فصل: (القول الثاني عشر):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق (نسخة منقحة)



.(القول الثاني عشر):

كان من عادته الشريفة أنه إذا عبر عن نفسه كان يعبر بابن الإنسان غالبًا كما لا يخفى على ناظر هذا الإنجيل المروج أيضًا: مثلًا في الآية 20 باب 8 و6 باب 9 و13 و27 باب 16 و9 و12 و22 باب 17 و11 باب 18 و28 باب 19 و18 و28 باب 20 و27 باب 24 و24 و45 و64 باب 26 من إنجيل متى وهكذا في غيره وظاهر أن ابن الإنسان لا يكون إلا إنسانًا.

.الفصل الثالث: في إبطال الأدلة النقلية على ألوهية المسيح:

قد عرفت في الأمر الخامس من المقدمة أن كلام يوحنا مملوء من المجاز قلما تجد فقرة لا تحتاج إلى التأويل وقد عرفت في الأمر السادس أن الإجمال يوجد كثيرًا في أقوال المسيح عليه السلام بحيث لم يفهمها معاصروه ولا تلاميذه في كثير من الأحيان ما لم يفسرها بنفسه وقد عرفت في الأمر الثاني عشر أن عيسى عليه السلام ما بين ألوهيته إلى العروج ببيان لا يبقى فيه شبهة ويفهم منه صراحة هذا المعنى، فالأقوال الذي يتمسك بها المسيحيون غالبًا مجملة منقولة من إنجيل يوحنا وعلى ثلاثة أقسام:
-بعضها لا يدل بحسب معانيها الحقيقية على مقصودهم فاستنباط الألوهية منها مجرد زعمهم، وهذا الاستنباط والزعم ليسا بمعتدّين ولا جائزين في مقابلة البراهين العقلية القطعية والنصوص العيسوية كما عرفت في الفصلين المذكورين.
-وبعضها أقوال يفهم تفسيرها من الأقوال المسيحية الأخرى ومن بعض مواضع الإنجيل ففيها أيضًا لا اعتبار لرأيهم.
-وبعضها أقوال يجب تأويلها عندهم أيضًا فإذا وجب التأويل فنقول لا بد أن يكون هذا التأويل بحيث لا يخالف البراهين والنصوص، وأنى لهم ذلك؟! فلا حاجة إلى نقل الكل بل أنقل الأكثر ليتضح منه للناظر حال استدلالهم ويقيس الباقي عليه.

.الدليل الأول:

من إطلاق لفظ ابن اللّه على المسيح عليه السلام: أقول هذا الدليل في غاية الضعف بوجهين:
أما أولًا فلأن هذا الإطلاق معارض بإطلاق ابن الإنسان كما عرفت وبإطلاق ابن داود فلا بد من التطبيق بحيث لا يثبت المخالفة للبراهين العقلية ولا يلزم منه محال، وأما ثانيًا فلأنه لا يصح أن يكون لفظ الابن بمعناه الحقيقي لأن معناه الحقيقي باتفاق لغة أهل العالم من تولد من نطفة الأبوين وهذا محال ههنا، فلا بد من الحمل على المعنى المجازي المناسب لشأن المسيح وقد علم من الإنجيل أن هذا اللفظ في حقه بمعنى الصالح. الآية التاسعة والثلاثون من الباب الخامس عشر من إنجيل مرقس هكذا: (ولما رأى قائد المائة الواقف مقابله أنه صرح هكذا وأسلم الروح قال حقًّا كان هذا الإنسان ابن اللّه) ونقل لوقا قول القائد في الآية السابعة والأربعين من الباب الثالث والعشرين من إنجيله هكذا: (بالحقيقة كان هذا الإنسان بارًا) ففي إنجيل مرقس لفظ ابن اللّه وفي إنجيل لوقا بدله لفظ البار واستعمل مثل هذااللفظ في حق الصالح غير المسيح أيضًا، كما استعمل مثل ابن إبليس في حق الصالح في الباب الخامس من إنجيل متى هكذا: (و) (طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء اللّه يدعون) 44 (وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعدائكم باركوا لأعينكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسبونكم) 54 (لكي تكون أبناء أبيكم الذي في السماوات) فأطلق عيسى عليه السلام على صانعي السلام والصلح على العاملين بالأعمال المذكورة لفظ أبناء اللّه وعلى اللّه لفظ الأب بالنسبة إليهم.
وفي الباب الثامن من إنجيل يوحنا في المكالمة التي وقعت بين اليهود والمسيح هكذا: 41 (أنتم تعملون أعمال أبيكم فقالوا له إننا لم نولد من زنا لنا أب واحد وهو اللّه) 42 (فقال لهم يسوع لو كان اللّه أباكم لكنتم تحبونني) الخ 44 (أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا ذاك كان قتالًا للناس من البدء ولم يثبت في الحق لأنه ليس فيه حق متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له لأنه كذب وأبو الكذب) فاليهود ادعوا أن لنا أبًا واحدًا وهو اللّه وقال المسيح عليه السلام لا بل أبوكم الشيطان وظاهر أن اللّه والشيطان ليس أبًا لهم بالمعنى الحقيقي فلا بد من الحمل على المعنى المجازي فغرض اليهود نحن صالحون ومطيعون لأمر اللّه، وغرض المسيح عليه السلام إنكم لستم كذلك بل أنتم طالحون مطيعون للشيطان.
وفي الباب الثالث من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا: 9 (كل من هو مولود من اللّه لا يفعل خطيئة لأن زرعه يثبت فيه ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من اللّه) 10 (بهذا أولاد اللّه ظاهرون وأولاد إبليس) الخ وفي الآية السابعة من الباب الرابع من الرسالة المذكورة: (وكل من يحب فقد ولد من اللّه) وفي الباب الخامس من الرسالة المذكورة: (كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من اللّه وكل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضًا) 2 (بهذا نعرف أننا نحب أولاد اللّه إذا أحببنا اللّه وحفظنا وصاياه) والآية الرابعة عشرة من الباب الثامن من الرسالة الرومية هكذا: (لأن كل الذين ينقادون بروح اللّه فأولئك هم أبناء اللّه) وفي الباب الثاني من رسالة بولس إلى أهل فيلبس هكذا: 14 (افعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مجادلة) 15 (لكي تكونوا بلا لوم وبسطاء أولاد اللّه بلا عيب) ودلالة هذه الأقوال على ما قلت غير خفية، وإذا لم يفهم من إطلاق لفظ اللّه ومثله الألوهية كما عرفت في الأمر الرابع من المقدمة فكيف يفهم من لفظ ابن اللّه ومثله سيما إذا لاحظنا كثرة وقوع المجاز في كتب العهد العتيق والجديد، كما عرفت في المقدمة وسيما إذا لاحظنا أن استعمال الأب والابن في كتب العهدين جاء في المواضع الغير المحصورة وأنقل بعضها بطريق الأنموذج:
(1)- قال لوقا في الباب الثالث من إنجيله في بيان نسب المسيح عليه السلام أنه ابن يوسف وآدم ابن اللّه وظاهر أن آدم عليه السلام ليس ابنًا للّه بالمعنى الحقيقي ولا إلهًا لكن لما ولد بلا أبوين نسبه إلى اللّه. وللّه در لوقا لقد أجاد ههنا لأنه لما كان المسيح عليه السلام مولودًا بلا أب فقط نسبه إلى يوسف النجار ولما كان آدم عليه السلام مولودًا بلا أبوين نسبه إلى اللّه.
(2)- في الباب الرابع من سفر الخروج قول اللّه هكذا: 22 (وتقول له هذا ما يقول الرب ابني بكري إسرائيل) 33 (فقلت له أطلق ابني ليعبدني وإن أبيت أن تطلقه هو ذا أنا سأقتل ابنك بكرك) فأطلق على إسرائيل لفظ ابن اللّه في الموضعين بل أطلق عليه لفظ الابن البكر.
(3)- في الزبور الثامن والثمانين قول داود عليه السلام في خطاب اللّه هكذا: 19 (حينئذ كلمت نبيك بالوحي وقلت إني وضعت عونًا على القوي ورفعت منتخبًا من شعبي) 20 (وجدت داود عبدي فمسحته بدهن قدسي) 26 (هو يدعونني أنت أبي وإلهي وناصر خلاصي) 27 (وأنا أيضًا أجعله بكرًا أعلى من كل ملوك الأرض) فأطلق على اللّه لفظ الأب وعلى داود لفظ القوي والمنتخب والمسيح وابن اللّه البكر وأعلى من كل ملوك الأرض.
(4)- الآية التاسعة من الباب الحادي والثلاثين من كتاب أرساء قول اللّه هكذا: (إني صرت أبًا لإسرائيل وأفرام هو بكري) فأطلق على أفرام لفظ ابن اللّه البكر فلو كان إطلاق مثل هذه الألفاظ موجبًا للألوهية لكان إسرائيل وداود وأفرام أحقاء بالألوهية لأن الابن البكر أحق بالإكرام من غيره بحسب الشرائع السابقة وبحسب الزواج العام أيضًا وإن قالوا جاء في حق عيسى عليه السلام لفظ الابن الوحيد قلنا إن الوحيد لا يمكن أن يكون بمعناه لأن اللّه أثبت له أخوة كثيرين وقال في حق الثلاثة منهم لفظ الابن البكر بل لا بد أن يكون بالمعنى المجازي مثل الابن.
(5)- في الباب السابع من سفر صموئيل الثاني قول اللّه تعالى في حق سليمان هكذا: (وأنا أكون له أبًا وهو يكون لي ابنًا) فلو كان إطلاق هذا اللفظ سببًا للألوهية لكان سليمان عليه السلام أحق من المسيح عليه السلام لسبقه وكونه من آباء المسيح عليه السلام.
(6)- في الآية الأولى من الباب الرابع عشر والآية التاسعة عشرة من الباب الثاني والثلاثين من كتاب الاستثناء، والآية الثانية من الباب الأول والآية الأولى من الباب الثلاثين، والآية الثامنة من الباب الثالث والستين من كتاب أشعيا، والآية العاشرة من الباب الأول من كتاب هوشع، جاء إطلاق أبناء اللّه على جميع بني إسرائيل.
(7)- في الآية السادسة عشرة من الباب الثالث والستين من كتاب أشعيا، قول أشعيا في خطاب اللّه هكذا: (فإنك أنت أبونا وإبراهيم لم يعرفنا وإسرائيل جهلنا أنت يا رب أبونا فخلصنا من الدهر اسمك). الآية الثامنة من الباب الرابع والستين من الكتاب المذكور هكذا: (والآن يا رب أنت أبونا) الخ، فصرح أشعيا عليه السلام في حقه وحق غيره من بني إسرائيل: بأن اللّه أبونا.
(8)- الآية السابعة من الباب الثامن والثلاثين من كتاب أيوب هكذا: (إذا كان تسبح لي نجوم الصبح جميعًا ويفرحون جميع بني اللّه).
(9)- قد عرفت في صدر الجواب أنه جاء إطلاق أبناء اللّه على الصالحين وعلى المؤمنين بالمسيح وعلى المحبين وعلى المطيعين لأمر اللّه، وعلى العاملين بالأعمال الحسنة.
(10)- الآية الخامسة من الزبور السابع والستين هكذا: (أبو اليتامى وحاكم الأرامل اللّه في موضع قدسه). فأطلق على اللّه لفظ أبي اليتامى.
(11)- في الباب السادس من سفر الخليقة هكذا 2: (فرأى بنو اللّه بنات الناس أنهن حسنات، واتخذوا لهم نساء من كل ما اختاروا) 4: (فأما الجبابرة كانوا في تلك الأيام على الأرض لأن من بعد ما دخل أبناء اللّه على بنات الناس وولدن، فهؤلاء هم أقوياء منذ الدهر مشهورون).
والمراد بأبناء اللّه بنو الأشراف وببنات الناس بنات العامة، ولذا ترجم مترجم الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م الآية الأولى هكذا: (رأى بنو الأشراف بنات العامة حسانًا فاتخذوا لهم نساء) فجاء إطلاق أبناء اللّه على أبناء الأشراف مطلقًا، وفهم منه صحة إطلاق اللّه على الشريف أيضًا.
(12)- جاء في المواضع الكثيرة من الإنجيل، إطلاق لفظ أبيكم على اللّه في خطاب التلاميذ وغيرهم.
(13)- قد يضاف لفظ الابن والأب إلى شيء له مناسبة ما، بمعناها الحقيقي كإطلاق أبي الكذب على الشيطان كما عرفت، وكإطلاق أبناء جهنم وأولاد أورشليم على اليهود في كلام المسيح عليه السلام في الباب الثالث والعشرين من إنجيل متى، وجاء إطلاق أبناء الدهر على أهل الدنيا، وجاء إطلاق أبناء اللّه وأبناء القيامة على أهل الجنة، في قول المسيح عليه السلام في الباب العشرين من لوقا. وفي الآية الخامسة من الباب الخامس من الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيقي جاء إطلاق أبناء النور وأبناء النهار على أهل تسالونيقي.

