فصل: (الأمر الثاني):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق (نسخة منقحة)



.الباب الرابع في إبطال التثليث:

وهو مشتمل على مقدمة وثلاثة فصول.

.مقدمة:

أما المقدمة ففي بيان اثني عشر أمرًا تفيد الناظر بصيرة في الفصول.

.(الأمر الأول):

أن كتب العهد العتيق ناطقة بأن اللّه واحد أزلي أبدي لا يموت، قادر يفعل ما يشاء ليس كمثله شيء لا في الذات ولا في الصفات، بريء عن الجسم والشكل، وهذا الأمر لشهرته وكثرته في تلك الكتب غير محتاج إلى نقل الشواهد.

.(الأمر الثاني):

أن عبادة غير اللّه حرام، وحرمتها مصرحة في مواضع شتى من التوراة مثل الباب العشرين والرابع والثلاثين من سفر الخروج، وقد صرح به في الباب الثالث عشر من سفر الاستثناء أنه لو دعا نبي أو من يدعي الإلهام في المنام إلى عبادة غير اللّه يقتل هذا الداعي، وإن كان ذا معجزات عظيمة، وكذا لو أغرى أحدٌ من الأقرباء أو الأصدقاء إليها يُرْجَم هذا المُغْري ولا يرجم عليه، وفي الباب السابع عشر من السفر المسطور أنه لو ثبتت على أحد عبادة غير اللّه يُرْجَم رجلًا كان أو امرأة.

.(الأمر الثالث):

في الآيات الكثيرة الغير المحصورة من العهد العتيق إشعار بالجسمية والشكل والأعضاء للّه تعالى مثلًا في الآية 26 و27 من الباب الأول من سفر التكوين والآية 6 من الباب التاسع من السفر المذكور إثبات الشكل والصورة للّه، وفي الآية 17 من الباب التاسع والخمسين من كتاب أشعياء إثبات الرأس، وفي الآية 9 من الباب السابع من كتاب دانيال إثبات الرأس والشعر، وفي الآية 3 من الزبور الثالث والأربعين إثبات الوجه واليد والعضد، وفي الآية 22 و23 من الباب الثالث والثلاثين من كتاب الخروج إثبات الوجه والقفا، وفي الآية 15 من الباب الثالث والثلاثين إثبات العين والأذن، وكذا في الآية 18 من الباب التاسع من كتاب دانيال إثبات العين والأذن، وفي الآية 29 و52 من الباب الثامن من سفر الملوك الأول وفي الآية 17 من الباب السادس عشر والآية 19 من الباب الثاني والثلاثين من كتاب أرمياء والآية 21 من الباب الرابع والثلاثين من كتاب أيوب، والآية 21 من الباب الخامس والآية 3 من الباب الخامس عشر من كتاب الأمثال إثبات العين، وفي الآية 4 من الزبور العاشر إثبات العين والأجفان، وفي الآية 6 و8 و9 و15 من الزبور السابع عشر إثبات الأذن والرجل والأنف والنفس والفم، وفي الآية 27 من الباب الثلاثين من كتاب أشعياء إثبات الشَّفة واللسان، وفي الباب الثالث والثلاثين من سفر الاستثناء إثبات اليد والرجل، وفي الآية 18 من الباب الحادي والثلاثين من سفر الخروج إثبات الأصابع، وفي الآية 19 من الباب الرابع من كتاب أرمياء إثبات البطن والقلب، وفي الآية 3 من الباب الحادي والعشرين من كتاب أشعياء إثبات الظهر.
