ صَغَائِرَ أَوْ كُنَّ كَبَائِرَ إلَّا أَنَّهُ لَا أَزْوَاجَ لَهُنَّ، أَوْ كَانُوا كِبَارًا زَمْنَى لَا حِرْفَةَ لَهُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ عَلَيْهِمْ الضَّيْعَةَ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ إلَّا أَنَّهُمْ كِبَارٌ أَصِحَّاءُ أَوْ كَبَائِرُ إلَّا أَنَّ لَهُنَّ أَزْوَاجًا كَانَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، أَمَّا امْرَأَتُهُ، فَإِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهَا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ عَلَيْهَا الضَّيْعَةَ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهَا، وَإِنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهَا ذَلِكَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
الْمَرْأَةُ إذَا مَنَعَتْ ابْنَهَا مِنْ الْجِهَادِ، فَإِنْ كَانَ قَلْبُهَا لَا يَحْتَمِلُ ضَرَرَ الْفِرَاقِ، وَيَتَضَرَّرُ بِالْإِطْلَاقِ كَانَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ الْجِهَادِ، وَلَا إثْمَ عَلَيْهَا كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُعْجِبُنَا أَنْ تُقَاتِلَ النِّسَاءُ الْمُسْلِمَاتُ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ الْمُسْلِمُونَ إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ اضْطَرَّ الْمُسْلِمُونَ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ جَاءَ النَّفِيرُ، وَكَانَ فِي خُرُوجِهِنَّ حَاجَةٌ وَضَرُورَةٌ، فَلَا بَأْسَ بِخُرُوجِهِنَّ لِلْقِتَالِ، وَلَهُنَّ أَنْ يَخْرُجْنَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ آبَائِهِنَّ وَأَزْوَاجِهِنَّ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُهُنَّ عَنْ الْخُرُوجِ وَيَأْثَمُونَ بِالْمَنْعِ عَنْ الْخُرُوجِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَضْطَرَّ الْمُسْلِمُونَ إلَى خُرُوجِهِنَّ، وَلَكِنْ أَمْكَنَهُنَّ الْقِتَالُ مِنْ بَعِيدٍ مِنْ حَيْثُ الرَّمْيُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَلَا تَخْرُجُ الشَّوَابُّ لِمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى وَسَقْيِ الْمَاءِ وَالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ لِأَجْلِ الْغُزَاةِ، أَمَّا الْعَجَائِزُ اللَّاتِي دَخَلْنَ فِي السِّنِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الصَّوَائِفِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْجُنُودِ الْعِظَامِ، وَيُدَاوِينَ الْمَرْضَى وَالْجَرْحَى، وَيَسْقِينَ الْمَاءَ، وَيَخْبِزْنَ وَيَطْبُخْنَ وَلَكِنْ لَا يُقَاتِلْنَ، وَالْجَوَابُ فِي الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إذَا أَطَاقَ الْقِتَالَ كَالْجَوَابِ فِي الْبَالِغِ قَبْلَ مَجِيءِ النَّفِيرِ لَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا، وَلَا يَأْثَمُ الْأَبُ بِإِذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ رُبَّمَا يُقْتَلُ فِي ذَلِكَ كَالْبَالِغِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا أَرَادَ الْمَدْيُونُ أَنْ يَغْزُوَ، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ غَائِبٌ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ وَفَاءٌ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَغْزُوَ وَيُوصِيَ إلَى رَجُلٍ لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقِيمَ، فَيَتَمَحَّلَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، فَإِنْ غَزَا مَعَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الدَّيْنِ، فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ فِي الْغَزْوِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْمَالِ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَيْضًا لَهُ أَنْ يَتَمَحَّلَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ غَزَا بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، وَهُوَ يَعْلَمُ بِطَرِيقِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ يَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ كَانَ أَحَالَ غَرِيمَهُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ الْمَالِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَغْزُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَخْرُجَ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُحْتَالُ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُحِلْ غَرِيمَهُ، وَلَكِنْ ضَمِنَ عَنْهُ لِغَرِيمِهِ رَجُلٌ الْمَالَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ عَلَى أَنْ أَبْرَأَ غَرِيمَهُ الْمَدْيُونَ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَغْزُوَ، وَلَا يَسْتَأْمِرَ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ كَفَلَ عَنْهُ بِالدَّيْنِ كَفِيلٌ بِأَمْرِهِ وَلَيْسَ يُشْتَرَطُ بَرَاءَتُهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ حَتَّى يَسْتَأْمِرَ الْأَصِيلَ وَالْكَفِيلَ وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْمِرَ الطَّالِبَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْمِرَ الْكَفِيلَ، وَكَذَلِكَ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ إنْ كَانَ كَفَلَ بِنَفْسِهِ بِأَمْرِهِ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَغْزُوَ إلَّا بِأَمْرِ الْكَفِيلِ، وَإِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ، وَلَا يَسْتَأْمِرَ الْكَفِيلَ وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ مُفْلِسًا،
وَهُوَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَمَحَّلَ لِدَيْنِهِ إلَّا بِالْخُرُوجِ فِي التِّجَارَةِ مَعَ الْغُزَاةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ، وَلَا يَسْتَأْمِرَ صَاحِبَهُ، فَإِنْ قَالَ: أَخْرُجُ لِلْقِتَالِ لَعَلِّي أُصِيبُ مَا أَقْضِي بِهِ دَيْنِي مِنْ النَّفْلِ أَوْ السِّهَامِ لَمْ يُعْجِبْنِي أَنْ يُخْرِجَ جُعْلًا بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّيْنِ.
وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ النَّفِيرُ عَامًّا أَمَّا إذَا كَانَ النَّفِيرُ عَامًّا، فَلَا بَأْسَ لِلْمَدْيُونِ بِأَنْ يُخْرِجَ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ وَفَاءٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ فِي ذَلِكَ أَوْ مَنَعَهُ عَنْهُ، فَإِذَا انْتَهَى إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَقَرَّ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، فَإِنْ كَانَ أَمْرًا يَخَاف عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ فَلْيُقَاتِلْ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا لَا يَخَافُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
عَالِمٌ لَيْسَ فِي الْبَلْدَةِ أَحَدٌ أَفْقَهُ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْزُوَ لِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ الضِّيَاعَةِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ وَدَائِعُ أَرْبَابُهَا غُيَّبٌ، فَإِنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ أَنْ يَدْفَعَ الْوَدَائِعَ إلَى أَرْبَابِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجِهَادِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ مَا لَمْ يَكُنْ النَّفِيرُ عَامًّا كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
إذَا وَقَعَ النَّفِيرُ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الرُّومِ، فَعَلَى كُلِّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يَخْرُجَ لِلْغَزْوِ إذَا مَلَكَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ، وَلَا يَجُوزُ التَّخَلُّفُ إلَّا بِعُذْرٍ بَيِّنٍ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إذَا دَخَلَ الْمُشْرِكُونَ أَرْضَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ، وَسَبَوْا الذَّرَارِيَّ وَالنِّسَاءَ، فَعَلِمَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ، وَكَانَتْ لَهُمْ عَلَيْهِمْ قُوَّةٌ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّبِعُوهُمْ حَتَّى يَسْتَنْقِذُوا ذَلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْحَرْبِ، فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ مَا لَمْ يَبْلُغُوا بِذَلِكَ حُصُونَهُمْ وَحِرْزَهُمْ، وَلَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ هُوَ الْمَالُ وَسِعَهُمْ أَنْ لَا يَتَّبِعُوهُمْ بَعْدَ مَا دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ وَإِذَا بَلَغُوا حِرْزَهُمْ وَمَأْمَنَهُمْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، فَأَتَاهُمْ الْمُسْلِمُونَ لِيُقَاتِلُوهُمْ لِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَضْلٌ أَخَذُوا بِهِ، وَإِنْ تَرَكُوا، أَوْ لَمْ يَتَّبِعُوهُمْ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونُوا فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ وَذَرَارِيُّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَمْوَالُهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ ذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ، ثُمَّ إنَّمَا يُفْتَرَضُ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعَهُمْ إذَا طَمِعُوا إدْرَاكَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا حُصُونَهُمْ وَمَأْمَنَهُمْ، أَمَّا إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُدْرِكُونَهُمْ كَانُوا فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ يَقُومُوا، فَلَا يَتَّبِعُونَهُمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: تُكْرَهُ الْجَعَائِلُ مَا دَامَ لِلْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُقَوِّيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَجْهِيزِ الْجَيْشِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ قُوَّةُ الْقِتَالِ بِأَنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَيَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِمْ عَنْ غَيْرِ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ، فَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ إعْطَاءَ الْجُعْلِ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ، فَذَلِكَ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا بَلْ يَكُونُ حَسَنًا مَرْغُوبًا فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ قُوَّةُ الْقِتَالِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْكُمَ الْإِمَامُ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ بِقَدْرِ مَا يَقْوَى بِهِ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ لِلْجِهَادِ، ثُمَّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُجَاهِدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ.
وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْخُرُوجِ بِنَفْسِهِ، وَلَهُ مَالٌ يَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ غَيْرَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَالِهِ، فَيَصِيرَ أَحَدُهُمَا مُجَاهِدًا بِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ بِمَالِهِ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ، فَالْإِمَامُ يُعْطِي كِفَايَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِذَا أَعْطَاهُ الْإِمَامُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِهِ جُعْلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ أَوْ كَانَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ الْإِمَامُ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجُعْلَ مِنْ غَيْرِهِ هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِهِ جُعْلًا لِلْغَزْوِ عَنْهُ، فَإِنْ قَالَ لَهُ صَاحِبُ الْجُعْلِ حِينَ دَفَعَ الْجُعْلَ إلَيْهِ اُغْزُ بِهَذَا الْمَالِ عَنِّي، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِ الْغَزْوِ حَتَّى لَا يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَ نَفْسِهِ، وَلَا يَتْرُكَ نَفَقَةً لِأَهْلِهِ وَإِنْ قَالَ لَهُ حِينَ دَفَعَ إلَيْهِ هَذَا لَكَ اُغْزُ بِهِ كَانَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِ الْغَزْوِ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى الْغَزْوِ ذَكَرَ هَذَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ.
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ أَنَّ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ الْجُعْلِ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْخُرُوجُ لِلْجِهَادِ إلَّا بِهَذَا، فَكَانَ مِنْ أَعْمَالِ الْجِهَادِ مَعْنًى وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِهِ جُعْلًا لِلْغَزْوِ عَنْهُ، ثُمَّ عَرَضَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَارِضٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ بِنَفْسِهِ، فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ لِيَغْزُوَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنْ لَا يُمْسِكَ الْفَضْلَ لِنَفْسِهِ بَلْ يَرُدُّهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَلَا بَأْسَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنْ يُمْسِكَ الْفَضْلَ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْجُعْلِ قَالَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ: اُغْزُ بِهَذَا الْمَالِ عَنِّي، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الْفَضْلَ لِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ هَذَا الْمَالُ لَك اُغْزُ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الْفَضْلَ أَلَا يُرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ جَمِيعَ الْمَالِ لِنَفْسِهِ فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا يَغْزُوَ بِهِ وَإِذَا شَرَطَ مُسْلِمٌ لِمُسْلِمٍ جُعْلًا لِيَقْتُلَ كَافِرًا حَرْبِيًّا فَقَتَلَهُ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاجِبٌ لِلشَّارِطِ أَنْ يَفِيَ بِمَا شَرَطَ، وَلَكِنْ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَاصَّةً، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ هَذَا الشَّرْطُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ أَجِيرًا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، فَعَمِلَ الْأَجِيرُ وَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ، فَالزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ وَلَوْ قَالَ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ أَوْ الْقَاضِي إنِّي اسْتَأْجَرْتُهُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي، فَالْأَجْرُ كُلُّهُ فِي مَالِهِ، وَلَوْ قَالَ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ إنْ قَتَلْتَ ذَلِكَ الْفَارِسَ، فَلَكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَقَتَلَهُ لَا شَيْءَ لَهُ وَلَوْ كَانُوا قَتْلَى، فَقَالَ الْأَمِيرُ: مَنْ قَطَعَ رُءُوسَهُمْ فَلَهُ أَجْرُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ جَازَ وَحَمْلُ رُءُوسِ الْكُفَّارِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَكْرُوهٌ كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.
.
عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُحَسِّنَ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ وَيُعَيِّنَ جُيُوشًا عَلَى بَابِ الثُّغُورِ لِيَمْنَعُوا الْكُفَّارَ عَنْ الْوُقُوفِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَقْهَرُوهُمْ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَإِذَا بَعَثَ جَيْشًا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا، وَإِنَّمَا يُؤَمِّرُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَكُونُ صَالِحًا لِذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ حَسَنَ التَّدْبِيرِ فِي أَمْرِ الْحَرْبِ وَرِعًا مُشْفِقًا عَلَيْهِمْ سَخِيًّا شُجَاعًا، وَإِذَا أَمَّرَ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُوصِيَهُ بِهِمْ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَبَعْدَ مَا اجْتَمَعَ شَرَائِطُ الْإِمَارَةِ فِي إنْسَانٍ، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُؤَمِّرَهُ قُرَشِيًّا كَانَ أَوْ عَرَبِيًّا أَوْ نَبَطِيًّا مِنْ الْمَوَالِي كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
.
وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ الْإِمَامُ الْفَاسِقَ إذَا كَانَ لَهُ تَدْبِيرٌ فِي أَمْرِ الْحَرْبِ كَذَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذَا أَمَرَ الْأَمِيرُ الْعَسْكَرَ بِشَيْءٍ كَانَ عَلَى الْعَسْكَرِ أَنْ يُطِيعُوهُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ مَعْصِيَةً بِيَقِينٍ.
(ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ) إنْ عَلِمَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ أَنَّهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ بِيَقِينٍ بِأَنْ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا فِي الْحَالِ مَثَلًا، وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِتَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْحَالِ بِأَنْ عَلِمُوا بِيَقِينٍ أَنَّهُمْ لَا يُطِيقُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ، وَعَلِمُوا أَنَّ لَهُمْ مَدَدًا يَلْحَقُهُمْ فِي الثَّانِي مَتَى كَانَتْ الْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ تَرْكُ الْقِتَالِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْعَسْكَرِ بِيَقِينٍ فَيُطِيعُونَهُ فِيهِ وَإِنْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ يَتَضَرَّرُونَ بِتَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْحَالِ بِيَقِينٍ بِأَنْ عَلِمُوا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ لَا يُطِيقُونَهُمْ فِي الْحَالِ، وَعَسَى أَنْ يَلْحَقَهُمْ مَدَدٌ يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُطِيعُونَهُ فِيهِ، وَإِنْ شَكُّوا فِي ذَلِكَ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِهِ أَوْ يَتَضَرَّرُونَ بِهِ، وَاسْتَوَى الطَّرَفَانِ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَهُمْ بِالْقِتَالِ مَعَ الْعَدُوِّ، إنْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِهِ بِيَقِينٍ أَوْ شَكُّوا فِيهِ وَاسْتَوَى الطَّرَفَانِ أَطَاعُوهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ بِيَقِينٍ بَلْ يَتَضَرَّرُونَ لَا يُطِيعُونَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ النَّاسُ مُخْتَلِفِينَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: فِيهِ الْهَلَكَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: فِيهِ النَّجَاةُ، وَشَكُّوا فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُ الظَّنَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَانَ عَلَيْهِمْ إطَاعَتُهُ.
وَإِذَا أَمَرَ الْأَمِيرُ أَهْلَ الْعَسْكَرِ بِشَيْءٍ، فَعَصَى فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ، فَالْأَمِيرُ لَا يُؤَدِّبُهُ فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ وَلَكِنْ يَنْصَحُهُ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ إبْلَاءً لِلْعُذْرِ، فَإِنْ عَصَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَدَّبَهُ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ فِي ذَلِكَ عُذْرًا، فَحِينَئِذٍ يُخَلِّي سَبِيلَهُ، وَلَكِنْ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ فَعَلْتُ هَذَا بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مَا يَمْنَعُ وُجُوبَ التَّعْزِيرِ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ، فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِيَمِينٍ، وَإِذَا جَعَلَ الْإِمَامُ السَّاقَةَ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ وَالْمَيْمَنَةَ كَذَلِكَ وَالْمَيْسَرَةَ كَذَلِكَ فَشَدَّ الْعَدُوُّ عَلَى السَّاقَةِ، فَلَا بَأْسَ لِأَهْلِ الْمَيْمَنَةِ وَالْمَيْسَرَةِ أَنْ يُعِينُوهُمْ إذَا خَافُوا عَلَيْهِمْ، وَهَذَا إذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِمَرَاكِزِهِمْ، فَأَمَّا إذَا كَانَ يُخِلُّ ذَلِكَ بِمَرَاكِزِهِمْ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُعِينُوا أَهْلَ السَّاقَةِ، وَإِنْ أَمَرَهُمْ الْأَمِيرُ أَنْ لَا يَبْرَحُوا عَنْ مَرَاكِزِهِمْ.