.الدليل الثاني:

في الآية الثالثة والعشرين من الباب الثامن من إنجيل يوحنا هكذا: (فقال لهم أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق، أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم) يعني أني إله نزلت من السماء وتجسمت.
(أقول): لما كان هذا القول مخالفًا للظاهر لأن عيسى عليه السلام كان من هذا العالم فأولوا بهذا التأويل وهو غير صحيح بوجهين: الأول: أنه مخالف للبراهين العقلية والنصوص.والثاني: أن عيسى عليه السلام قال مثل هذا القول في حق تلاميذه أيضًا في الآية التاسعة عشرة من الباب الخامس عشر من إنجيل يوحنا هكذا: (لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته، ولكن إنكم لستم من العالم بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم). وفي الباب السابع من إنجيل يوحنا هكذا 14: (لأنهم ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم) 16 (ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم) فقال في حق تلاميذه: إنهم ليسوا من العالم، وسوّى بينه وبينهم في عدم الكون من هذا العالم، فلو كان هذا مستلزمًا للألوهية كما زعموا، لزم أن يكونوا كلهم آلهة والعياذ باللّه، بل التأويل الصحيح: أنتم طالبو الدنيا الدنية وأنا لست كذلك، بل طالب الآخرة ورضاء اللّه، وهذا المجاز شائع في الألسنة يقال للزهاد والصلحاء إنهم ليسوا من الدنيا.