فصل: (الثالث):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق (نسخة منقحة)



.(الثالث):

في الباب الرابع من كتاب حزقيال هكذا ترجمة عربية سنة 1844 الآية 10: (وطعامك الذي تأكله يكون بالوزن عشرين مثقالًا في كل يوم من وقت إلى وقت تأكله 12 وكخبز من شعير تأكلهُ وتلطخه بزبل يخرج من الإنسان في عيونهم 14 فقلت آه آه آه يا رب الإله ها هو ذا نفسي لم تتنجس، والميت والفريسة من السبع لم آكل منه منذ صباي حتى الآن ولم يدخل في فمي كل لحم نجس 15 فقال لي ها أعطيك زبل البقر عوض رجيع الناس وتصنع خبزك فيه) أمر اللّه أولًا بأن (تلطخه بزبل يخرج من الإنسان) ثم لما استغاث حزقيال عليه السلام نسخ هذا الحكم قبل العمل فقال: (أعطيك زبل البقر عوض رجيع الناس).

.(الرابع):

في الباب السابع عشر من سفر الأخبار هكذا: 3 (أيما رجل من بني إسرائيل ذبح ثورًا أو خروفًا أو عنزًا في المحلة أو خارجًا عن المحلة 4 ولا يأتي بقربانه إلى باب قبة الزمان ليقربه قربانًا للرب فليُحسب على ذلك الرجل سفْك دَم من أنه أراق دمًا ويهلك ذلك الرجل من شعبه) وفي الباب الثاني عشر من كتاب الاستثناء هكذا: 15 (فأما إن شئت أن تأكل وتستلذ بأكل اللحم فاذبح وكل بالبركة التي أعطاك الرب إلهك في قراك الخ 20 وإذا أوسع الرب إلهك تخومك مثل ما قال لك وأردت أن تأكل اللحم ما تشتهيه نفسك 21 وكان بعيد المكان الذي اصطفاه الرب إلهك ليكون اسمه هناك فاذبح من البقر والغنم الذي لك كما أمرتك وكل في قراك كما تريد 22 كما يؤكل من الظبي والإبل هكذا فتأكلون منها جميعًا طاهرًا كان أو غير طاهر) فنسخ حكم سفر الأخبار بحكم سفر التثنية.
قال هورن في الصفحة 619 من المجلد الأول من تفسيره بعد نقل هذه الآيات هكذا: (في هذين الموضعين تناقض في الظاهر لكن إذا لوحظ أن الشريعة الموسوية كانت تزاد وتنقص على وَفق حال بني إسرائيل وما كانت بحيث لا يمكن تبديلها فالتوجيه في غاية السهولة)، ثم قال: (نسخ موسى في السنة الأربعين من هجرتهم قبل دخول فلسطين ذلك الحكم) أي حكم سفر الأخبار (بحكم سفر الاستثناء نسخًا صريحًا، وأمر أنه يجوز لهم بعد دخول فلسطين أن يذبحوا البقر والغنم في أي موضع شاؤوا ويأكلوا) انتهى ملخصًا، فاعترف بنسخ الحكم المذكور وأن الشريعة الموسوية كانت تزاد وتنقص على وفق حال بني إسرائيل، فالعجب من أهل الكتاب أنهم يعترضون على مثل هذه الزيادة والنقصان في شريعة أخرى ويقولون إنه مستلزم لجهل اللّه.

.(الخامس):

في الآية 3 و23 و30 و35 و39 و43 و46 من الباب الرابع من سفر العدد أن خدام قبة العهد لا بد أن لا يكونوا أنقص من ثلاثين وأزيد من خمسين، وفي الآية 24 و25 من الباب الثامن من السفر المذكور أن لا يكونوا أنقص من خمس وعشرين وأزيد من خمسين.

.(السادس):

في الباب الرابع من سفر الأخبار أن فداء خطأ الجماعة ثورٌ واحد، وفي الباب الخامس عشر من سفر العدد أنه لا بد أن يكون ثورًا مع لوازمه وَجَدْيًا فنسخ الأول.