وفي الآية 7 من الزبور الثاني إثبات الفرج، وفي الآية 28 من الباب العشرين من أعمال الحواريين إثبات الدم، وللتنزيه في التوراة آيتان وهما الآية الثانية عشرة والآية الخامسة عشرة من الباب الرابع من سفر الاستثناء وهما هكذا: 12 (فكلمكم الرب من جوف النار فسمعتم صوت كلامه ولم تروا الشبه ألبتة) 15 (فاحفظوا أنفسكم بحرص فإنكم لم تروا شبيهًا يومًا كلمكم الرب في حوريب من جوف النار) ولما كان مضمون هاتين الآيتين مطابقًا للبرهان العقلي، وجب تأويل الآيات الغير المحصورة لا عدم تأويلهما، وأهل الكتاب ههنا أيضًا يوافقوننا ولا يرجحون الآيات الغير المحصورة على هاتين الآيتين، وكما يوجد الإشعار بالجسمية للّه تعالى فكذا يوجد بإثبات المكان للّه تعالى في الآيات الغير محصورة من العهد العتيق والجديد مثل الآية 8 باب 25، والآية 45 و46 من باب 29 من سفر الخروج، وفي الآية 3 باب 5 و34 باب 35 من سفر العدد، وفي الآية 15 من الباب السادس والعشرين من سفر الاستثناء، وفي الآية 5 و6 من الباب السابع من سفر صموئيل الثاني، وفي الآية 30 و32 و34 و36 و39 و45 و49 من الباب الثامن من سفر الملوك الأول.
وفي الآية 11 من الزبور التاسع، وفي الآية 4 من الزبور العاشر، وفي الآية 8 من الزبور الخامس والعشرين، وفي الآية 16 من الزبور السابع والستين، وفي الآية 2 من الزبور الثالث والسبعين وفي الآية 2 من الزبور الخامس والسبعين وفي الآية 1 من الزبور الثامن والتسعين وفي الآية 21 من الزبور المائة والرابع والثلاثين، وفي الآية 17 و21 من الباب الثالث من كتاب يوتيل، وفي الآية 2 من الباب الثامن من كتاب زكريا وفي الآية 45 و48 باب 5 و1 و9 و14 و26 باب 6 و11 و21 باب 7 و32 و33 باب 10 و50 باب 2 و13 باب 15 و17 باب 16 و10 و14 و19 و35 باب 18 و19 و22 باب 23 من إنجيل متى، ولا توجد في العهد العتيق والجديد الآيات الدالة على تنزيه اللّه عن المكان إلا قليلة مثل الآية 1 و2 من الباب السادس والستين من كتاب أشعياء، والآية 48 من الباب السابع من أعمال الحواريين، لكن لما كان مضمون هذه الآيات القليلة موافقًا للبراهين أولت الآيات الكثيرة الغير المحصورة المشعرة بالمكان للّه تعالى لا هذه الآيات القليلة، وأهل الكتاب أيضًا يوافقوننا في هذا التأويل.
فقد ظهر من هذا الأمر الثالث أن الكثير إذا كان مخالفًا للبرهان يجب إرجاعه إلى القليل الموافق له، ولا يعتد بكثرته فكيف إذا كان الكثير موافقًا والقليل مخالفًا فإن التأويل فيه ضروري ببداهة العقل.

.(الأمر الرابع):

قد علمت في الأمر الثالث أنه ليس للّه شبه وصورة وقد صرح به في العهد الجديد أيضًا في مواضع عديدة أن رؤية اللّه في الدنيا غير واقعة، في الآية الثامنة عشرة من الباب الأول من إنجيل يوحنا هكذا: (اللّه لم يره أحد قط) وفي الآية السادسة عشرة من الباب السادس من الرسالة الأولى إلى تيموثاوس: (لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه) وفي الآية الثانية عشرة من الباب الرابع من رسالة يوحنا الأولى: (اللّه لم ينظره أحد قط) فثبت من هذه الآيات أن من كان مرئيًا لا يكون إلهًا قط، ولو أطلق عليه في كلام اللّه أو الأنبياء أو الحواريين لفظ اللّه ومثله فلا يغتر أحدٌ بمجرد إطلاق مثل لفظ اللّه، ولا يدعي أن التأويل مجاز فكيف يرتكب لأن المصير إلى المجاز يجب عند القرينة المانعة عن إرادة الحقيقة سيما إذا دل البرهان القطعي على المنع، نعم يكون لإطلاق مثل هذه الألفاظ على غير اللّه وجه مناسب لكل محل، مثلًا إن إطلاقها في الكتب الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه السلام على بعض الملائكة لأجل ظهور جلال اللّه فيه أزيد من الغير.