وَنَهَى أَنْ يُعِينَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُعِينُوا أَهْلَ السَّاقَةِ، وَإِنْ أَمِنُوا مِنْ نَاحِيَتِهِمْ وَخَافُوا عَلَى أَهْلِ السَّاقَةِ، وَإِذَا نَهَى الْإِمَامُ أَهْلَ الْعَسْكَرِ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْعِلَافَةِ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا أَهْلُ الْمَنَعَةِ وَغَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا نَهَاهُمْ عَنْ الْخُرُوجِ أَنْ يَبْعَثَ قَوْمًا مِنْ الْجَيْشِ لِلْعِلَافَةِ، وَيُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا يَعْتَلِفُونَ لِلْجَيْشِ، فَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَبْعَثْ أَحَدًا، وَأَصَابَ الْجَيْشُ ضَرُورَةً مِنْ الْعَلَفِ، وَخَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَوْ عَلَى ظُهُورِهِمْ، وَلَمْ يَجِدُوا مَا يَشْتَرُونَ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجُوا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ عِصْيَانُ الْأَمِيرِ، وَإِذَا قَالَ الْأَمِيرُ: لَا يَخْرُجَنَّ أَحَدٌ إلَى الْعَلَفِ إلَّا تَحْتَ لِوَاءِ فُلَانٍ، فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُرَاعُوا شَرْطَهُ، وَلَا يَخْرُجُونَ إلَّا تَحْتَ لِوَائِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْأَمِيرُ: مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلْعَلَفِ، فَلْيَخْرُجْ تَحْتَ لِوَاءِ فُلَانٍ فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا إلَّا تَحْتَ لِوَاءِ فُلَانٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
يَجُوزُ الْقِتَالُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْقِتَالِ فِيهَا مَنْسُوخٌ وَإِنْ كَانَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ نِصْفَ عَدَدِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ الْفِرَارُ، وَهَذَا إذَا كَانَ مَعَهُمْ أَسْلِحَةٌ، وَأَمَّا مَنْ لَا سِلَاحَ لَهُ، فَلَا بَأْس بِأَنْ يَفِرَّ مِمَّنْ مَعَهُ السِّلَاحُ، وَكَذَا لَا بَأْسَ بِأَنْ يَفِرَّ مِمَّنْ يَرْمِي إذَا لَمْ تَكُنْ مَعَهُ آلَةُ الرَّمْيِ وَعَلَى هَذَا لَا بَأْسَ بِأَنْ يَفِرَّ الْوَاحِدُ مِنْ الثَّلَاثَةِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَإِذَا كَانَ عَدَدُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا أَوْ أَكْثَرَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ الْفِرَارُ إنْ كَانَ عَدَدُ الْكُفَّارِ أَضْعَافَ عَدَدِهِمْ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا تَفَرَّقَتْ كَلِمَتُهُمْ يُعْتَبَرُ الْوَاحِدُ بِالِاثْنَيْنِ، وَفِي زَمَانِنَا تُعْتَبَرُ الطَّاقَةُ، وَمَنْ فَرَّ مِنْ مَوْضِعٍ يَقْصِدْهُ أَهْلُ الْحِصْنِ بِالْمَنْجَنِيقِ وَأَشْبَاهِهِ وَمِنْ مَوْضِعٍ يُرْمَى بِالسِّهَامِ وَالْحِجَارَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا بَأْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ أَوْ الِاثْنَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةَ سَرِيَّةً إذَا كَانَ يُطِيقُ ذَلِكَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَمِنْ تَوَابِعِ الْجِهَادِ: الرِّبَاطُ وَهُوَ الْإِقَامَةُ فِي مَكَان يُتَوَقَّعُ هُجُومُ الْعَدُوِّ فِيهِ لِقَصْدِ دَفْعِهِ وَاخْتُلِفَ فِي مَحَلِّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ مَكَان وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ وَرَاءَهُ إسْلَامٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.