.(السابع):

يعلم أمر اللّه من الباب السادس من سفر التكوين أن يدخل في الفُلك اثنان اثنان من كل جنس الحيوانات طيرًا كان أو بهيمة مع نوح عليه السلام، ويعلم من الباب السابع من السفر المذكور أن يدخل سبع سبع ذكر وأنثى من البهائم الطاهرة، ومن الطيور مطلقًا ومن البهائم الغير الطاهرة اثنان اثنان، ثم يعلم من الباب المذكور أنه دخل من كل جنس اثنان اثنان، فنسخ هذا الحكم مرتين.

.(الثامن):

في الباب العشرين من سفر الملوك هكذا: (وفي تلك الأيام مرض حزقيا وأشرف على الموت، وأتاه أشعياء النبي ابن عاموص، وقال له هكذا يقول الرب الإله أوص على بيتك لأنك ميت وغير حي 2 فأقبل حزقيا بوجهه إلى الحائط وصلى أمام الرب وقال 3 يا رب اذكر أني سرت بين يديك بالعدل والقلب السليم وعملت الحسنات أمامك وبكى حزقيا بكاء شديدًا 4 فلما خرج أشعياء أوحى إليه الرب قبل أن يصل إلى وسط الدار وقال 5 ارجع إلى حزقيا مدبر شعبي، وقل له هكذا يقول الرب إله داود أبيك: قد سمعت صلاتك ورأيت دموعك، وها أنا أشفيك سريعًا حتى إذا كان في اليوم الثالث تصعد إلى بيت الرب 6 وأزيد على عمرك خمس عشرة سنة) الخ فأمر اللّه حزقيا على لسان أشعياء بأن أوص على بيتك لأنك ميت، ثم نسخ هذا الحكم قبل أن يصل أشعياء إلى وسط الدار بعد تبليغ الحكم، وزاد على عمره خمس عشرة سنة.

.(التاسع):

في الباب العاشر من إنجيل متى هكذا: (هؤلاء الاثني عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلًا إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا 6، ولكن انطلقوا خاصة إلى الخراف التي هلكت من بني إسرائيل) وفي الباب الخامس عشر من إنجيل متى قول المسيح عليه السلام في حقه هكذا: (لم أُرْسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة).
فعلى وفق هذه الآيات كان عيسى عليه السلام يخصص رسالته إلى بني إسرائيل، ونقل قوله في الآية الخامسة عشرة من الباب السادس عشر من إنجيل مرقس هكذا: (اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها) فالحكم الأول منسوخ.

.(العاشر):

في الباب الثالث والعشرين من إنجيل متى هكذا: (1 حينئذ خاطب يسوع الجموع وتلاميذه 2 قائلًا جلس الكتبة والفريسيون على كرسي موسى 3 فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه) فحكم بأن كل ما قالوا لكم فافعلوه، ولا شك أنهم يقولون بحفظ جميع الأحكام العملية للتوراة سيما الأبدية على زعمهم وكلها منسوخة في الشريعة العيسوية كما علمت مفصلة في أمثلة القسم الأول، فهذا الحكم منسوخ ألبتة، والعجب من علماء البروتستنت أنهم يوردون في رسائلهم هذه الآيات تغليطًا لعوام أهل الإسلام مستدلين بها على بطلان النسخ في التوراة، فيلزم أن يكونوا واجبي القتل لأنهم لا يعظمون السبت، وناقض تعظيمه على حكم التوراة واجب القتل، كما عرفت في المثال التاسع من أمثلة القسم الأول.

.(الحادي عشر):

قد عرفت في المثال الثالث عشر أن الحواريين بعد المشاورة نسخوا جميع أحكام التوراة العملية غير الأربعة ثم نسخ بولس حرمة الثلاثة منها.