وفي الباب الثالث والعشرين من سفر الخروج قول اللّه سبحانه هكذا: 20 (أنا أرسل ملاكي أمامك ليحفظك في الطريق ويدخلك إلى المكان الذي أن استعديت 21 فاحتفظ به وأطع أمره ولا تشاقّه، إنه لا يغفر إذا أخطأت، إن اسمي معه 23 وينطلق ملاكي أمامك فيدخلك على الأموريين والحيثانيين والفرزانيين والكنعانيين والحوايين واليانوسانيين الذين أنا أخرجهم).
فقوله: أرسل ملاكي أمامك، وكذا قوله ينطلق ملاكي، نصان على أن الذي كان يسير مع بني إسرائيل في عمود سحاب في النهار وعمود نار في الليل كان ملكًا من الملائكة وقد أطلق عليه مثل هذه الألفاظ كما ستطّلع عليه لأجل ما قلت، كما يظهر من قوله إن اسمي معه، وقد جاء إطلاقها في مواضع غير محصورة على الملك والإنسان الكامل، بل على آحاد الناس، بل على الشيطان الرجيم، بل على غير ذوي العقول أيضًا، وقد علم من بعض المواضع تفسير بعض هذه الألفاظ، وفي بعض المواضع يدل سوق الكلام بحيث لا يشتبه على الناظر في بادئ الرأي، وها أنا أورد عليك شواهد هذا الباب وأنقل في هذا الباب عبارة كتب العهد العتيق عن الترجمة العربية التي طبعت في لندن سنة 1844 من الميلاد وعبارة العهد الجديد، إما من الترجمة المذكورة وإما من الترجمة العربية التي طبعت في بيروت سنة 1860 ولا أنقل جميع عبارة الموضع المستشهد به بل أنقل الآيات التي يتعلق الغرض بها في هذا المقام وأترك الآيات الغير المقصودة، في الباب السابع عشر من سفر التكوين هكذا: 1 (ولما صار أبرام ابن تسعة وتسعين سنة تراءى له الرب وقال أنا اللّه ضابط الكل فسر أمامي وكن تامًّا) 4 (وقال له اللّه أنا هو وعهدي معك وستكون أبًا لأمم كثيرة) 7 (وأقيم ميثاقي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك بأجيالهم ميثاقًا أبديًّا لأكون إلهًا لك ولنسلك من بعدك) 8 (وسأعطي لك ولنسلك أرض غُربتك جميع أرض كنعان مِلْكًا إلى الدهر، وأكون لهم إلهًا) 9 (فقال اللّه لإبراهيم ثانية الخ) 15 وقال (اللّه أيضًا لإبراهيم الخ) 18 (وقال اللّه الخ) 22 (ولما فرغ اللّه من خطابه صعد عن إبراهيم) وكان هذا المتكلم المرئي ملكًا لما علمت، ولقوله صعد عن إبراهيم، ففي هذه العبارة أطلق عليه لفظ اللّه والرب والإله، وأطلق هو على نفسه (أنا اللّه ضابط الكل لأكون إلهك ولنسلك من بعدك وأكون إلهًا لهم) وكذا أطلق أمثال هذه الألفاظ في الباب الثامن عشر من سفر التكوين على الملك الذي ظهر على إبراهيم عليه السلام مع الملكين الآخرين، وبشره بولادة إسحاق وأخبر بأن قرى لوط ستخرب في أزيد من أربعة عشر موضعًا، وفي الباب الثامن والعشرين من السفر المذكور في حال يعقوب عليه السلام إذ سافر إلى بلد حاله هكذا: 10 (وخرج يعقوب من بير سبع ماضيًا إلى حرّان) 11 (وأتى إلى موضع وبات هناك فأخذ حجرًا من حجارة ذلك الموضع ووضعه تحت رأسه ونام هناك) 12 (فنظر في الحلم سلمًا قائمًا على الأرض ورأسه يصل إلى السماء وملائكة اللّه يصعدون ويهبطون فيه) 13 (والرب كان ثابتًا على رأس السلم، وقال أنا هو اللّه إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق فالأرض التي أنت عليها راقد أعطيكها لك ولنسلك) 14 (ويكون نسلك مثل رمل الأرض، ويتسع إلى المغرب والمشرق، ويتيمن ويتبارك بك وبزرعك جميع قبائل الأرض) 15 (وأحفظك حيثما انطلقت، وأعيدك إلى هذه الأرض ولا أخليك حتى أعمل ما قلته لك) 16 (فاستيقظ يعقوب من نومه وقال حقًّا إن الرب في هذا المكان وأنا لم أكن أعلم) 17 (وخاف وقال ما أخوف هذا الموضع ما هذا إلا بيت اللّه وباب السماء) 18 (وقام يعقوب بالغداة وأخذ الحجر الذي كان توسد به وأقامه نصبة وسكب عليه دهنًا) 19 (ودعا اسم المدينة بين إيل التي كانت أولًا لوزًا) 20 (ونذر نذرًا قائلًا إن كان اللّه يكون معي ويحفظني في الطريق الذي أنا سائر به ويرزقني خبزًا آكل وكسوة ألبس) 21 (ورجعت بسلام إلى بيت أبي فالرب يكون لي إلهًا) 22 (وهذا الحجر الذي أقمته نصبة يدعى بيت اللّه وكل ما أعطيتني أديت إليك عشوره).
وفي الباب الحادي والثلاثين من السفر المذكور قول يعقوب عليه السلام في خطاب زوجته لِيَا وراحيل هكذا: 11 (فقال لي ملاك اللّه في الحلم يا يعقوب فقلت هو ذا أنا) 12 (فقال لي الخ) 13 (أنا إله بيت إيل حيث مسحت قائمة الحجر ونذرت لي نذرًا والآن قم فاخرج من هذه الأرض وارجع إلى أرض ميلادك) وفي الباب الثاني والثلاثين من السفر المذكور هكذا: 9 (وقال يعقوب يا إله أبي إبراهيم وإله أبي إسحاق أيها الرب الذي قلت لي ارجع إلى أرضك وإلى مكان ميلادك وأباركك) 12 (فأنت تكلمت وقلت إنك تحسن إلي وتوسع نسلي مثل رمل البحر الذي لا يحصى لكثرته) وفي الباب الخامس والثلاثين من السفر المذكور هكذا: (وقال اللّه ليعقوب قم فاصعد إلى بيت إيل واسكن هناك، وانصب هناك مذبحًا للّه الذي ظهر لك وأنت هارب من وجه عيصو أخيك) 2 (وقال يعقوب لأهله الخ) 3 (نصعد إلى بيت إيل لنصنع هناك مذبحًا للّه الذي استجاب لي في ضيقتي وكان معي في طريقي) 6 (فجاء يعقوب إلى لوزا التي في أرض كنعان هذه بيت إيل الخ) 7 (وبنى هناك مذبحًا ودعا اسم المكان بيت اللّه لأن هناك ظهر له اللّه الخ).