.(الثاني عشر):

في الآية السادسة والخمسين من الباب التاسع من إنجيل لوقا قول المسيح عليه السلام هكذا: (إن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص) ومثله في إنجيل يوحنا في الآية السابعة عشرة من الباب الثالث، وفي الآية السابعة والأربعين من الباب الثاني عشر، ووقع في الآية الثامنة من الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالو نبقي هكذا: (وحينئذ سيستعلن الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه ويبطله بظهوره) فالقول الثاني ناسخ للأول، وقد علم من هذه الأمثلة الأربعة الأخيرة أعني من التاسع إلى الاثني عشر أن نسخ أحكام الإنجيل واقع بالفعل فضلًا عن الإمكان حيث نسخ عيسى عليه السلام بعض حكمه بحكمه الآخر، ونسخ الحواريون بعض أحكامه بأحكامهم، ونسخ بولس بعض أحكام الحواريون، بل بعض قول عيسى عليه السلام بأحكامه وقوله، وظهر لك أن ما نقل عن المسيح عليه السلام في الآية الخامسة والثلاثين من الباب الرابع والعشرين من إنجيل متى، والآية الثالثة والثلاثين من الباب الحادي والعشرين من إنجيل لوقا ليس المراد به أن قولًا من أقوالي وحكمًا من أحكامي لا ينسخ وألا يلزم تكذيب إنجيلهم، بل المراد بقوله كلامي هو الكلام المعهود الذي أخبر به عن الحادثات التي تقع بعده، وهي مذكورة قبل هذا القول في الإنجيلين، فالإضافة في قوله كلامي للعهد لا للاستغراق، وحمل مفسروهم أيضًا هذا القول على ما قلت في تفسير دوالي ورجرد مينت في ذيل شرح عبارة إنجيل متى هكذا: (قال القسيس بيروس: مراده أنه تقع الأمور التي أخبرت بها يقينًا، دين استاين هوب: إن السماء والأرض وإن كانتا غير قابلتين للتبديل بالنسبة إلى الأشياء الأخر لكنهما ليستا بمحكمتين مثل أحكام إخباري بالأمور التي أخبرت بها، فتلك كلها تزول وإخباري بالأمور التي أخبرت بها لا تزول، بل القول الذي قلته الآن لا يتجاوز شيء منه عن مطلبه) فالاستدلال بهذا القول ضعيف جدًّا، والقول المذكور هكذا: (السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول).
وإذا عرفت أمثلة القسمين ما بقي لك شك من وقوع النسخ بكلا قسميه في الشريعة الموسوية والعيسوية، وظهر أن ما يدعيه أهل الكتاب من امتناع النسخ باطل لا ريب فيه، كيف لا وإن المصالح قد تختلف باختلاف الزمان والمكان والمكلفين فبعض الأحكام يكون مقدورًا للمكلفين في بعض الأوقات ولا يكون مقدورًا في بعض آخر، ويكون البعض مناسبًا لبعض المكلفين دون بعض، ألا ترى أن المسيح عليه السلام قال مخاطبًا للحواريين: (إن لي أمورًا كثيرة أيضًا لأقول لكم لا تستطيعون الآن أن تحتملوا، وأما متى جاء ذاك، روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق) كما هو مصرح به في الباب السادس عشر من إنجيل يوحنا، وقال للأبرص الذي شفاه: لا تخبر عن هذه الحال أحدًا، كما هو مصرح به في الباب الثامن من إنجيل متى، وقال للأعميين اللذين فتح أعينهما: لا تخبرا أحدًا عن هذا الحال، كما هو مصرح به في الباب التاسع من إنجيل متى، وقال لأبوي الصبية التي أحياها لا تخبرا أحدًا عما كان، كما هو مصرح به في الباب الثامن من إنجيل لوقا، وأمر الذي أخرج الشياطين منه بأن ارجع إلى بيتك وأخبر بما صنع اللّه بك، كما هو مصرح به في الباب المذكور، وقد علمت في المثال السادس والثالث عشر من أمثلة القسم الأول، وفي المثال الرابع من أمثلة القسم الثاني ما يناسب هذا المقام، وكذلك ما أمر بنو إسرائيل بالجهاد على الكفار ما داموا في مصر وأمروا بعد ما خرجوا.