وفي الباب الثامن والأربعين من السفر المذكور هكذا: 3 (إن اللّه الضابط الكل استعلن عليّ في لوزا بأرض كنعان وباركني) 4 (وقال لي أني منميك وجاعلك بجماعة الشعوب وأعطيك هذه الأرض ولنسلك من بعدك ميراثًا إلى الدهر) فظهر من الآية الحادية عشرة والثالثة عشرة من الباب الحادي والثلاثين أن الذي ظهر على يعقوب عليه السلام، ووعده وعهد ونذر يعقوب عليه السلام معه كان ملكًا، وجاء إطلاق لفظ مثل اللّه عليه في العبارات المذكورة في أزيد من ثمانية عشر موضعًا وقال هذا الملك: (أنا هو الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق)، وقال يعقوب عليه السلام في حقه: (يا إله أبي إبراهيم وإله أبي إسحاق أيها الرب وإن اللّه ضابط الكل استعلن عليّ) وفي الباب الثاني والثلاثين من السفر المذكور هكذا: 24 (وتخلف هو وحده وهو ذا رجل فكان يصارعه إلى الفجر) 25 (وحين نظر أنه لا يقوى به فجس عرق وركه ولساعته ذبل) 26 (وقال له أطلقني لأنه قد أسفر الصبح وقال له لا أطلقك أو تباركني) 27 (فقال له ما اسمك فقال يعقوب) 28 (قال لا يدعي اسمك يعقوب بل إسرائيل من أجل أنك إن كنت قويت مع اللّه فكم بالحري لك قوة في الناس) 19 (فسأله يعقوب عرفني ما اسمك فقال له لم تسأل عن اسمي وباركه فيذلك المكان) 30 (فدعا يعقوب اسم ذلك المكان فنوائل قائلًا رأيت اللّه وجهًا لوجه وتخلصت نفسي).
وهذا المصارع كان ملكًا لما عرفت ولأنه يلزم أن يكون إله بني إسرائيل في غاية العجز والضعف حيث صارع يعقوب عليه السلام إلى الفجر، ولم يغلب عليه بدون الحيلة، ولأن كلام هوشع نص في هذا الباب في الباب الثاني عشر من كتابه هكذا: 3 (في البطن عقب أخاه وفي جبروته أفلح معه الملاك) 4 (وغلب الملك وتقوّى وبكى وسأله ووجده في بيت إيل وهناك كلمنا) فأطلق عليه لفظ اللّه في الموضعين وفي الباب الخامس والثلاثين من سفر التكوين هكذا: 9 (فظهر اللّه ليعقوب أيضًا من بعد ما رجع من بين نهري سورية وباركه) 10 (قائلًا لا يدعي اسمك بعدها يعقوب بل يكون اسمك إسرائيل ودعا اسمه إسرائيل) 11 (وقال له أنا اللّه الضابط الكل أتم وأكثر الأمم ومجامع الشعوب تكون منك والملوك من صلبك يخرجون 12 والأرض التي أعطيت إبراهيم وإسحاق فلك أعطيها وأعطي نسلك هذه الأرض من بعدك 13 وارتفع اللّه عنه 14 ونصب يعقوب حجرًا في الموضع الذي كلمه فيه اللّه قائمة حجرية ودفق عليه مدفوقًا وصب عليه دهنًا 15 ودعا اسم الموضع الذي كلمه اللّه هناك بيت إيل) وهذا الذي ظهر هو الملك المذكور فأطلق عليه لفظ اللّه في خمسة مواضع وقال هو (أنا اللّه الضابط الكل) وفي الباب الثالث من سفر الخروج: 2 (وتراءى له الرب بلهيب النار من وسط العليقة فنظر إلى العليقة تتوقد فيها النار، وهي لم تحترق 4 ورأى اللّه أنه جاء الخ 6، وقال له إني أنا اللّه إله آبائك إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب، فغطى موسى وجهه من أجل أنه خشي أن ينظر نحو اللّه 7 فقال له الرب الخ 11 فقال موسى للّه الخ 12 فقال له اللّه أنا أكون معك وهذه علامة لك أني أنا أرسلتك إذا أخرجت شعبي من مصر يعملون ذبيحة قدّام اللّه على هذا الجبل 13 فقال موسى للّه هو ذا أنا أذهب إلى بني إسرائيل، وأقول لهم إله آبائكم أرسلني إليكم، فإن قالوا لي ما اسمه ماذا أقول لهم؟ 14 فقال اللّه لموسى اهية اشراهيه، وقال له: هكذا تقول لبني إسرائيل اهية أرسلني إليكم 15 وقال اللّه أيضًا لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل الرب إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب أرسلني إليكم هكذا اسمي إلى الدهر، وهذا هو ذكري إلى جيل الأجيال 16 فاذهب اجمع شيوخ بني إسرائيل وقل لهم الرب إله آبائكم استعلن عليّ إله إبراهيم وإله يعقوب الخ).
فالذي ظهر على موسى وكلمه قال في حقه (إني أنا اللّه إله آبائك إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب) ثم قال (اهية اشراهية) ثم أمر موسى عليه السلام أن يقول لبني إسرائيل (اهية أرسلني والرب إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب أرسلني إليكم) وقال (هذا اسمي إلى الدهر وهذا هو ذكري إلى جيل الأجيال) وأطلق عليه في هذه العبارة لفظ اللّه والرب وأمثالهما في أزيد من خمسة وعشرين موضعًا، وأطلق عليه المسيح عليه السلام أيضًا لفظ اللّه كما نقل مرقس في الباب الثاني عشر، ومتى في الباب الثاني والعشرين، ولوقا في الباب العشرين قول المسيح عليه السلام في خطاب الصدوقيين هكذا: (أفما قرأتم في كتاب موسى في أمر العليقة كيف كلمه اللّه قائلًا أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب) انتهى بعبارة مرقس، وهذا كان مَلكًا لما عرفت، ولذلك في أكثر التراجم الهندية والفارسية بدل لفظ اللّه لفظ فرشته الذي هو ترجمة الملك، والآية الأولى من الباب السابع من سفر الخروج هكذا: (فقال الرب لموسى انظر فإني قد جعلتك إلهًا لفرعون وهارون أخوك يكون لك نبيًّا) والآية السادسة عشرة من الباب الرابع من سفر الخروج هكذا: (هو يتكلم مع الشعب عوضك، وهو يكون لك وأنت تكون له في أمور اللّه) فوقع لفظ الإله واللّه في حق موسى عليه السلام، ومن ههنا يظهر ترجيح اليهود على المسيحيين في هذه العقيدة لأنهم مع ادعاء محبتهم لموسى وترجيحه على سائر الأنبياء ما أوصلوه إلى رتبة الألوهية متمسكين بمثل هذه الأقوال.
وفي الباب الثالث عشر من سفر الخروج هكذا: 21 (وكان الرب يسير أمامهم ليريهم الطريق في النهار بعمود سحاب وفي الليل بعمود نار ليهديهم الطريق نهارًا وليلًا 22 لم يزل قط عمود السحاب نهارًا ولا عمود النار ليلًا من قدام الشعب) ثم في الباب الرابع عشر من السفر المذكور هكذا: 19 (فانطلق ملاك اللّه الذي كان يسير قدّام عسكر إسرائيل، ومشى خلفهم وعمود الغمام أيضًا معه فتحوّل من قدام وجوههم إلى ورائهم 24 فلما كان عند محرس السحر نظر الرب إلى محلة المصريين بعمود النار والغمامة وقتل عسكرهم)، وهذا السائر كان ملكًا كما صرح به في الآية 19 وأطلق عليه لفظ الرب على وفق الترجمة العربية ولفظ يَهُواه على وفق الهندية الموجودة عندي، وفي الباب الأول من سفر الاستثناء هكذا: 30 (فإن الرب الإله الذي يسير أمامكم فهو يقاتل عنكم كما عمل في مصر، والكل ينظرون 31 وفي البرية أنت رأيت بعينيك، حملك الرب إلهك كما أنه يحمل الرجل ولده الخ) 32 (ولم تؤمنوا في ذلك بالرب إلهكم 33 الذي سار أمامكم في الطريق، وحدد لكم المكان الذي كان فيه يجب أن تنصبوا الخيام، في الليل يريكم الطريق بالنار، وفي النهار بعمود الغمام)، فجاء إطلاق لفظ الرب الإله في ثلاثة مواضع على الملك المذكور، لأنه كان سائرًا أمامهم وقاتلًا لعسكر المصريين.