وقال المعلم ميخائيل مشاقة في الفصل الثالث من القسم الثاني من كتابه المسمّى بـ (أجوبة الإنجيليّين على أباطيل التقليديّين) المطبوع سنة 852 م في بيروت في الصفحة 71 و72: (إن الشريعة الموسوية ثلاثة أقسام وهي: الشريعة الأدبيّة، والشريعة الطقسيّة، والشريعة السياسيّة، فالشريعة الأدبيّة ينحصر ملخّصها في وصايا الله العشر، ولا يُعفى أحد من حفظها، وهي الناموس الذي أشار إليه السيد المسيح بقوله: ما جئت لأجل نقْضِ الناموس بل لأكمّل وإنّ السماء والأرض تزولان وحرف واحد من الناموس لا يتغيّر حتى يكون كلّه، والدليل على ذلك هو أنّ السيد المسيح بعد قوله هذا أخذ يفسر لهم الوصايا ويكمّلها بقوله: قيل للأولين: لا تقتل، وأنا أقول لكم: من غضب على أخيه فقد وجبت عليه الدينونة، وقيل للأوّلين: لاتزن، وأنا أقول لكم: من نظر إلى امرأة إلى أن يشتهيها فقد زني بها في قلبه، وإنّه قيل للأولين: لا تحنث في يمينك، وأنا أقول لكم لا تحلفوا البتة وليكن كلامكم: نعم، نعم. و: لا، لا. وأما الشريعتان الأخريان فلم يعلم بهما بل حلّهما بتّة بمنعه الطلاق وعدم إجازته رجم الزانية، مع أشياء كثيرة كتب الرسلُ في حلّها كالختانة وتمييز المطاعم إلى غير ذلك من الأمور الطقسيّة والسياسيّة، فالشريعة الطقسيّة تتعلّق بكيفيّة إجراء الطقوس وتقْدمة القرابين في الهيكل، وقد بطلت حين خرابه، وهي خاصّة باليهود إذْ كان الهيكل عامرًا، وأمّا الشريعة السياسيّة فهي تتعلّق بالأحكام الزمنيّة-كتوزيع المواريث وبيع العقارات وقصاص الجنايات- وكانت خاصّة بدولة اليهود، فعندما زال حكمهم لم يبقوا ملتزمين بحفظها، وبالجملة: إنّ أحكام الشريعتين الطقسيّة والسياسية لا يلتزم بها المسيحيون؛ لأنّها كانت خاصّة باليهود مدة حكمهم وعمارة الهيكل فزالتا بزوالهما) انتهى كلامه بعبارته.
وعلم من كلامه أمران:
الأوّل: أنّ المراد بالناموس في قول المسيح المنقول في الباب الخامس من إنجيل متّى: الأحكام العشرة فقط، وهي عبارة عن الشريعة الأدبية وهو الحق.
والثاني: أنّ المسيح أبقى الشريعة الأدبية فقط وكمّلها، ونسخ وأبطل يقينا الشريعتيْن الباقيتيْن اللتيْن هما عبارتان من غير الأحكام العشرة.
وأقول: إنّ حكم السبت من هذه الأحكام العشرة أيضًا منسوخ في الشريعة العيسوية، فحصل لهم الفراغ عن جميع أحكام التوراة ما عدا الأحكام التسعة، وهذه الأحكام التسعة باقية في الشريعة المحمّدية أيضًا، فلا يلزم علينا اعتراض مّا بالنسبة إلى نسخ أحكام التوراة، وظهر أنّ تمسّك بعض القسيسين بقول المسيح المذكور على عدم نسخ أحكام التوراة فهو ناشيء عن جهله أو تغليطه وعدم ديانته.