وفي الباب الحادي والثلاثين من السفر المذكور هكذا: 3 (فالرب إلهك هو يعبر قدامك الخ) 4 (فيصنع الرب الخ) 5 (فإذا أمكنكم الرب الخ) 6 (فاجترءوا عليهم وتقووا ولا تخافوا ولا ترهبوا إذا نظرتموهم إن الرب إلهك فهو يسير أمامك الخ 8 والرب الذي هو السائر أمامكم فهو يكون معك) الخ. ففي هذه العبارة أيضًا إطلاق لفظ الرب إلهك والرب على الملك المذكور: والآية 22 من الباب الثالث عشر من كتاب القضاة في حق الذي تكلم مع نوح وامرأته وبشرهما بالولد هكذا: (فقال منوح لامرأته بموت نموت لأننا عاينا اللّه) وصرح به في الآية 3 و9 و13 و15 و16 و18 و21 من هذا الباب أنه كان ملكًا فأطلق عليه لفظ اللّه، وكذا جاء هذا الإطلاق على الملك في الباب السادس من كتاب أشعياء، والباب الثالث من سفر صموئيل الأول، والباب الرابع والتاسع من كتاب حزقيال، والباب السابع من كتاب عاموص والآية السادسة من الزبور الحادي والثمانين على وفق الترجمة العربية، ومن الزبور الثاني والثمانين على وفق التراجم الأخر هكذا: (أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلى كلكم) فجاء ههنا إطلاق الآلهة وأبناء اللّه على العوام فضلًا عن الخواص.
وفي الباب الرابع من الرسالة الثانية إلى أهل قورنيثوس هكذا: 3 (ولكن إن كان إنجيلنا مكتومًا فإنما هو مكتوم في الهالكين 4 الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان الغير المؤمنين لئلا تضيء لهم نارة إنجيل مجد المسيح) والمراد بإله الدهر الشيطان على ما زعم علماء البروتستنت، فجاء مثل هذا الإطلاق على الشيطان الرجيم على زعمهم فضلًا عن الإنسان، وإنما قلت على زعمهم لأنهم يريدونه ههنا لئلا يلزم نسبة الإعماء إلى اللّه تعالى، فيلزم كون اللّه خالق الشر، وهذا هو هوس من هوساتهم لأن خالق الشر على وفق كتبهم المقدسة يقينًا هو اللّه تعالى، وأنقل ههنا شاهدين وستطلع على شواهد أخر أيضًا في موضعه.
الآية السابعة من الباب الخامس والأربعين من كتاب أشعياء هكذا: (المصور النور والخالق الظلمة الصانع السلام والخالق الشر أنا الرب الصانع هذه جميعًا) وقال مقدسهم بولس في الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالو نيقي: (سيرسل إليهم اللّه عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سروا بالإثم) ولما كان زعمهم كما ذكرنا والمقصود النقل على سبيل الإلزام فالمقصود حاصل، وهو أن إطلاق إله الدهر جاء على الشيطان والآية 16 من الباب الثالث من رسالة بولس إلى أهل فيلبس هكذا: (الذين نهايتهم الهلاك الذين إلههم بطنهم ومجدهم في خزيهم) فأطلق مقدسهم على البطن لفظ الإله.
وفي الباب الرابع من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا: 8 (ومن لا يحب لم يعرف اللّه لأن اللّه محبة 16 ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التي للّه فينا اللّه محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في اللّه واللّه فيه) فيوحنا أثبت اتحاد المحبة باللّه، وقال في الموضعين اللّه محبة ثم أثبت التلازم هكذا من يثبت في المحبة يثبت في اللّه واللّه فيه، وإطلاق الآلهة على الأصنام كثير جدًّا في الكتب السماوية، فلا حاجة إلى نقل شواهد. وكذا إطلاق الرب بمعنى المخدوم والمعلم كثير جدًّا يعني عن نقل شواهده. التفسير الواقع في الآية 38 من الباب الأول من إنجيل يوحنا هكذا: (فقال ربي تفسيره يا معلم) إذا علمت ما ذكرت فقد حصلت لك البصيرة التامة أنه لا يجوز لعاقل أن يستدل بإطلاق بعض هذه الألفاظ على بعض الحوادث التي حدوثها وتغيرها وعجزها من الحسيات أنه إله أو ابن اللّه، وينبذ جميع البراهين العقلية القطعية، وكذا البراهين النقلية وراءه.